رمـضـان فرصة للتغيير

مفهوم التغيير

إن تغيير الإنسان ليتحول إلى (إنسان مستقيم وفعال) هوهدف عملية التغيير الإسلامي، والتي تتم من خلال عملية شاملة تربوياً ومجتمعياً وإعلامياً إلا أن التغير بمفهومه العام، هو التحول من حال إلى حال، إما بشكل جزئي أو كلي، سواء كان تحولا إيجابياً،أم سلبياً، سنة كونية قائمة، سواء على مستوى الفرد، أم المجتمع، أم الدولة، أم العالم والكون كله.

فالفرد يمر بمراحل التغير الخلقي، ويتبعه تغير في المعرفة والفهم والسلوك اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُالروم: ٥٤

والأسرة تمر كذلك بمراحل تغير وتحول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء: ١

والأمم كذلك تتعرض لهذه السنة الكونية الثابتة: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَآل عمران: ١٣٧

بل الكون كله خاضع لهذه السنة: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِإبراهيم: ٤٨

يقول ابن خلدون: ( إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، إنما هو الاختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأبصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول، سنة الله التي قد خلت ) المقدمة/24.

فالتغيير في حد ذاته لا يتعلق به حسن أو قبح، باعتباره سنة كونية، لكن نوع التغيير هو الذي يتعلق به الحسن أو القبح.

غير أن القرآن الكريم يعرض معنى محدداً للتغيير في عدد من الآيات الكريمة، فقد ورد لفظ التغيير في قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌعَلِيمٌ الأنفال: ٥٣

وفي قوله سبحانه: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍالرعد: ١١

وبالتأمل في الآيتين السابقتين، يظهر أن لفظ التغيير فيهما ينصب على المعنى السلبي، فقوله سبحانه: ( لم يك مغيراً نعمة أنعمها ) يعني من الأحسن إلى الأسوأ، وقوله سبحانه: ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) يعني ما فيها من الخير إلى السوء، كما يذكره المفسرون، قال الشوكاني –رحمه الله-: ( عادة الله في عباده عدم تغيير نعمه التي ينعم بها عليهم، (حتى يغيروا ما بأنفسهم ) من الأحوال والأخلاق بكفران نعم الله وغمط إحسانه وإهمال أوامره ونواهيه)[1].

فكأن الفطرة والخير والاستقامة هي الأصل في السنة الشرعية، والتحول عنها هو التغيير، وبالتالي فلا تسمى العودة إليها بعد تركها والبعد عنها، فضلا عن التمسك بها تغييراً، لأنها أصل، كما أن النعمة ورغد العيش وغير ذلك من الفضل الإلهي هو الأصل كذلك في السنة الكونية، والتحول عنه إلى ضده تغيير، كما يفهم من ذلك أن التغيير لا يكون بالعودة إلى الأصل، وإنما بالتحول عنه، وهذا معنى مفيد في تتبع مسيرة التغيير في المجتمع ومآلاته القدرية المؤلمة..



 

عوامل التغيير

 

لاشك أن الإنسان في حياته دائما إلى التغيير من ذاتــه وتطويرها إلى الأحسن وذلك يتطلب عزيمة صادقة ورغبة جادة مع استغلال الوقت فيما يعود عليه بالنفع وتحقيق ذلك يكون بعوامل أهمها:

-                    الطموح والرغبة في الوصول إلى أعلى المراتب في الدنيا والآخرة عامل ملح للتغيير

إذا غامرت في شرف مروم فــلا تـقـنع بـما دون الـنجوم
فـطعم الـموت في أمر iiحقير كـطعم الموت في أمر عظيم

فالتأثير الحقيقى لا يكون نابعاً إلا من داخل الإنسان نفسه ، هذا لأن الإنسان هو المحرك الوحيد لتصرفاته، لذا فإن الرغبة فى التغيير يجب أن تكون مصحوبة بإرادة قوية وصامدة أمام المؤثرات والمصاعب والمشاق التى تقتل عملية تحقيق التغيير للأفضل، ومن مؤثرات قاتل الرغبة؛ لأن حقيقة التغيير تبدأ من الإنسان نفسه كما جاء في قول الله تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (سورة الرعد /11).

-                    الدعاء وطلب العون من الله تعالى في كافة الأمور كلها

إذا لم يكن عون من الله للفتى فـأول مـا يجنى عليه اجتهاده

-                    ومن العوامل المهمة في التغيير الركوب في بحر العلم والغوص في أعماقه وقطف ولو شيء من ثماره كما قال الشاعر:

ومـن لـم يذق طعم التعلم ساعة... تجرع كأس الجهل طول حياته

-                    ومن أفضل العوامل وأنفسها من عوامل تغيير الذات هو تربية النفس وتهذيبها على علو الهمة كما قال القائل:

والنفس راغبة إذا رغبتها ........وإذا تـرد إلـى قـليل تـقنع

-                    ولعل أكثر عناصر التغيير إيجابية وثمرة هو كثرة القراءة والاطلاع فهي الغذاء الناجع للعقول وصدق القائل:

وكيف يكون في البستان غرس ...إذا مــا عـطـلت عـنـه الـسواقي .

يقول سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز يرحمه الله وهو يقول: إذا كانت الروح تعمل فالجوارح لاتكل ).



 

عوائق التغيير

 

-                    التمسك بالعادات والتقاليد , يقول الله تعالى : }وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23)قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ ءَابَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24){ (الزخرف : 23 – 24) .

-                           الجهل : من لا يعرف ما هي اهدافه ... ما هو الطريق الذي ستسير فيه لا يمكن أن يسعى للتغيير ،  فالإنسان يحتاج علم في التغيير يحتاج ثقافة في التغيير يحتاج إلى سير الأنبياء، ونحتاج إلى من يساندنا من يعيننا، فالإنسان يحرص أن يكون له مؤيدين ... فبالتخطيط يتم عملية التغيير بطرق أسرع ....

-                    الخوف على المصالح المادية أو المعنوية , والتوهم بأن التغيير سيكون سبباً في فقد بعض الامتيازات أو المكاسب .

-                    عدم المشاركة في إعداد وتنضيج المشروع التغييري , إذ إن المشاركة في إعداد التغيير حافز للتمسك به والدفاع عنه , والعكس صحيح .

-                    الخوف على المكاسب الخوف على العلاقات الخوف من المجهول الخوف من المعارضة ((( فمن لا يعارض لن يغير فمن يرغب في ارضاء الجميع لن يغير فبالتغيير سيحصل خسائر في العلاقات))) لأن التغيير قد ينطوي أحياناً على مخاطر حقيقية وواضحة , لا سيما تلك المخاطر التي تمس قيم الفرد ومبادئه ومعتقداته.

-                    عدم الاقتناع بالتغيير المراد إجراؤه أو ببعض جوانبه .

-                    عدم وجود مبررات وجيهة أو حجج كافية للتغيير المراد اتخاذه .

-                    عدم وضوح صورة التغيير أو الجهل بحقيقته وأهدافه وإجراءاته وجوانبه الأخرى.

-                    الإمعية والتقليد الأعمى للآخرين .

-                    التكاليف البشرية والمادية الباهظة للتغيير .

-                    الخوف من عدم القدرة على التكيف مع متطلبات هذا التغيير , فقد يحتاج التغيير إلى مهارات معينة أو خبرات محددة أو قدرات متميزة لا تتوفر عند بعض الأفراد .

-                    الارتياح مع الواقع الحالي والاقتناع به .

-                    التشبع واليأس والإحباط وربما الملل من كثرة التجارب التغييرية الفاشلة .

-                    العناد .

-                    سوء العلاقة مع المغير .

-                    تنافس الأقران



 

هل التغيير ملح؟

 

التغيير سنة إلهية، فلو كان الأمر لا يستدعي تغييرا ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين هو الوضع المثالي الممتاز الذي يجب أن يبقى عليه الناس إلى قيام الساعة ، إذا ما الذي جعل الناس يتغيرون ؟ كان العدل موجودا والحقوق محفوظة والدين قائما والمصالح عزيزة، ومع ذلك حصل التغيير ، وحصل التغيير بسرعة أيضا يعني بين عهد أبو بكر وعمر إلى عهد علي رضي الله عنه، لما علي قالوا له : نبايعك على كتاب الله أو سنة رسول -صلى الله عليه وسلم- وعلى طريقة الشيخين ، قال : اما كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فنعم ، أما على طريقة الشيخين فإنه قد جد من الأمور ما لم يكن موجودا في عهدهم وعصرهم .

إذن: التغيير يحصل والتغيير سنة والتغيير قدر وحتم ليس منه بد ، إنما الفرق هو بين من يعي هذا التغيير ويدرك أنه ليس تغييرا إيجابيا بالضرورة ، بل فيه جوانب سلبية ، إنما كيف نتدبره ، كيف نديره ، كيف نقلل من السلبيات.. وبين آخر يظن أن هناك وضعا ينبغي أن يدوم وألا يتغير فيظل متصلبا مثل ذلك الإنسان الذي وكل بحراسة الباب ، ولما طال عليه الأمر حمل الباب على كتفه وذهب به ، لانه ظن أن القصة هي المحافظة على الباب وليست المحافظة على البيت الذي يكون هذا الباب مدخلا له، اقول : الكثيرون عندهم مشكلة كبيرة في فهم التغيير ، التغيير سنة إلهية ليس فقط إلى الأفضل ، التغيير قد يكون إلى الأسوأ ، هو أمر يقع ويجري ، ليس في هذه الدنيا شيء ثابت ، الله عز وجل لما يقول (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن : 29) ويقول سبحانه: ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ) (الانشقاق :19) يعني حلا بعد حال ، انظر إلى حال الفرد من الطفولة إلى الشباب إلى الهرم إلى الشيخوخة إلى الموت ، وهكذا حال المجتمعات في سياساتها في اقتصادياتها في صحتها ، في ثقافتها ، التغيير قدر وضرورة وحتم ،وإنما القصة هي كيف نستوعب هذا التغيير فنفهمه كيف نقرأه بصورة جيدة وكيف نشارك في صناعته بدلا من ان نجعل التغيير يفعل فينا فعله نحاول نحن أن نساهم في صناعة التغيير وفي توجيه دفته إلى الناحية السليمة .

والمجتمع إذا وجد أنة هناك من يحاول التغيير الإيجابي فقد لا يتقبل هذا التغيير ، فئة من الناس، لماذا ؟ لأنهم يقرأون التغيير القصري الذي يحدث ، يعني لا أحد في مجتمعنا السعودي مثلا أو مجتمع الإسلامي بشكل أوسع لا أحد يتجاهل التغييرات السلبية العميقة من جراء انفتاح الفضاء والانترنت والتواصل والعولمة والتي تعمل اختراقات عميقة في عقول وسلوك بناتنا وشبابنا حتى في ملابسهم ، أو اللغة التي يستخدمها ، هناك تغييرات تطال عمق هذه الأشياء ليس هناك أحد يتجاهل هذا لأنك تلاحظ في بنتك أو ولدك أو جارك أو صديقك أو حبيبك ولكن لا أحد يفكر أنه بالإمكان أن نتدارس فيما بيننا صيغة إيجابية ، هذه الصيغة الإيجابية قد يكون فيها تنازل عما في طموحنا وعقولنا ، ولذلك أقول أنه حتى التنازل هو فن يعرف الإنسان متى يتنازل وكيف يتنازل ، ممكن تقدم تنازل لكن بعد فوات الأوان ، ولا يكون هذا التنازل مفيدا ، ويمكن أن تكون متصلبا يعني مصرا على مواقف معينة وسلوك معينة وتقاليد معينة فتكون النتيجة أن تخسر هذه الأشياء كلها ، فالذي يحافظ على كل شيء يخسر كل شيء .

يمكن إحنا ذكرنا مرة مثلا في الثابت الديني هو المحتكم إليه في المعيار وفي ما يختلف فيه ، قال سبحانه (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )(النساء : 59)الثابت الديني هو الجوهر وهو الأصل وهو الذي يحافظ على وجودنا وعلى كينونتنا ، وما رمضان وما العشر والقيام والقرآن وما الصلاة والزكاة والحج والعمرة وما الأخلاق الإسلامية إلا جزء من هذا الثابت الذي لا يتغير ولكن قد يطرأ التغير عليه من جهة التقصير يعني وجود اختلالات عند الناس في هذه المعاني ، وهذا التقصير يستدعي مني كمسئول أو كأب أو كقائد أن أغير في لغتي ، وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول "يجد للناس من الأقضية بقدر ما يجد لهم من الفجور" كهذا الذي يحدث من تغيرات في أحوال الناس ليس فقط أن أقابله بالاستنكار والرفض والشجب ، وإنما ينبغي أن أتعامل معه وأعرف كيف بصورة صحيحة وسليمة ، لكن المشكلة الثانية أن هذه الثوابت تختلط أحيانا بأشياء اجتماعية ، بقيم ، باجتهادات فردية ، بفروع مذهبية وتصبح هذه الأشياء كما يقولون عبارة عن باكدج معنى مشترك مخلوط من كل هذه الأشياء والإنسان يتمسك بها كلها على حد سواء من دون أن يستطيع أن يفرق بين ما يتغير من وقت إلى آخر وما لا يتغير ، ذكرت لك مرة قضية الخلافة الراشدة والتي هي في الأصل محكم وثابت ولكنها زالت بعد 30 سنة فقط من موت الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، هنا ما الذي حدث هل الصحابة ظلوا يقيمون المناحات ؟ يعتبرون أن التاريخ انتهى أم أنهم تعاملوا مع الواقع الجديد ولو كان أقل كفاءة وأقل جودة من الواقع الماضي ، لكنهم تعاملوا مع الواقع الجديد باعتباره واقعا قائما ، ولم تظل القصة رفض أو استنكار ،أو عدم قدرة على التكيف ، التكيف لا يعني الذوبان ، لا يعني التخلي عن المعنى الجميل أو المعنى المثالي ، المحافظة على مقصده إذا فات أصل وجود نظام الخلافة المحافظة على مقصده الذي هو إشاعة العدل والسلام بين الناس والحفاظ على أموالهم وعلى حقوقهم ، كذلك في الجانب الفقهي ، ذكرت لك مرة قضية المذاهب الفقهية وهي من المتغير الذي لم يكن موجودا في عهد الصحابة وما كان عليه الصحابة هو كان خير وأفضل لكنه ليس سرمديا ، ليس قابل للاستمرار إلى ما لا نهاية ، فكانت هذه المذاهب هي أفضل الحلول للانفتاح ، التغيير الاجتماعي ، هل تعتقد أن مثلا الفتوح وتداخل العرب مع غيرهم لم يحدث أثرا اجتماعيا في علاقات الزواج والحب والمشاعر والأحاسيس ؟ أبدا ، وما قصة الجواري مثلا في المجالس والعلاقات وأشياء من هذا القبيل إلا نموذج ، حتى التغير اللغوي يعني صفاء اللغة العربية اللي كان موجودا حتى كان العلماء يحتجوا بكلام العرب ، وكلام الأعراب أيضا في الصحراء تغير هذا أيضا بسبب اختلاط اللغات ، يعني مجرد أن يتوقع الإنسان أن الواقع الذي هو فيه يجب أن يظل فيه هذا لا يحدث لان هذا مناقض للسن ، ولهذا يمكن الرسالة الجوهرية أنا أقول للناس أن التغيير حتم وضرورة وقدر لا مفر منه ولكن علينا أن نتدبر كيف نتعامل مع التغيير ، أن نقرأ المتغيرات قراءة سليمة ، قراءة جيدة ، المتغيرات القسرية التي لا نستطيع أن والمتغيرات الإيجابية بمعنى أن نفعل باختيارنا نحن بعض الأشياء.



 

من أين يبدأ التغيير؟

 

التغيير شأن عظيم والكل يتحدث عن التغيير ، إلا أن محط الاختبار في التغيير هو تغيير النفس وهو الأصعب، فالتغيير لا يأتي من الخارج ، التغيير يأتي من الداخل فالله تعالى يقول : ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )) . هذه قاعدتنا الرئيسية، إن تغيير أي أمر لا بد أن يكون من داخل نفسك ، فأولاً غيّر في داخلك ، إن الذين يترددون على الأطباء والدجالين أو حتى المشايخ دون أي تغيير في حياتهم فيعني ذلك أنهم بحاجة إلى التغيير من الداخل أولاً.

الكثيرون يتكلمون عن التغيير وهم يقصدون تغيير الآخرين ، وقد يتحدث الواحد عن تغيير العالم ويحلم أن يتغير العالم ووجه التاريخ وخارطة الكون وفي الواقع أنه ليس هناك تغيير من هذا القبيل ، هي تغييرات جزئية ويقابلها تغييرات عكسية أيضا ، ولكن التغيير الأعظم والأكبر هو أن نتغير من داخلنا ، قدرة الإنسان على أن يغير ، تخيل أولئك الذين يتحدثون عن التغيير وأنا منهم وأنت منهم وكتابنا في الانترنت أو غيرهم تخيل هؤلاء هل جربوا يوما من الأيام عادة سيئة ، كلمة دارجة على ألسنتهم؟ عادة السهر في الليل مثلا ، شاب مثلا عنده إدمان الاتصالات الغرامية ما استطاع أن يتخلص منها ، شاب آخر يتسلل إلى مواقع إباحية أو جنسية لم يستطيع أن يتخلص منها ، إنسان مبتلى بالتدخين أو بالشرب أو بتعاطي المخدرات ، عاداتنا الفكرية التي تحكم آرائنا ونتائجنا وحكمنا على الآخرين ونظرتنا للأقوال والأعمال والتصرفات ، هذه العادات الفكرية المهيمنة علينا ، هل استطعنا أن نغير عادتنا الفكرية أو السلوكية أو الأخلاقية أو اللفظية ؟ هذا هو المحك ولهذا بدلا من كلام طويل في التغيير لا بد ان نبدأ من نقطة الصفر (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد : 11) لاحظ فعلا القوم في البداية الكلام عن مجتمع ، الكلام عن الجماعة لكن الكلام من وين ، من النفس ، من نفس الفرد الواحد .

رمضان موسم التغيير

 
رمضان موسم التغيير لأسباب منها:
أولا:

المعصية والخطأ وكثير من العادات السيئة, صفات لصيقة بالإنسان, وكثير من يعلمون ضررها ويدركون خطرها ولكنهم يظلون في أسْرِها، وقد استولت عليهم العوائد، وأحاطت بهم العوائق، ووهنت عزائمهم، وضعفت إرادتهم, لأنه كما هو معلوم أنَّ: "للعادات سلطانًا على النفوس، وهيمنة على القلوب، وهي تتركز في الإنسان فتصبح كأنها طبيعة من طبائعه، لا يستطيع التخلص منها ولا يقدر على مفارقتها، فالتغيير والتخلص من العادات السيئة أساسه قوة الإرادة، وشهر رمضان مدرسة تربوية يتدرب فيها المسلم على تقوية إرادته في الوقوف عند حدود ربه، والتسليم لحكمه، وتنفيذ أوامره وشريعته، فالصوم إذًا فرصة ذهبية للتخلص من العادات الرديئة, والصفات السيئة.

ومن فضل الله على عباده أن جعل لهم مواسمَ يحيونَ فيها بطريقة مختلفةٍ عمَّا اعتادوه؛ ففي تغيير النّظام الحياتي فوائدُ كثيرة على الفردِ والمجتمع، وما شهر رمضان الأجلّ إلاَّ مثال صريح على هذهِ الهباتِ الرَّباني؛ حيث تعتدل طبائع النّاس وعاداتهم ويرتقي السلوك البشريُ وتزولُ الضغائن ويتقاربُ البعداءُ وتزيدُ حركةُ الإحسانِوينشطُ أهلُ الخيرِ في أعمالِ البرِ على كلِّ صعيد.

ثانيا:  هذا الشهر الكريم له آثار حميدة إلاَّ أنّ النّفوس البشريةَ بدأت تضعفُ في الاستجابةِ لنداء الإصلاح والتعرضِ لنفحات البركة الرمضانية؛ وهذا أمر غير مستغرب لجريانِه ضمنَ الضعفِ العامّ للواحد والجماعة إضافة إلى سطوة الإعلام المرئي وأثره على خلخلةِ القيم وإعادة ترتيبِ الأولوياتِ حسبما يراها الفسّاقُ مِنْ مُلاكِها والقائمينَ عليها؛ فرمضان فرصة العمر السانحة وموسم البضاعة الرابحة والكِفة الراجحة ولماحباه الله تعالى من المميزات فهو بحق مدرسة لإعداد الرجال وهو بصدق جامعة لتخريج الأبطال .

هنا مصنع الأبطال يصنع أمةً ...  وينفخ فيها قوة الروح والفكر
ويخلع عنها كل قيد يعــوقها ... ويعلي منار الحق والصدق والصبر

ولما يسر الله تعالى فيه ، من أسباب الخيرات ، وفعل الطاعات ، فالنفوس فيه مقبلة ، والقلوب إليه والهة .

ثالثا: لأن رمضان تصفد فيه مردة الشياطين . فلا يصلون إلى ما كانوا يصلون إليه في غير رمضان ، وفي رمضان تفتح أبواب الجنان ، وتغلق أبواب النيران ، ولله في كل ليلة من رمضان عتقاء من النار ، وفي رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، فما أعظمها من بشارة ، لو تأملناها بوعي وإدراك لوجدتنا مسارعين إلى الخيرات ، متنافسين في القربات هاجرين للموبقات ،تاركين للشهوات.

رابعا: ورمضان فرصة للتغيير لما حصل فيه من الأحداث التي غيرت مسار التاريخ ، وقلبت ظهر المجن ، فنقلت الأمة من مواقع الغبراء ، إلى مواكب الجوزاء ، ورفعتها من مؤخرة الركب ، لتكون في محل الصدارة والريادة ففي معركة بدر الكبرى التقى جيشان عظيمان ، جيش محمد صلى الله عليه وسلم ، وجيش الكفر بقيادة أبي جهل في السنة الثانية من الهجرة وذلك في اليوم السابع عشر من رمضان ، وانتصر فيها جيش الإيمان على جيش الطغيان ، ومن تلك المعركة بدأ نجم الإسلام في صعود ، ونجم الكفر في أفول ، وأصبحت العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، يقـول الله تعالى:{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [آل عمران:123] .

أبطـال بدر ياجباهاً شـــــــُرعت ... للشمس تحكي وجهها المصقولا
حطـمتم الشرك المصغر خده ... فارتد مشلول الخطى مخـذولا

وفي السنة الثامنة ، وفي شهر رمضان ، كان الفتح العظيم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين ، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين من أيدي الكفار والمشركين ، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء ، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء ، ودخل الناس به في دين الله أفواجا ، وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجا .

وفي سنة ستمائة وثمانيةً وخمسين ، فعل التتار بأهل الشام مقتلة عظيمة ، وتشرد من المسلمين من تشرد ، وخربت الديار ، فقام الملك المظفر قطز ، بتجهيز الجيوش ، لقتال التتار ، حتى حان اللقاء في يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان وأمر ألا يقاتلوا حتى تزول الشمس ، وتفيء الظلال ، وتهب الرياح ، ويدعوا الخطباء والناس في صلاتهم ، ثم تقابل الصفان ، واقتتل الجيشان ، وحصلت معركة عظيمة ، سالت فيها دماء ، وتقطعت أشلاء ، ثم صارت الدائرة على القوم الكافرين ، وقطع دابر القوم الذين ظلموا ، والحمد لله رب العالمين .

كل هذه الأسباب وغيرها جعلتنا نوقن بأن رمضان فرصة سانحة وغنيمة جاهزة ، لمن أراد التغيير في حياته . فالأسباب مهيأة ، والأبواب مشرعة وما بقي إلا العزيمة الصادقة ، والصحبة الصالحة ، والاستعانة بالله في أن يوفقك للخير والهداية .

رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح ... هذا أوان تبتل وصـــلاح
واغنم ثواب صيامه وقيامه ... تسعد بخير دائم وفلاح



 

المحتاجون إلى  التغيير في رمضان

 

أولا: رمضان فرصة الجميع للتغيير؛ليصبح العبد من المتقين الأخيار ، ومن الصالحين الأبرار . يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فقوله { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} تعليل لفرضية الصيام ؛ ببيان فائدته الكبرى ، وحكمته العظمى . وهي تقوى الله والتي سأل أميرُ المؤمنين عمرُ رضي الله عنه الصحابيَ الجليل ؛ أبيَ بن كعب رضي الله عنه عن معنى التقوى ومفهومها ؟ فقال يا أمير المؤمنين : أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال : بلى .. قال : فما صنعت ؟ قال : شمرتُ واجتهدت .. أي اجتهدتُ في توقي الشوك والابتعاد عنه ، قال أبي: فذلك التقوى .

خـــــل الـذنوب صغــــــــــيرها وكبيرها ذاك الـتقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تـحـقـرن صـغيرةً إن الجبـــــــالَ من الحـــــــــــصى

لقد كان المجتمعُ الإسلاميُ الأول مضربَ المثل في نزاهتهِ ، وعظمةِ أخلاقه ، وتسابقِ أفرادهِ إلى مرضاةِ ربهمِ جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، وكانت التقوى سمةً بارزة في محيا ذلكِ الجيلِ العظيم الذي سادَ الدنيا بشجاعتهِ وجهاده ، وسارت بأخلاقهِ وفضائلهِ الركبان مشرقاً ومغرباً ، فقد كان إمام المتقين عليه الصلاة والسلام قمةً في تقواه وورعهِ ، وشدةِ خوفهِ من ربهِ العظيمِ الجليل ، فكان يقومُ الليل يصلي ويتهجد حتى تفطرتْ قدماه الشريفتان ، وكان يُسمعُ لصدره أزيزٌ كأزيزِ المرجل من النشيجِ والبكاء ، وهو الذي غُفر له ذنبه ما تقدم وما تأخر .

ثاينا: رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان مفرطاً في صلاته ، فلا يصليها مطلقاً ، أو يؤخرها عن وقتها , أو يتخلف عن أدائها جماعة في المسجد . ليعلم المتهاون في صلاته ، أنه يرتكب خطأً قاتلاً ، وتصرفاً مهلكاً ، يتوقف عليه مصيره كله ، و إن لم يتدارك نفسه ، فهو آيل لا محالة إلى نهاية بائسة ، وليل مظلم ، وعذاب مخيف ، جاء في الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا قال :" أما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة " رواه البخاري (1143).

إن التهاون بأمر الصلاة والاستخفاف بها ، خطأ فادح بكل المقاييس ، وجناية مخزية بكل المعايير . لا ينفع معها ندم ولا اعتذار عند الوقوف بين يدي الواحد القهار ، إني أدعوك بكل شفقة وإخلاص ، أدعوك والألم يعتصر قلبي خوفاً عليك ورأفة بك ، أدعوك في مثل هذا الشهر المبارك إلى إعادة النظر في واقعك ، ومُجريات حياتك ، أدعوك إلى مراجعة نفسك ، وتأمل أوضاعك قبل فوات الأوان ، إني أنصحك ألا تخدعك المظاهر ، ولا يغرك ما أنت فيه ، من الصحة والعافية والشباب والقوة ، فما هي إلا سراب بقيعة ، يحسبه الظمآن ماءً ، أو كبرق خُلب ، سرعان ما يتلاشى ، و ينطفئ ويزول ، فالصحة سيعقبها السقم ، والشباب يلاحقه الهرم ، والقوة آيلة إلى الضعف ، ولكن أكثر الناس لا يتفكرون .

أخي الكريم : إن أصحابك الذين غروك بالتهاون بشأن الصلاة ، وزينوا لك إضاعتها ، إنهم لن يذرفوا عليك سوى دموع التماسيح ، يعودون بعدها ، إلى مزاميرهم وطربهم وأنسهم ، غير مكترثين بك ، ولا بألف من أمثالك ، إنهم أنانيو الطباع ، ميتو الإحساس ، لا همّ لهم إلا أنفسهم وملذاتهم ، ولو فقدوا الآباء والأمهات ، فضلاً عن الأصحاب والخِلان ، فاستيقظ يا هذا من غفلتك ، وتنبه من نومتك ، فالحياة قصيرة وإن طالت ، والفرحة ذاهبة وإن دامت ، واجعل من رمضان فرصة للمحافظة على هذه الصلاة العظيمة ، فقد وفقك الله للصلاة مع الجماعة ، وإلف المساجد ، وعمارتها بالذكر والتسبيح ، فاستعن بالله ، واعزم من الآن أن يكون هذا الشهر المبارك بداية للمحافظة على الصلاة ، والتبكير إليها يقول الله تعالى في وصــف المؤمنين:{الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ } [المعارج: 24] .

ويقول سبحانه : {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ } [المعارج:34-35] .

ثالثا: رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان مقصرًا في نوافل العبادات ؛ فلم يجعل له منها نصيباً ، ولم يأخذ لنفسه قسماً مفروضاً ، فيغير من حاله ، ويبدل من شأنه ، ففي رمضان تتهيأ النفوس ، وتقبل القلوب ، وتخشع الأفئدة ، فينتهز هذه الفرصة ، فيحافظ على شيء منها ، فهي مكملة لفرائضه ، متممة لها ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك " رواه ابن ماجه (1425) .

وأقل الوتر ركعة ، وأقل الضحى ركعتان ، وعدد السنن الرواتب ثنتا عشرة ركعة ، ركعتان قبل الفجر ، وأربع ركعات قبل الظهر ، وركعتان بعدها ، وركعتان بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة أو إلا بني له بيت في الجنة " رواه مسلم ، ويقول صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " رواه مسلم .

ولماذا لا تجعل من رمضان فرصة ، لأن يكون لك أيام تصومها لله رب العالمين فمن صام يوماً في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفاً ، فهذه ستة من شوال ، ويوم عاشوراء ، وعرفة ، وصوم الإثنين والخميس ، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر . فلا تحرم نفسك الدخول من باب الريان ، عندما ينعم عليهم المنان بدخول الجنان . . فبادر شبابك قبل هرمك . . وصحتك قبل سقمك . . وحياتك قبل موتك . . عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " رواه البخاري .

رابعا: رمضان فرصة للتغيير .. لمن هجر القرآن قراءة وتدبراً ، وحفظاً وعملاً حتى أصبح القرآن نسياً منسياً ، أن يكون هذا الشهر بداية للتغيير ، فترتب لنفسك جزءاً من القرآن ، لا تنفك عنه بأي حال من الأحوال ، ولو كان هذا الجزء يسيراً ، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ، وقليل دائم ،خير من كثير منقطع ، ولا تنس الفضل الجزيل لمن قرأ كلام الله الجليل يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " رواه الترمذي (2910)

والقرآن يشفع لك يوم القيامة يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي ربي إني منعته الطعام والشهوة ، فشفعني فيه ، ويقول القرآن : رب منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه ، قال : فيشفعان " رواه أحمد . قال الألباني ـ رحمه الله ـ : ( أي يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة ) .

ولقد أدرك سلفنا الصالح عظمة هذا القرآن ؛ فعاشوا معه ليلاً ونهاراً . . قال وهيب بن الورد : قيل لرجل ألا تنام ؟ قال : إن عجائب القـرآن أطرن نومي ، وقال أحمد بن الحواري : إني لأقرأ القرآن ، وانظر في آية ، فيحير عقلي بها ، وأعجب من حفاظ القرآن ، كيف يهنئهم النوم ، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله ، أما إنهم لو فهموا ما يتلون ، وعرفوا حقه ، وتلذذوا به ، واستحلوا المناجاة به ، لذهب عنهم النوم فرحاً بما رزقوا .

ومن المفارقة العجيبة ، أن يدرك أعداؤنا من عظمة هذا القرآن ، ما لا ندركه ، وأن يعملوا جاهدين على طمس معالمه ، ومحو آثاره في العباد والبلاد ، لخوفهم الشديد من عودة الأمة إلى هذا القرآن الذي يؤثر في النفوس ، ويحييها ، ويبعث فيها العزة والكرامة . يقول غلادستون : مادام هذا القرآن موجودا في أيدي المسلمين ، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق ، ولا أن تكون هي نفسها في أمان ، وكان نشيد جيوش الاستعمار ،كان نشيدهم :أنا ذاهب لسحق الأمة الملعونة ، لأحارب الديانة الإسلامية ، ولأمحو القرآن بكل قوتي .(1)

فما موقفك أنت يا رعاك الله ؟ أدع الإجابة لك ، وأسأل الله أن يوفقك للخير وفعله.

خامسا: رمضان فرصة للتغيير .. للمرأة المسلمة التي أصبح حجابها مهلهلاً ، وعباءتها مطرزة ، وثيابها فاتنة ، وعطرها يفوح و في كل يوم إلى الأسواق تروح . . قال صلى الله عليه وسلم :" أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية " رواه أحمد .

ويزداد الأمر سوءاً ، إذا كان الخروج بلا محرم . . فتركب مع السائق وحدها وما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطـان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . فليـكن - يا أخية - رمضان فرصة لأن تتربى نفسك على البقاء ، في المنـزل وعدم الخروج منه إلا لحاجة ماسة ، وبضوابط الخروج الشرعية ، وليكن رمضان فرصة لضبط النفس في قضايا اللباس ، والموضة والاعتدال فيهما ، بدون إفراط ولا تفريط ، وليكن رمضان فرصة للحفاظ على الحجاب الشرعي ؛ طاعة لله ، وإغاظة للشيطان وحزبه .

سادسا:رمضان فرصة للتغيير .. للرجل والفتاة اللذين عبثا بالهاتف طويلاً ، وتهاتفا بعبرات الحب والغرام ، والعشق والهيام ، والذي كله كذب وهراء ، ودجل وافتراء ، وتلاعب بالمشاعر والعواطف ، وقد تكون البداية قضاء وقت فراغ ، ثم يستدرجهما الشيطان للوقوع في الفاحشة البغيضة . . فتقع المصيبة وتحل الطامة العظيمة . . وينكسر الزجاج فأنى له أن يعود مرة أخرى !!

تقول إحدى المعاكسات : كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية . تطورت إلى قصة حب وهمية ، أوهمني أنه يحبني ، وسيتقدم لخطبتي ، طلب رؤيتي ، رفضت . هددني بالهجر !! بقطع العلاقة !! ضعفت . . أرسلت له صورتي مع رسالة معطرة !! توالت الرسائل ، طلب مني أن أخرج معه . . رفضت بشدة . . هددني بالصور ، بالرسائل المعطرة ، بصوتي في الهاتف ـ وقد كان يسجل ـ خرجت معه على أن أعود في أسرع وقت ممكن . . لقد عدت ولكن عدت وأنا أحمل العار ، قلت له الزواج .. الفضيحة ،قال لي بكل احتقار وسخرية : إني لا أتزوج فاجرة !!

فاتق الله أيها الشاب ، واتقي الله أيتها الفتاة ، وليكن رمضان فرصة لتغيير المسار والابتعاد عن الأخطار ، وهتك الأعراض فالزنا دين كما قال الشاعر :

يا هاتكاً حرم الرجال وتابعاً ... طـــرق الفساد فأنت غير مكــرم
من يزن في قـوم بألفـي درهم ... في أهـــــــله يزنــي بربــــع الدرهـــــم
إن الزنى دين إذا استقرضته ... كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

سابعا: رمضان فرصة للتغيير .. لمن تعود على حياة المترفين ، ونشأ على حب الدعة واللين ، أن يأخذ من رمضان درسا في تربية النفس على المجاهدة والخشونة في أمر الحياة ، فربما تسلب النعمة ، و تحل النقمة . فالدنيا غدارة غرارة مناحة مناعة ، وإقبال الدنيا كإلمامة ضيف ، أو غمامة صيف ، أو زيارة طيف ،عن أبي عثمان النهـدي قال : أتانا كتاب عمر بن الخطاب : ( اخشوشنوا واخشوشبوا واخلولقوا وتمعددوا ـ التمعدد ـ أي العيش الخشن الذي تعرفه العرب ـ كأنكم معد وإياكم والتنعم وزي العجم.) ، و عن عروة بن رويم قال : قال صلى الله عليه وسلم :" شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به همتهم ألوان الطعام وألوان الثياب يتشدقون في الكلام" .

ثامنا: رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان يتابع الأكلات ، ويتتبع المطاعم ، فيوم هنا ، ويوم هناك ، حتى أصبح بطنه هو شغله الشاغل . ولو سألته عن أي مطعم في الشرق أو الغرب لأعطاك وصفة موجزة . ومفصلة بما تحتوي عليه تلك المطاعم وحسنها من قبيحها ، وجيدها من رديئها ، وما هكذا تورد الإبل يا سعد !! ولم نخلق من أجل أن نسعد بطوننا . . والطعام وسيلة لا غاية فافهم هذا حتى تبلغ الغاية ...

كيف تصفو روح مَـرْءٍ ... نفسه للـطـعـم ولهى

لقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقلل من الأكل كما في حديث المقدام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لابد محالة ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلثه لنفسه "رواه الترمذي

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من خبر برّ ثلاث ليال تباعا حتى قبــــــض . وصــــــــح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن " رواه البخاري ومسلم . ويقول عمر رضي الله عنه : إياكم والبطنة في الطعام والشراب ، فإنها مفسدة للجسد ، مورثة للسقم ، مكسلة عن الصلاة ، وعليكم بالقصد فيهما ، فإنه أصلح للجسد ، وأبعد عن السرف ، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين ، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه "

قال الحارث بن كلدة الطبيب المشهور : الحمية رأس الدواء ، والبطنة رأس الداء . وقال غيره لو قيل لأهل القبور: ما كان سبب آجالكم ؟ لقالوا : التخم !!

وقلة الطعام توجب رقة القلب وقوة الفهم ، وانكسار النفس ، وضعف الهوى والغضب . وكثرة الطعام يوجب ضد ذلك .

عن عمرو بن قيس قال : إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب . وعن سلمة بن سعيد قال : إن كان الرجل ليعير بالبطنة كما يعير بالذنب يعمله .

وعن مالك بن دينار قال : ما ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه ، وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه .

وقال سفيان الثوري : إن أردت أن يصح جسمك ، ويقل نومك ، فأقل من الأكل .

فليكن هذا الشهر المبارك بداية للتقلل من الطعام والاستمرار على ذلك على الدوام .

تاسعا: رمضان فرصة للتغيير .. من أخلاقنا . فمن جبل على الأنانية والشح وفقدان روح الشعور بالجسد الواحد ، فشهر الصوم مدرسة عملية ، له وهو أوقع في نفس الإنسان من نصح الناصح ، وخطبة الخطيب ، لأنه تذكير يسمعه ويتلقنه من صوت بطنه إذا جاع ، وأمعائه إذا خلت ، وكبده إذا احترت من العطش ، يحصل له من ذلك تذكير عملي بـجوع الجائعين ، وبؤس البائسين ، وحاجة المحتاجين ، فتسمح نفسه بأداء حق الله إليهم ، وقد يجود عليهم بزيادة ، فشهر الصيام شهر الجود والمواساة . .

الصوم يمنحنا مشاعر رحمة ... وتعاون وتعفف وسماح

فرمضان مدرسة للقضاء على صفة الأنانية والشح ، ومن ثم الشعور بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. قال صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " رواه مسلم (2586) .

عاشرا:رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان قليل الصبر ، سريع الغضب ، أن يتعلم منه الصبر والأناة . فأنت الآن تصبر على الجوع والعطش والتعب والنصب ساعات طويلة ، ألا يمكنك - أيضاً - أن تعود نفسك من خلال شهر الصبر . . الصبر على الناس وتصرفاتهم وأخلاقهم ، وما يفعلونه تجاهك من أخطاء ، وليكن شعـــارك الدائم .{ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران:134] وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضـَبِ " يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء " رواه الترمذي . فليكن هذا الشهر بداية لأن يكون الصبر شعارنا ، والحلم والأناة دثارنا.

الحادي عشر: رمضان فرصة للتغيير .. لمن ابتلاه الله تعالى بقلب قاسٍ كالصـخر الراسي ، لا تدمع له عين أن ينتهز فرصة هذا الشهر الذي تكون للنفوس فيه صولة . . وللقلوب فيه جولة . . فيحرص على ترقيق قلبه ، بصرفه عن الذنوب التي هي جالبة الخطوب ، و حاجبة القلوب عن علام الغيوب . قال عليه الصلاة والسلام : " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ " رواه مسلم .

وما أحسن قول القائل :
رأيت الذنوب تميت القلوب .... وقد يورث الذل إدمانهـا
وترك الذنوب حياة القلوب .... وخـير لنفسك عصيانهـا
 

ومن أراد السعادة فليلزم عتبة العبادة ، وليجتنب الإساءة ..يقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: ( لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله عز وجل ) و يقول الحسن البصري رحمه الله : ( إذا لم تقدر على قيام الليل ، ولا صيام النهار ، فاعلم أنك محروم ، قد كبلتك الخطايا والذنوب ) وليكن لك ما بين فينة وفينة زيارة للمقابر ، وتتأمل في أحوال أصحابها ..فإن القوم فيها صرعى ، والدود في عيونهم يرعى ،عن الحديث سكتوا ، وعن السلام صمتوا ، الظالم بجانب المظلوم ، والمنتصر بجانب المهزوم ، ذهب الحسن والجمال ، والجاه والمال ، وبقيت الأعمال ..أموات يتجاورون ، ولا يتزاورون .

سكتــــــــــوا وفي أعماقـهم أخــبارُ وجافاهــــــم الأصحـــــاب والزوار
وتغيرت تلك الوجوه وأصبحت بعد الجمال على الجفون غبار

ماذا أعددت لهذا الموقف ؟ يقول الله تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99].

 

الثاني عشر: رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان يأكل الحرام من خلال أكل الربا أو التلاعب في البيع والشراء أو بيع المحرمات من دخان ومجلات فاسدة ، ومعسل وجراك ، أو بيع العباءات والنقابات المحرمة ، أو الملابس الفاضحة من بناطيل نسائية أو أشرطة غنائية أو أشرطة فيديو أو الأطباق السوداء ، أن يغير من حاله ، وأن يبدل من شأنه ، وأن يدع أكل الحرام . فإن الله تعالى يحاسب على النقير والقطـمير .فحـذار يرحمك الله أن تزل قـدم بعد ثبوتها !! يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت ، النار أولى به "رواه ابن حبان وصححه.

وهل يسرك أن أهل الإيمان يرفعون أيديهم في صلاة التراويح والقيام يدعون الله تعالى ، ويستغيثون به ، ويسألونه من فضله ورحمته وجوده وبره ويستجاب لهم ..وأنت ترد عليك دعوتك ؟!! عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رســــول الله صلى الله عليه وسلم :" أيها الناس : إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [المؤمنون:51] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب ، يا رب ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب لذلك " رواه مسلم .

وتذكر أنه لن ينفعك أن الناس فعلوا ، أو أنهم يريدون ذلك ، فكل واحد منا سيقف بين يدي الواحد القهار ، ويسأله عن أعماله وأقواله الصغار ، والكبار ..فمن سيقف معك في ذلك الموقف العصيب ؟

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا ، وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساؤا فلا تظلموا " رواه الترمذي (2007) و قال :هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وكن يا رعاك الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر فإن الدال على الخير كفاعله يقول الله تعالى : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].

الثالث عشر: رمضان فرصة للتغيير .. للكُتاب الذين تأثروا بعدوهم .. إننا نقول لهم : إن رمضان فرصة لهم للتغيير ، فالكلمة أمانة ، إنها مسؤولية ، نعم لمسؤولية الكلمة ، لا لحرية الكلمة المتجردة من تعاليم ديننا . وخليق بأدبائنا وشعرائنا أن يتفق أدبهم مع أدب دينهم ، وحري بالصحافة المسلمة أن تربأ بما ينشر على صفحاتها عما يتنافى مع عقيدتنا الإسلامية وتراثنا . قال تعالى:{ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:36].

ثم أيها الكاتب الموفق : ألم تقرأ ما سطره يهود في بروتوكولاتهم : ( الأدب والصحافة هما أعظم قوتين تعليميتين خطرتين ، ولهذا السبب ستشتري حكومتنا العدد الأكبر من الدوريات ..) وهل تتصور أن شراءهم لها من أجل الإصلاح ؟ أم من أجل إقامة العدل ؟ أم من أجل الدفاع عن حقوق المضطهدين ؟ كلا ؛ بل من أجل الإفساد ، ونشر الرذيلة بين الأمم كلها وخاصة أهل الإسلام لأنهم ألد الخصام لهم ، فهل ترضى لنفسك أن تكون عوناً لهؤلاء على أمتك ؟ هل ترضى أن تكون أداة إفساد في الأمة ـ من حيث تشعر أولا تشعر ـ هل ترضى أن تنشر في الأمة ما يؤثر على دينها وسلوكها ؟ قل لي بربك كيف تستسيغ أن تكتب بقلمك السيال ما يغضب ربك ؟ كيف تتجرأ أن تكتب بقلمك الرفيع ما يدعو إلى نشر الفاحشة في الذين آمنوا ؟ أو أن تضللهم أو تزيف الحقائق عليهم ؟ لقد وهبك الله تلك الموهبة ، وأسبغ عليك هذه النعمة فحري بك أن تستعملها في طاعة مولاك ، حري بك يا من آمنت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً أن تسخر قلمك للصدع بكلمة الحق ، والمجاهرة بالفضيلة ، والدعوة إلى العفة والكرامة ، حري بك أن تكون منافحاً عما يُراد بأمتك ، حري بك أن تكون مكافحاً عما يخطط لأمتك .

الرابع عشر: رمضان فرصة للتغيير .. للدعاة الذين فترة همتهم ، وضعفت غيرتهم ، ..وتوانت عزائمهم ، فيشدوا من حالهم ، ويستيقظوا من رقدتهم ، ويتنبهوا من غفلتهم ، وينتهزوا فرصتهم ، بدعوة الناس إلى ربهم ، والذهاب إلى أماكن تواجدهم وتجمعهم . لتذكيرهم بالله تعالى ، وتخويفهم من ناره وجحيمه ، وترغيبهم بجنته ونعيمه ، والتفكير الجاد لمعرفة الأساليب المناسبة للإصلاح ، وليتذكر الدعاة إلى الله فضل الدعوة إلى الله ، والسهر من أجلها ، والتفاني لها ، وجزاء من تاب على أيديهم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم " رواه البخاري .

ليكن رمضان محطة روحية تبعث فينا روح الجدية ..فيعد الداعية عدته ، ويأخذ أهبته ، ويملك عليه الفكر فيما هو فيه نواصي نفسه وجوانب قلبه ..فيكون دائم التفكير ، عظيم الاهتمام ، على قدم الاستعـداد أبدا ، إن دعي أجـــاب ، أو نودي لبى ، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه ، وجده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له !!

الخامس عشر: رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان مذنباً ومسرفاً على نفسه بالخطايا والموبقات فإذا به يسمع الأغنيات بأصوات المغنين والمغنيات ، ويشاهد القنوات بصورها الفاضحات ، ويعاكس الفتيات ، ويسهر على الموبقات ، ويعاقر المنكرات ، أن يسارع إلى الإنابة ، ويبادر إلى الاستقامة ،قبل زوال النعم ،وحلـول النقم ، فهنالك لا تقـال العثرات ، ولا تستدرك الزلات .. {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور:31] ويكفي التائبين فخراً وعزاً ورفعة وشرفاً أن الله تعالى قال : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة:222] أليس من سعادة التائبين ..أن الله تعالى يفرح بأوبة الراجعين ..وإقبال المذنبين ..يقول صلى الله عليه وسلم : " لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلا وبه مهلكة ، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فوضع رأسه فنام نومة ، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال :أرجع إلى مكاني ، فرجع فنام نومة ، ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده " رواه البخاري (6308) ، وفي مسلم : " فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ".

فالتوبة ..التوبة ..فهي شعار المتقين ..ودأب الصالحين ..وحلية الصالحين ..أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة " رواه مسلم .

فبادر يا رعاك الله إليها في مثل هذا الشهر المبارك ،فأبواب الجنة مشرعة ، وأبواب النار مغلقة ، ولله في كل ليلة عتقاء من النار ، فاجتهد أن تكون واحدا منهم ، جعلني الله وإياك ووالدينا ممن فاز بالرضا والرضوان والفوز بالجنان والنجاة من النيران .



 

التغيير .. ووضع متعاطي المحرمات

 

ثمة أناس ابتلاهم الله تعالى بتعاطي الحرام ، من خـمر ومخدرات ، أو دخان و مسكرات ، نشد على عزيمته في هذا الشهر العظيم وبعد إمساكه والابتعاد عنها طوال النهار أن يجعلوها هذا الشهر شهر للتغير والاقلاع عن تعاطي هذه المحرمات وان لا يفعلوا بعد إفطاره ما يخل بهذه العزيمة القوية ، أو يوهنها ، أو يقلل من شأنها ،تلك العزيمة التي جعلته يمسك طوال ساعات النهار ، فيهدم في ليله ما بناه في نهاره من قوة الإرادة التي صبر بسببها عن محبوباته ومألوفاته . فما أحزمه لو استغل شهر الصيام كمدرسة يتدرب بها على هجر ما يكرهه هو ، أو يكرهه الشارع ، من مألوفاته التي اعتاد أكلها ، أو شربها ، أو مقاربتها . تالله ما أحزمه لو واصل هذه الحمية عن ذلك بالليل ، كما عملها في النهار ..

عوامل الإدمان:
المخدرات:

إن تعاطي المواد المخدرة أياً كان نوعها أو وضعها الاجتماعي أو القانوني هي مواد ذات خطورة كبيرة وأضرارها المباشرة وغير المباشرة تشل المجتمع الانساني وتضر بأخلاقه واستقراره وأمنه ومصادر عيشه .. إن المخدرات ذات الخطورة المباشرة لها أضرار كثيرة واضحة لكن المخدرات ذات الخطورة الكامنة مثل التدخين والخمر قد لا تبدو بمثل خطورة المخدرات لكنها في الواقع أشد فتكا وأوسع تأثيرا وانتشاراً .

إضافة إلى وجود عوامل اجتماعية وشخصية وبيئية تهيئ ظروف الانحراف للشباب وغيرهم، كذلك توجد ترابطات بين الأنواع المختلفة من المخدرات وغيرها من المواد التي تؤدي إلى الإدمان .. عادة ما يبدأ المتعاطي باستخدام مواد خفيفة ثم ينتهي به الأمر إلى الإيغال في الإدمان وتعاطي المواد الخطرة .. وقد بينت الدراسات العلمية المختبرية أن تعاطي بعض المواد المخدرة يدفع الفرد إلى تعاطي مواد أخرى أكثر خطورة كالتدخين

التدخين

يمثل التدخين الخطوة الكبيرة الأولى أو النافدة التي يطل منها الشباب إلى عالم المخدرات .. فقد يكون اندفاع المراهقين نحو التدخين بهدف إبراز الذات، والتحدي والحصول على صورة لذواتهم تعطيهم شيئاً من النشوة التي يبحثون عنها .. لكن ظروف التدخين والرفقه السيئة ومحدودية اللذة التي يجلبها التدخين تدفع بعض المدخنين الصغار إلى البحث عن درجات أعلى من النشوة واللذة .. فعندها يتولد لديهم الاستعداد لتعاطي مواد مخدره أخرى وتزول من أمامهم حواجز الحرمة أو الخشية من التعاطي .. وبزوال هذه الحواجز الأخلاقية والقانونية يصبح الطفل/ الشاب قابلاً لأي عرض يقدم له .

الكحول :

كما تدل الدراسات والأبحاث العلمية يبدأ معظم متعاطي الحشيش أو الماريوانا أولا بشرب الكحول .. وبينت كثير من الدراسات العلمية (مثلا أن استخدام المخدرات يبدأ بتعاطي البيرة والخمرة .. فإذا كان هناك مادة تعتبر بوابة رئيسية في مسلسل تعاطي المخدرات فإنها تحديدا هي الكحول (أم الخبائث) وتشير الدراسات تلك إلى أنه في مجتمعات الغرب يبدأ الشباب بتناول مواد تعتبر مقبولة اجتماعياً عندهم مثل البيرة والخمر، ثم إن عدداً منهم سوف يبدؤون بعدها بتعاطي المخدرات .

وهناك نتيجة بحثية مدهشة حول العلاقة بين التدخين/ والكحول تشير إلى أن الذين يبدؤون بالتدخين فمن المحتمل أن يستخدموا خموراً قوية، لكن الذي يبدأ بشرب خمور فمن غير المحتمل أن يبدأو تدخين السجائر .

"وهكذا في حين أن الشرب يمكن أن يستمر دون التدخين، لكن التدخين إلى حد ما دائماً متبوع بشرب الخمر القوي .. والاستخدام المزدوج للسجائر والخمر القوي مرتبط بالدخول إلى عالم المخدرات الممنوعة .. وقال احد الباحثين الذي أجرى دراسة تتبعية حول تعاطي المراهقين للمخدرات "إن تعلم تدخين السجائر هو تدريب ممتاز لتعلم تدخين الماريونا (الحشيش) حيث إن تدخين الماريونا إلى حد ما دائما يبدأ بتدخين السجائر.

لكن هذا لا يعني فقدان الأمل لكسر دائر التعاطي هذه .. فبالإمكان التدخل والتوعية وكسر هذه الحلقات المتتابعة وحماية الشباب من السقوط في مستنقع المخدرات السحيق . * لكن الأمر الهام هنا، يكمن في الوعي بالسلوكيات التي تعتبر فاتحة ومقدمة لسلوكيات أسوأ .. فالتدخين بين الشباب ينتشر دون اتخاذ خطوات جادة لمنعه أو مقاومته، فإن التساهل مع التدخين سوف يستمر إلى ما هو أصعب وأكثر كلفة .

رفاق السوء :

هم باب آخر للإدمان وللولوج في عالم المخدرات البغيض .. ويأتي خطر رفاق السوء من أن تأثيرهم يتزايد في مرحلة يكون الشاب فيها قابلاً للتأثر خاصة في مرحلة النماء / المراهقه وفي حالات ضعف الترابط الأسري .

كذلك يزداد تأثير رفقاء السوء عندما تكون شخصية الشاب / المراهق، هشه وعناصر المقاومة لديه ضعيفة، ولا يستطيع أن يقول لا، أو أن يجاهر برأيه، ويمتنع عن الانزلاق وراء محاولات الإغراء والإفساد .

لهذا وجب الاعتناء بتحسين العلاقة بين الوالدين وأبنائهم، وتوفير احتياجاتهم النفسية والعاطفية وكذلك المادية وعدم فتح المجال أمامهم للبحث عن التعويض خارج الأسرة.

ينبغي كذلك التعرف إلى أصدقاء الأبناء ورفاقهم، وتعرف كيفية قضاء أوقاتهم .. أي: يلزم إشراف واع من الأهل وعدم إهمال الأبناء، وجعلهم يدخلون في عالم الانحراف، ثم يأتي الوعي متأخرا، ويكون الخطر قد حصل .

الأضرار المترتب على هذا المحرمات
الأضرار الجسمية :

فقدان الشهية للطعام مما يؤدي إلى النحافة والهزال والضعف العام المصحوب باصفرار الوجه أو اسوداده لدى المتعاطي كما تتسبب في قلة النشاط والحيوية وضعف المقاومة للمرض الذي يؤدي إلى دوار وصداع مزمن مصحوباً باحمرار في العينين ، ويحدث اختلال في التوازن والتأزر العصبي في الأذنين .

يحدث تعاطي المخدرات تهيج موضعي للأغشية المخاطية والشعب الهوائية وذلك نتيجة تكوّن مواد كربونية وترسبها بالشعب الهوائية حيث ينتج عنها التهابات رئوية مزمنة قد تصل إلى الإصابة بالتدرن الرئوي .

يحدث تعاطي المخدرات اضطراب في الجهاز الهضمي والذي ينتج عنه سوء الهضم وكثرة الغازات والشعور بالانتفاخ والامتلاء والتخمة والتي عادة تنتهي إلى حالات الإسهال الخاصة عند تناول مخدر الأفيون ، والإمساك .

كذلك تسبب التهاب المعدة المزمن وتعجز المعدة عن القيام بوظيفتها وهضم الطعام كما يسبب التهاب في غدة البنكرياس وتوقفها عن عملها في هضم الطعام وتزويد الجسم بهرمون الأنسولين والذي يقوم بتنظيم مستوى السكر في الدم .

أتلاف الكبد وتليفه حيث يحلل المخدر (الأفيون مثلاً) خلايا الكبد ويحدث بها تليفاً وزيادة في نسبة السكر ، مما يسبب التهاب وتضخم في الكبد وتوقف عمله بسبب السموم التي تعجز الكبد عن تخليص الجسم منها :

التهاب في المخ وتحطيم وتآكل ملايين الخلايا العصبية التي تكوّن المخ مما يؤدي إلى فقدان الذاكرة والهلاوس السمعية والبصرية والفكرية .

اضطرابات في القلب ، ومرض القلب الحولي والذبحة الصدرية ، وارتفاع في ضغط الدم ، وانفجار الشرايين ، ويسبب فقر الدم الشديد تكسر كرات الدم الحمراء ، وقلة التغذية ، وتسمم نخاع العظام الذي يضع كرات الدم الحمراء .

التأثير على النشاط الجنسي ، حيث تقلل من القدرة الجنسية وتنقص من إفرازات الغدد الجنسية .

التورم المنتشر ، واليرقات وسيلان الدم وارتفاع الضغط الدموي في الشريان الكبدي.

الإصابة بنوبات صرعية بسبب الاستبعاد للعقار ؛ وذلك بعد ثمانية أيام من الاستبعاد.

إحداث عيوباً خلقية في الأطفال حديثي الولادة .

مشاكل صحية لدى المدمنان الحوامل مثل فقر الدم ومرض القلب ، والسكري والتهاب الرئتين والكبد والإجهاض العفوي ، ووضع مقلوب للجنين الذي يولد ناقص النمو ، هذا إذا لم يمت في رحم الأم .

كما أن المخدرات هي السبب الرئيسي في الإصابة بأشد الأمراض خطورة مثل السرطان .

تعاطي جرعة زائدة ومفرطة من المخدرات قد يكون في حد ذاته (انتحاراً) .

الأضرار النفسية :

يحدث تعاطي المخدرات اضطراباً في الإدراك الحسي العام وخاصة إذا ما تعلق الأمر بحواس السمع والبصر حيث تخريف عام في المدركات ، هذا بالإضافة إلى الخلل في إدراك الزمن بالاتجاه نحون البطء واختلال إدراك المسافات بالاتجاه نحو الطول واختلال أو إدراك الحجم نحو التضخم .

يؤدي تعاطي المخدرات إلى اختلال في التفكير العام وصعوبة وبطء به ، وبالتالي يؤدي إلى فساد الحكم على الأمور والأشياء الذي يحدث معها بعض أو حتى كثير من التصرفات الغريبة إضافة إلى الهذيان والهلوسة .

تؤدي المخدرات أثر تعاطيها إلى آثار نفسية مثل القلق والتوتر المستمر والشعور بعدم الاستقرار والشعور بالانقباض والهبوط مع عصبية وحِدّة في المزاج وإهمال النفس والمظهر وعدم القدرة على العمل أو الاستمرار فيه .

تحدث المخدرات اختلالاً في الاتزان والذي يحدث بدوره بعض التشنجات والصعوبات في النطق والتعبير عما يدور بذهن المتعاطي بالإضافة إلى صعوبة المشي .

يحدث تعاطي المخدرات اضطراب في الوجدان ، حيث ينقلب المتعاطي عن حالة المرح والنشوة والشعور بالرضى والراحة (بعد تعاطي المخدر) ويتبع هذا ضعف في المستوى الذهني وذلك لتضارب الأفكار لديه فهو بعد التعاطي يشعر بالسعادة والنشوة والعيش في جو خيالي وغياب عن الوجود وزيادة النشاط والحيوية ولكن سرعان ما يتغير الشعور بالسعادة والنشوة إلى ندم وواقع مؤلم وفتور وإرهاق مصحوب بخمول واكتئاب .

تتسبب المخدرات في حدوث العصبية الزائدة الحساسية الشديدة والتوتر الانفعالي الدائم والذي ينتج عنه بالضرورة ضعف القدرة على التواؤم والتكيف الاجتماعي .

الاضطرابات الوهمية :

وتشمل الأنواع التي تعطي المتعاطي صفة إيجابية حيث يحس بحسن الحال والطرب أو التيه أو التفخيم أو النشوة ممثلاً حسن الحال : حيث يحس المتعاطي في هذه الحالة حالة بالثقة التامة ويشعر بأن كل شيء على ما يرام ، والطرب والتيه : حيث يحس بأنه أعظم الناس وأقوى وأذكى ويظهر من الحالات السابقة الذكر (الطرب والتيه ، وحسن الحال ، والتفخيم)، الهوس العقلي والفصام العقلي ، وأخيراً النشوة ويحس المتعاطي في هذه الحالة بجو من السكينة والهدوء والسلام .

الاكتئاب : ويشعر الفرد فيه بأفكار (سوداوية) حيث يتردد في اتخاذ القرارات وذلك للشعور بالألم .. ويقلل الشخص المصاب بهذا النوع من الاضطرابات من قيمة ذاته ويبالغ في الأمور التافهة ويجعلها ضخمة ومهمة .

القلق : ويشعر الشخص في هذه الحالة بالخوف والتوتر .

جمود أو تبلد الانفعال : وهو تبلد العاطفة – حيث إن الشخص في هذه الحالة لا يستجيب ولا يستشار بأي حدث يمر عليه مهما كان ساراً وغير سار .

عدم التناسب الانفعالي : وهذا اضطراب يحدث فيه عدم توازن في العاطفة فيرى الشخص المصاب هذا الاضطراب يضحك ويبكي من دون سبب مثير لهذا البكاء أو الضحك ، اختلال الآنية : حيث يشعر الشخص المصاب بهذا الاضطراب بأن ذاته متغيرة فيحس بأنه شخص متغير تماماً ، وأنه ليس هو ، وذلك بالرغم من أنه يعرف هو ذاته .

ويحدث هذا الإحساس أحياناً بعد تناول بعض العقاقير ، كعقاقير الهلوسة مثل (أل . أس . دي) والحشيش .. وأحب أن أضيف هنا عن المذيبات الطيارة (تشفيط الغراء أوالبنزين ... إلخ) .

يعاني متعاطي المذيبات الطيارة بشعور بالدوار والاسترخاء والهلوسات البصرية والدوران والغثيان والقيء وأحياناً يشعر بالنعاس .. وقد يحدث مضاعفات للتعاطي كالوفاة الفجائية نتيجة لتقلص الأذين بالقلب وتوقف نبض القلب أو هبوط التنفس كما يأتي الانتحار كأحد المضاعفات وحوادث السيارات وتلف المخ أو الكبد أو الكليتين نتيجة للاستنشاق المتواصل ويعطب المخ مما قد يؤدي إلى التخريف هذا وقد يؤدي تعاطي المذيبات الطيارة إلى وفاة بعض الأطفال الصغار الذي لا تتحمل أجسامهم المواد الطيارة .

وتأثير هذه المواد يبدأ عندما تصل إلى المخ وتذوب في الألياف العصبية للمخ .. مما يؤدي إلى خللاً في مسار التيارات العصبية الكهربائية التي تسري بداخلها ويترتب على ذلك نشوة مميزة للمتعاطي كالشعور بالدوار والاسترخاء .

الاضرار المادية:

هل يمكن تقدير ثمن الأرواح الإنسانية التي تزهق بسبب المخدرات ؟ أو هل يمكن تقدير قيمة دمار الأسر والمجتمعات وفقدان الأمن والاستقرار من هذه الجريمة ؟ إن المخاسر الاجتماعية والأخلاقية لتعاطي المخدرات لا يمكن تقديرها بالأموال لأنها أكبر من ذلك بكثير "مثلا في الأردن وبشكل رسمي كما ذكر مدير دائرة مكافحة المخدرات في مديرية الأمن العام في لقاء تلفزيوني أنه في العامين المنصرمين توفي ثلاثون شاباً بسبب تعاطي المخدرات .. ثلاثون شاباً عرفنا عنهم، وماذا عن الذين لم نعرف عنهم ؟ الذين توفوا نتيجة حوادث السيارات بسبب المخدرات .. وإضافة إلى هذه الخسائرفإن المخدرات تضطر المجتمع إلى أن يعمل ضدها ويقاومها ويخفف من تأثيرها .. مثل برامج العلاج والوقاية من المخدرات وكذلك الأعداد المتزايدة من رجال الأمن الذين يتم تجنيدهم وإعدادهم لمواجهة جريمة المخدرات تشكل كلفة هائلة .. أضف إلى ذلك ما تسببه المخدرات من أمراض، وما تقتضيه من معالجة ومن استنزاف للموارد وما تستلزمه من خدمات وما تسببه من أضرار .. وقد قدرت كلفة المخدرات في أميركا بثلاثة بلايين دولار .. وينفق الأميركيون 40 بليون دولار سنوياً لشراء المخدرات الممنوعة، وهذا المبلغ أقل بستة بلايين عن المبلغ الذي ينفق على نظام العدالة الجنائية.

أضرار المخدرات على الفرد نفسه :

إن تعاطي المخدرات يحطم إرادة الفرد المتعاطي وذلك لأن تعاطي المخدرات (يجعل الفرد يفقد كل القيم الدينية والأخلاقية ويتعطل عن عمله الوظيفي والتعليم مما يقلل إنتاجيته ونشاطه اجتماعياً وثقافياً وبالتالي يحجب عنه ثقة الناس به ويتحول بالتالي بفعل المخدرات إلى شخص كسلان سطحي ، غير موثوق فيه ومهمل ومنحرف في المزاج والتعامل مع الآخرين) .

وتشكل المخدرات أضراراً على الفرد منها :

المخدرات تؤدي إلى نتائج سيئة للفرد سواء بالنسبة لعمله أو إرادته أو وضعه الاجتماعي وثقة الناس به .

كما أن تعاطيها يجعل من الشخص المتعاطي إنساناً كسول ذو تفكير سطحي يهمل أداء واجباته ومسؤولياته وينفعل بسرعة ولأسباب تافهة .. وذو أمزجة منحرفة في تعامله مع الناس ، كما أن المخدرات تدفع الفرد المتعاطي إلى عدم القيام بمهنته ويفتقر إلى الكفاية والحماس والإرادة لتحقيق واجباته مما يدفع المسؤلين عنه بالعمل أو غيرهم إلى رفده من عمله أو تغريمه غرامات مادية تتسبب في اختلال دخله .

عندما يلح متعاطي المخدرات على تعاطي مخدر ما، ويسمى بـ((داء التعاطي)) أو بالنسبة للمدمن يسمى بـ((داء الإدمان)) ولا يتوفر للمتعاطي دخل ليحصل به على الجرعة الاعتيادية (وذلك أثر إلحاح المخدرات) فإنه يلجأ إلى الاستدانة وربما إلى أعمال منحرفة وغير مشروعة مثل قبول الرشوة والاختلاس والسرقة والبغاء وغيرها .. وهو بهذه الحالة قد يبيع نفسه وأسرته ومجتمعه وطناً وشعباً .

يحدث تعاطي المخدرات للمتعاطي أو المدمن مؤثرات شديدة وحساسيات زائدة ، مما يؤدي إلى إساءة علاقاته بكل من يعرفهم ..فهي تؤدي إلى سوء العلاقة الزوجية والأسرية ، مما يدفع إلى تزايد احتمالات وقوع الطلاق وانحراف الأطفال وتزيد أعداد الأحداث المشردين وتسوء العلاقة بين المدمن وبين جيرانه ، فيحدث الخلافات والمناشبات والمشاجرات التي قد تدفع به أو بجاره إلى دفع الثمن باهظاً .. كذلك تسوء علاقة المتعاطي والمدمن بزملائه ورؤسائه في العمل مما يؤدي إلى احتمال طرده من عمله أو تغريمه غرامة مادية تخفض مستوى دخله .

الفرد المتعاطي بدون توازنه واختلال تفكيره لا يمكن من إقامة علاقات طيبة مع الآخرين ولا حتى مع نفسه مما يتسبب في سيطرة (الأسوأ وعدم التكيف وسوء التوافق والتواؤم الاجتماعي على سلوكيات وكل مجريات صيانة الأمر الذي يؤدي به في النهاية إلى الخلاص من واقعة المؤلم بالانتحار) .

فهناك علاقة وطيدة بين تعادي المخدرات والانتحار حيث إن معظم حالات الوفاة التي سجلت كان السبب فيها هو تعاطي جرعات زائدة من المخدر .

- المخدرات تؤدي إلى نبذ الأخلاق وفعل كل منكر وقبيح وكثير من حوادث الدنى والخيانة الزوجية تقع تحت تأثير هذه المخدرات وبذلك نرى ما للمخدرات من آثار وخيمة على الفرد والمجمتع .

-  تأثير المخدرات على الأسرة :

الأسرة هي (الخلية الرئيسية في الأمة إذا صلحت صلح حال المجتمع وإذا فسدت انهار بنيانه فالأسرة أهم عامل يؤثر في التكوين النفساني للفرد لأنه البيئة التي يحل بها وتحضنه فور أن يرى نور الحياة ووجود خلل في نظام الأسرة من شأنه أن يحول دون قيامها بواجبها التعليمي لأبنائها) .

فتعاطي المخدرات يصيب الأسرة والحياة الأسرية بأضرار بالغة من وجوه كثيرة أهمها:

- ولادة الأم المدمنة على تعاطي المخدرات لأطفال مشوهين .

- مع زيادة الإنفاق على تعاطي المخدرات يقل دخل الأسرة الفعلي مما يؤثر على نواحي الإنفاق الأخرى ويتدنى المستوى الصحي والغذائي والاجتماعي والتعليم وبالتالي الأخلاقي لدى أفراد تلك الأسرة التي وجه عائلها دخله إلى الإنفاق عل المخدرات هذه المظاهر تؤدي إلى انحراف الأفراد لسببين :

أولهما : أغراض القدوة الممثلة في الأب والأم أو العائل .

السبب الآخر : هو الحاجة التي تدفع الأطفال إلى أدنى الأعمال لتوفير الاحتياجات المتزايدة في غياب العائل .

- بجانب الآثار الاقتصادية والصحية لتعاطي المخدرات على الأسرة نجد أن جو الأسرة العام يسوده التوتر والشقاق والخلافات بين أفرادها فإلى جانب إنفاق المتعاطي لجزء كبير من الدخل على المخدرات والذي يثير انفعالات وضيق لدى أفراد الأسرة فالمتعاطي يقوم بعادات غير مقبولة لدى الأسرة حيث يتجمع عدد من المتعاطين في بيته ويسهرون إلى آخر الليل مما يولد لدى أفراد الأسرة تشوق لتعاطي المخدرات تقليداً للشخص المتعاطي أو يولد لديهم الخوف والقلق خشية أن يهاجم المنزل بضبط المخدرات والمتعاطين .

ـ أضرار المخدرات على الإنتاج :

ـ يعتبر (الفرد لبنة من لبنات المجتمع وإنتاجية الفرد تؤثر بدورها على إنتاجية المجتمع الذي ينتمي إليه) .

فمتعاطي المخدرات لا يتأثر وحده بانخفاض إنتاجه في العمل ولكن إنتاج المجتمع أيضاً يتأثر في حالة تفشي المخدرات وتعاطيها فالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى تعاطي المخدرات ((تؤدي إلى انخفاض إنتاجية قطاع من الشعب العام فتؤدي أيضاً إلى ضروب أخرى من السلوك تؤثر أيضاً على إنتاجية المجتمع)) .

ومن الأمثلة على تلك السلوك هي : تشرد الأحداث وإجرامهم والدعارة والرشوة والسرقة والفساد والمرض العقلي والنفسي والإهمال واللامبالاة وأنواع السلوك هذه يأتيها مجموعة من الأشخاص في المجتمع ولكن أضرارها لا تقتصر عليهم فقط بل تمتد وتصيب المجتمع بأسره وجميع أنشطته وهذا يعني أن متعاطي المخدرات لا يتأثر وحده بانخفاض إنتاجه في العمل ولكنه يخفض من إنتاجية المجتمع بصفة عامة وذلك للأسباب التالية :

- انتشار المخدرات والاتّجار بها وتعاطيها يؤدي إلى زيادة الرقابة من الجهات الأمنية حيث تزداد قوات رجال الأمن ورقباء السجون والمحاكم والعاملين في المصحات والمستشفيات ومطاردة المهربين للمخدرات تجارها والمروجين ومحاكمتهم وحراستهم في السجون ورعاية المدمنين في المستشفيات تحتاج إلى قوى بشرية ومادية كثيرة للقيام بها وذلك يعني أنه لو لم يكن هناك ظاهرة لتعاطي وانتشار أو ترويج المخدرات لأمكن هذه القوات إلى الاتجاه نحو إنتاجية أفضل ونواحي ضحية أو ثقافية بدلاً من بذل جهودهم في القيام بمطاردة المهربين ومروجي المخدرات وتعاطيها ومحاكمتهم ورعاية المدمنين وعلاجهم .

- يؤدي كذلك تعاطي وانتشار المخدرات إلى خسائر مادية كبيرة بالمجتمع ككل وتؤثر عليه وعلى إنتاجيته وهذه الخسائر المادية تتمثل في المبالغ التي تنفق وتصرف على المخدرات ذاتها .

فمثلاً : إذا كانت المخدرات (تزرع في أراضي المجتمع) التي تستهلك فيه فإن ذلك يعني إضاعة قوى بشرية عاملة وإضاعة الأراضي التي تستخدم في زراعة هذه المخدرات بدلاً من استغلالها في زراعة محاصيل يحتاجها واستخدام الطاقات البشرية في ما ينفع الوطن ويزيد من إنتاجه .

أما إذا كانت المخدرات تهرب إلى المجتمع المستهلك للمواد المخدرة فإن هذا يعني إضاعة وإنفاق أموالاً كبيرة ينفقها أفراد المجتمع المستهلك عن طريق دفع تكاليف السلع المهربة إليه بدلاً من أن تستخدم هذه الأموال في ما يفيد المجتمع كاستيراد مواد وآليات تفيد المجتمع للإنتاج أو التعليم أو الصحة .

- أن تعاطي المخدرات يساعد على إيجاد نوع من البطالة ؛ وذلك لأن المال إذا استغل في المشاريع العامة النفع تتطلب توفر أيدي عاملة وهذا يسبب للمجتمع تقدماً ملحوظاً في مختلف المجالات ويرفع معدل الإنتاج ، أما إذا استعمل هذا المال في الطرق الغير مشروعة كتجارة المخدرات فإنه حينئذ لا يكون بحاجة إلى أيدي عاملة ؛ لأن ذلك يتم خفية عن أعين الناس بأيدي عاملة قليلة جداً .

- إن الاستسلام للمخدرات والانغماس فيها يجعل شاربها يركن إليها وبالتالي فهو يضعف أمام مواجهة واقع الحياة ... الأمر الذي يؤدي إلى تناقص كفاءته الإنتاجية فما يعوقه عن تنمية مهاراته وقدراته وكذلك فإن الاستسلام للمخدرات يؤدي إلى إعاقة تنمية المهارات العقلية والنتيجة هي انحدار الإنتاج لذلك الشخص وبالتالي للمجتمع الذي يعيش فيه كمّاً وكيفاً .

كل دولة تحاول أن تحافظ على كيانها الاقتصادي وتدعيمه لكي تواصل التقدم ومن أجل أن تحرز دولة ما هذا التقدم فإنه لا بد من وجود قدر كبير من الجهد العقلي والعضلي معاً ((يبذل بواسطة أبناء تلك الدولة سعياً وراء التقدم واللحاق بالركب الحضاري والتقدم والتطور)) ليتحقق لها ولأبنائها الرخاء والرفاهية فيسعد الجميع ، ولما كان تعاطي المخدرات ينقص من القدرة على بذل الجهد ويستنفذ القدر الأكبر من الطاقة ويضعف القدرة على الإبداع والبحث والابتكار فإن ذلك يسبب انتهاك لكيان الدولة الاقتصادي وذلك لعدم وجود الجهود العضلية والفكرية (العقلية) نتيجة لضياعها عن طريق تعاطي المخدرات .

- إضافة إلى ذلك فإن المخدرات تكبد الدول نفقات باهظة ومن أهم هذه النفقات هو ما تنفقه الدول في استهلاك المخدرات فالدول المستهلكة للمخدرات (مثل الدول العربية) تجد نفقات استهلاك المخدرات فيها طريقها إلى الخارج بحيث إنها لا تستثمر نفقات المخدرات في الداخل مما يؤدي (غالباً) إلى انخفاض في قيمة العملة المحلية ، لو كانت العملة المفضلة لدى تجار المخدرات ومهربيها هو الدولار .

- أثر المخدرات على الأمن العام مما لاشك فيه أن الأفراد هم عماد المجتمع فإذا تفشت وظهرت ظاهرة المخدرات بين الأفراد انعكس ذلك على المجتمع فيصبح مجتمعاً مريضاً بأخطر الآفات ، يسوده الكساد والتخلف وتعمّه الفوضى ويصبح فريسة سهلة للأعداء للنيل منه في عقيدته وثرواته فإذا ضعف إنتاج الفرد انعكس ذلك على إنتاج المجتمع وأصبح خطر على الإنتاج والاقتصاد القومي إضافة إلى ذلك هنالك مما هو أخطر وأشد وبالاً على المجتمع نتيجة لانتشار المخدرات التي هي في حد ذاتها جريمة فإن مرتكبها يستمرئ لنفسه مخالفة الأنظمة الأخرى فهي بذلك (المخدرات) الطريق المؤدي إلى السجن .. فمتعاطي المخدرات وهو في غير وعيه يأتي بتصرفات سلوكية ضارّة ويرتكب أفظع الحوادث المؤلمة وقد تفقد أسرته عائلها بسبب تعاطيه المخدرات فيتعرض لعقوبة السلطة وتؤدي به أفعاله إلى السجن تاركاً أسرته بلا عائل .. وكل ذلك سببه الإهمال وعدم وعي الشخص وإدراكه نتيجة تعاطيه المخدرات .



 

الهدف من التغيير في رمضان

 
كسر العادة :

أكثر ما اعتاد الإنسان عليه في حياته : الطعام والشراب ، ويتحول الأكل بالنسبة للإنسان من : سد للجوع إلى التلذذ بالأصناف المختلفة ، ثم ينتقل إلى الاعتياد على الطعام واعتباره مداراً للحياة حتى يصح القول المشهور "إنه يعيش ليأكل ولا يأكل ليعيش " . وسد الجوع يكفيه ما يأكله عقب الصوم ، لأن المرء قادر على أن يصبر على الطعام والشراب نصف يومه وليلته . وكأن الإسلام يقول للإنسان من خلال عبادة الصوم : ما دمت قادرا على تغيير أهم عادات يومك ، فأنت قادر على تغيير ما عداها.

أنتوني روبنز أحد المتميزين فيما يسمى " البرمجة اللغوية العصبية " ومن المقدمين المشهورين لدورات تطوير الذات .. يقدم في بعض دوراته تجربة أن يمشي المتدربون على الجمر .. وفلسفته في ذلك : أن من قدر على المشي على الجمر (وهي تجربة شبه مستحيلة بالنسبة له) قادر على مواجهة ما هو أقل من ذلك في حياته . وفلسفة الصيام أكثر عمقاً ، وكأنما تقول : ما دمت قادراً على ضبط ما أنت متعود عليه كل يوم ؛ فأنت قادر على ضبط ما عداه . لأن مشكلة الإنسان ليست مما يندر حدوثه ، وإنما مما يشيع حدوثه لديه.

تهذيب الفردية :

شهر الصوم يواجه الأنانية والفردية ، وتمركز الإنسان حول نفسه ، وانصرافه عن التواصل مع غيره ، وهي أساس في كثير من الاضطرابات النفسية ، فالأفكار اللاعقلانية المسببة للأمراض أفكار متمحورة حول الذات ، وأزمة المريض النفسي أزمة عدم توافق مع الذات ، ثم عدم توافق مع الآخر.

تنمية شعور الرحمة بالآخرين :

الصوم فقر إجباري يفرضه الإسلام على الناس ليتساووا في الشعور به (لتشارك الفقير في : قلة طعامه وشرابه ، وعدم قدرته على النكاح) ، فهو بهذا يفرض المساواة في أعلى معانيها دون لجوء إلى فجاجة مذاهب البشر كالاشتراكية وغيرها. وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم دالة على رهافة إحساس المسلم بأخيه : " ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به " رواه الطبراني والبزار بإسناد صحيح . وقوله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر، إذا طبخت مرقًا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف " رواه مسلم.

يجمع الإسلام الأمة على شعور واحدٍ من التراحم ، فهي به متماسكة تحت مفهوم "الشفقة". ولأن الرحمة إنما تنشأ عن الألم ؛ فإن تألم الصائم ضروري لشعوره بالرحمة.

بتجربة الصوم يتحول شعور الغني بطلب الفقير من رجاء إلى أمر ، وينتقل البذل من: " الجود المتفضل " إلى " الواجب ".

ضبط النفس والمراقبة الذاتية :

يتجاوز الصوم معنى ترك الطعام والشراب إلى : تعلم كيفية التحكم بالرغبات والغرائز وإخضاعها للفكرة السامية والشعور الروحي النبيل . فالإنسان يدع الطعام بإرادته ثم يتناوله وقت إذن الله له بإرادته ، وفي هذا ارتقاء بالإنسان من الإكراه إلى الاختيار. وتعويد على أن يكون مركز الضبط داخلياً وليس خارجياً.

في الصيام : شهوة الإنسان تابعة لفكرته السامية ، وهو مبدأ العلاج النفسي : أن تتغير الفكرة السيئة ، ويحل محلها فكرة حسنة فعالة ، وينتظم الإنسان من خلالها.

الصوم يطلع الإنسان على قدراته الكامنة التي لم يكن يستثمرها لغلبة العادة عليه ، ويفتح له باباً إلى استثمارها .

صلة الإنسان والمجتمع بدستور الأخلاق الإسلامية :

" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " . ربط الله جل وعلا الشهر بالقرآن ، وفي هذا ربط له بمستودع أفكار الإسلام وقيمه وتنظيمه للوجود ، فيه أنزل ، وهو أولى الشهور بالعناية بتطبيق مبادئ الإسلام فيه .

وقد رُبِط المسلم في رمضان بالقرآن بأكثر من صورة :
 

قيام الليل "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم.

الاقتداء بمراجعة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم للقرآن في رمضان من كل سنة .

علة الصوم " الحصول على التقوى : " لعلكم تتقون " ، وشكر الله على نعمته " ولعلكم تشكرون " . والتقوى تعني : تربية آلية الرقابة التي تمنع المرء من الوقع في الخطأ ، وتدفعه إلى فعل الصواب . وتعريف الإمام علي رضي الله عنه لها بأنها : الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ، هو ذكر للعناصر الرئيسية التي تعين على تحقيقها : وهي عناصر : فكرية ، وانفعالية ، وسلوكية .

التسامح مع الآخرين :

قال تعالى " كما كتب على الذين من قبلكم " وفي هذا إشعار بوحدة التاريخ الإنساني ، ليشارك المسلم في شعوره من قبله من الأديان في فرض الصوم عليها ، وليتعلم عبر ذلك التسامح والمشاركة الإنسانية مع الآخرين حتى ولو اختلفوا معه في معتقده .

إدارة الوقت :

يلح رمضان على رهافة شعور المسلم بالوقت فلحظة بعد الفجر تبطل صيامه إن أكل فيها ، وإفطاره قبل المغرب بدقيقة يبطل صيام يومه كله ، مما يشعره أن اللحظة ذات قيمة فارقة ، والوقت هو العنصر الرئيسي في معادلة الحضارة للأمة ، والتغيير للفرد . ورمضان شهر داخل السنة هو أفضل شهورها ، ثم العشر الأواخر هي أفضل الثلاثين يوماً ، ثم ليلة القدر هي أفضل ليلة في العام ، مما يركز لدى الإنسان مبدأ " تفاضل الأوقات " ، ويوجهه إلى اغتنام الأعمال الملائمة في الأوقات الفاضلة ، مما يعيد إليه ميزان إدراكه للزمن .

تحقيق العبوديـــة :

الغاية العظمى من تشريع العبادات هو تحقيق كمال العبودية لله عز وجل ولا بد أن يظهر هذا في أخلاق المسلم . ورمضان يتقلب في فصول السنة كلها : الصيف والشتاء والربيع والخريف ، وذلك لإشعار العبد بتقديم العبودية في جميع أوقات العام وحالاته من حر وبرد وانشغالٍ وفراغ .

اقترن رمضان بالدعاء حتى تداخلت آيات الصوم مع آيات الدعاء ، والدعاء من أجلِّ عبادات رمضان ، وهو يرسخ عند العبد شعوره بالافتقار إلى ربه جل وعلا ، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال يومًا وقد حضر رمضان: "أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه؛ فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته؛ فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمه الله عز وجلَّ" رواه الطبراني ورواته ثقات. و عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: أرأيت أن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنّي" رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم " إن للصائم عن فطره دعوة لا تُرَد ".

تعليم الصبر :

قال الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله : " لابد لكل مؤمن في سائر أحواله من ثلاثة أشياء : أمرٍ يمتثله ، ونهيٍ يجتنبه ، وقدرٍ يرضى به " . ومدار الأمر والنهي والقدر على الصبر ، وقد جعل الله تعالى الصبر واليقين طريقاً لنيل الإمامة في الدين : " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ " . والعلاج النفسي مبني على المجاهدة ، والمجاهدة معتمدة على الصبر .

تهذيب الخلق :

الصوم ليس صوماً عن الطعام والشراب والنكاح فحسب ، وإنما هو صوم النفس عن متابعة سيء الخلق والعادات " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " . وقول الزور والعمل بالزور ، هو : قول خلاف الحق ، وعمل خلاف الحق ، فكأنه نهيٌ عن كل سيء ، وأمرٌ بكل حسن. " الصيام جُنَّة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب - وفي رواية: (ولا يجهل)- فإن امرؤ سابه أو قاتله فليقل: إني صائم، مرتين" متفق عليه . وإذا تجاوز العبد هذا المعيار الأخلاقي أدركه قول النبي صلى الله عليه وسلم " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش" ، ولهذا ذهب بعض السلف إلى : أن المعاصي كلها تُفطِّر، ومن ارتكب معصية في صومه فعليه القضاء، وهو ظاهر ما روي عن بعض الصحابة والتابعين، وهو مذهب الإمام الأوزاعي ، وهو ما أيده ابن حزم من الظاهرية. وإن كان جمهور العلماء قد ذهبوا إلى أن المعاصي لا تُبطل الصوم، ولكن تخدشه وتصيب منه، بحسب صغرها أو كبرها.

تدريب المسلم على التوازن :

فنصف يومه جوع ، ونصفه إذنٌ بالطعام ، ونصفه ترك للجنس ، والنصف الثاني سماح له به ، وهو نوع من إعادة التوازن المضطرب إلى الإنسان.

ما هي الشخصية السوية التي ينبغي أن تحافظ على معاييرها بقية العام :
الشخصية السوية :

تبنى الشخصية السوية للإنسان على " العلاقة الصحية مع الذات " ، وتعتمد على :

فهم الذات : بمعرفة نقاط القوة والضعف فيها معرفةً أقرب إلى الواقع ، فلا يبالغ فيها ولا يقلل منها .

تقبل الذات : أن يقبل ذاته بكل ما فيها من إيجابي وسلبي ، دون أن يعني ذلك قبوله للسلوك السلبي .

تطوير الذات : أن لا يقنع بما هو عليه وإنما يسعى للنمو والتحسن . فتقبل الذات مقدمة لتحسينها لا للاكتفاء بما وصلت إليه . لأن من يرفض ذاته يرفض تحسينها.

الجماعية والفردية :

ففي رمضان تزكية لبعد " الجماعية " بالعبادات المشتركة " : صلاة التراويح ، تفطير الصائم ، الشعور بآلام الآخرين ممن لا يجدون ما ينفقون .... إلخ " ولبعد " الفردية " (مراقبة الله تعالى في الصوم ، الاعتكاف .. الخ) . في توازنٍ لا يسمح للجماعية أن تطغى فيعتاد الإنسان على مسايرة الآخرين والتبعية لهم " الإمَّعِيَّة " ، ولا " للفردية " أن تتجاوز لتظهر الأثرة والأنانية والتعالي على الخلق والنظر إليهم باعتبارهم أدوات لتحقيق رغبات الذات " النرجسية المفرطة " .

الروحية والمادية :

في الإسلام توازن بالغ الرهافة بين الروحية والمادية ، فثمت أديان تجعل الوصول إلى الله تعالى لا يتم إلا عبر إماتة الجسد البشري ، وحرمانه من أهم رغباته وحاجاته ، وثمة أنظمة دنيوية أطفأت الجانب الروحي في الإنسان وجعلت حياته مسيرة دائبةً لتحقيق مطالب الجسد فحسب ، أما الإسلام فيرى أن الجسد تجلٍ من تجليات الروح ، وأنك لا تعبر إلى الرقي الروحي إلا بعد إعطاء الجسد حقه ، وقد تجلى ذلك بوضوح في عبادات رمضان . فالصوم في الإسلام لا يُسمَح فيه بتجاوز الحد تعذيباً للبدن ، إذ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن " الوصال في الصوم " ورغَّبَ في تعجيل الفطر وتأخير السحور ، حتى لا يتكلف أحدٌ فيتجاوز الحد المشروع ، وأذن للعباد أن يأووا إلى نسائهم ليلة الصيام " أُحِلَّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ، هنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن ".

أما الروح فتنال نصيبها في الصوم عبر الشعور بالقرب الإلهي ، وزيادة العبادات الباعثة إلى ذلك.

العبادة والعمل :

إذ لا يرى الإسلام فرقاً بين عبادة وعمل ، فكل عمل عبادة إن أخلص المرء فيه لله ، وعمله على مقتضى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

التطوع والالتزام :

في " الالتزام " تحديد للحد الأدنى الذي ينبغي أن يسير عليه كل فرد ، وفي فتح باب التطوع مراعاة للفروق الفردية بين البشر ، فمن شاء أن يستزيد استزاد .

وفي عبادة الصوم مثالٌ على ذلك : فالأساس أن لا يترك المسلم صيام شهر من كل عام ، لأنه لا يمكنه أن يشعر بالآخرين ويرتقي بالنفس دون ذلك ، ثم يفتح باب التطوع لمن شاء أن يستزيد مراعاةً للفروق الفردية (ثلاثة أيام من كل شهر ، الاثنين والخميس ، ست من شوال ، يوم عرفة ، عاشوراء .. صيام يوم وإفطار يوم) كلٌ بحسب ما يجد من راحة نفسه.

الثبات والتغير :

يركز الإسلام على الأسس التي لا تتغير في طبيعة الفرد بتغير الزمان والمكان ، فيجعلها أصولاً ثابتة لا ينالها التغيير ( كأصول الإيمان ، وأصول الشرائع ) ، ثم يفتح الباب أمام ما يمكن أن يتغير بتغير الأزمنة والأمكنة ، بعد أن يضع لها الأصول العامة.

ولأن الصوم مرتبط بشيء ثابت في عمق الإنسان (وجوب الشعور بالآخر ، تصفية النفس من الشوائب ، التعالي على العبودية لرغبات الجسد) فهو من ثوابت الإسلام التي لا تتغير .

أما المتغيرات فتتمثل في سبل الخير التي يختارها الإنسان لتترافق مع صيامه ، تزكيةً لنفسه ، وارتقاءً بها .

الإيجابية والسلبية :

لكل عبادة في الإسلام جانبان : الترك والفعل . فأنت تترك الزنا للزواج ، وتترك التكبر على الناس للتواضع لهم ، فهي سلبية أمام فعل الشر ، وإيجابية في سلوك الخير .

وللصوم أفعال ترك سلبية : (ترك قول الزور والعمل به ، ترك الرفث ، ترك الطعام والشراب والنكاح في نهار رمضان).

وأفعال إيجابية : الإكثار من ذكر الله تعالى والصلاة والصدقة .... وخصال الخير.

المثالية والواقعية :

الإسلام يحدد للمسلم مثاليات يمكنه أن يصل إليها عبر واقع الحياة اليومية ، ولا يغرقه في المثالية الزائفة التي لا يمكن للبشر الوصول إليها (كمثالية ترك الزواج بالكلية .. أو مثالية المبالغة في الجوع حتى لا يكاد يقوم الإنسان بواجبات الحياة عليه) . وهو - على الجانب الآخر - لا يثبطه عن الأهداف المثالية بحجة الواقعية الزائفة التي تحصر الإنسان في تصورات الضعف والعجز .

ورمضان يحقق معادلة (الواقعية - المثالية) الإسلامية ، إذ أهدافه بالغة السمو والمثالية (رهافة الشعور الإنساني بالآخرين ، تنمية المراقبة الذاتية ، تجاوز الرغبات الدنيئة) ويتم ذلك عبر سلوكيات واقعية بسيطة (الصوم بصورة معينة ، الإكثار من العبادات إلى حدٍّ معين ... إلخ) .

يتحدد بالوازع الداخلي والوازع الخارجي :

يهتم الإسلام بأن يكون مبعث كل سلوك للإنسان داخلياً من أعماق ضميره هو ، ولكنه لا يتهاون مع من قلَّ ضبطه الداخلي ، كي لا يفسد على المجتمع قيَمَه ، ولهذا وضع تشريعات للضبط الخارجي . فمن أفطر في نهار رمضان لقلة وازعه الداخلي عوقب من قبل ولي الأمر حتى لا يفسد على البقية عزيمتهم



 

ثوابت في مجريات التغيير

 

على قدر أهمية التغيير وضرورته في حياة الفرد إلا أن ثمة ثوابت تثبت في مجريات التغيير وتكون غير قابلة للتغير بأي حال منها:

مسائل الإيمان والعقائد، فصفات الله -سبحانه وتعالى- والملائكة والجنة والنار واليوم الآخر وعذاب القبر وغير ذلك من مسائل الغيب لا تقبل الإضافة مطلقاً وكذلك الصلوات من فرائض ونوافل لا تجوز الزيادة فيها على المشروع، فلا جديد على الصلاة والصوم والزكاة والحج.

ومن الثوابت: أن الإسلام هو خاتم الأديان والرسالات ولا يقبل الله من الناس غيره. فمن مات على غير الإسلام فهو من أهل النار {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [(85) سورة آل عمران].

ومن الثوابت: إقامة العدل ومنع الظلم، قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}   [(90) سورة النحل].

ومن الثوابت: شمولية الإسلام، فهو نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً لقوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [(38) سورة الأنعام)]. فلا فصل بين الدين والعلم، ولا فصل بين الدين والسياسة، كما أنه لا فصل بين الدين والاقتصاد.

ومن الثوابت في حياة الأمة: المحرمات اليقينية من السحر وقتل النفس والزنا وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات والسرقة والغيبة والنميمة والكذب وغيرها.

ومن الثوابت: أمهات الفضائل من الصدق والأمانة والعفة والصبر والوفاء بالعهد والحياء والكرم والمروءة.

ومن الثواب: أن الإسلام قد حرص على إقامة مجتمع العفاف والطهر، وقضى على انحرافات الجاهلية، فمنع الاختلاط ودواعيه، وحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية ومصافحتها، وحث على غض البصر، وأمر بلباس شرعي ساتر للمسلمة.

ومن الثوابت: الأحكام القطعية في شؤون الأسرة والمجتمع التي ثبتت بالنصوص المحكمة، مثل إباحة الطلاق وتعدد الزوجات وإيجاب النفقة على الزوج وإعطائه درجة القوامة على الأسرة، فلا يسوغ لأحد تقييد الطلاق وتقييد تعدد الزوجات والدعوة إلى الاختلاط وترك الحجاب بحجة تحرير المرأة والتمدن والتحضر والاستنارة. فهذه ثوابت في ديننا لا تقبل المناقشة.

ومن الثوابت: أن الرجل والمرأة في ميزان الإسلام جناحان لا تقوم الحياة ولا ترقى إلا في ظل عملية مواءَمة بينهما، فالله خلق المرأة للمهمة ذاتها التي خلق من أجلها الرجل، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات].

المرأة في ميزان الإسلام كالرجل، فرض الله عليها القيام بالتكاليف الشرعية، فلها أن تتعلم ما ينفعها من علوم الدنيا والآخرة.

ومن الثوابت: أن الخالق -جل وعلا- زوّد كلاً من الرجل والمرأة بخصائص تتوافق والمهمة التي يقومان بها، وجعل فروقاً بينهما، فالمرأة تختلف عن تكوين الرجل في بنائها الجسمي وتكوينها الجسدي، ومما تتميز به خصائص الأنوثة، سرعة الاستجابة، رقة العاطفة، غلبة الحياء، كثرة الخجل، قلة التحمل، والظروف الطارئة الطبعية، اقتضت حكمة العليم الخبير ذلك، لتؤدي دورها المرسوم في الحياة بما يتلاءم مع فطرتها، والزجّ بها في الميادين الخاصة بالرجل انتكاسة للفطرة ومصادمة للواقع خِلقةً وحكماً وشرعاً.

عنصر الثبات يتجلى في رفض المجتمع المسلم، للعقائد والمبادئ والأفكار والقيم والشعارات التي تقوم عليها المجتمعات الأخرى غير المسلمة؛ لأن مصدرها غير مصدره، وجهتها غير وجهته، وسبلها غير صراطه، ولذلك حرص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على تميّز المسلمين في كل شؤونهم عن مخالفيهم، فتميّز المجتمع المسلم أمر مقصود للشارع.

ومن الثوابت: أن الإسلام لا يمكن تجزئته، فلا بد أن يؤخذ كله كما أمر الله، عقيدةً وعبادة، أخلاقاً ومعاملةً، تشريعاً وتوجيهاً. الإسلام ليس مجرد عقيدة بلا عبادة وعمل، وليس عبادة بلا أخلاق، أو أخلاقاً بلا تعبد، وليس عقيدة وعبادة وأخلاقاً بلا تشريع ونظام يسود الحياة.

ثوابت المسلمين ذات قرار مكين، مستمدة من توجيهات الإسلام وهي صمام الأمان لهم، تقيهم من الضياع والانفلات وتصل بهم إلى بر الأمان.

إن قيمنا الراسخة المستمدة من الكتاب والسنة هي الضمان الأوحد لإعداد جيل المستقبل، وإن البعد عن الصراط المستقيم تنكُّب للطريق، حتى لو قلنا: إنه مسايرة لطبيعة العصر الحديث. هناك فرق شاسع في المفهوم الانفتاحي على الآخرين وتبعية الأمة، ذلك أن عزة الأمة تأبى التبعية كي لا تذوب في المجتمعات الأخرى، وتتبع أهواءها، ولا تقلدها ولا تتشبه بها، فتفقد بذلك أصالتها وشخصيتها المتميزة، فيضيع الدين والدنيا معاً.

أي نمو وتقدم للمجتمعات المسلمة يُعدّ محموداً إذا كان يحقق الأهداف الأساسية لحياة المسلم، وأبرزها: العبادة لله رب العالمين، خلافة الله في الأرض، عمارة الأرض. وبقدر ما يحقق الإنسان هذه المقاصد أو الأهداف يُعد تقدمه حقاً ونافعاً، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [(20 -26) سورة الأنفال].