تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة
9 رجب 1429
على كثرة عروض الكتب التي قدمتُها خلال أكثر من ربع قرن، كانت طريقتي المفضلة أن اصف الكتاب وأعرّف بمحتوياته، وأبيّن بإجمال نقاط قوته ومَوَاطِن ضعفه بحسب رؤيتي، وكان من النادر أن أحَضّ القارئ الكريم على قراءة الكتاب.
والكتاب الذي بين أيدينا اليوم هو من الصنف الاستثنائي، الذي يضطرني إلى الخروج عن منهجي المألوف، لأؤكد أنه جدير بالمطالعة وإثرائه بالمناقشة المعمقة.فموضوعه شديد الأهمية ومعالجة المؤلف له جاءت متميزة بكل معنى الكلمة وهي موسعة كذلك"الكتاب في حدود 700 صفحة"، ولكنني لا أقول:إنها معالجة غير مسبوقة كلياً، ولو بصفة نسبية.فقد سبق للمؤرخ السوري الراحل الدكتور يوسف العش أن تناول ما شجر بين الصحابة الكرام في زمن الفتنة بمنظار تاريخي عميق ومتوازن، وضع الأمور في موازينها، واجتهد في تفسير الظروف والملابسات بطريقة علمية جديدة وطيبة.بيد أن كتاب محمد أمحزون هذا يمتاز بشموله وتركيزه وبتفصيل شرعي للمسائل التي يبحثها تفصيلاً يستحق الإشادة.والكتاب رسالة علمية نال بها المؤلف درجة الدكتوراه، وهذا أضيفه للبيان فحسب، لأن كثيراً من أطروحات الدرجات العلمية المعاصرة تثير الرثاء.مع تسجيل احتراز ضروري هو أن هذا التقريظ الواجب لا يعني التسليم بكل النتائج التي توصل المؤلف إليها.فهو مجتهد ومأجور-إن شاء الله- حتى لو جانَبَه الصواب.
بيانٌ لا تفنيد
يقول الدكتور فاروق حمادة في تقديمه للكتاب) إن موضوع هذه الأطروحة المعنونة ب"تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الإمام الطبري والمحدّثين"موضوع في حد ذاته وخطير وذلك لأنه من الموضوعات الحية المتجددة، مصاحبة للإنسانية ما بقي في الأرض مسلمون، وما استمرت الكلمة المدونة هادية للبشرية ملهمة لها....).
أما مؤلف الكتاب فيبين في مقدمته المنهج الذي سار عليه في بحثه، ومن أسسه عدم الرد على كل الشبهات التي أثيرت حول التاريخ الإسلامي قديماً وحديثاً، بل هو يعتمد بيان حقائق تاريخ الصدر الأول، مدعمة بالنصوص الصحيحة، ومستنداً إلى الروايات التي تنسجم في مضمونها مع معطيات تلك الفترة، في إطار المبادئ والمفاهيم والقيم الإسلامية.
ويتكون الكتاب من ثلاثة أبواب ويتألف كل باب من ثلاثة فصول وفي كل فصل ثلاثة مباحث.
ففي الباب الأول (قضايا في المنهج-الإمام الطبري وتاريخه) ركز الباحث اهتمامه على بيان عوامل تحريف التاريخ الإسلامي ثم المنهج الواجب اتباعه في دراسة هذا التاريخ ويخص فقه تاريخ الصحابة بمبحث جيد، ثم يعرّفنا بالإمام الطبري ونسبه ومكانته العلمية ويحقق عقيدته فينسف بعض الأباطيل المفتراة على هذا الحبر الجليل، لختم الباب الأول بتحديد القيمة العلمية لتأريخ الطبري ويحدد مصادره عن الفتنة ويوضح منهجه في تأريخه.
الفتنة الأولى والفتنة الثانية
ويقصد بالفتنة الأولى: الفتنة التي انتهت باستشهاد ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويحلل عوامل هذه الفتنة وثبت بالبراهين القاطعة دور السبئية فيها، ويدحض بقوة محاولات بعض المعاصرين من رافضة وعلمانيين الجري وراء المستشرقين المتعصبين لنفي الوجود التاريخي للخبيث عبد الله بن سبأ.وينهي الباب الثاني بوضع الفتنة في ميزان الشرع المطهر ثم بعرض موقف الصحابة منها فمواقف التابعين بإحسان.
أما الفتنة الثانية والتي انتهت باستشهاد رابع الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عتالى عنه، فهي موضوع الباب الثالث والأخير من الكتاب، وبحث المؤلف فيه بيعة علي وظروفها ثم قرأ سياسة علي وطريقته الراشدة في الحكم، ثم يعرّج على دور السبئية في هذه الفتنة، ولا يفوته أن يغوص في مسألة القصاص من قَتَلَة عثمان وموقف الصحابة منها من المطالِبِين بالتعجيل فيها ومن دعاة التريث، ثم يخلص إلى ترجيح موقف معتزلي الفتنة الثانية وهم أكثر الصحابة، الذين بايعوا علياً والتزموا طاعته لكنهم أبوا أن يقاتلوا إخوانهم في الدين ورأوا أن ترك قتال البغاة أجدر ولا سيما أن هنالك بدائل لمعالجة الموقف.أما الفصل الختامي فقد خصصه المؤلف لمثيري الفتنة الثانية وأبرز نتائجها، وفي الفصل تفنيد دقيق لأكثر الرويات الشائعة بين الناس عن واقعة التحكيم بين الخليفة الراشد علي وأهل الشام.
وهنالك خاتمة من 27 صفحة أوجز فيها أمحزون نتائج بحثه القيّم وضمّنه موقف أهل السنة من الفتنة.
هذا والكتاب مزود بفهارس شاملة للآيات القرآنية والأحاديث وآثار الصحابة والأعلام المترجَم لهم والخطب والرسائل والعقود والعهود والأشعار والأمثال والمصادر بالإضافة إلى فهرس المحتويات.