د. محمد همام، المشرف على مركز دراسات السنة النبوية بالأردن: الفصام الشخصي عند بعض الدعاة سبب الانهيار

اعترف الداعية الإسلامي الأردني؛ الدكتور محمد همام سعيد، المشرف على مركز دراسات السنة النبوية في العاصمة الأردنية عمان؛ بأن بعضًا من أبناء كبار الدعاة، والعاملين في مجال الدعوة الإسلامية، قد انصرفوا عن نهج آبائهم، ورفضوا مواصلة السير في طريق الدعوة، معتبرًا بأن "الانشغال بمهام الدعوة" المبرر الذي يسوقه غالب الدعاة المقصرين في تربية أبنائهم؛ مطالبًا بالمؤسسات الدعوية بمد يد العون للدعاة المشغولين لمساعدتهم في تربية أبنائهم.
وفي حوار خاص لموقع "المسلم"؛ أرجع الداعية الأردني؛ الدكتور محمد همام؛ انصراف بعض أبناء الدعاة عن الالتحاق بركب الدعوة الإسلامية إلى عدة أسباب منها: عدم اختيار الزوجة الصالحة الداعية إلى الله من قبل الداعية، وانشغال الداعية في أمور 0الدعوة، وعدم تمثل الداعية للقيم الإسلامية والإيمانية والاجتماعية في بيته؛ فضلا عن عدم اهتمام الدعوة ومؤسساتها بأبناء الدعاة، والواقع الفاسد الذي تتصف به المجتمعات المسلمة في بلاد المسلمين.
وقسم الدكتور محمد همام أبناء الدعاة من حيث القرب أو البعد عن طريق الدعوة إلى ثلاثة أقسام: "قسم انتهج طريق الدعوة إلى الله عز وجل، على تفاوت بينهم في المراتب والمنازل؛ وقسم انتهج طريق الانشغال بالدنيا، وتحصيل القوت والعيش والمال، وهو حال أغلب المسلمين اليوم"؛، مشيرًا إلى أن "القسم الثالث من أبناء الدعاة انحرف عن طريق الدعوة، وانجرف وراء الشهوات والمنكرات، حتى صاروا أعداء للدعاة"!.
 
مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
* يسعدنا في البداية أن نعرف جمهورنا الكرام على ضيفنا.. فهلا قدمت نفسك للجمهور؟
** الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلّ اللهم وسلم وبارك على حبيبنا المصطفى كما تحب يا رب وترضى، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. وبعد:
اسمي محمد همام عبد الرحيم سعيد، مشرف على مركز دراسات السنة النبوية في مدينة عمان بالأردن، وفقني الله في الحصول على درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله، والتخصص الدقيق في "مقاصد الشريعة والسياسة الشرعية"؛ حيث كانت أطروحة الدكتوراه بعنوان "فقه الأولويات وتطبيقاته في السياسة الشرعية".
 
* وماذا عن إنتاجكم العلمي؟
** منّ الله عليّ بتأليف عدد من الكتب مثل:-
1- كتاب "تأصيل فقه الأولويات دراسة مقاصدية تحليلية"، طبع دار العلوم، عمان_ الأردن، ط1، 2007م.
2- موسوعة "أحاديث الفتن وأشراط الساعة"، موسوعة تصنيفية منهجية لأحاديث الكتب الستة ومسند الإمام أحمد ورواياتها من كتب السنة، مؤلف مشارك. مؤسسة جهاد الأستاذ للنشر، ودار الكوثر، الرياض، 2007م.
3- كتاب "منازل السائرين ومراتب الصائمين"، مؤلف مشارك، الجوهرة المنيرة للنشر والإنتاج الفني والتوزيع، 2008م.
4- موسوعة "أحاديث المعاملات المالية، دراسة تصنيفية فقهية لأحاديث كتب السنة"، مؤلف مشارك، مؤسسة جهاد الأستاذ، الرياض، 2009م.
5- كتيب "متن المنظومة البيقونية، ضبط وتعليق"، 2007م، طبع مركز أبو نصير القرآني، عمان – الأردن.
6- منظومة الإلبيري، ومختارات من منظومات أدب طالب العلم، ضبط وتعليق، مشارك، طبع مركز أبو نصير القرآني، عمان – الأردن.
وهناك عدد من الكتب مازالت تحت الطبع مثل:-
1- كتاب شرح المنظومة البيقونية التطبيقي.
2- موسوعة الشمائل النبوية، دراسة تصنيفية منهجية لأحاديث كتب السنة، مؤلف مشارك.
3- موسوعة الطب النبوي، دراسة تصنيفية منهجية لأحاديث كتب السنة، مؤلف مشارك.
إضافة إلى عدد من الأبحاث العلمية المنشورة، أهمها: بحث "تحديد مجالات السياسة الشرعية من خلال علاقتها بالأحكام التكليفية"، بالاشتراك مع أ. د محمد نعيم ياسين، نشر في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، جامعة آل البيت- الأردن، المجلد 3 العدد 3 شعبان 1428هـ، أيلول 2007م.
 
* ننتقل إلى موضوع الحوار وهو أبناء الدعاة أين هم من الحركة الإسلامية، فنسأل: كيف يمكن تصنيف أبناء الدعاة من حيث القرب والبعد عن طريق الدعوة؟
** يمكن تصنيف أبناء الدعاة من حيث القرب والبعد عن طريق الدعوة إلى ثلاثة أقسام:-
القسم الأول: أبناء انتهجوا طريق الدعوة إلى الله عز وجل: على تفاوت بينهم في المراتب والمنازل؛ فبعضهم فاق أباه وبعضهم سار على منواله في مستواه، والبعض وهم الأعم الأكثر نزل عن درجة والده، ولكنه بقي في كنف الدعوة يدور في فلكها، إما قريبا من مركزها أو بعيدًا على حدودها.
والقسم الثاني: أبناء انتهجوا طريق الانشغال بالدنيا، وبتحصيل القوت والعيش والمال، كما هو حال أغلب المسلمين اليوم، لكنهم يحبون الدعوة ويلجأون إليها في المهمات.
والقسم الثالث: أبناء انحرفوا عن طريق الدعوة وانجرفوا وراء الشهوات والمنكرات وصاروا بحكم حالهم أعداء للدعاة أو على الأقل بعيدين كل البعد عن فلك الدعوة.
 
* لكن لماذا لا يحرص أبناء الدعاة على انتهاج طريقة آبائهم والسير في ركابهم؟
** انطلاقا من التقسيم المنطقي الواقعي الذي أوضحناه في إجابة السؤال الأول، يمكن معرفة أسباب عدم حرص كثير من أبناء الدعاة على انتهاج طريقة آبائهم؛ فالصنف الأول: لا بد سيكون حريصًا على انتهاج طريق الدعوة، لأنه سار مع فطرته التي فطره الله عليها، وهداه الله عز وجل ووفقه للتمسك بهذا الطريق، أما الصنفان الآخران فهما موضع السؤال، ولكي نستطيع الإجابة على سبب عدم حرصهم على انتهاج طريق آبائهم لا بد من تسليط الضوء على بعض العوامل التي أدت إلى زهد هذه الفئة في اللحاق في ركب آبائهم.
 
* وما هي في رأيك العوامل التي أدت إلى زهد هذه الفئة من أبناء الدعوة في اللحاق في ركب آبائهم؟
** يمكن في عجالة سريعة تلمس بعض العوامل المسببة لهذا الانتكاس في النقاط التالية:-
1-     عدم اختيار الزوجة الصالحة الداعية إلى الله من قبل الداعية.
2-     انشغال الداعية في أمور الدعوة.
3-     عدم تمثل الداعية للقيم الإسلامية والإيمانية والاجتماعية في بيته.
4-     عدم اهتمام الدعوة ومؤسساتها بأبناء الدعاة.
5-     الواقع الفاسد الذي تتصف به المجتمعات المسلمة في بلاد المسلمين
 
* فماذا تقصد بالنقطة الأولى "عدم اختيار الزوجة الصالحة الداعية إلى الله"؟
** أقصد بعدم اختيار الزوجة الصالحة، الداعية إلى الله، من قبل الداعية، تركيز كثير من الدعاة أو ممن هم في ركب الدعوة – للأسف الشديد- على اختيار الزوجة لجمالها أولا، ثم مالها، ثم حسبها، وأخيرًا دينها!!، وقد يظن البعض بأنه قادر على تربية الزوجة، ودعوتها وتغييرها، وهذا وإن أمكن حدوثه إلا أنه في كثير من الأحوال لا يتم لأسباب كثيرة؛ أحدها انشغال الداعية عن زوجه وبيته فمتى سيربي زوجه؟!، ثم إنه ما يلبث إلا ويرزق بالولد فبتربية من سيستغل وقت فراغه إن تسنى له هذا الوقت؟!!
 
* وهل فعلا يؤثر انشغال الداعية في أمور الدعوة على تربية أبنائه إلى هذا الحد؟!
** بالتأكيد؛ فلا شك أن انشغال بعض الدعاة بمهام وأعباء الدعوة، يأخذ حيزًا كبيرًا من وقت الداعية، فيظل يتحرك خارج البيت في مهام دعوية سواء داخل الوطن أو خارجه، فيظل في سفر وترحال شبه دائم، وإن عاد إلى بيته فيعود مرهقًا، هذا بالطبع بالإضافة إلى انشغاله بأعماله الدنيوية؛ من عمل أو تجارة أو وظيفة، فضلا عن أن البعض قد ينشغل في أمور إدارية في الدعوة أو مؤسساتها، وبالتالي يغيب الداعية عن بيته بالكلية أو في أغلبية وقته، فلا يجد وقتًا لتربية أولاده.
 
* وماذا تقصد بقولك "عدم تمثل الداعية للقيم الإسلامية والإيمانية والاجتماعية في بيته"؟
** أقصد بذلك مخالفة الداعية قوله لفعله في بيته، وهو ما يؤدي إلى نفور أفراد عائلته منه، ومن الطريق الذي يسير فيه، فعندما تغيب القدوة التي تتمثل في الداعية بشكل عملي وحقيقي وطبيعي دون تصنع فذلك يعني بالضرورة حصول خلل كبير في طريقة تربية الداعية لأهل بيته، حيث يفقد الابن المثال والقدوة، وبالتالي يحدث الفصام النكد بين النظرية والتطبيق، وبين المنهج والواقع، فيهرب الولد عن أبيه باحثًا عن قدوة يتمثل بها!.
 
* وهل تعتقد أن من حقوق الداعية على الحركة التي ينتمي إليها أن يعملوا على تربية أبنائه فيظل انشغاله بمهام الدعوة؟!
** لا شك أن أحد أهم أسباب ابتعاد أبناء الدعاة عن السير في طريق آبائهم هو عدم اهتمام الدعوة ومؤسساتها بأبناء الدعاة، وبتربيتهم منذ الصغر، حيث تشتهر مقولة رائجة على ألسنة بعض العاملين في سلك الدعوة بأن على الداعية أن يصلح بيته قبل أن يصلح بيوت الناس، وهذه المقولة وإن كان مضمونها صحيحًا إلا أنها تُستخدم في الغالب في غير محلها؛ حيث يُترك أبناء الدعاة بسببها!
والأصل أن من حقوق الداعية على مؤسسات الدعوة وتنظيماتها أن يعملوا على تربية أبنائه، ليلتحقوا بركب الدعوة، فكما أنه يجب على الداعية القيام بمصالح الدعوة ومؤسساتها، فكذلك يجب على مؤسسات الدعوة أن تبذل الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على أبناء الدعاة وتربيتهم وتزكيتهم، وعلى هذه القاعدة العظيمة سار سلفنا الصالح في تربية أبناء الدعاة والعلماء بل والولاة والأمراء الصالحين.
وقد بين ذلك إمام المقاصديين والأصوليين الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات؛ حيث قال: "فكما يجب على الوالي القيام بمصالح العامة فعلى العامة القيام بوظائفه من بيوت أموالهم إن احتاج إلى ذلك"، فإذا كان من حق الوالي على الناس أن يقوموا بحاجاته ووظائفه الخاصة فمن حق الداعية من باب أولى وهو الذي ترك بيته وأبناءه من أجل المصلحة العامة للدعوة أن تقوم مجموعة من المربين في الدعوة بتربية أبنائه وتوجيههم.
 
* وماذا تقصد بقولك "الواقع الفاسد الذي تتصف به المجتمعات المسلمة في بلاد المسلمين"؟
** لا شك أن الواقع الفاسد الذي تتصف به المجتمعات المسلمة هو عامل مهم؛ له أبلغ الأثر على ابتعاد أبناء الدعاة عن طريق الدعوة، وكذا كثرة المفسدين وتنوع طرق إفسادهم، وتبني الأنظمة بشكل عام لمنهج الإفساد؛ لأنه المنهج الوحيد القادر على تخدير الشعوب وتنويمها، ولأن هذه الأنظمة فاسدة في مناهجها ودساتيرها وقوانينها ومؤسساتها وأشخاصها وكل إناء بما فيه ينضح فلا ينتج عن المفسد إلا الإفساد.
 
* ولكن هل عجزت الحركة الإسلامية عن استيعاب أبناء الدعاة؟ ولماذا؟
** أعتقد أن الواقع يشير إلى شيء من هذا العجز، لكن في الوقت ذاته يمكن أن نقلب السؤال لنبحث عن بصيص أمل حيث يصير السؤال: هل تقدر الحركة الإسلامية على استيعاب أبناء دعاتها، فأقول: نعم تقدر وبكل جدارة، إن وضعت هذه القضية في صلب اهتماماتها، ووضعت لها البرامج العملية، والمؤسسات والهيئات التنظيمية المفرغة لهذا العمل العظيم.
وأذكر في هذا الصدد مقولة قالها لي أحد رواد الدعوة الأوائل في الأردن؛ حيث قال في حوار دار بيني وبينه: "لو التحق بالدعوة جميع أبناء الدعاة أو أغلبهم، منذ خمسين سنة، لتغير حال الأمة"!.
 
* وهل هناك نماذج مشرفة لأبناء الدعاة تود أن تذكرها لنا؟
** بالنسبة للنماذج المشرقة من أبناء الدعاة، فهي كثيرة، ويعرفها الكثيرون منا؛ غير أني لا أرى نموذجًا أشد إشراقًا من النماذج التي ضربها لنا أبناء الدعاة في فلسطين عمومًا، وفي غزة أخيرًا؛ حيث سبق الابن أباه إلى الشهادة، وأي شيء أعظم من الشهادة في سبيل الله؟! أسأل الله العلي العظيم أن يلحقني وإياكم بهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.