تعالوا نسأل الراحلين !
21 ربيع الأول 1438
أميمة الجابر

أين أنت الآن أيها الراحل الذي فارقنا ؟!

 

تركت بيتك الذي لطالما كنت ترجو أن تبنيه ، وتزينه ، ثم بنيته ، وزينته ، وأعددت فيه كل ما تحب من فراش وثير وأنعم متكاثرة ،،

 

ثم هأنتذا تسكن القبر الضيق ، وتفترش التراب  , فهل فعلا تستحق منك الدنيا كل ذلك الكد والصراع المرير ؟ !

 

هل استعددت لهذه الحالة الجديدة ؟ ورتبت للحظة لقاء الحقيقة ؟ هل آمنت بربك الواحد القهار واستسلمت لأمره , أم تمكنت منك شهواتك و نسيت الخالق , وغفلت عن حالك ، و خشيت المخلوق أن تفضح أمامه و لم ترقب من يراك و لا يغفل عنك , و يعلم ما في صدرك وما تخونه عينك ؟!

 

فاي حمل ذاك الذي تحمل بينما أنت ترحل ؟ وماذا تخفي حقائبك ؟

 

أراعيت علي صلاة إن صلحت صلح سائر عملك وإن فسدت فسد ؟ أم إنك في موعد لسماع صرختها لتصعقك " ضيعك الله كما ضيعتني " !

 

أأخرجت حق الله في مالك أم خشيت أن يقل ويفنى ؟! أوما كنت تعلم أنك أنت نفسك ستفنى ؟! وأن وارثيك سيقتسمون مالك ؟! إنهم الآن يقتسموه وأنت لا تستطيع حراكا !

 

أكنزت مالك عن حج بيته ، أم كنت تدخر لتبنى البيوت أو تملأ البطون وتقضي الليالي وتلهو بالساعات ؟!

 

أتركت لسانك وراء الغيبة و النميمة و الفتنة و الوقيعة بين الناس والسباب والانتقاص ، أم كبلته و صنته ليصنك و تذكرت قول النبي صلي الله عليه و سلم ( وهل يكب الناس علي وجوههم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم )

 

أكنت ترعى العدل ، أم تلغ في المظالم ؟! ،، بين ابنائك وأهلك ومن تعاملت معهم واصحاب الحقوق عليك ؟ أم وزعت مالك علي البنين و تركت البنات , فشهدت علي جور و نسيت أنك ستقابل ربك وسيسألك عن هذا الجور ؟

 

أحفظت حق جارك و صديقك عندما دخلت بيته أم كانت الخيانة في عينيك ثم تركته وقت ضيقه وشدته ؟

 

أوصلت رحمك و تفقدت إخوانك و أخواتك ، المحتاج منهم و المريض و المتعسر بالدين , أم أعرضت عنهم واختلقت الحجج ؟!

 

هل أحسنت لوالديك , وساندتهم يوم كبرهم و ضعفهم كما ساندوك و أنت صغير و ضعيف , أم أخذتك الدنيا بهمومها و نسيت السؤال عنهم أياما و شهورا وتململت منهم لما زاد ضعفهم وثقل جسدهم وكثرت حاجتهم ؟!

 

 

هل قلت كلمة الحق في الرضا والغضب ؟ أم داهنت وركنت بحثا عن مصلحتك الذاتية ومنافعك الشخصية ؟!

 

 

أنت الآن في ذمة الله تعالي , انقطع عملك ، فهل ربيت إبنا فأحسنت تربيته أو بنتا ليدعوا لك بينما أنت في هذا المكان الذي لا ينفع صاحبه سوى ولد صالح يدعوا له أو صدقة جارية أو علم ينتفع به ؟!

 

هل صفحت و سامحت من أساء إليك أم عدت لربك وأنت معبأ بالحقد و الكره والحسد ، و نسيت أنه من عفا و أصلح فأجره علي الله ؟!

 

بالطبع لن نستطيع أن نسأل الراحلين عنا , ولكننا الآن لا نزال يمكننا أن نسأل بعضنا بعضا نفس الأسئلة ..

 

لا نزال نستطيع المسارعة للتوبة والاستغفار , ويمكننا الإصلاح بعد الإفساد ، والعدل بعد الظلم ، وقول الحق بعد الزور ، ومد يد العون للمحتاج بعد البخل والإمساك

 

يمكننا السجود بعد الإعراض ، والتباكي بعد الغفلة ، والتطهير بعد التلوث ، يمكننا أن نبدا صفحة جديدة ،، فعندك رب غفور يدعوك لتوبة نصوح , فثق به فهو الرحيم ستجده عند ظنك به ، و لا تنس أن الأعمال بالخواتيم .