حوار مع فضيلة الشيخ محمد الدويش

الشيخ محمد بن عبدالله الدويش له اهتمامات دائمة ومستمرة بقضايا التربية ممارسةً وكتابة ، يحمل مؤهل الماجستير في آداب التربية ، ويحضر – حالياً – للدكتوراه في نفس المجال ، وله عدة كتب تربوية ، مثل : المدرس ومهارات التوجيه ، وتربية الشباب ، والتربية الجادة ضرورة ، وله عدة محاضرات صوتية مسجلة ومشهورة ، ويكتب زاوية شهرية في مجلة البيان ، والمشرف على موقع : http://www.almurabbi.com/
إدارة التحرير

فضيلة الشيخ/ اهتمامكم بالمجال التربوي كيف كانت بدايته؟ وهل كان وراءه حدث أو موقف حفّز فيكم هذا الاهتمام؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
في بداية هذا اللقاء أحيي الإخوة ومدين لهم بالشكر والتقدير أن أتاحوا لي هذه الفرصة لمثل هذا اللقاء.
ليس بالضرورة أن يكون هناك حدث أو موقف يمكن أن يفسر توجه الإنسان إلى تخصص أو نشاط معين.
أما ما يتعلق بصلتي في التربية فقد كان تخصصي الجامعي في الاقتصاد الإسلامي وكنت اخترت هذا التخصص رغبة في إثراء مثل هذا المجال، وبعد التخرج آثرت أن أتجه للتدريس وحين اتجهت للتدريس ومارست العمل التربوي بدأ يأخذ جزءاً من اهتمامي باعتبار المعايشة فبدأ من وقتها هذا الاهتمام. بدأ في البداية اهتماماً وقراءة وتناولاً ثم أكملت هذا الاهتمام بالتخصص من خلال الحصول على دبلوم تربوي، ثم درجة الماجستير فأصبحت أعايش القضية التربوية من واقع التخصص ومن واقع الاهتمام وإن كنت لا أرضى عن الحصيلة التربوية التي أملكها، وأنه يمكنني أن أقدم للناس شيئاً مفيداً نظراً للفقر الذي تعاني منه الساحة وإلاّ هذا ليس مؤشر تميز كما ذكرتم.

فضيلة الشيخ/ طرحكم لمفهوم التربية الجادة، هل ترون أن خيار الصحوة ملزم بمفردات هذا المفهوم؟
ما يتعلق بمضمون التربية الجادة لا أعتقد أني قدّمت شيئاً جديداً في هذا الموضوع بقدر ما أنني كشفت وأثرت الاهتمام في قضية أعتقد أنها مهمة، ولو كان ما أتيت به شيئاً جديداً جملة وتفصيلا لكنّا بحاجة إلى إعادة النظر فيه، وغاية ما قدمته أنني حشدت وجمعت بعض النصوص وبعض المواقف وبعض الاعتبارات التي تؤكد على أننا ينبغي أن نتميّز في تربيتنا ومن جوانب التميّز التربية الجادة، ثم أتبعتها ببعض الوسائل التي أعتقد أنها تعين على تحقيق هذا الأمر.
أما المصطلح فلسنا بحاجة إلى نقاشه وإلزام الناس به، المهم هو المضمون، والمهم أن تكون التربية منتجة ومحققة للأهداف التي نريد، بغض النظر عن المصطلحات والأسماء.
مداخلة:
إذاً التربية الجادة ضرورية لتصحيح الوضع التربوي؟

أعتقد أنها ضرورة في مستوى البناء ابتداء، ولتصحيح الوضع القائم وتعديل مساره.

حفظكم الله يا شيخ/ يتسم بعض التربويين بالجمود الفكري الذي لا يقبل الحوار مع الآخر ما أسباب ذلك في نظركم؟
أعتقد أن من أسباب ذلك التكوين الثقافي له، فكثير منهم عاش بيئة منغلقة، ولم يعتد الانفتاح على الآخرين، وهذه السمة ليست خاصة بالمربين وإنما هي إفراز لمشكلة موجودة في المجتمع.
كما أن النمط السائد في العمل التربوي الذي يمارس اليوم في الصحوة فيه نوع من الانغلاق والإشغال فيترك ذلك أثره في تفكير بعض الأشخاص.
ومن العوامل وراء ذلك الحرص المبالغ من بعض المربين على طلابهم، فيشعر أحدهم أن انفتاح هؤلاء الطلاب على أشخاص آحرين قد يؤدي إلى نتائج لا يرغبها المربي، ويعتقد أنها تعوق مسيرتهم التربوية
ومن العدل أن نقول إننا الآن كنّا نجد اتجاهاً نحو النضج وتجاوز هذه المشكلة.
مداخلة:
لكنها بدأت كما ذكرتم تتلاشى وتتبدل وتسير نحو الأفضل؟

نعم الاتجاه الآن للنضج كغيرها من الظواهر التي حين تتحدث عنها تجد أن شعوراً مشتركاً بوجودها، وهذا الشعور خطوة نحو تجاوزها.

ما ضوابط التعامل مع المتغيرات المعاصرة في الميدان التربوي؟ وقد سبق أن كان لكم إسهامٌ في هذا المجال؟
أعتقد أن هناك عدة أمور ينبغي أن نضعها في الاعتبار ونحن نتعامل مع التغيرات المعاصرة.
أولاً: المؤثرات التي تتركها هذه المتغيرات يجب أن نضعها في الاعتبار ونسعى إلى وضع تصوّر في آلية التقليل منها وتلافيها.
ثانيا: أن يكون منطلقنا كيف نوظف هذه المتغيرات توظيفاً جيداً وإيجابياً.
ثالثا: المتربون يحتاجون أن نعدهم إعداداً يهيئهم إلى أن يتعايشوا مع هذا الواقع وهذه المتغيرات
رابعا: المربون يحتاجون إلى مهارات وقدرات تتلاءم مع هذا الواقع الذي يعايشونه بمتغيراته.
مداخلة:
وهل هذه المتغيرات تمس التربية من ناحية تعقيدات الواقع نفسه أو الأزمات التي تمر أم أنها شاملة لجميع نواحي الحياة؟

المتغيرات تمس الحياة كلها بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، ونحن جزء من هذه الحياة، والمتغيرات تتفاوت، فمنها ما يمكن أن نتحكم فيه، وكثير منها لا خيار لنا فيه، وخيارنا كيف نتعامل معه.

جزاكم الله خيراً، السؤال المهم عند كثير من المربين: التربية الجهادية ضرورة من ضرورات التربية الجادة، فما أسس هذا النوع من التربية؟ وما ضوابطه؟
لا شك أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وله منزلته العالية في الدين "ومن لم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق" ورأينا كيف كان له أثر في انتشار هذا الدين ونشره في أرجاء المعمورة، لذا كان من المهم الاعتناء بهذا الجانب في تربيتنا.
وهذا الاهتمام المطلوب له عدة مجالات، هناك مجال على مستوى المفاهيم من حيث تعميق هذه المفاهيم سواء الجهاد ومحبته والتعلق به أو على مستوى الضوابط العامة، متى يشرع الجهاد؟ ما هي المواطن التي ينبغي للأمة أن تنطلق فيها للجهاد وما ليس كذلك، الأحكام المتعلقة بموضوع الجهاد كاستئذان الوالدين وعدم استئذانهما إلى غير ذلك.
ومجال آخر يتعلق بتهيئة النفس من حيث الإيمان والتقوى والصلة بالله تبارك وتعالى لأن الجهاد ليس مجرد فورة يندفع إليها الإنسان فهو ميدان طويل والإنسان عرضة لأن يصيبه الانحراف والخلل فيه كما هو في أي موقع آخر وأي مجال آخر، فمن يجاهد فهو عرضة لأن يقع في الأسر في يد العدو وقد يبقى مدة طويلة ووقتاً طويلاً كما نشاهد اليوم طائفة من الشباب نسأل الله عز وجل أن يفرّج عنهم إذا لم يكن الشاب متربياً ومهيئاً تهيئة قوية فإن هذا قد يكون مدعاة لفتنته، أو أن يصاب بمشكلات أو أزمات نفسية، يعني قضايا كثيرة ما لم يكن مهيئاً للتعامل مع مثل هذه المواقف، وهذا يحتاج إلى تربية قوية تهيئة لمثل هذا الأمر
المجال الثالث: الجانب البدني من حيث البعد عن الترف والاستعداد للتحمل إلى غير ذلك.
ثم تبقى آخر خطوة وهي التدريب على السلاح فهذا أمر تراعى فيه المصالح الشرعية. فلا ينبغي أن يندفع إليه كل شاب وفي النهاية يقعون في أزمات ومشكلات، فيصنفوا على أنهم يريدون إثارة الفتن والمشكلات في المجتمع فيكون هذا مدعاة للبطش بهؤلاء ومضايقتهم، وليس الأمر مرده أن الإنسان لن يتحمل الأذى لكنه يتجاوزه إلى أنه يؤدي إلى انحسار كثير من المجالات والميادين الدعوية.
المقصود أن كل هذه الأمور ينبغي أن توضع في إطار الفقه الشرعي، فالجهاد أمر معقول المعنى أمر شُرع لإعلاء كلمة الله وحينئذٍ في كل تعاملنا مع مفردات كل هذه القضية ينبغي أن نراعي هذا الاعتبار فقد تكون بعض الممارسات مدعاة لأن تعوق الدعوة فحينئذٍ لا تكون مشروعة ولو كنّا نعتقد أنها عملٌ جهادي.
مداخلة:
فضيلة الشيخ هناك إشكالية تحدث من جهة المربي نفسه عندما يتحدث عن هذه القضية ويريد كما ذكرتم غرس هذه المفاهيم أحياناً يحصل نوع من الحماس والاندفاع فكيف يضبط هذا الحماس والاندفاع في هذه القضية خاصة أنه قد يتهم إذا وقف أمام هذا الحماس؟

نعم هناك بعض المربين تولدت لديه نتيجة هذه المشكلات ردة فعل حتى من مصطلح الجهاد، وهذا الموقف المتطرف ضد الجهاد علاوة على كونه خطأ فهو يزيد من اندفاع الآخرين والأمر يحتاج إلى توازن، الحماس حينما يكون في دائرته مطلوبٌ ولا ينبغي أن نلغيه لكن ينبغي أن نوجهه.

وهذه القضية أعتقد أنها تحتاج إلى قدر من التربية يتجاوز مجرد الوقوف عند القضية الجهادية وحدها بل نحن بحاجة أن نعوّد الشاب كيف يضبط حماسه كيف يوجهه بطريقة صحيحة أيضاً نحن بحاجة إلى أن يكون تفكير الشباب تفكيراً بعيداً وليس مجرد تفكيرٍ لحظي.
خذ على سبيل المثال قضية الإعداد للجهاد هي قضية على مستوى الأمة تتطلب أن يوجد في الأمة مخترعون، وتتطلب أن يوجد في الأمة طاقات قادرة على تصنيع السلاح، وطاقات تملك خبرات عسكرية حديثة.
والتدريب الذي يهتم به الشباب اليوم هو في إطار قضايا محدودة... إطلاق أسلحة من رشاشات، من مدافع خفيفة، أعمال تفجير، هذه تؤدي مهاماً محدودة لكن الجهاد الذي يفترض أن تهيأ له الأمة أكبر من هذا، الحروب تدار بطائرات بدون طيار، وتوجه بأجهزة الحاسب الآلي، ومن ثم فمن أهم مجالات الإعداد أن يكون الشباب جادين في حياتهم يتفوقون في تحصيلهم الدراسي، يتجهون إلى كافة التخصصات التي تحتاجها الأمة فيسهموا في إعداد الأمة كلها للجهاد، والمشروع يجب أن يتجاوز أن نوجد عند الشباب هذا التفكير، إن الإعداد للجهاد ليس مرهوناً بمجموعة من الشباب نراهن على أنهم هم الذين سيحسمون قضية الأمة، الأمة كلها يجب أن تهيأ لهذا الأمر، والإصلاح يجب أن يكون إصلاحاً واسعاً شاملاً، فالوضع الاقتصادي للأمة لا ينفصل عن الجهاد مثلاً، والتصنيع والتسليح مرتبط بالوضع الاقتصادي، وحينئذٍ إيجاد خبرات اقتصادية وخبرات في ميدان التصنيع وفي ميدان الإدارة كل هذه في النهاية تصب إلى أن تكون الأمة مؤهلة فعلاً للجهاد ، والجهاد الذي نراهن عليه هو الجهاد الذي تقوم به الأمة ككل وليس مجرد أن يقوم به مجموعة من الأفراد.

بارك الله فيكم، الملل ونفاذ الصبر أمراض تطرأُ على بعض من يمارس التربية.
هل من أسباب وراء هذه الظاهرة؟ وكيف يمكن علاجها؟

من أسباب هذه الظاهرة طبيعة النفَس القصير، فنفسنا قصير وكثير ما نستعجل الأمور، وتسيطر علينا الرؤية القريبة.
يضاف إلى ذلك طبيعة النتائج في العمل التربوي، فهي كثيراً ماتكون غير منظورة خاصة لمن يعايش المتربين يوماً بعد يوم فأنت حينما تلتقي بشخص اليوم، ثم تلتقي به بعد ستة أشهر تستطيع أن ترى آثار هذا التغير، أما الذي يلازمه كل يوم فلا يظهر عليه هذا الأثر.
ومن ذلك اكتشاف المشكلات فهي تسبب إزعاجاً لدى المربي لحساسيته مع من يربيهم، ولعمق حرصه عليهم، فيؤدي به تراكم المشكلات إلى الشعور بالإحباط والملل.
مداخلة:
فضيلة الشيخ، ذكرتم ضمن الأسباب طريقة علاج هذه القضية خاصة أنها شكوى من بعض المربين مع مرور الوقت بعد سنة، سنتين، ثلاث سنوات يتحمس مع القضية بداية ثم يفتر هل للسن مثلاً دور في ذلك؟

السن له دور لكن نحن بحاجة إلى أن يكون عندنا وضوح في مهمتنا التربوية إلى أين سنصل؟ متى نصل؟ وفي تكوين المربين أنفسهم أن يكون عندهم بعد نظر وسعة أفق، وأن توجد آلية لقياس النتائج.
ومما يتأكد هاهنا أن يكون للمربين إعداد متواصل وبرامج ارتقاء فهذا سيخدمهم من جانبين أولهما تغيير طريقة نظرتهم للأمور وثانيها أن الإعداد المتواصل لهم سيؤدي إلى تلافي عيوبٍ وأخطاء مما يجعل لهم إنتاجاً يدركون أثره.

فضيلة الشيخ، كثير ممن يمارس العمل التربوي يأنف من الإعداد للبرامج وصياغة الأهداف (يأنف من التنظير التربوي) ويطالب بمباشرة التطبيق التربوي بدعوى تضييع الوقت في التنظير على حساب التطبيق. فما رأيكم؟
هذه الظاهرة السلبية جزءٌ من مشكلة نعاني منها فنحن لا نملك جَلَداً في القضايا الفكرية ولا نجيد التفكير والتحليل، وغالباً مانجيد الحديث والكلام العاطفي والعمل البدني أكثر من العمل الفكري والتخطيط.
وطبيعتنا في الحياة تقوم على التلقائية والاستعجال للنتائج، والعامل الزمني من أهم متطلبات التخطيط .
هذه العوامل أعتقد أنها هي التي يمكن أن تفرز مثل هذا اللون من العمل لكن آثاره خطيرة، فحين تعمل دون تخطيط فسوف تشعر بعد فترة أنك قطعت مراحل في غير الطريق الذي تريد، وحينئذٍٍ تحتاج إلى جهد حتى ترجع وترمم الآثار السلبية ثم جهد آخر في البناء.
مداخلة:
البعض يدعي يا شيخ فيقول: الخطط أو البرامج واضحة في الذهن فهل يلزم صياغة هذه الأهداف والبرامج وكتابتها أم أنه يكفي أن يضع في ذهنه شيئاً معيناً أو تاريخاً معيناً وما أشبه ذلك؟

المشكلة ليست في البرامج، نحتاج أولاً إلى رؤية شاملة ثم نحتاج إلى أهداف تقودنا لنحقق هذه الرؤية، والبرامج غاية ما فيها أنها وسيلة لتحقيق هذه الأهداف.
وغاية مايحققه وضوح البرامج أننا نعرف ماذا نريد أن نعمل، لكن لماذا نعمل ذلك؟ وكيف نقدمها؟ وماذا حققت؟ ما هو الجانب الذي فيه قصور؟ كل هذا لن يتضح لنا ونحن نمارس هذا الأسلوب من العمل التلقائي.

جزاكم الله خيراً، التربية بالموقف من معالم التربية النبوية فكيف يفعّل ذلك في صفوف المربين من وجهة نظركم؟
أعتقد أن المربين بحاجة إلى دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم واستجلاء كثير من هذه المواقف، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يمارس التربية بالمواقف من خلال المواقف الفردية وهو مع آحاد الصحابة، أو من خلال المواقف العامة.
ومن وسائله صلى الله عليه وسلم في ذلك التعليق على الموقف سواء أكان تأييداً أم تسديداً.
ومن الوسائل ربط الموقف بقضايا أخرى، كما قال حين رأى امرأة من السبي تبحث عن ولدها: "الله أرحم بهذه من ولدها". ولما رأى الجدي الأسك قال: "الدنيا أهون على الله من هوان هذا عليكم" إلى غير ذلك.
ومن الوسائل إتاحة مواقف عملية تربي الناس ولعل الميادين العملية التي ربّى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من خلال إرسالهم لمهام دعوية، ومن خلال تكليفهم بالتعليم، والجهاد كل هذه الأمور كان لها أثر كبير في تربية الناس.

فضيلة الشيخ، يعاني بعض المربين من الجمود أو الضعف والتقصير في العمل التربوي (ضعف الإبداع والتطوير) فهل من سبيل للارتقاء بالعمل التربوي وتطويره؟
أعتقد أن المشكلة أكبر من مجرد اختفاء الإبداع والابتكار، المشكلة أننا بحاجة لرؤية تربوية واضحة وكثير من العمل التربوي الذي نقوم به يتم بعملية تلقائية غير واضحة المعالم وغير محددة فنحن بحاجة إلى أن يعرف المربون ماذا يريدون بالتحديد، وأن تكون لهم أهداف واضحة.
وهذا يتطلب منّا إشاعة الثقافة التربوية المتخصصة الناضجة، ويتطلب منّا إعداداً جيّداً للمربين، ويتطلب منّا مواصلة الارتقاء بالمربين حتى يتأهلوا لمثل هذا العمل ليكون أكثر إنتاجاً.
مداخلة:
في ظل هذا السؤال يا شيخ. كيف ترون العمل التربوي القائم الآن وكيف تقيّمونه؟

العمل التربوي حقق نتائج تفوق إمكاناته وتتجاوز خبرات العاملين فيه، وهو مع ذلك كسائر الجهد البشري يحتاج إلى مراجعة من خلال الاعتناء بالجانب المتخصص ووضوح الرؤية وتحديد أهداف واضحة، وتجاوز التلقائية، والاعتناء بعناصر المربين.
لكن مما يريح كثيراً أن هناك شعوراً بأهمية هذا الشيء وتساؤلاً واسعاً حول أساليب الارتقاء به، وهذا يختصر علينا خطوات كبيرة.

جزاكم الله خيراً، في رأيكم، ما الجوانب التي لا بد من اجتماعها في شخص ما حتى يكون قدوة في المجال التربوي؟
يمكن أن نقولها باختصار هي صفات المسلم، فيكون متميزاً فيها من حيث ورعه وتقواه وسلوكه وإنتاجه، فإذا تحققت فيه صفات الإنسان المسلم بشكل جيّد فحينئذٍ تأهل أن يكون قدوة، والقدوة ليست أمراً متكلفاً إنما هي سمات تتأصل في شخصيته فيصبح الاقتداء به أمراً تلقائياً.
مداخلة:
وهل لكم تعريج على القدوة الحية وأثرها في المجتمع وجانب التربية عموماً؟

القدوة الحية مهمة جداً وتأثيرها أكبر بكثير من أثر الكلام النظري، فحين نتحدث مع الناس عن حسن الخلق يبقى مفهومه عائماً يفهمه الناس من خلال سلوكنا وممارستنا.
فتبقى القدوة لها أثر في تجلية المفاهيم ووضوحها، كما أن لها أثر في إقناع الناس بإمكانية هذا الأمر، فحين تحدث الناس عن أمرهم يعجبهم لكن قد يشعرون أنها قضايا مثالية أما حينما يرون النموذج الحي فسيعطيهم ذلك الاقتناع بإمكانية التطبيق.

الخاتمة:
جزاكم الله خير الجزاء يا شيخ ونشكر لكم ما قدمتموه، وختاماً نترك لفضيلتكم مجالاً لطرح ما تريدون.

وصيتي للمربين أن يتقوا الله عز وجل في عملهم وليس تقوى الله مجرد الاجتهاد في تنظيم البرامج، إنما يشعرون أنهم يتحملون أمانة صعبة ويتولون مسئولية الشباب في مرحلة خطيرة من أعمارهم حينئذٍ أرى أنه ليس صحيحاً أن يتعلموا بالمحاولة والخطأ إنما هم بحاجة إلى بذل جهد في بناء أنفسهم بناءً صحيحاً والارتقاء بها وأن يكون العمل التربوي أمراً يتجاوز مجرد الخبرات الشخصية المحدودة.

وجزاكم الله خيراً على هذا اللقاء ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم ويبارك في جهودكم.