
في ثاني حادث من نوعه في المنطقة خلال أقل من شهرين، قال متحدث باسم الجيش التايلاندي إن طائرة هليكوبتر عسكرية تحطمت اليوم الأربعاء بعدما أنزلت ثلاثة من كبار الضباط في "بيتونج"، وكانت في طريق العودة إلى قاعدتها في إقليم "يالا" جنوب البلاد الذي تسكنه أغلبية مسلمة، ما أدى إلى مقتل ستة كانوا على متنها.
ونسبت وكالة "رويترز" للأنباء إلى الكولونيل اكرا تيبروتش المتحدث باسم الجيش التايلاندي قوله: إن الطائرة وهي من طراز (بيل يو.اتش و1.اتش) وعليها طيار ومساعده واثنان من الفنيين واثنان من رجال الإنقاذ تحطمت في إقليم "يالا" الجنوبي، لكن السبب غير معروف.
وذكر إن الطائرة التي ترجع الى حقبة الحرب الفيتنامية تحطمت.
وكانت طائرة من الطراز نفسه تحمل ستة من خبراء الطب الشرعي وطيارا ومساعده واثنين من الفنيين قد أصيبت بعطل فني وتحطمت في "يالا" في الثاني من يونيو الماضي وقتل كل من كان عليها.
وكان خبراء الطب الشرعي في طريقهم الى موقع شهد معركة بين مقاومين مسلمين وقوات الأمن التايلاندية في وقت سابق من اليوم في يالا، وهو إقليم من بين أربعة أقاليم جنوبية يشكل المسلمون غالبية سكانها.
ومن الجدير بالذكر أن جنوب تايلاند الذي تسكنه أغلبية مسلمة كان مستقلاً حتى عام 1902م، حين قامت بريطانيا باحتلال مملكة "فطاني" الإسلامية ، ثم تسليمها غنيمةً باردة لتايلاند، وإعلان دخولها في الحدود السياسية لتايلاند بتواطئ دولي وصمت عربي وإسلامي.
وتقع منطقة "فطاني" بين ماليزيا وتايلاند، ويرجع أصل سكانها للمجموعة الملايوية المسلمة، ويتكلمون اللغة الملايوية ويكتبونها حتى الآن بأحرف عربية بسبب أصولهم العربية منذ نشأة مملكة فطاني الإسلامية في القرن الثامن الهجري.
وتقول المراجع التاريخية: إن الإسلام وصل إلى "فطاني" عن طريق التجارة في القرن الخامس الهجري وأخذ في التنامي حتى صارت المنطقة كلها إسلامية وتحت حكم المسلمين في القرن الثامن الهجري وصارت "فطاني" مملكة إسلامية خالصة ومستقلة.
وعندما احتل البرتغاليون تايلاند أوعزوا إلى قادة تايلاند بحتمية احتلال "فطاني" للقضاء على سلطنة الإسلام بها ولابتلاع خيراتها، فقام التايلاندون باحتلال فطاني سنة 917هـ ولكنهم ما لبثوا أن خرجوا منها بعد قليل تحت ضغط المقاومة الإسلامية.
ومع انتشار الاحتلال الإنجليزي في المنطقة الآسيوية دخل الإنجليز تايلاند وفطاني، وقمعوا بدورهم مملكة فطاني ومسلميها، وأضعفوا الإقليم مما مهد الطريق أمام مملكة تايلاند (مملكة سيام) لضم فطاني رسمياً لها سنة 1320هـ (1902 ميلادية) بعد سلسلة طويلة من الثورات والمقاومة الباسلة من المسلمين، وكان هذا الضم إيذاناً بعهد جديد في الصراع بين المسلمين وأعدائهم البوذيين في تايلاند.
وتشير المراجع التاريخية إلى أن إقليم فطاني لم ينضم بسهولة ويخضع لمملكة تايلاند سوى بالحديد والنار، حيث اندلعت العديد من الثورات التي قادها أمراء مسلمون آخرها ثورة الأمير عبد القادر، وهو آخر ملوك فطاني المسلمين والذي تقدم بقيادة الثورة سنة 1321هـ بعد سنة واحدة فقط من الضم وتعرض للاعتقال واندلعت الثورة بفطاني إثر ذلك ولكن التايلانديين قمعوها بمنتهى الوحشية بمساعدة قوية من الإنجليز.
وعندما تحول الحكم من ملكي إلى جمهوري عقب الانقلاب العسكري عام 1933م (سنة 1351هـ) الذي أطاح بالملكية، سعى مسلمو المناطق الإسلامية الأربعة (فطاني- جالا- ساتول- بنغارا) ذات الأغلبية المسلمة في جنوب تايلاند للمطالبة بعدة حقوق لهم في عريضة قدموها للحكومة الجديدة.
ولكن جاءت الريح بما لا يشتهي المسلمون وتحول الحكم العسكري إلى واقع مرير للمسلمين ليس لأنه تجاهل مطالبهم، ولكنه سعى لمسخ هويتهم تماما وإذابتهم داخل الدولة، حيث أصدر الفريق أول (سنقرام) الذي تولى السلطة في تايلاند قرارات بتغيير الأسماء المسلمة إلى تايلاندية ومنع لبس الجلباب الأبيض المميز للمسلمين وغطاء الرأس للنساء، وتحريم استعمال اللغة الملايوية ذات الحروف العربية، وأغلقت أبواب المدارس والجامعات أمام الفطانيين وكذلك المناصب الحكومية والجيش والشرطة وأغلقت الجوامع والمساجد وحرم التبليغ والتبشير بالدين الإسلامي.
وقد توالت على الإقليم المسلم عدة ثورات ومحاولات من جانب المسلمين لإعادة المطالبة بحقوقهم واجهتها السلطات هناك بالقمع والاعتقال لكل من قاد المطالبة بهذه الحقوق.