مصانع العقول .. والتكيف الدراسي

مع بداية العام الدراسي الجديد وعودة الأبناء إلى مدارسهم نشاهد مشاهد متنوعة منها شوق بعض الأبناء الذهاب إلى المدارس والاندفاع نحو تجهيز الأدوات المدرسية والرغبة الشديدة في لقاء الأصحاب وأصدقاء الدراسة، وهذا أمر محمود يحتاج إلى رعاية وتنمية لزيادة الحب والتوأمة مع المدرسة وما فيها من أصدقاء والاستفادة من ذلك في ربط هذا الحب والشوق إلى حب التعلم والحرص على الفائدة العلمية والسلوكية .

 وعلى العكس نرى نفور بعض الأبناء من الذهاب إلى المدرسة ويصل ذلك إلى العناد والبكاء، وتواجه الأسرة صعوبة في الإقناع ويكون هذا غالباً لدى الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة أو الحضانة للمرة الأولى وهذا يحتاج إلى إعداد نفسي وبدني وتهيئة لتقبل الانفصال المؤقت عن الأسرة خلال ساعات الدراسة، وذلك من خلال التدريب التدريجي لفك الارتباط الشرطي لدى الأبناء خلال فترة ما قبل الدراسة والاندماج مع قرناء السن في مجموعات لعب أو ترفيه تأخذ طابعاً تعليمياً أو توجيهياً بشكل تدريجي حتى يعتاد الأطفال على الانفصال المؤقت ولا تكون بداية الدراسة لهم مفاجأة، وكي لايؤدي ذلك إلى رفض أو كره المؤسسة التعليمية ومن ثم رفض مبدأ التلقي بشكل عام.

وعلى الآباء والأمهات الأخذ في عين الاعتبار حكمة التعامل مع هذه الحالات وعدم الشدة أو الإجبار على تقبل ذلك بالقوة والعنف ونهر الأطفال، بل يجب الرفق واللين والإقناع والترغيب واستخدام كافة الوسائل التشويقية للتهيئة المناسبة لتقبل الوضع بصورة محببة ما أمكن لأن ذلك سوف ينعكس على الطفل خلال فترة الدراسة.

ويعد التربوييون بداية التعلم حجر الأساس في الانطلاق نحو التميز فكلما كانت البداية صحيحة ومتشبعة بتكيف صحيح مع المؤسسة التعليمية تكون النتائج مبهرة ومتميزة.

وكي تكون مرحلة الدراسة سعيدة ومن أمتع مراحل العمر علينا أن نهيء ظروفاً ملائمة من أجل تكيف الأبناء ليقوم كل من الأسرة والمدرسة بدوره في صناعة العقول والتربية ويفهم كل منا دوره في التربية لأن التكيف شرط من شروط نجاح المتعلم في الانخراط في العملية التربوية عامة والتعليمة خاصة.

ويتطلب هذا توفير الظروف الملائمة في المدرسة لكي تتمكن من تحقيق أهدافها وأداء دورها وضرورة توفير الظروف الملائمة للطلبة, لكي يتمكنوا من التكيف مع واقعها ومناخها ونجاحهما يفضي إلى إكسابه الخبرات المعرفية والوجدانية والمهارية اللازمة ليصبح قادراً على مواجهة متطلبات الحياة.‏ ولاسيما أطفال السنة الأولى من مرحلة التعليم الأساسي.‏

كما أن التكيف يلعب أثراً في تحديد أسلوب تعاطيه واتجاهاته نحو المدرسة فإذا كان التكيف سليماً جاء الأثر ايجابياً ولازمهم طوال حياتهم أما إذا كان التكيف ضعيفاً, جاء الأثر سلبياً وانعكس على حياتهم المدرسية وخاصة في هذه المرحلة من حياته وهذا يعني ضرورة العناية بالإعداد الكامل والمتوازن لتهيئة الناشئة وتوجيههم مهنياً من خلال الكشف عن ميولهم وتحفيزهم للتطبيقات العملية لتتناسب مع مستوى معين من النمو الإدراكي والجسدي.‏

ويمكن للآباء والأمهات أن يساعدوا أطفالهم في التخلي التدريجي عن اتكاليتهم, والتفاعل مع حياة لا تخلو من الحاجة إلى الشعور بالمسؤولية وتحملها والخضوع إلى معايير جديدة لا يجدون فيها ما اعتادوا عليه فلابد للأسرة من استيعاب هذه الحقيقة وتقديم النصح والإرشاد ومن المهم أيضاً من تسليط الضوء على أن كثيراً من الأطفال يتطلعون بشغف إلى بداية حياتهم المدرسية, لأنها تعطيهم إحساساً بالأهمية والنضج وتحمل مسؤوليات عديدة, كالذهاب إلى المدرسة سيراً على الأقدام, وإشراكهم في فعاليات معينة والتوق إلى إثبات وجودهم وجدارتهم في التحصيل ومن ثم النجاح والوصول إلى صفوف أعلى.‏

وعندما تعي الأسرة هذه الجوانب فإنها تضيء لأطفالها إيجابياتها التي تحفزهم بالتركيز على الحديث عنها وتشويقهم إليها ومساعدتهم في تقديم أفضل النتائج التحصيلية ومحاولة تحقيق الأفضل في حال تدنيها. فتصبح مكان متعة وفائدة وأساساً لتفكير الطفل بحياته المستقبلية.‏

أما المدرسة فهي تلعب دوراً محورياً في جعل الطفل يتكيف مع الدخول إليها, فيتوجب على القائمين عليها من جهاز إداري وتعليمي توفير الشروط النفسية والجسدية الملائمة لتكيفه, فيعيشون جو المحبة والثقة بين التلاميذ الأطفال.‏

ويراعون خصائصهم وقدراتهم وحاجاتهم والفروق الفردية بينهم وتقويم إعوجاجهم بالحنو واللطف والإرشاد ويجعلونهم يمارسون هواياتهم المختلفة وفق إمكانات المدرسة.‏ متبعين معهم أساليب التعليم وطرائق التدريس المشوقة والغاية منها ربط المدرسة بالحياة والبيئة والعمل والكشف عن ميولهم ورغباتهم والمشاركة في الفعاليات المدرسية المتنوعة .

ومن هنا يتحتم علينا أن نأخذ بأيدهم ونساعدهم على تحقيق أهدافهم الخاصة وأهداف المدرسة.‏ فنجاح كل من الأسرة والمدرسة في تحقيق التكيف المدرسي كنوع من أنواع التأهيل الاجتماعي للطفل, أمر يستحق الاهتمام لأن المصير الدراسي للطالب.وربما المصير المهني يتوقف على هذا التكيف, وهذا التعاون بين الأسرة والمدرسة, أمر جدير بالاهتمام, ويستحق من الجميع كل الرعاية.‏

نسأل الله تعالى أن يكون عاماً دراسياً حافلاً بالنجاح والفائدة والحمد لله رب العالمين،،،