رئيس المنظمة التعليمية الإسلامية بجنوب أفريقيا للمسلم : مواجهة تنامي النفوذ الصهيوني أكبر تحد لمسلمي جنوب أفريقيا

 

همة برس - خاص بالمسلم

أوضح الدكتور أحمد يوسف لوكهات، رئيس المنظمة التعليمية الإسلامية بجنوب أفريقيا أن المسلمين في هذا البلد الإفريقي يتمتعون بحرية في ممارسة شعائرهم الدينية وأنشطتهم السياسية؛ نافيًا ما يتردد عن وجود توتر بين الأقلية المسلمة والأغلبية الأفريقية، مؤكدًا أنه "على العكس تحكمنا علاقات ودية منذ زمن طويل؛ حيث كان موقف مسلمي البلاد التقليدي مؤيدًا لحقوق الأغلبية الأفريقية وزعيمها نيلسون مانديلا.

 

وفي حديث خاص لموقع "المسلم"؛ أكد لوكهات أن المسلمين في جنوب أفريقيا قد حققوا طفرة سياسية، حيث وصلت شخصيات مسلمة لمناصب سياسية مرموقة، ويكفي أن تعلم أن وزير خارجية البلاد مسلم، فضلاً عن العديد من الوزراء المسلمين.

 

ولفت رئيس المنظمة التعليمية الإسلامية بجنوب أفريقيا النظر إلى أن أكثر من 480 مدرسة تنطوي تحت لواء المنظمة، منها أكثر من 75 مدرسة تقوم بتعليم اللغة العربية والعلوم الشرعية، وتحظى هذه المدارس بدعم من العديد من المؤسسات الدينية الإسلامية، وفي مقدمتها الأزهر الشريف.

 

وشدد لوكهات على أن المسلمين يتمتعون بقوة تجعلهم قادرين على مواجهة النفوذ المتنامي للجالية اليهودية التي تسيطر بشكل شبه كامل على الاقتصاد وعلى الآلة الإعلامية، وهو ما تنبه له المسلمون الذين أنشأوا قناة فضائية مهمتها مواجهة حملات التغريب والتخريب الثقافي والأخلاقي التي تقوم به وسائل الإعلام الصهيونية.

 

مزيد من التفاصيل في نص الحوار:

* يتميز مسلمو جنوب أفريقيا بأنهم يشكلون موزاييك عرقي وثقافي، فهل لكم أن توضح لنا أسباب هذه التركيبة العرقية المتميزة؟

** يعود هذا الموزاييك إلى تعدد مصادر قدوم المسلمين إلى جنوب أفريقيا، منهم من قدم من بلاد الملايو في جنوب آسيا، ومنهم عدد كبير من أصحاب الأصول الهندية، فضلاً عن أبناء البلاد الأصليين من الأفارقة.

وقد شهدت جنوب أفريقيا هجرتين إسلاميتين؛ الأولى: بدأت عام 1652م حيث جُلب آلاف العبيد السود، وبينهم مسلمون إلى جنوب أفريقيا، كما استقدم الهولنديون آلافًا من أصحاب الأصول الملايوية، وتم توظيفهم في منطقة الكاب، وكذلك فعل الإنجليز الذين كانوا يسيطرون على البلاد نفس السيناريو، حيث جلبوا عمالاً لتسيير شئون شركة الهند الشرقية.

وقد استمرت أعداد المسلمون في التصاعد حتى وصلوا في آخر تعداد سكان إلى 2 مليون مسلم، يشكلون حوالي 3% من عدد سكان جنوب أفريقيا البالغ تعدادهم حوالي 40 مليونًا،

وينتشر المسلمون في العديد من مدن جنوب أفريقيا، وعلى رأسها جوهانسبرج، وكيب تاون، وديربن، ويمتلكون أكثر من 400 مسجد يمارسون فيها شعائرهم بحرية تامة، إضافة إلى وجود أكثر من 480 مؤسسة تعليمية متنوعة، تستغل لتوثيق الصلات بين المسلمين وتعاليم دينهم، وإطلاعهم على العلوم الدينية والحديثة.

ولم يشك مسلمو جنوب أفريقيا شأنهم شأن العديد من أقرانهم في القارة السمراء من اتهامات بالإرهاب أو إقامة علاقات مع الجماعات المتطرفة، أو غيرها من الاتهامات، انطلاقًا من الصلات الوثيقة التي كانت تجمعهم بالحكومات الوطنية، التي تولت بعد انتهاء حقبة التفرقة العنصرية.

 
خبرة تاريخية وافتراءات!
* الوصول إلى رقم 480 مدرسة في بلد لا توجد به أغلبية مسلمة أمر صعب، فكيف تغلب مسلمو جنوب أفريقيا عليه؟
** في ثلاثينات القرن الماضي وصل إلى جنوب أفريقيا العديد من التجار العرب الذين انتشروا في معظم أنحاء البلاد، ومنهم جدي أحمد لوكهات الكبير، الذي أوقف مركزًا تجاريًا للإنفاق على أنشطة الدعوة، من بناء مدارس ومساجد وكتاتيب ودفع مرتبات العلماء والوعاظ الذين يعملون بها.

وخصوصًا في مناطق السود الذين كانوا يعانون أشد المعاناة، سواء مسلمين من أصول مختلفة أو من سكان البلاد الأصليين، حيث كانوا يسيرون أكثر من 20 كيلومترًا ذهابًا ومثلهم إيابًا للوصول على المدرسة، وهو ما تنبه إليه الجد لوكهات والذي دعم بشدة إنشاء أكثر من 25 مدرسة في مختلف أنحاء البلاد، وهو ما كان له أثر طيب في نفس الأغلبية الأفريقية.

 

* ولكن هناك اتهامات وجهت للأقلية المسلمة في جنوب أفريقيا بالتواطؤ مع نظام الفصل العنصري الذي سيطر على البلاد لعقود طويلة؟
** هذه اتهامات لا أساس لها من الصحة، ويكذبها الواقع المعاش حاليًا، فنحن نتمتع بالحرية التامة في ممارسة شعائرنا الدينية، ونظمنا الاقتصادية والسياسية، ولو كانت الاتهامات التي ترددها صحيحة لكان السود قد تعاملوا معنا بقسوة بالغة، وأحب أن أؤكد أن عكس ما تقوله هو الصحيح؛ فقد رفضنا الممارسات العنصرية، وأيدنا نضال الأغلبية الأفريقية، للحصول على حقوقهم كاملة، وغير منقوصة.

كما دعمنا حركة المؤتمر الوطني الأفريقي بزعامة مانديلا، وهو ما ترجم بعد ذلك في صورة علاقات وثيقة، ودستور علماني يحمي حقوق الأقليات، ويعطيها الحرية الكاملة في ممارسة شعائرها، ويسمح لها بالحفاظ على هويتها، من خلال المؤسسات الدينية والتعليمية.

 

تجربة رائدة
* بمناسبة المؤسسات التعليمية، هل هناك مدارس دينية متخصصة في تدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية؟
** نعم هناك أكثر من 75 مدرسة إسلامية في جنوب أفريقيا وتخضع لإشراف وزارة التعليم وتقوم بتدريس الشريعة والفقه والدراسات الإسلامية، وتحظى الكتب التي تدرس بها بموافقة من الأزهر ومنظمة الإسيسكو، بل ولا أبالغ حين أقول إن العديد من المؤسسات الإسلامية في بريطانيا واستراليا وكندا قد استعانت بهذه المناهج التي تدرس باللغة الإنجليزية، لتعميمها على أبنائها من الطلاب المسلمين.

وأحب أن أشير أيضًا في هذا السياق إلى أن منظمة الزكاة هي التي تمول أنشطة هذه المدارس، وتدعم ترجمة أمهات الكتب الإسلامية، وتدفع جزءًا كبيرًا من مرتبات المعلمين وغيرها.

 

* تحدثت عن مناخ الحرية التي يتمتع بها مسلمو جنوب أفريقيا، فهل انعكس هذا الأمر على وزن المسلمين السياسي في المجتمع؟
** بالطبع؛ فقد حقق مسلمو جنوب أفريقيا طفرة سياسية كبيرة، ونجح العديد من أبناء المسلمين في الوصول إلى مناصب مرموقة، فمثلاً وزير خارجية جنوب أفريقيا حاليًا مسلم ويدعى عزيز باهات، وكذلك وزيرة التعليم ناليدي باندو، ونائبها كذلك عزيز جنودي، إضافة إلى يوسف باهات الذي يشغل منصب وزير في مكتب رئيس جمهورية جنوب أفريقيا ثابو مبيكي، وهذا بلا شك يعكس الوزن السياسي وحجم الثقة الكبيرة في مسلمي البلاد من جانب الحكومة.

ولكني هنا أرغب في توجيه دفة الحديث إلى وجهة أخرى، تتمثل في أن مناخ الحرية قد أتاح للمسلمين ممارسة شعائرهم، وكذلك أنشطتهم الدعوية في صفوف غير المسلمين، خصوصًا اللادينيين، غير أن هذا الأمر له جانب سلبي، فالحرية طبعًا لها سلبيات كما أن لها إيجابيات؛ فمثلاً أتاحت القوانين هناك الزواج المثلي، وسهلت لشبكات التليفزيون عرض الأفلام المخلة بالآداب، وتوزيعها بثمن بخس، مما يهدد بشدة هوية المسلمين في البلاد، ناهيك عن مخالفة ذلك لتقاليد الأغلبية الأفريقية.

 

نفوذ اقتصادي محدود!
* اشتم من حديثك أن هناك نفوذًا صهيونيًا متناميًا في جنوب أفريقيا، خصوصًا في المجالين الإعلامي والاقتصادي؟

** يشكل اليهود 1% من عدد سكان جنوب أفريقيا غير أنهم يتمتعون بنفوذ اقتصادي كبير أتاحه لهم نظام الفصل العنصري حيث سيطروا على أكثر من 75% من مناجم الذهب والألماس، والتي تحقق لهم أرباحًا وفيرة، وقد استغلوا هذا المناخ للقيام بتصدير هذه المعادن لإسرائيل، لإعادة تصنيعه، وهو ما يعود على الخزانة الصهيونية بمليارات الدولارات، ومن أسف أن هذه السيطرة مستمرة حتى الآن.

 

 
* ولكن هل لهذه السيطرة تأثير سلبي على أوضاع المسلمين في المجتمع الجنوب إفريقي؟

** نتمتع بقوة نوعية في المجتمع؛ فلدينا وزراؤنا وكوادرنا والآلاف من الأطباء والمهندسين والسفراء ورجال السلك الدبلوماسي، لذا يصعب على اليهود استعداءنا، إضافة إلى وجود شراكات اقتصادية، ومصالح بين رجال أعمال مسلمين ونظرائهم اليهود، لذا فهم لا يجاهرون بذلك، بل ويحاولون الكيد لنا من خلال وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها، والسعي لتشويه صورتنا بأشكال غير مباشرة، ووضع العراقيل أمام مسيرتنا الدعوية، غير أن هذه الجهود لم تستطع كبح جماح الدعوة الإسلامية التي حققت نجاحات باهرة.

 

 
* ولكن هل يمتلك المسلمون وسائل إعلام لمواجهة سيطرة اليهود على الآلة الإعلامية؟

** نمتلك قناة فضائية إسلامية واحدة، وعديد من الإذاعات، التي نحاول من خلالها تكريس مجتمع الفضيلة والأخلاق، في مواجهة مجتمع الانحطاط والتفسخ، التي تحاول آلة الإعلام الصهيونية فرضها، وكذلك التحذير من مخاطر مرض الإيدز، الذي انتشر بصورة وبائية في أوساط المواطنين، خصوصًا غير المسلمين.

 

 
* ماذا عن صلاتكم بمؤسسات الدعوة الإسلامية في العالم العربي؟
* هناك وجود إسلامي نشيط في جنوب أفريقيا عبر الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، ولجنة مسلمي إفريقيا الكويتية، والبنك الإسلامي للتنمية، والأزهر الشريف، الذي يرسل شيوخًا وعلماء ومدرسين للتدريس في المعاهد الأزهرية الموجودة في البلاد؛ حيث يلتزم ببناء المعاهد وإعدادها، ويقوم الأزهر بتحمل نفقات المعلمين والشيوخ، وما من شك في أن هذا الوجود الإسلامي كان له دور كبير في تنمية وعي مسلمي جنوب أفريقيا، وتوثيق صلاتهم بالدين الحنيف.