متى سيكون اللقاء في بغداد؟!
22 ربيع الثاني 1429
أحمد الجاسم

بينما أنا في زحمة العمل والانشغال بالحياة، وإذا برسالة تصلني عبر الهاتف الجوال من صديق عراقي، هجر بغداد والعراق، مرغماً، حتى وصل به المطاف إلى رومانيا، يقول صديقي المغترب في رسالته (متى سيكون اللقاء في بغداد؟ عظم الله أجرنا وآجرنا في مصيبتنا، وإنا لله وإنا إليه لراجعون).
الرسالة هيجت في روحي ووجداني وضميري شوق ثلاث سنين للعراق وأهلي الطيبين، ثلاث سنين من الغربة والألم وفراق الأحبة؛ وأنا لم ولن أنسى حبيبتي بغداد، لكن زحمة العمل أحياناً تنسينا شيئا من همومنا، ونحن، والله، ما خرجنا منها بطرا، وإنما اضطررنا لتركها بأجسادنا وبقيت قلوبنا وأرواحنا عالقة تحوم في سماء العراق وبغداد.
نعم، والله، متى سيكون اللقاء في بغداد؟متى؟هل برحيل الاحتلال أم برحيل العملاء أم برحيلهما معا؟ وعن أي بغداد نتساءل، والى أي بغداد نَحِنّ ونشتاق؟؛ هل نتساءل عن بغداد الرشيد والحضارة والرقي أم عن بغداد الاحتلال وقوات الكاوبوي الهمجية المنتشرة في ربوع البلاد الحبيبة؟وعن أي أناس نتحدث؛ عن أهلنا الأخيار الذين زرعوا فينا الحب والكرم والأمل وحب الخير للناس، أم عن أولئك الأشرار الذين ما ألفنا أشكالهم وأفعالهم، فهم معاول شر وهدم وقتل وغدر!!!
الله يا بغداد؛ كم أنت عصية على الأعداء والعملاء؛ كم أنت صابرة، رغم الجراح الأليمة فإنك مازلت صامدة عصية على الأعداء؛ والغرباء مهما مرحوا في جنباتك وتجولوا في طرقاتك ودنسوها، فإنهم لم ولن يمسوا عفتك وطهارتك مهما حاولوا، لأنهم غرباء وجبناء، ويعرفون انك وأبناءك ستنتصرون في نهاية المطاف.
لن يهزموك طالما هناك رجال يقاتلون من اجل طرد الاحتلال.
بغداد، أمي الحبيبة،سنعود، أقسم لك إننا سنعود، وسنلتقي على ضفاف دجلة والفرات ونقبل ثراك الطاهر ونبكي في ربوعك الحنينة، وننسى بين يديك مرارة الغربة والشوق والحنين.
بغداد؛ إن النصر قد لاح في أفقك منذ الأشهر الأولى،بل منذ الأسابيع الأولى للاحتلال الغاشم البغيض؛ نصر نلمسه في الرعب المسيطر على جنود الاحتلال وهم يجوبون شوارعك كالغربان، والجندي الأمريكي السفاح لا يجرؤ على أن يُخرج رأسه من الدبابة خوفا من حجارة يصوبها نحوه طفل عراقي غيور لم يألف أن يرى الغرباء يلعبون في وطنه؛أو خوفاً من إطلاقة لقناص هنا أو هناك، تعيده إلى بلده جثة هامدة؛نصر نلمسه في الصبر المثالي والمنقطع النظير للمرأة العراقية البطلة وهي تكفكف دموعها وترفع يديها إلى الله سبحانه وتعالى وتدعو للعراق بالنصر وللمقاتلين المجاهدين بالثبات وانتصارهم على أعدائهم، وابنها أو زوجها أو أخوها بين يديها شهيد لم يدفن بعد؛وهذا النصر نلمحه،أيضاً،في عيون الأطفال البريئة وهي تقول: نريد أن نعود إلى بغداد؟! متى نعود إلى بغداد؟!
نعم، والله، كلنا نريد أن نعود إلى بغداد، متى نعود إلى بغداد؟!
سنعود يا صديقي الحبيب، وستجمعنا أمنا الحبيبة بغداد، وتضمنا تحت جناحيها، فهي تعرف قبل غيرها كم نحن مشتاقون إليها وإلى شوارعها الجميلة ـ التي دمرتها جنازير الدبابات الأمريكية الهمجية اللعينةـ وهي تعرف كم نحبها ونعشقها؛ سنعود يا بغداد؛ وحينها سننزع ثوب الأنين والغربة وسيخرج المحتل رغما عن انفه شاء أم أبى، ونحتفل حينها بيوم النصر والتحرير واللقاء وعناق الأحبة، ولا أظنه بعيداً.