رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في غينيا : الغرب يتآمر لاستئصال الإسلام من نفوس مسلمي غينيا

اعتبر الشيخ إبراهيم داكا، الأمين العام لاتحاد المنظمات الإسلامية في غينيا، أن المد التغريبي ومؤسسات الغزو الفكري التي تحظى بدعم من المستعمر السابق، وتأييد من النخبة الفرانكفونية المسيطرة على البلاد، تشكل خطرًا داهمًا على المسلمين في غينيا، خصوصًا الشباب منهم حيث يسعى هذا الفريق لإغواء الشباب، وإبعادهم عن جوهر دينهم وفرض ما يطلق عليه الإسلام المقنع عليهم.
 
وفي حوار خاص لموقع "المسلم"، حذر الشيخ داكا من خطورة التحالف الذي أبرمته منظمة شهود ياهوا مع الجماعات المشبوهة مثل البهائية والقاديانية والماسونية، التي استغلت الطابع العلماني لنظام الحكم، لبث سمومها في الجسد المسلم؛ مشيرًا إلى أن هذا التحالف لن يحقق المأمول منه في ظل تمسك المسلمين في غينيا بعقيدتهم الإسلامية، رغم الإغراءات والحوافز التي تقدمها هذه المنظمات مستغلة حالة الفقر والعوز الذي يعاني منه المواطنون.
 
ويلفت الأمين العام لاتحاد المنظمات الإسلامية الانتباه إلى أهمية الدعم الذي تقدمه العديد من المنظمات الإغاثية العربية والإسلامية للجمعيات والمنظمات الإسلامية، وهو ما شكل حائط صد قوي ضد مؤامرات اللوبي العلماني التغريبي؛ مشددًا على التأثير السلبي للحقبة الشيوعية التي تلت استقلال غينيا، لاسيما أن النخبة الشيوعية مازالت تمسك بزمام الأمور في مؤسسات الدولة.
 
مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
* يرتبط دخول الإسلام إلى غينيا بأحداث مثيرة، فهلا أوضحتم لنا بعضًا من هذه الأحداث؟
** لقد وصل الإسلام إلى غرب أفريقيا في القرن الحادي عشر الميلاد، وانتشر في غينيا منذ أربعة قرون، عبر التجار المسلمين، الذين وصلوا إلى البلاد، سواء من الجزيرة العربية أو من دول المغرب العربي، ولعب التجار من قبيلة الفولا في منطقتي أعالي النيجر والسنغال دورًا مهمًا في هذا الانتشار، لا سيما بعد أن استقر بهم المقام في منطقة فوت جالون "غينيا الوسطى"، وكذلك قبائل الماندجو والصوصو الذين قاموا بنشر الإسلام وتعاليمه.
 
وكانت تجربة مسلمي غينيا مثيرة للغاية؛ فقد بذل مسلمو البلاد الغالي والنفيس من أجل نشر الإسلام، وجاهدوا في الله حق جهاده، واجتهدوا في تعليم الشرع واللغة العربية، وألفوا في ذلك كتبًا مفيدة، بعدما قاتلوا أعداء الإسلام وطردوهم من البلاد.
 
كما لعبت البعثات الطلابية إلى الجامعات الإسلامية وعلى رأسها الأزهر الشريف دورًا كبيرًا في تنمية وعي مسلمي غينيا، وبعد عودة هؤلاء من البعثات أسسوا جمعيات ومراكز لمواصلة العمل الدعوي، حتى انتشرت هذه المؤسسات في جميع بقاع غينيا، وأثرت بالإيجاب على وعي المسلمين هناك، لدرجة أنهم مقتنعون بأهمية تطبيق الشريعة الإسلامية في بلادهم، ويمارسون ضغوطًا على حكوماتهم العلمانية للمضي قدمًا في هذه الإجراءات، واضعين في اعتبارهم أن المسلمين يشكلون أغلبية ساحقة في البلاد تتجاوز 96% من عدد السكان البالغ تعدادهم 7.5 مليون نسمة.
 
 
مشروع هداية.. وتجفيف منابع!!
* أشرت إلى دور المبعوثين في إعادة ما يمكن أن نطلق عليه الأمة الغينية إلى جادة الصواب؟
** في السنوات التي تلت الاستقلال؛ شهدت البلاد حالة من الإسلام المقنع، وكثر الإعراض عن إتباع الدين الحنيف، وتفشى الانحلال، وطغت الرذيلة، إلا أن عودة هذه البعثات أسهمت في هداية أعدادٍ كبيرةٍ، وعودتهم إلى الإسلام، روحًا وعقيدة، وظهرت بواكير هذه النهضة في عدة مناسبات، فمثلاً يوم الجمعة يترك مئات الآلاف من الطلاب دروسهم في مؤسسات التعليم العام لأداء صلاة الجمعة، دون مبالاة بتهديدات السلطات هناك بعواقب وخيمة.
 
ولعل من أهم مظاهر النهضة الإسلامية في غينيا حاليًا ما نلحظه في شهر رمضان المبارك، حين تعقد العديد من المدن الغينية، وعلى رأسها كوناكري العاصمة ومحافظة دالبا حلقات ومسابقات لحفظ القرآن الكريم، لا سيما في مسجد الملك فيصل الذي يعد أكبر مسجد في القارة الأفريقية، ناهيك عن المسابقة الكبرى التي يتنافس من خلالها 150 شابًا سنويًا، وكذلك نلاحظ في السنوات الأخيرة انتشار الحجاب في مدن غينيا لدرجة أن هناك ثلاثة أحياء في العاصمة "كولوما ـ وانندرا ـ كوبايا" يطلق عليها أحياء المحجبات.
 
ولا تتوقف المظاهر عند هذا الحد فهناك انتشار كبير للمساجد لدرجة أن الكيلومتر الواحد يضم أكثر من مسجد لاسيما في العاصمة، وكذلك تنتشر أعداد كبيرة من المدارس والمراكز الإسلامية ورياض الأطفال والجمعيات الإسلامية.
 
 
* إذا كانت السطور السابقة قد شهدت رصدًا للمظاهر الإيجابية، فلا شك أن هناك تحديات عديدة تواجه مسلمي غينيا؟
** تحديات جبارة بالطبع يقف وراءها الغرب في المقام الأول، عبر سلسلة من المؤامرات، يأتي في مقدمتها محاولة استئصال الإسلام والحضارة العربية من نفوس مسلمي غينيا، رغم أن الوجود العربي والإسلامي استمر طويلاً، لدرجة جعلت الثقافة العربية جزءًا لا يتجزأ من التكوين العقلي للمواطنين، لذا فقد أنفق الغرب الاستعماري ببذخ على إنشاء المدارس التغريبية في مدن غينيا، وفرض اللغة الفرنسية على هذه المدارس سعيًا للقضاء على العربية، وفرض سياسية تجفيف المنابع عليها، في كل المؤسسات التعليمية، واضعًا العراقيل في وجه كل من يتقدم لطلب إذن لافتتاح مدرسة عربية، وهي السياسية التي مازالت مستمرة حتى الآن.
 
وتتواصل المؤامرات الغربية عبر ما يطلق عليه سياسية العون والتأثير ضد مسلمي غينيا، بكافة آلاف من الشباب الفقراء، والتكفل بجميع نفقات تعليمهم سواء داخل البلاد أو في فرنسا، لتتم تربيتهم وفق الأساليب الأوروبية، ليعودوا إلى البلاد وقد أمتلأوا بأفكار تغريبية هدامة، ليس لها علاقة بالإسلام من قريب أو بعيد، فمسلمو البلاد محاصرون بالغزو الفكري الذي تعززه موالاة حكام غينيا للغرب.
 
* تتحدث عن التغريب كعامل من عوامل الحرب على الإسلام متجاهلاً الإرث الشيوعي الذي حكم غينيا لأكثر من ربع قرن؟
** لا أستطيع تجاهل التأثير المدمر للحقبة الشيوعية التي عانت منها البلاد أثناء حكم زعيم الاستقلال أحمد سيكوتوري؛ حيث غرس نظام الحكم الأفكار الشيوعية داخل مؤسسات الدولة، وسأقص لك قصة غريبة حيث اجتمع الرئيس سيكوتوري مع طلاب جامعة جمال عبد الناصر وطالبهم بضرورة الكف عن صيام شهر رمضان لتأثيره السلبي على الإنتاج، مع الالتزام بالعبادات الأخرى، وهو ما قابله الطلاب برفض شديد، أجبر الرئيس سيكوتوري على التراجع.
ومع هذا فرغم النهضة الإسلامية التي ظهرت في السنوات الأخيرة فلا زال تأثير الحقبة الشيوعية مستمرًا، لكون الكثير من رموز هذا العهد لا يزالون في صدارة المشهد السياسي حتى الآن.
 
 
تحالف مشبوه وسلسلة إغراءات!
* حذر الكثير من المهتمين بالشأن الإسلامي في غرب أفريقيا من خطورة انتشار الانحراف الأخلاقي على الهوية الإسلامية لبلدان المنطقة؟
** لقد تجاوز الانحراف الأخلاقي مدىً مخيفًا ومرعبًا، لا سيما في أوساط الشباب؛ حيث لم تضع القوانين العلمانية في غينيا أية قيود أو عقوبات على جرائم الزنا واللواط بين غير المتزوجين، وتتوقف العقوبة في حالة الزواج على إقامة القاضي دعوى الزنا، ولم تضع هذه القوانين أي خطر على استيراد الخمور، التي تباع في جميع أسواق غينيا جهارًا نهارًا بدون أي عقوبات.
وتتجاوز مظاهر الانحراف إلى نشر المجلات الخليعة والأفلام المنحلة عبر التليفزيون الذي لم يعد له هدف إلا مخاطبة الغرائز، لإلهاء المواطنين عن التفكير في جوهر دينهم أو مستقبل أمتهم، وهو الدور الذي تقوم به بقوة منظمة شهود ياهوا، التي أبرمت تحالفًا شيطانيًا مع المذاهب الهدامة كالماسونية والبهائية والقاديانية وغيرها، سعيًا لتذويب هوية المسلمين وإخراجهم من دينهم.
 
 
* على ذكر شهويا ياهوا فمن المؤكد أنها ليست وحدها كمنظمة تنصيرية في غينيا بل تدعهما عشرات المنظمات التي تدور في فلكها؟
** بالطبع هناك عدد كبير من هذه المنظمات الداعمة للتنصير، وسأحكي لك قصة جرت أحداثها في مدينة بوكي "غينيا السفلى" أثناء شهر رمضان الماضي، لتعرف مدى النفوذ الذي تحظى به المنظمات التنصيرية العديدة التي تملأ مدن غينيا؛ حيث أقامت بعض هذه المنظمات مأدبة غداء اشتملت على أطعمة شهية وفاخرة، في غرة الشهر الكريم، ودعوا الشباب لتناول الغداء في ظهيرة نفس اليوم، فرفض الشباب هذا الأمر.
 
فما كان من هذه المنظمات إلا التذرع بعدم معرفتهم بحلول شهر رمضان، وألحوا على الشباب لتناول الطعام بدعوى أن الإفطار أهون عند الله من إفساد كل هذه الأغذية المطبوخة لهم، فاستجاب الكثيرون إلا قليل منهم، وهو الأمر الذي اعتبرته جماعة ماري استوبس التنصيرية المنظمة للغداء نجاحًا لها.
 
والشاهد من هذه القصة خبث مثل هذه المنظمات وتمتعها بإمكانيات مالية غير محدودة، لدرجة أنهم يستهدفون حاليًا مناطق بعينها معروفة بارتباطها الشديد بالدين، ولذلك أغرقوا منطقة فوت جالون بآلاف من المنصرين الأمريكان، المنتمين إلى الكنيسة المعمدانية الجنوبية، ومثلهم تابعين لمجلس الكنائس العالمي، وخطورة هؤلاء تتمثل في اندماجهم مع مواطني الريف الغيني، وارتدائهم أزياء مماثلة لأغلبية المواطنين، بل ويصل الأمر للتسمي بأسماء مسلمة مثل محمد وإبراهيم لإيجاد نوع من الألفة والتمهيد لتنفيذ مخططهم الخبيث.
 
 
* هل لقيت هذه التحركات تعاطيًا إيجابيًا من قبل مسلمي غينيا؟
** هناك منصر أمريكي يدعى عبد الله جالو التقى بأحد شباب منظمة الإمام مالك الذي لم يثر شكوكًا حوله، لا سيما أنه يرتدي زيًا إسلاميًا وفولاني، فسأل الشباب المنصر عن هدف زيارته للبلاد فأجاب عليه بشكل واضح "جئت لنشر الإنجيل"، فسأله الشباب: وهل أبدى أحد من أبناء المنطقة تعاطفًا معك؟، فأجابه بالنفي غير أنه أشار إلى عدم ضيقه، لا سيما أنه يعمل لأجل مديد، ويزرع منتظرًا الثمار في المستقبل.
وتتبنى هذه المنظمات أجندة خبيثة تهدف إلى إشعال الفتنة الطائفية بين مسلمي ومسيحيي غينيا، عبر إغراء الشباب المسيحي بإبداء اعتراضات عنيفة على إنشاء أي مشروع إسلامي، حتى لو كان مسجدًا، وهو ما يضع الاستقرار في غينيا أمام اختبار صعب، وتستغل هذه المنظمات الأوضاع الاقتصادية الصعبة في غينيا لتنفيذ هذه الأجندة، عبر تقديم دعم مالي للشباب، وإغرائهم بالوظائف والسفر لأوروبا، والترقي بالوظائف في حالة اعتناق النصرانية.
 
 
دور مهم وتعاطف لافت!
* بعد التشخيص الدقيق لهذا الداء نرجو إلقاء الضوء على أساليب التعاطي معه؟
** نعتمد في استراتيجيتنا لمكافحة أنشطة هذه المنظمات التنصيرية على دعم وتفعيل مؤسسات التعليم الإسلامي، وهو المشروع الذي حظي بدعم من الندوة العالمية للشباب الإسلامي، التي تكفلت بإنشاء عشرات المراكز الإسلامية، لقطع الطريق على المنصرين، وكذلك قامت مؤسسة الحرمين في السابق بإنشاء عشرات من المدارس الملحق بها مستشفى ومكتبة.
وفي نفس الإطار تحظى هذه الجهود بدعم من لجنة مسلمي أفريقيا، ومؤسسة إعمار الخيرية، التي تدعم أنشطة عشرات من الجمعيات الإسلامية مثل: النصر، ونهضة، والثقافة الإسلامية، وجمعية الطلاب والتلاميذ المسلمين في غينيا، ومنظمة الإمام مالك، ويُعَوَلُ كثيرًا على الدور التعليمي لهذه المؤسسات على مواجهات منظمات التنصير.
 
 
* في ظل هذا الوجود العربي والإسلامي النشط نسبيًا كيف تنظر إلى تعاطف مسلمي غينيا مع القضايا الإسلامية المهمة؟
** هناك تعاطف كبير مع القضايا العربية والإسلامية، وقد تجلى هذا التعاطف في عديد من المواقف، أبرزها في السنوات الأخيرة: الاعتراض على الغزو الأمريكي للعراق وما تلا ذلك من جرائم لقوات الاحتلال، بتنظيم سلسلة من المظاهرات في العاصمة كوناكري، وهي التظاهرات التي شاركت فيها الجمعيات الإسلامية، وهو ما حدا بالسلطة بضغط من الأمريكان لاستجواب قادة المنظمات وإيقاف العديد من الأنشطة التي يقومون بها.
 
ولا يختلف الأمر من حيث مأساة الشعب الفلسطيني، التي تشغل اهتمام مسلمي غينيا، الذين يطالبون بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وإعطاء هذا الشعب حقوقه المشروعة، وكذلك خرج المسلمون في تظاهرات كثيرة اعتراضًا على الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، والتي تورطت فيها صحف أوروبية، بل وطالبت هذه التظاهرات التي حملت اسم "حي في قلوبنا" بقطع العلاقات مع الدول المتورطة في هذه الجريمة، وهو ما يكشف تمسك مسلمي غينيا بهويتهم، ورفضهم لجميع محاولات تذويب هويتهم وإبعادهم عن الدين الحنيف.