التربية الإسلامية .. والتربية العامة .. التشابه والاختلاف

لا يعتبر علماء التربية الإسلامية أن هناك مجالا للتشابه أو الاختلاف بين المفهومين , إذ أنهم يعتبرون أن تداخلهما من مفهوم دخول الفرع في الأصل , فما من أصل من أصول التربية العامة إلا وقد شمله مفهوم التربية الإسلامية وزاد عليه ونقح فيه وضبطه بضوابط تُقيده خشية الغلو فيه .

 

 

ويجب أيضا أن يتضح جليا أن أصول التربية الخاصة بمنهج غير اسلامي تختلف في كتابات وإسهامات علمائها اختلافا كثيرا نظرا لاختلاف منهجية تناولها بينهم لاختلاف بيئاتهم وعلومهم وثقافتهم ومشكلاتهم البيئية ونظرا لاعتمادهم على التقييم العقلي المنطقي وحده الذي يصيب أحيانا ويخطئ أحيانا أخرى , ولكن من أهم ما اشتركوا فيه ان كلا منهم يرى منهجه وتناوله هو التناول الأصوب لأصول التربية
ولسنا هنا في حاجة لبيان اختلافاتهم ومناهجهم بقدر ما نحن بحاجة إلى تبيان التشابه والاختلاف بين هذه الأصول وبين أصول التربية الإسلامية .

 

 

ومفهوم أصول التربية : هو تلك النظريات التي صيغت لتوجه التطبيق في العمل التربوي التي لها أهمية شديدة في إعداد وتهيئة الذين يقومون بالعملية التربوية وتقدم لهم الأساليب والمهارات التربوية والتعليمية التي تمكنهم من السير الفعال والناجح في العمل التربوي

وهذه الأصول اتفقت في نظر علماء التربية على عدة محاور منها :
1- الثقافة :
ويقصد بالثقافة هنا ذلكم الموروث الجتماعي الذي يكتسب بالاحتكاك بين الأجيال , وهي مكتسبات عامة تصل لكل المجتمع وبذلك تختلف تماما عن العلم الذي يناله الخاصة , وتنقسم إلى ثقافة معنوية كمفردات اللغة والدين والعادات والتقاليد المجتمعية وكذلك أنماط السلوك بحسب ما يرتضيه ذلك المجتمع , والقسم الثاني الثقافة المادية التي تشمل كل الجوانب المادية في الحياة كطرق المعيشة وكسب المال وإنفاقه

2- التجربة
تشكل التجربة عند الغربين أصلا أساسيا لا غنى عنه من أصول التربية حيث أنهم يعتمدون على منهج الصواب والخطا منبثقا من فكرة التجربة المجتمعية , فما صلح للفرد أو للمجتمع ثبت وصار عرفا أو خلقا أو قانونا وما نشأ عنه اضطرابات ومشكلات يعتبر مذموما في الموروث التربوي المجتمعي , فالتجربة وحدها تتولى تربية الإنسان كفرد أو المجتمع ككل , وأعظم وظيفة للمربين أن يساهموا بإشراك المتربين في التجربة وتهيئة الظروف الملائمة لكي تكتسب شخصية الفرد أو شخصية المجتمع قوتها

3- الذاتية
تعتمد التربية في نظر غير المسلمين على مفهموم الذاتية كمفهوم أصيل من حيث تحقق التربية الهدف الأسمى عندهم وهو تحقيق أقصى منفعة للذات بغض النظر عن منفعة المجتمع ثم تقديم منفعة مجتمعهم على غيره من المجتمعات , فدعت إلى الاعتماد على الذات وتقويتها واعتبارها منبع القيم والمركز الذي يجب أن تدور كل الأشياء من حوله .

أما التربية الإسلامية كان لها تصور آخر في تلك القضايا وكان لها أصول اشتملت على تلك الاصول السابقة وأضافت إليها وكبحت جماح بعضها وصوبتها وقومت اعوجاجها
فقامت النظرية التربوية الاسلامية على مبدأ أولى أساسي هو أن الانسان ليس مركزا للكون وليس مالكا له , فليس له أن يتصرف فيه كيفما شاء ,  بل هو مستخلف فيه وليس له ان يستمد قيمه من ذاته بل يستمدها كلها من خالقه العالم بكل ما يحتاجه ويصلحه  تصديقا لقوله تعالى " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف "

وقامت ركائز التربية الاسلامية على:
1- الإيمان بالله
فكانت كل العلوم تنبثق من تلك العقيدة ومنها علم التربية وأصوله فلا تأليه للإنسان ولا عصمة لعقله , ولا قبول لكل فلسفة أو قول أو نظرية مالم تكن متوائمة مع تلك العقيدة , ولا حرية مطلقة للعقل ليشطح في مجال يريد , بل كل شئ خاضع لتلك العقيدة التي تحكم كل علم وتقيده بقيد , وبهذا لم تنفصل التربية الاسلامية عن الدين كما الحال في التربية الغربية بل لم يحدث اصطدام بينهما , وكان من ثمرات الايمان أيضا أن تخلصت أصول التربية من آفتي الهوى والجهل لأنها صادرة من لدن العزيز الحكيم رب البشر جميعا والذي وسع علمه كل شيئ

2- الثوابت
فلم تكن أصول التربية الاسلامية خاضعة لعامل التجربة واستخلاص النتائج واستنباط العبربكل ما تكبدهم تلك التجربة من أثمان باهظة يدفعها الأفراد والمجتمعات على حد سواء , فكانت هناك أصول ثابتة لا تتغير ولا تتبدل على مر العصور وعلى اختلاف البلدان أمرنا بها ربنا سبحانه بوحيه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم

3- الاقتداء
لم تكن الأصول الإسلامية للتربية مجرد مذاهب فكرية أو رياضة ذهنية أو قول عالم منظر منعزل في برج عاجي بل طبقت كتجربة عملية تصلح للاقتداء بها في أي زمان ومكان مع مرونتها الكاملة في التطبيق لمراعاة عوامل اختلاف الأزمنة والبلدان .

هذا قليل من كثير من أقوال علمائنا الأجلاء في الفرق بين التربية العامة وأصول التربية الاسلامية وتتوافر في المكتبة العربية الكثير من المراجع المتوسعة في البحث في أصول التربية الاسلامية يحسن الرجوع اليها لعمق فائدتها