الزمن والمتغيرات والحكمة
5 ربيع الأول 1438
د. خالد رُوشه

لاشىء في الكون اسمه الحدوث الفورى واللحظي بحسب رغبة الإنسان .. كل شىء في الكون يحدث بتراتبية وتراكبية عميقة تستغرق وقتا بحساباتنا ، وكي نلحظه يحتاج صبرا وهدوءا وحكمة ..

ليس هناك شىء اسمه العقوبة الفورية ، وليس هناك شىء اسمه الثواب الفوري بحساباتنا نحن البشر .. كله يحتاج صبر وتأن وامتحان واختبار ..

ليس في الكون شىء اسمه تغيير فوري وعاجل لظروف الحياة ، كل شىء يجب أن يمر بالقانون الكوني للمادة والأشياء ،،

حتى في الدعاء والرجاء من الله سبحانه ، فالله سبحانه يسمع كل الدعاء ويستجيبه , أو يأجر عليه أو يؤخره إلى الآخرة حيث الثواب الكبير ، لكنه في استجابته سبحانه يجعل حركة الكون تسير باتجاهه حتى يتحقق .. وهذا فعل القوي المتعال سبحانه ..

هذا ليس معناه أن أمر الله سبحانه لا يتحقق بالفور ، بل أمره يتحقق بمراده وبقوله " كن " .. فيكون " ... لكن الحكمة الإلهية تجعل الأمور تسير في طريق مرسوم حكيم يحتاج ثقة في الحكيم الخبير .

قانون الكون قائم بأمر الله سبحانه ، وجعل له اسبابا ، فمن أخذ بالأسباب فقد اتفق مع عناصر القانون ، لكنه يظل في حاجة ماسة إلى توفيق الله سبحانه .

التأخير الذي نراه في الاستجابة موهوم من جهتنا وليس حقيقيا ، ذلك أن الحكمة الحقة والعدل التام يحتاجان ذلك ، فيختبر المؤمن ويمتحن ، ويمد للمتجبر ويستدرج ، ويمهل العاصي كي يتوب ، ويظهر المنافق ويفضحه ..وهكذا

 

إذن ، البصيرة النافذة للمؤمن تحتاج أمرين متلازمين ، الصبر والثقة ي الله سبحانه ، وهما اللازمان للقيادة الواعية ، واللازمان لكل راع يرعى قوما ، ولكل داعية يقوم بدور الدعوة إلى الرسالة العظمى .. " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " السجدة

 

كما أن الزمن في موضع الحكمة ليس كالزمن الذي يرتجيه الإنسان في شكواه ، المرء يحتاج التغيير الفوري ، والحكمة ترى الزمان عنصرا مهما ي بناء قانون العدل .

 

إذا أردت أن تعرف ذلك على حقيقته فانظر خلفك للحياة بعد وقت وبعد سنين وبعد فترات قد اعتمل فيها قانون الكون ... ستجد كل الوعود متحققة وكل العهود منجزة ..وستقول سبحان الخالق القيوم ..

 

بالطبع هناك تنفيذات فورية تحصل ومعجزات لحظية تصيب ، يستجيب الله سبحانه فورا لعبيدة المضطرين ، ويعاقب الله فورا بعض عبيده المجترئين .. ولاتزال المواقف والأحداث تدلنا على تلك الاستجابة الفورية ، وقد حكى لنا رسول الله صلى الله ليه وسلم موقف الثلاثة الذين أغلق عليهم باب الغار بصخرة عظيمة فدعوا الله سبحانه بصالح أعمالهم فتحركت الصخرة وخرجوا وانتهت مشكلتهم فورا والحديث أخرجه البخاري .. وكذلك موقف جريج العابد ، كيف استجاب الله له فور صلاته وجعل الطفل الرضيع يتكلم ببراءته ، والحديث أخرجه البخاري ومسلم .. وهذه المواقف لازالت تحدث من حولنا كثيرا لكننا لا ننتبه إليها أو أننا نغفل عنها .. لكنها معجزات قد تحدث في خضم مواقف الحياة تخرق قانون الكون وتحصل بأمر الله تذكيرا وتحذيرا وحكمة بالغة ..

 

الاستعجال ليس من الحكمة في شىء , وليس موافقا لقانون الحياة ، بل الصبر ، والرضا ، والمثابرة ، والدعاء ، والرجاء ، ..
فيا كل من له رجاء أو أمل ,او مطلب من ربه أو مظلمة أو حاجة ، ثق في الله ، واستعن بالصبر ، وفوض امرك للحي القيوم يحصل مرادك ويدور الكون في فلكك .. ولكنكم تستعجلون ..
 

[email protected]