كتاب ( السر ) .. و تجارة الوهم والخرافة
17 شعبان 1429
عبدالله العجيري

سرٌّ عميقٌ كشفت عنه كاتبةٌ أستراليةٌ في كتابٍ صدر مؤخراً، وبيعت منه ملايين النسخ حول العالم، فتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، وتُرجم لأكثر من ثلاثين لغةً. وقد جاء الدور اليوم على لغة بني يعرب ليطّلع أهلها على ذاكم السر الخطير، والذي سيساعدهم في النهوض من رقدتهم!

 

هذا السرُّ الخطير يقول: دع عنك العمل، فالخير كله في الأماني.

أنت تستطيع التحكم في الكون عن طريق الأمنية، وأنت سيد أمانيك، فتمنَّ وسيأتيك ما تريد.

 

إياك أن تظنَّ أن المال يأتي بالعمل، أو أن الدواء سببٌ للعافية.

دع عنك هذا كله.. وعليك بالأماني الجازمة فبها يُجمع المال وتُحصَّل العافية.

تمنَّ المال .. واحلم بالعافية ... وسيقولان لك بصوت واحدٍ: أتينا طائعين!

 

لا تصدق أن الإفراط في الأكل يسبِّب السمنة!

إن ظننت هذا فأنت مخطئ .. فالسُّمنة تأتيك فقط إذا فكرت فيها. أكلت أو لم تأكل.

وأما إن لم تفكر في السُّمنة فكل بيديك ورجليك، ولن يزيدك ذلك إلا خفةً ورشاقةً !

 

حاذر أن تتوهم أن داء السرطان وفشل الكلى أمراضٌ تستدعي دواءً.

السرطان يذهب عنك، إذا تمنيت شفاءه...وكذا فشل الكلى...

فقط تمنَّ واطلب، ثم انتظر العافية التي لن تتأخر عنك..

 

إذا كانَ بصرك ضعيفاً، فدع نظارتك جانباً، وردِّد بأعلى صوتك: (أستطيع أن أرى بوضوح، أستطيع أن أرى بوضوح، إنني أرى الآن، إنني أرى الآن!!)..كرِّر ذلك، وسترى كيف تكسبُ بصراً كبصر الصقر، دون مراجعة طبيب.

 

حتى الشيخوخة، بإمكانك التخلص منها عن طريق تجاهلها وعدم التفكير فيها. فبهذا لن تشيخ ولن تهرم، وستحتفظ بشبابك، لأنك فكرت بطريقة إيجابية! فالذي يشيخ فقط هو من يفكر في الشيخوخة.

 

كل ما تريده، وكل ما تتمناه هو -ببساطة- في متناول يدك، ودون شراك نعلك، وأقرب إليك من حبل الوريد، وما عليك إلا أن تفكر فيه، وتتخيله حاضراً موجوداً عندك، ثم تردد كالببغاء: (إنني أتلقى الآن، إنني أتلقى كل الخير في حياتي الآن، إنني أتلقى ما أريد الآن) لتتسلم ما أردته بكل سهولة ويسر!

 

هذا هو السر الخطير جداً الذي كشفته لنا الكاتبة الأسترالية.

وهو السر الذي يباع اليوم في أسواقنا وتنشر له الإعلانات الدعائية.

 

سرٌّ عماده : كتاب ( السر ) .. و تجارة الوهم والخرافة ...

 

****

 

كم هو عجيبٌ أمر بني آدم، فمهما تحصل لهم من تقدُّمٍ علميٍّ هائلٍ في كافةِ المجالات المعرفية والعلمية والتقنية، فسوف يبقى فيهم فئامٌ تشهد بلسان حالها أن العقل البشري قابلٌ لتلقي الخرافة، ولديه استعدادٌ للتعلق بالأوهام والأساطير.

 

لا فرقَ في ذلك بين أمةٍ وأمة..

ولا فرقَ بين أسطورةٍ وأسطورةٍ..

 

فالبشر كافةً بجميع ألوانهم..

 أحمرهم وأصفرهم..

 أسمرهم وأبيضهم..

 ذكرهم وأنثاهم..

 قديمهم وعصريهم..

 أميهم والمتعلم منهم..

 

 في شمال الأرض وجنوبها .. كما في شرقها وغربها ..

 في العالم الثالث كما في العالم الأول والثاني ..

 

الجميع لديه استعداد غريب لاستقبال المضحكات من الشعبذات والأوهام والخرافات.

 

فالدجل المعرفي يروج في الغرب كما يروج في الشرق.

والشعوذة الفكرية تُقرأ من اليسار لليمين، كما تُقرأ من اليمين لليسار.

 

تترقى البشرية في معارفها ومداركها، ويبقى فيها من ينحط بفكره، ويرجع بعقله للوراء.

 

فيما مضى كنا نعلل رواج الخرافة، بشيوع الجهل والأمية. غير أن الأيام أثبتت أن الخرافة قد تلبس ثوب النظرية العلمية، والشعوذة من الممكن أن تتقنَّع بقناع السر العلمي الخطير الذي تُصنَّف له الكتب، وتُقام لأجله الإعلانات الدعائية في الجرائد والطرقات، وتكتب لأجله المقالات الصحفية، وتعقد لشرحه الحوارات في أشهر البرامج الإعلامية العالمية.

 

ولقد كان من المرجوِّ أن يكون لأهل القرآن عصمةٌ من قبولِ ما يناقض دستورهم، إن لم يدركوا مناقضته لعقولهم. غير أنهم لما اتخذوا هذا الدستور مهجوراً، استووا بذلك مع من لم تستنر قلوبهم بنور الوحي، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ). فتخطَّفت الخرافة من أبناء الأمة من تخطَّفت، وأخذ الانحراف منهم من أخذ، وصارت الأمة مهدَّدةً في عقيدتها وشرعتها ومنهاجها، بعدما أضحت عقولُ أبنائها ساحةً مفتوحةً للوافدات الفكرية من شرقٍ وغربٍ.

 

ومع تقادم العهد، وضعف العلم، ورقة الدين، وفقد العلماء الربانيين، ازداد الخطر خطراً، وتعاظم البلاء ، وشرعت القلوب أبوابها لكل ضلالةٍ تريد أن تنافس -في دار الإسلام- شرعة الإسلام، وتمدد الباطل في جسد الأمة كماً وكيفاً، ووقعت الفتنة وأقبل البلاء.

 

 وأشد ما تكون الفتنة وأعظم ما يكونُ الاشتباه حين تَرِدُ الأسطورة والخرافة من بلاد الحضارة والعلم والمدنية.

 

الغرب سبقنا بأشواط، بل بقرونٍ... حقيقة لا ريب فيها.

الغرب لديه الكثير مما نفتقده ونحتاجه ... مسلمة لا تقبل الجدل.

الغرب عنده الكثير والكثير من المعارف المتميزة ... واقع يدركه الجميع.

 

لكن مشكلتنا فيمن لا يعرف بأي شيء سبقونا، ولأي شيء تخلفنا. فتراه يَعُبَّ من كأس الغرب حلواً ومراً، ويأخذ عنهم ما يُحب وما يُعاب، ويساكنهم في جحر الضب الضيق. ثم لا يلبث أن يطّل علينا مبشراً بالوافد الجديد، والفكرة المحدثة، ويغدوا بوقاً ينفخ فيه الغرب ليخرج صوت فكرتهم، ولكن بلسان عربي مبين، وقد يتأول القرآن والسنة فيُلبسَ فكرتهم لبوس الإسلام، ويتم مزاحمة الإسلام باسم الإسلام، ويتم ضرب الشريعة باسم الشريعة!!

 

وهكذا فما إن اعتادت عقولنا وعيوننا على رؤية من أغرقونا ببضاعة الفسوق الغربي، حتى فتحت عيوننا ثانيةً على من يريد استيراد أوهام الغربيين وخرافاتهم المناقضة لطبيعة منجزاتهم العصرية. تلك الخرافات العالقة بحواشي حضارتهم، وفي هامش مدنيتهم، والتي لم تكن سبباً في وصول الغرب إلى ما وصل إليه.

 

فأي عقولٍ تلك التي لا تميز بين البياض والسواد، والنافع والضار، ولا تفرق بين ما يحيي العقول وما يميتها.

 

إنها عقولٌ -وللأسف- ضعيفة تستجيب للبهرجة والدعاية والتمويه، ولا تنفذ إلى عمق الأفكار والظواهر لتستبين المعاني وتُظهر الحقائق. وبما أنَّ فنَّ الدعايةِ امتيازٌ غربيٌّ، فقد رأينا كتبَ الغربيين - مهما ضعفت قيمتها العلمية، واضمحلت فائدتها- تجد طريقها بيسرٍ لأيدي الناس ورؤوسهم، لتأخذ من جيوبهم ما تأخذ، وتحتل من عقولهم ما تحتل. ويكفي -مثلاً- أن يُصَدَّر كتابٌ بعبارة من جنس: (من أكثر الكتب مبيعاً في العالم)، ويوضع على طرته اسم كاتبٍ غربي، ويزخرف بالحرف الأجنبي، ليرتفع سهم مبيعاته تلقائياً، سواءٌ حَسُنَ ما فيه أو قَبُحَ.

 

ومن لم يصل إلى استيعاب هذا فلينظر في واقع كتابٍ يحكي معاني الكتاب والسنة كما هي في رسم منهاج الحياة ثم ليقارن وقعه في نفوس الكثيرين بحال كتابٍ غربيٍّ، لمؤلف مجهول، يدعو "لإيقاظ قواك الخفية" و"استخراج المارد الذي فيك"، ليُعرَف حجم الإشكال، وتتفهم المصيبة.

 

والعجيب حقاً أن الأمر ما عاد حكراً على مبتدعات الغرب وأباطيله وحده، بل حتى الديانات الوثنية، والأساطير المشرقية، والخرافات الهندوسية والبوذية، صارت تتخذ من البوابة الغربية معبراً لها، لتصل إلى أسواق عقولنا بعد صكِّها بطابع الغرب، وإعادة تعليبها وتغليفها بغلاف غربيٍّ، مع شهادة منشأ غربية. 

 

إنه لمن المؤلم أن يتم استغفالنا نحن المسلمين بهذه الصورة ، وأشد إيلاماً أن نجد من بيننا، من يستجيب لدعوات الاستغفال هذه، فيصدق ويعتقد ويبشر، ثم هو يعيد ترتيب الإسلام ليوافق تلك الملل والأفكار.

 

لتحميل الكتاب