بعد النتيجة الأولية.. الثلث السني "الضائع" في الانتخابات الإيرانية!!
9 ربيع الأول 1429
أمير سعيد

أمام إصرار من "حزب الله" القوة العسكرية الأقوى في لبنان ومساندة هشة من بعض القوى المسيحية اللبنانية التي تتقن اللعب على الأوتار وتغيير التحالفات بشكل روتيني حيث تكون الغلبة والسيطرة، تظل مطالبه الأولى المتمثلة في حق "فيتو" لا ديمقراطي على قرارات الحكومة اللبنانية عقبة كأداء أمام أي تحرك لحل الأزمة اللبنانية، إن محلياً أو على الصعيد العربي.
لمن يمثلهم "حزب الله" ثلث مأمول في الحكومة يجعل لهم ضمانة شل حركة الحكومة وتقييد قراراتها، وهي المشلولة أصلاً بنفوذ "حزب الله" وحلفائه عن العمل في أي مجال قبل أن تلتزم بهذا الثلث المقيد، ومعلوم أن "حزب الله" ومنظمة "أمل" لا يمثلان تماماً كل الطائفة الشيعية في لبنان وإن ظلت أصوات المعارضين لهما داخل الطائفة ضعيفة ويجرى تجاهلها لحد الآن عمداً من قبل إعلام "الصمود والتصدي والممانعة"، هذه الطائفة برمتها بمؤيدي السيطرة على الحكومة ومعارضيه علناً من التيار العربي الناشئ فيها، لم تلامس نسبتها ثلث الشعب اللبناني بعد، وإن كانت مع حلفائها قد تزيد عن هذه النسبة، لكن مع ذلك لم يجرِ تفسير من قبلها أو من قبل حلفائها وجوقة المنتفعين منها مقنع للآخرين بهذه المعادلة التي تمكن الأقلية من حكم الغالبية بشكل أو بآخر، أو على الأقل تضييق هامش تحركها لاسيما في القرارات المصيرية، كم لم يبدِ هؤلاء تبريراً لاستيلاء رئيس البرلمان زعيم منظمة أمل على مفاتيح أبواب البرلمان اللبناني وإغلاقه بوجه النواب، والحؤول دوماً دون عقد جلساته لانتخاب الرئيس والتأجيل المستمر لذلك دون العودة إلى النواب أنفسهم!
الطائفة الشيعية في لبنان إذن هكذا تتمتع بسلطات فعلية وعملية أكبر كثيراً من حجمها الفعلي، وتدمغ كل من يعارض رموزها بأنه يعارض "المقاومة اللبنانية"، وتكيل الاتهامات لأي خصم بأنه أمريكي، وكأن لا مجال لوطنية في لبنان إلا إذا ارتبطت سُرياً بطهران أو دمشق..
حسنٌ، لنسلم جدلاً بذلك، ولكن ماذا عن السنة في إيران الذين يمثلون نسبة مقاربة لنسبة الشيعة في لبنان أو تفوقها بحسب رموزهم وقواهم في الداخل الإيراني؟!
ماذا عن ثلث سكان إيران ممن لا يحق لهم إلا تمثيل ضعيف جداً لا يوازي ثقلهم استناداً إلى سلطوية مكارثية تحاكم الناس على ضمائرهم ومعتقداتهم وتحول بينهم والتواجد في برلمان يدعي أنه إسلامي ويضم مسلمين ويجسد "الحالة الإسلامية" في إيران؟!
هل قبلت دهاقنة الحكم وبطارقته في النظام الثيوقراطي أياً من أوراق ترشيح هؤلاء أصلاً حتى يكون لهم أو لا يكون لهم في المستقبل أي حق تمثيلي في الحكومة أو في نظام الحكم عموماً، فضلاً عن أن يتطلعوا ـ أسوة بزعماء الميليشيات في لبنان ـ للمطالبة بثلث ضامن أو حتى ثلث ضامن لحق إقامة مسجد يقومون فيه بأداء صلاة الجمعة؟!
إن أهل السنة في لبنان متهمون بالجملة بصالحهم وطالحهم بالولاء للولايات المتحدة الأمريكية إن هم لم يتساوقوا مع رغبات طهران؛ فهل ينسحب الاتهام عينه عليهم في إيران؟ وهل لا يصبح النظام إسلامياً كما أراده الله إلا إذا استثنى من تسميهم الطغمة الحاكمة في إيران بالنواصب أي أهل السنة هناك؟ وهل لابد لكي يمر المرشح من تحت مقصلة مجلس تشخيص النظام أن يقر بالقداسة لعبد من عباد الله تحت مسمى ولاية الفقيه الجائرة؟!
إن النظام الذي يدعي الديمقراطية وهو يخالفها، ويتدثر برداء الشورى الإسلامية وهو يجافيها، لا يسمح حتى لكثير من الشيعة ذواتهم بالترشح للانتخابات تحت ذريعة ولائهم للغرب؛ فأقصى دون هوادة نحو 1700 مرشح لا نعرف تحديداً هوياتهم الدينية إلا أن كثيراً منهم من الشيعة أنفسهم لكنهم فقط يسعون لقدر من التحرر قليلاً عن ربقة ولاية الفقيه المتسلطة، وهؤلاء الصقهم بهم التهمة المعلبة "أنتم مع الغرب أو تتقربون منه"؛ فليكونوا كذلك أو لا يكونوا؛ فذاك شأنكم الطائفي الداخلي، ولكن أليس من الإنصاف أن تصارحوا الجميع بأنكم لا تحكمون وفق نظام ديمقراطي ولا إسلامي، وإنما نظام يقدس مجموعة لها الأمر والنهي، والإباحة والتحريم، والسماح والمنع، من لا يوافقها لابد وأن يذهب ومن معه إلى خانة التخوين السياسي والديني، حتى لا يتحدث الناس يوماً عن نظام "إسلامي" قد أخفق في تحقيق العدالة على الجميع من رعاياه أو أنموذج ديمقراطي فاشل في المساواة بين مواطنيه؟!
سيقولون فأنتم أيها العرب ـ أو الأعراب مثلما يحلو للشعوبيين أن يدعوننا ـ أبأس مناً طريقاً في الحكم وأشد ظلماً.. نعم بعض الأوجه صحيحة في ذلك، غير أن أقلياتنا أفضل حالاً بكثير من أقلياتكم.. انظروا كيف تصنع أقلياتكم في الكويت وفي العراق وفي لبنان وفي سوريا وفي كل مكان عربي، وكيف يعيش الأقباط والمسيحيون بيننا؟!
لقد ظهرت نتيجة الانتخابات الإيرانية مخيبة للآمال ـ كما هو منتظر ـ فالتيار السلطوي المتشدد قد حصد أكثر من ثلثي الأصوات، وبقي ما دون الثلث من بقايا التيار "التغريبي" قليلاً في إيران.. لكن ماذا عن الثلث الضائع السني الذي لم يتمثل هناك بالقدر الذي تؤهله إليه الإحصاءات؛ فبعيداً عن أي تحليلات للنتائج، وفقط باستقراء جميع نتائج الأقليات في العالم، هل يمكن لأقلية أن تحجم عن تمثيل نفسها في دواليب الحكم من تلقاء نفسها وأن لا يظهر لها صوت في معمعة الانتخابات إلا إذا كانت أحبالها الصوتية قد قطعت تماماً مع "تباشير الثورة الإسلامية العالمية"!!