
أكد الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد الذي أم المصلين في المسجد الحرام، في خطبتي عيد الفطر المبارك، أن جمع كلمة المسلمين وحماية أعراضهم وصيانتها من ضرورات الدين، فيحرم هتكها والوقوع فيها، وتشتد الحرمة حين تكون في العلماء، وأضاف أن "أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء".
وامتدح الشيخ ابن حميد دور الإعلام وإيجابياته في التوعية والتثقيف وتوسيع الفهم والمدارك والتبصير بالحقوق والشفافية في الرؤية والمحاسبة ورفع المظالم والانتصار للمظلوم والنقد الهادف البناء، لكنه استدرك قائلا: "مع هذا الخير الكثير الوفير المذكور المشكور فإن هناك سوء استخدام وغلطا في التوظيف، مما يستدعي التذكير لطلبة العلم وحملة الفكر وأصحاب القلم والصورة ورجال الرأي والثقافة في تحري حسن استخدام نعمة الإعلام لجمع كلمة الأمة والدفاع عن حياضها والتنبيه على ما يكدر صفو وحدتها أو يبث بذور الفرقة والفتنة فيها". وشدد خطيب المسجد الحرام على أنه "يجب اجتناب كلام الإثارة وعبارات التحريض والظنون مما يهز تماسك الأمة في كيانها أو في نسيجها الوطني والمجتمعي في ديار الإسلام أو في مجتمعات ذات نسيج ضعيف لا تزيدها مثل هذه الإثارات إلا ضعفا واضطرابا في الفكر بل قد تتعدد عندها الولاءات فتحل فيها الفرقة وتحيق بها الهلكة"، وأضاف: "لا يجوز أن تكون ثوابت الأمة ومحكمات الملة عرضا مباحا يخوض فيه المتخوضون بجهل أو سوء قصد طعنا وتسفيها وتشويها وتزييفا". وتابع: "إن من المخيف أن تشهد الأمة نزعات قد تورث نزعات من الطائفية والمذهبية والقومية لتغيير الخرائط والهويات وتفتح أبواب التشرذم والتناحر داخل دائرة الإسلام وداره"، واعتبر الشيخ ابن حميد "أن حالة التعصب حول القومية والمذهبية إرث استعماري، ونزعة عنصرية للدول المستعمرة نفسها، وقد بدأت في التخلي عنها لظهور فسادها وضررها، وتهديدها للمصالح الحقيقية للفرد والجماعة".
وكان الآلاف من المسلمين قد أدوا صلاة عيد الفطر المبارك صباح اليوم الثلاثاء فى الحرم المكي والمسجد النبوي، حيث امتلأ المسجدان وأروقتهما وسطحاهما والساحات المحيطة بهما بالمصلين منذ الصباح الباكر، فرحين مبتهجين بالعيد السعيد، بعد أن من الله عليهم بصيام وقيام شهر رمضان.
وأوصى الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد المسلمين في خطبتي العيد بتقوى الله عز وجل، وقال: "العيد فرحة وبهجة فمن أحب أن يسامحه الناس فليسامحهم"، مؤكدا أن "العيد اجتماع على التزاور والتسامح وتجديد أواصر الحب والقربى".
وشدد الشيخ ابن حميد على ضرورة الوحدة الإسلامية التي "لا يذل فيها مظلوم، ولا يشقى محروم، ولا يعيث في الأرض مفسد، أو يعبث في الحقوق باغ"، وقال: "إن الاعتصام بحبل الله جميعا، بل إن احتواء الثقافات وانصهارها، والتقاء الحضارات، خطة أنبتتها عالمية الإسلام"، وأضاف: "لقد احتضن الإسلام في أمته جميع الحضارات التي قابلها من شرقية وغربية وآسيوية وإفريقية وعربية وفارسية وتركية ورومية وسائر الأجناس على امتداد العالم الحديث والقديم"، وتابع: "تتأكد الصلات وتتوثق الوشائج وتتجلى الوحدة الإسلامية في أظهر معانيها تحت راية التوحيد وشعار الملة العقيدة الجامعة المانعة (لا اله إلا الله، محمد رسول الله)، يحيا عليها المسلم، ومن أجلها يعيش، وعلى نهجها يسير، وعليها يموت".
ورأى الشيخ ابن حميد في خطبتي العيد أن "الأمة تمتلك الإمكانات الكبيرة والكثيرة والعوامل المؤثرة في وحدتها وقوتها"، وأضاف: "إن من المتقرر بكل وضوح أن الأمة لا تستطيع إعزاز دينها والحفاظ على وحدتها ما لم تعز نفسها، ولا تكون قوية ما لم يقو أفرادها، ويقوم عليها رجالها وولاتها وعلماؤها ومفكروها، وإن هذه الأمة ستبقى بإذن الله ورعايته وحفظه ما بقيت مخلصة لكتاب ربها ملتمسة رضوانه، ستبقى ما بقي فيها هذا القرآن العظيم، وهي باقية ببقاء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".