ايمانيات
نحن بحاجة ماسة أن نعدل تلك الصورة في مجتمعاتنا ، وأن نجعل تسابقنا قاصرا على صالحات الأعمال وفضائلها ، وعلى منافع الناس والقيام بحقوقهم ، وعلى التحفيز نحو القيم والمعالي .. لا على الرخيص الزائل !
أحد أهم حلول الأزمة التي نتحدث عنها يتمثل في تكثيف العلماء والدعاة والمربين والمصلحين لجهودهم في تجديد الإيمان في القلوب , والتركيز على ترسيخ العقيدة واليقين في النفوس , وتنقيتها مما علق بها من بدع ومحدثات , وتخليصها من حالة الفتور التي يمكن ملاحظة آثارها في سلوك كثير من المسلمين .
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى – عن هذه الآية: (دلت الآية على أن من لم يُطهِّر الله قلبه فلا بد أن يناله الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، بحسب نجاسة قلبه وخبثه، ولهذا حرم الله سبحانه الجنة على من في قلبه نجاسة وخبث ولا يدخلها إلا بعد طيبه وطُهره، فإنها دار الطيبين
إن من أهم الأسباب التي تبعد العبد عن ربه تبارك وتعالى، وما يتلو ذلك من مصائب وعقوبات حسية كانت أو معنوية؛ لهو اقتراف الذنوب والمعاصي الظاهرة منها والباطنة واستمراؤها.
إن إدراك المؤمن أن الحياة الآخرة هي الحياة الباقية , وأن الدنيا بما فيها من متاع وزينة ما هي إلا دار امتحان وانتقال , هي الحقيقة التي ينبغي أن تدفعه للمبادرة لاغتنام أوقاته بطاعة الله , واستثمار أنفاسه بما يرفعه في جنة الخلد درجات .... قبل أن تصبح يوم القيامة مجرد "أمنيات" .
ويقول مطرف بن عبد الله : [تذاكرت ما جماع الخير، فإذا الخير كثير الصيام والصلاة، وإذا هو في يد الله عز وجل، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إذا أن تسأله فيعطيك، فإذاً جماع الخير في الدعاء]
نعم ....ما تمر به الأمة اليوم محنة عظيمة وخطب جلل , ولكن المواجهة لا تكون أبدا بالإحباط أو التشاؤم , ولا بإشاعة مظاهر الشك بحتمية تحقق موعود الله تعالى , بل تكون المواجهة بدعوة المسلمين إلى التمسك باليقين بالله تعالى والثقة بصدق وعده لعباده المؤمنين , وتذكيرهم أن واجبهم الأهم هو الاشتغال بتنفيذ أوامر الله والتزام طاعته
إن الحياة الحقة حياة أخرى غير تلك التي نعيش بطريقتنا المعهودة , الحياة الحقة هل تلك التي يستثمر فيها المرء كل لحظاتها , صالحا مصلحا لغيره , طاهرا مطهرا لغيره , مستقيما مقوما لغيره , إيجابيا مؤثرا , ناصحا أمينا , عابدا تقيا , سليم القلب , نظيف الصدر , مطمئن النفس ...
لا يعني التنويه بأهمية أعمال القلوب وأنها الأصل وأعمال الجوارح تبع ومكملة، لا يعني ذلك التقليل من شأن أعمال الجوارح، أو ترك أعمال الجوارح على حساب أعمال القلوب. فأعمال القلوب غالباً ما تقوم إلا بأعمال الجوارح، كما أن أعمال الجوارح لا تنفه وتقبل إلا بأعمال القلوب.
كذلك فإن الأحوال تصدق الأقوال أو تكذبها، ولكل قول شاهد من صدق أو كذب من حال قائله , قال الحسن: "ابن آدم، لك قول وعمل، وعملك أولى بك من قولك، ولك سريرة وعلانية، وسريرتك أملك بك من علانيتك...".
يقول ابن المبارك:
[ما رأيت أحداً ارتفع مثل مالك، ليس له كثرة صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة] والشاهد من هذا أن الإمام مالك رحمه الله تعالى طاب أثره ورُفع ذكره بعد موته – وذلك بسبب خبيئة في قلبه وحسن سريرته، نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً – إذ كان من الأئمة الأعلام المقتدى بهم، بل وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية المتبعة.
فكل عبادة من العبادات لها ظاهر وباطن؛ فالظاهر قول اللسان وعمل الجوارح، والباطن هو قول القلب وعمل القلب، وكلاهما داخل في مسمى تلك العبادة، كما أنه – أيضاً – سبب في الأجر ، والتقصير بأحدهما تقصيرٌ في العبادة نفسها، كما أن كمال تلك العبادة مرتبط بكمالها ظاهراً وباطناً.
إن اتباع المسلم لهواه بعيدا عما يحبه الله ورسوله هو في الحقيقة أهم أسباب فقدان كثير من المسلمين لذة العبادة وطعمها , ولا علاج لهذه الظاهرة إلا بالعودة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ..
وأما السكينة: فهي ثبات القلب عند هجوم المخاوف عليه، وهي نعمة ينعم الله بها على عباده عند الخوف والمصائب والبلايا ، ورداء ينزل فيثبِّت القلوب المترددة ، ويهدِّئ الانفعالات المتوترة
إنها إذن ميزة أخرى لخبيئة العمل نغفل عنها , ألا وهي طرد حب الشهرة والمعرفة بين الناس , ولاشك أن حب الشهرة مفسد لقلوب الصالحين , وخصوصا إذا كانوا دعاة أو علماء , قال بشر: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس.
العمل على ترسيخ العقيدة في نفوس المسلمين , و تقوية اليقين ببدهية مغادرة هذه الحياة الدنيا وحتمية العرض أمام الله للحساب , في يوم تكون فيه العملة الوحيدة القابلة للتداول والنفع هناك هي الحسنات فقط ...هو السبيل الأنجع والأسرع لإقبال المسلمين على تجارة الآخرة وحرصهم عليها أضعاف حرصهم على تجارة الدنيا .
بالطبع لن نستطيع أن نسأل الراحلين عنا , ولكننا الآن لا نزال يمكننا أن نسأل بعضنا بعضا نفس الأسئلة ..
لا نزال نستطيع المسارعة للتوبة والاستغفار , ويمكننا الإصلاح بعد الإفساد ، والعدل بعد الظلم ، وقول الحق بعد الزور ، ومد يد العون للمحتاج بعد البخل والإمساك
لا شك أن إعداد المسلمين للقوة المادية من عتاد وسلاح وذخيرة وغيرها واجب نص عليه القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لمواجهة الأعداء
وإذا كان الوجه الآخر للمصائب التي تنزل بعباد الله المسرفين على أنفسهم بالموبقات والمعاصي هو إتاحة الفرصة لهم للعودة والرجوع والإنابة إلى الله قبل فوات الأوان , ففي السنة النبوية ما يشير إلى وجه آخر للمصائب التي تنزل بعباد الله المؤمنين .
غفلة كثير من المسلمين عن ابتلاء النعم من الوضوح بمكان , وعدم استشعارهم لكون ما هم عليه من خير وفضل من الله تعالى إنما هو فتنة واختبار وامحتان , ليعلم من يشكر ممن يكفر ...قد لا يحتاج مع الواقع المشاهد إلى دليل أو برهان .
قال ابن رجب : اعلم أن النفس تحب الرفعة والعلو على أبناء جنسها ، ومن هنا نشأ الكبر والحسد ، ولكن العاقل ينافس في العلو الدائم الباقي الذي فيه رضوان الله وقربه وجواره ويرغب عن العلو الفاني الزائل الذي يعقبه غضب الله وسخطه وانحطاط العبد وسفوله وبعده عن الله وطرده عنه
في مثل هذه الأوقات تزداد الحاجة إلى بث روح التفاؤل - الذي هو في الحقيقة منهج القرآن الكريم ومنهج المصطفى صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله – في نفوس المسلمين في كل مكان , وتتأكد ضرورة تذكيرهم بالعودة إلى أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بـ "حسن الظن بالله تعالى" المنصوص عليه بالكتاب والسنة .
إن في كثرة السجود بين الله تعالى من الخير والنفع الدنيوي والأخروي ما لا ينبغي لمسلم عاقل أن يفوته , فلنجعل من هذه العبادة الجليلة بابا لعلاج ما نواجهه في الدنيا من محن وابتلاءات , وزادا لما ينتظرنا في الآخرة من سؤال وحساب .
من أدام دعاء يوشك أن يكون من أهله , ومن استمر على رجاء ودعاء وألح به يوشك أن يستجاب له , ومن أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له ..
فالذي يكثر من دعاء العلم يوشك أن يكون في ركابه , ومن أكثر من الدعاء بالذكر والشكر صار ذاكرا شاكرا , ومن سأل الله الستر والقناعة يوشك أن يصير مستورا قنوعا ..