هل تريدون حقاً إصلاح التعليم ؟.

 

                                          ( عرض موجز لكتاب إصلاح التعليم للأستاذ الدكتور حامد طاهر )

                                              القاهرة - دار الهانىء للنشر والتوزيع

عرض وتقديم : هشام منور

لما كانت المناهج التعليمية مظهراً معبراً عن الهوية القومية للبلد أو الأمة، والنسغ المعرفي المصفى من تجارب وخبرات الشعوب والأمم، والذي يقدم لناشئتها بغية الحفاظ على هويتها الحضارية والاجتماعية، فإن الاتهامات التي يسوقها الغرب، ومن ورائه الولايات المتحدة، لمناهجنا التعليمية، وبالذات الدينية منها، والمطالبة «بتعديل» تلك المناهج و«تطويرها» بغية القضاء على «منابع الإرهاب» وتجفيفها، إن تلك الاتهامات وما تلاها من المطالبات يكمن خطرها حال الاستجابة لها والرضوخ إليها بشكل منقاد في كونها سبيلاً إلى العبث بمقومات هوية الأمة، وضرباً لأهم عناصر مكوناتها الحضارية.

وتكمن أهمية الكتاب في كون المؤلف من رجالات التعليم في مصر, إذ كان عميداً لكلية دار العلوم، ونائباً لرئيس جامعة القاهرة.

يبحث الفصل الأول من الكتاب مرحلة التعليم ما قبل الجامعي، وأهم العقبات التي تعترض عمليات التطوير, ويشير إلى المستفيدين من بقاء أوضاع التعليم في البلاد العربية على وضعه الحالي، مقترحاً (تنظيف) المنظومة التعليمية من أمثال هؤلاء الذين يقاومون التغيير, ويؤكد على ضرورة أن يشمل التطوير المقررات والمناهج الدراسية وأحوال الطالب ومدى قدرته على التعلم وتنميتها. ويؤكد الكتاب على أهمية التلاقح الحضاري والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في تطوير التعليم, والتركيز على الفترة الأولى من عمر الإنسان التي يتكون فيها أكثر من 80% من عقله فيها وتوفير كافة وسائل الرعاية الصحية والرياضية والغذائية له.

يعرض الكتاب بعد ذلك لأهم العقبات التي تحول دون تطوير مناهج التعليم والعملية التربوية برمتها، فيحصرها في زيادة أعداد التلاميذ وطلاب الجامعات مقابل نقص أماكن التدريس والتجهيزات التعليمية ونقص الأساتذة والمعلمين. وضعف تأهيل المدرسين والأساتذة اللازم لتطوير العملية التعليمية. وجمود المقررات الدراسية وعدم تحديثها. وعدم توافر المكتبات اللازمة في المدارس والجامعات للإفادة منها معرفياً. واستمرار تداول الكتاب الجامعي باعتباره مرجعاً أساسياً للطالب, رغم خلوه من أي ابتكار أو قابليته للنقاش والحوار. فضلاً عن ضعف التمويل المالي اللازم لتحسين سير العملية التعليمية, وتدني رواتب أعضاء هيئة التدريس في المدارس والجامعات, واستهلاك الأجهزة والمعامل والمختبرات وتهالك المنشآت التعليمية. كما تبرز خطورة الدروس الخصوصية التي تعد جريمة تعليمية لا تكاد توجد في أي دولة من دول العالم.
ويشير المؤلف إلى أثر السياسة الاستعمارية في إضعاف المقومات الأساسية للشعوب, من خلال إفقادها الثقة في دينها وتاريخها ولغتها, وهي العناصر المكونة للأصالة. كما قامت بتكريس التفرقة بين التعليم الديني والتعليم المدني, وإضعاف الأول والتوسع في الثاني من خلال رفع مرتبات خريجي التعليم المدني وفتح الآفاق أمامهم. كما يتعرض المؤلف لمشكلة اللغة الفصحى وجوهر أزمتها في انفصالها عن الحياة اليومية, وعدم وجود كتاب ميسر لتعليم قواعد اللغة أو قاموس عصري للعربية الفصحى يوازي القواميس الإنجليزية أو الفرنسية في الدقة التنوع وسهولة شرح المفردة.
يتناول الكتاب في الفصل الثاني قضية إصلاح الجامعات والتعليم العالي, ويناقش قضايا هامة من قبيل فتح قنوات تمويل خاصة للتعليم الجامعي الحكومي, عبر تسويق بعض الخدمات التي يمكن أن تقدمها مراكز البحوث، وإنشاء تعليم جامعي بمصروفات كاملة يدفعها الطلاب للنهوض بمتطلبات العملية التعليمية والبحوث, وقيام الجامعات الحكومية الحالية بإنشاء جامعات خاصة (أهلية) بمصروفات معقولة لحسابها الخاص, والإفادة من العائدات في تحسين أدائها. وقضية ترك التعليم الجامعي الحالي على حاله, وإنشاء جامعة حكومية متقدمة يعمل بها أفضل الأساتذة وأكثر الطلاب تفوقاً. ويؤكد المؤلف على ضرورة إعادة الاعتبار المالي والاجتماعي للأستاذ الجامعي وتوفير ميزانية مناسبة لتمويل مستلزمات البحث العلمي, الذي يعد الجناح الثاني للعملية التعليمية.
يعالج الفصل الثالث قضية البحث العلمي, ويشير إلى أهمية وجود مناهج تعليم متطورة تعمل على إثارة قدرات العقل المتعلقة بالبحث والابتكار وتقديم الحلول المبتكرة للمشكلات المطروحة. ويرى المؤلف أن هناك عدة أسباب وراء ضعف البحث العلمي في مصر والعالم العربي, منها غياب الإدارة الجيدة التي يمكنها قيادة البحث العلمي, وعدم توافر الاهتمام النفسي والاجتماعي لدى الباحثين الذي يختلف عن الوظيفة الإدارية, وضعف الروح الجماعية لإجراء البحوث العلمية، وغياب التواصل بين مراكز البحث وعدم استمرار التراكم المعرفي, فضلاً عن ضعف الصلة بين نشاطات البحث العلمي وثقافة المجتمع.
ويطالب المؤلف بالاهتمام أكثر بالرسائل العلمية (الماجستير والدكتوراه) التي تمثل ثروة علمية وفكرية في غاية الأهمية, من خلال التنسيق بين الجامعات والمعاهد البحثية, وبين الوزارات والمؤسسات التي يتصل عملها بموضوعات تلك الأبحاث. وبحث مشكلات محددة تتعلق بسير العمل في المؤسسات والمصانع, إلى جانب دراسة الوسائل الكفيلة بزيادة الإنتاج وجودته.
يتناول الفصل الأخير من الكتاب مجموعة من الأفكار المقترحة من قبل المؤلف كالتعليم الموازي والتعليم الابتكاري الذي يقوم على أساس مخاطبة عقل الإنسان وتدريب حواسه, واستثارة خياله ووجدانه, بعيداً عن نظام التعليم التقليدي الذي يخاطب العقل فقط. ويطرح المؤلف رؤيته الخاصة حول المدارس التخصصية والنوعية, وفكرة إنشاء جامعة للتميز العلمي تتيح لطلابها أفضل الكفاءات التدريسية, وأحدث الأجهزة العلمية ويقترح إنشاء معهد "للتحاور الدولي" و"أكاديمية للمرور" وقنوات تلفزيونية تعليمية بديلاً للدروس الخصوصية, ومركز لتحقيق التراث والمخطوطات وجائزة للخط العربي, فضلاً عن اقتراحه بعض المقررات الدراسية الجديدة كمقرر عن تاريخ  فلسطين وواقعها, ومقرر آخر عن الانتماء الوطني والديني واللغوي، وضرورة احترام العمل اليدوي, ومناهضة ثقافة النظرة الدونية له.