سيرة شخص عظيم

يعجز القلم عن الكتابة في سيرة شخص عظيم كأبي عمر رحمه الله فقد كان مثالَ الداعية الذي يحمل هم الإسلام ويغار على حرماته، فقد كان مربياً مصلحاً ومعلماً فاضلاً ومجاهداً صابراً في ساحات المعارك على أرض أفغانستان ثم مجاهداً في الدعوة في مجتمع قبلي يقل فيه العلم مع ندرة الدعاة ثم مجاهداً في مرضه الذي توفي فيه رحمه الله..
مولده ونشأته:
هو الشيخ المربي نايف بن نغيمش بن عقاب الدويش من شيوخ قبيلة مطير المعروفة ولد في غرة رجب من عام1376هـ في محافظة قرية العليا وهي بلدة تقع في أطراف الصمان الشمالية الشرقية تابعة للمنطقة الشرقية يشتغل غالب سكانها بالزراعة والرعي.
أخلاقه وصفاته:
كان رحمه الله تقياً ورعاً متواضعاً حسن المعشر دائم الابتسامة يهابه من يراه فإذا خالطه أحبه ذو ذكاء وفطنة وفراسة لا تكاد أن تخطئ وعرف رحمه الله بالشجاعة والكرم يناصر الضعفاء ويقضي حاجة الفقراء والمساكين وكان رحمه الله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لا يخاف في الحق لومة لائم ومع هذا فقد كان رحمه الله واسع الإطلاع ذا فقه للواقع كثير المعرفة مهتماً بشئون المسلمين.

دراسته وتعليمه:
بعد انتهائه من دراسة المرحلة الثانوية التحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض عام 1401هـ ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية قسم كلية الدعوة وأصول الدين وتخرج منها عام 1405هـ..
جهاده ونشاطاته:
في أثناء دراسة الشيخ الجامعية كانت تمر بالأمة الإسلامية أحداث عظام تفت في عضدها ومن تلك الأحداث غزو الاتحاد السوفييتي على بلاد الأفغان وأثر ذلك العدوان في نفسه رحمه الله فما كان منه إلاّ أن أجل السنة الثالثة من دراسته الجامعية وعزم على المشاركة في نصرة إخوانه هناك فحزم أمتعته وودع أهله تاركاً حطام الدنيا وراءه وذلك في عام 1403هـ وعند وصوله إلى باكستان توجه إلى منزل الشيخ عبد الله عزام رحمه الله مدير مكتب خدمات المجاهدين آنذاك فبعثه الشيخ إلى معسكرات المجاهدين الأنصار وشارك في العديد من المعارك الحاسمة كفتح جلال أباد وخوست وقاد فتح (لوقر) ولهذا لقبه الشيخ الدكتور عبد الله عزام رحمه الله ب (أسد لوقر).
ودامت مدة جهاده ما يقارب ستة أعوام حتى تمكن المجاهدون من هزيمتهم ودحرهم، وحين أصبحت الحرب أهلية اعتزل الفتنة وتفرغ لنشر العلم وتعليمه..
وفي عام 1409هـ عاد إلى باكستان وكان برفقته زوجته حيث أنشأ معهداً شرعياً في بيشاور وتولى إدارته لمدة 3 سنوات ونصف ووكيله الشيخ محمود الخزندار – رحمه الله – صاحب كتاب (هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقاً) وقد تكفل الشيخ نايف رحمه الله بطبعه وإخراجه..
وفي عام 1413هـ شارك في إغاثة شعب الطاجيك المسلم الذين تعرضوا للعدوان الروسي وجمع لهم التبرعات.
عودته إلى السعودية والمشاركة في العمل الدعوي:
عاد رحمه الله بعد إعارته ثلاث سنوات إلى عمله معلماً في المنطقة الشرقية وشارك في تأسيس الأنشطة الطلابية في الظهران والخبر والدمام وتخرج على يديه عدد من الدعاة هناك.. بعد ذلك رأى رحمه الله أن في المنطقة اكتفاءً بالدعوة فطلب نقله إلى محافظة قرية العليا للمشاركة في الدعوة وعُين مديراً لمتوسطة وثانوية قرية لمدة عشرة أعوام ثم أصبح مشرفاً تربوياً في قطاع الصمان لمدة ثلاثة أعوام..
دعوته في بلدته:
عندما أتى رحمه الله إلى بلدته قام بأعمال جليلة منها:
- قام بتأسيس حلقات تحفيظ القرآن الكريم للطلاب.
- عمل على إيجاد محاضن تربوية للشباب تقوم على توعيتهم وتعليمهم وفقاً للمنهج الصحيح وتربيتهم لحمل هم الإسلام والدعوة إليه.
- بذل جهده لتوعية المجتمع وتعليمه وذلك من خلال إلقاء المحاضرات والدروس العلمية والتربوية.
- أنشأ داراً نسائية خيرية لتحفيظ القرآن الكريم (مدرسة زينب بنت جحش الخيريه) تعنى بتعليم القرآن الكريم والسنة النبوية وقام على تدريب كادر المركز بإلقاء المحاضرات والدروس التربوية.
- سعى على نشر وسائل الإصلاح في المجتمع كالمقالات والمجلات الإسلامية الهادفة وقناة المجد الفضائية..
- كانت له جهود واضحة وجبارة في إنكار المنكرات ومحاربة الفساد.
- كان يساعد الأرامل والمساكين ويساهم في كفالة الأيتام ورعايتهم.
- كان يسعى في جمع التبرعات من المحسنين لدعم وتمويل المناشط الدعوية المختلفة وإن تعذر دفع من ماله الخاص.
مرضه ووفاته رحمه الله:
أُصيب رحمه الله في عام 1425هـ بمرض في الأعصاب يسمى (التصلب الضموري العضلي الجانبي) وقد بدأ أول ما بدأ في يده اليسرى ثم اليمنى ثم انتقل للقدمين مما جعله مقعداً على كرسيه المتحرك ثم لم يعد يستطيع الأكل إلا عن طريق أنبوب للغذاء متصل بالمعدة ثم تطورت حالته تدريجياً فأصبح لا يستطيع الكلام مطلقاً وأصبح لا يستطيع التنفس إلا عن طريق جهاز للأكسجين..
وإن من العجيب في شخصيته رحمه الله أنه لم يغب عنه طوال فترة مرضه هم نشر الدعوةومتابعة أخبار المسلمين في أفغانستان والعراق والشيشان وفلسطين..
وكان يقول رحمه الله دائماً عندما يسأل عن مرضه..هذا المرض نعمة من الله وإني في نعمة عظيمة والحمد لله على ذلك..
توفي رحمه الله بعد معاناة مع المرض في ليلة السبت التاسع من شهر رمضان المبارك عام 1428 هـ في الساعة التاسعة وصُلي عليه بعد صلاة الفجر وكانت جنازته جنازة مهيبة لم تشهد المنطقة مثلها من قبل..
وختاماً كان غفر الله له ورفع منزلته مثالاً يحتذى وقدوة في غالب شؤونه بل إنه نذر نفسه وماله في سبيل الله حين قال: (نذرت على نفسي أن أكون خادماً لكتاب الله ولفقراء المسلمين وللدعوة)، والناظر في سيرته يرى صدق مقولته فكانت حياته وقفاً لله سبحانه وتعالى...
ورحم الله الشافعي حين قال:
لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد فذ يموت بموته خلق كثير
اللهم أسكن أبا عمر فسيح جناتك وارفع منزلته واجمعنا به في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً..
في رثاء الشيخ المربّي الفاضل نايف نغيمش الدويش المطيري رحمه الله:
وقد أحيا الله تعالى به نواحي أطراف الصّمان بالدعوة، وأسس حلقات لتحفيظ القرآن، وتربى على يديه كثيرٌ من الدعاة والمصلحين، رجالا ونساء، إلى جانب الجود والإحسان على الفقراء، والمساكين، واليتامى، والأرامل، إلى أن ابتُلي ـ وإذا أحبَّ الله عبدا ابتلاه ـ بمرض في الأعصاب، أصابه بالشلل، ثم انتهى به المرض، بانتقاله إلى بارئه، ليلة السبت التاسع من رمضان من هذا العام، فكثر الباكون عليه، وشاع الحزن، وصلى عليه المسلمون في جنازة مهيبة، وكان إلى قُبيل موته، وعلى فراش الموت، يسأل عن أحوال المسلمين، ويهتم لشؤونهم في أقاصي الأرض في فلسطين والعراق وأفغانستان.