المقاومة العراقية: مقومات القوة .. مواطن الضعف .. وآفاق التطور
7 ربيع الأول 1428

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة, انتهي تقسيم القوى العالمية على أساس أيديولوجي, وبدأت حالة عالمية جديدة, خطط القطب الأمريكي لتسريع الخطى خلالها لاستغلال حالة الفراغ وعدم الاستقرار, وغياب القطب المواجه, وغياب إستراتيجية واضحة لدي القوي الدولية والإقليمية, لتصبح حالة الانفراد الأمريكية بالقوة واقعاً دائماً, وكانت بداية الحركة في هذا الاتجاه غزو أفغانستان حيث أحلت أمريكا إرادتها محل إرادة المجتمع الدولي, وقانونها الخاص محل القوانين الدولية, كان التوجه الأمريكي واضحاً في استخدام القوة الصلبة .. بل والإفراط فيها, وتبعها المجتمع الدولي مروعاً .. أو مذهولاً, وبدا للأمريكيين أن العالم قد أقر نهائياً بالقيادة الأمريكية المتفردة والمطلقة لمقدرات الكون في الألفية الثالثة, ونظر الأمريكيون على رقعة الشطرنج الكبيرة فلم يجدوا تلك القوة المرشحة لمنافستهم على القيادة, ولكن المقاومة الأفغانية لم تمكن الأمريكيين من تحقيق النتائج المأمولة وبدأ التململ في معسكر حلفاء الأمريكيين, وعلت نبرة الخلاف, ولم يعد الادعاء الأمريكي بالحرب علي الإرهاب كافيا لاستمرار القوي الدولية المختلفة في السير معصوبة الأعين خلف الرؤية الأمريكية, وهنا ظهرت قضية خطر أسلحة الدمار الشامل الصدامية, والتهديد العراقي للعالم الحر.. ولم تكن تلك الدعاوى مقنعة بما يكفي, ولكن الحسبة الأمريكية لم تكن ممكنة التأجيل, خاصة أن المخطط الأمريكي تمكن من تحييد أو استمالة القوى الإقليمية, ناهيك عن قيام العديد من دول المنطقة بتقديم الكثير من الخدمات والتسهيلات لتجهيز القوات الغازية وتمويلها وإمدادها, ولعل المعارضة الأوروبية كانت الفرصة الأفضل لتعلن أمريكا وفاة القانون الدولي والمنظمات الدولية التي صيغت قوانينها وأنشئت هياكلها في الزمان ثنائي القطب وفي ظروف الحرب الباردة.<BR><BR><font color="#0000FF"> احتلال العراق.. ضربة استباقية ثانية</font><BR> إن قراءة الأرقام المعتمدة قبل بدء الغزو لتكلفة احتلال العراق.. والتي زادت بعد الاحتلال بدرجة كبيرة.. تجعل السؤال حول الأهداف غير المعلنة للغزو سؤالا مشروعا, فستون ملياراً من الدولارات سنويا هي تكلفة بقاء قوات الاحتلال الأمريكية في العراق, وهو رقم يزيد علي إجمالي دخل العراق من عوائد النفط بأكثر من 150%, كما أن تكلفة حشد القوات والغزو زادت عن ضعفي هذا الرقم .. ودون اللجوء إلي التحليل, وبالاعتماد علي تصريحات المسئولين الأمريكيين (بدءاً من الرئيس الأمريكي ومروراً بنائبه, ووزير الخارجية, ووزير الدفاع.. الخ). فإن احتلال العراق خطوة أمريكية علي طريق إعادة ترتيب المنطقة بما يتناسب مع عالم أحادي القطب تقوده أمريكا وتسن قوانينه, وتسيطر على مصدر الطاقة الرئيسية فيه, عالم تحل فيه أمريكا محل كل الإمبراطوريات السابقة, ولا تمانع في تحقيق مصالح شركاء أصغر ضروريين في هذه البقعة أو تلك وفقاً للشروط الأمريكية, ولذلك جاء هذا التحرك خارج كل الأطر والقوانين والمنظمات التي حكمت العالم خلال القرن الماضي.. بل وجاءت أيضا بالمخالفة لهذه الأطر وتلك القوانين, وكاد العالم ينصاع للإرادة الأمريكية وللقوة الباطشة المتفردة, إلا أن بعض الظواهر أنبأت بأن الرياح لن تسير كما تشتهي السفينة الأمريكية..فهذه هي الحرب الأولى التي يتحرك جمهورالشارع ضدها وفي كل أرجاء المعمورة بما فيها البلد المعتدي قبل أن تبدأ, وهي حرب انتصر فيها المعتدي علي عدو وهمي (صدام) قبل بدء العمليات ولم يدرك أن الحرب بدأت في اللحظة التي أعلن فيها انتصاره, وأن عدوه الحقيقي لم يكن معروفا لديه من قبل, وأن كل تقديرات الموقف التي بني عليها حربه قد انتهت صلاحيتها قبل أن تبدأ هذه الحرب, فقد بني هذه التقديرات علي أساس معلوماته عن الجيش العراقي, وأن تحطيم قدرات هذا الجيش دون التحام القوات علي الأرض هو الاحتمال الأرجح, وأن فلول هذا الجيش ووحداته التي ستقاتل معزولة ويائسة بعد انهيار قيادتها وفي محيط شعبي معاد.. لابد مستسلمة, وأن قوات الاحتلال البرية لن تكون لها مهمة سوى تلقي باقات الزهور من الشعب الفرح بالخلاص علي يد البطل الأمريكي, وأعتمد تقدير المخطط الاستراتيجي الأمريكي علي الحالة الطائفية والعرقية في التركيبة العراقية, وبنى خطط ما بعد انتهاء العمليات العسكرية علي أساس أن هذه الحالة –وربما-الاتفاقات التي عقدها مع بعض الأطراف "الشيعة والأكراد", ستؤدي إلي تمزق وتشتت الموقف الشعبي بحيث لا يمكن أن يقود إلي فعل مقاوم قبل مدة طويلة.. وهي كافية لتثبيت أوضاع ملائمة للأهداف الاستراتيجية الأمريكية على الأرض. ولكن ما حدث كان مختلفاً بالكامل عن التصور الأمريكي, وبات الأمريكيون وحلفائهم في ساحة قتال مباشر لا يعلمون عن القوات التي تقارعهم فيها شيئاً يذكر .. وبدأ التخبط.<BR><BR><font color="#0000FF"> بداية المقاومة </font><BR> منذ اليوم الأول للاحتلال بدأت المقاومة, والملفت للنظر أنها بدأت قوية منظمة واعية, عالية المستوي الفني, وعلي درجة متميزة من التخصص والخبرة. وقد دفع هذا العديد من المحللين والمراقبين المتخصصين لإرجاع المقاومة إلي قوات الجيش العراقي الذي تم تسريحه بقرار من الحاكم الأمريكي "بريمر", خاصة وأن السؤال الذي ما يزال دون جواب هو أين ذهب الجيش العراقي الكبير العدد وكيف تبخرت كل معداته وأسلحته التي كان من الطبيعي أن تصبح موضوعا للاستعراض الأمريكي, لإثبات الخطر العراقي الإقليمي والعالمي, بدلا من إسقاط التماثيل و تمزيق الصور, ولم يجد الأمريكيون إجابة فى ذلك الحين لكل علامات الاستفهام سوي أن صدام الهارب وفلول الجيش تقف وراء أعمال المقاومة, ووضعت قائمة بالمطلوبين للقضاء علي المقاومة من رأسها, ورصدت المكافئات بالملايين لمن يدلي بمعلومات تقود إلي القبض علي صدام أو أي من القائمة, وكانت قوات الاحتلال قد أحضرت معها عددا من الشخصيات التي تبناها الغرب من المعارضين لنظام صدام كجماعة المؤتمر الوطني العراقي بقيادة أحمد الجلبي, أو حركة الوفاق بقيادة أياد علاوي, كما كان للمخطط الاستعماري شركاء متمركزين في منطقتي الحظر في الشمال الكردي وفي الجنوب الشيعى, وقد شكل الهيئة القيادية السباعية من المؤتمر الوطني العراقي – حركة الوفاق – المجلس الأعلى للثورة الإسلامية – الحزب الديمقراطي الكردستاني – الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب الدعوة لتعمل في توافق تام مع قوات الاحتلال.. كما شكلت الحركات والأحزاب اليسارية والقومية الأمانة العامة للعمل القومي الموحد وتضم "الحزب الاشتراكي, حركة القوميين الديمقراطيين العرب, ومجلس الإنقاذ" واتفقت هذه القوى علي "معارضة" الاحتلال دون الانخراط في المقاومة المسلحة, وجل هذه الحركات والأحزاب كان يعيش في بلاد أوروبية في فترة حكم الرئيس صدام.<BR> ووفقا لهذه الصورة فقد خرج المخطط الأمريكي بالنتائج الآتية:<BR>1- القوة العرقية الرئيسية المتمثلة في الأكراد في حالة تحالف مع الأمريكيين منذ بداية التسعينات, بل وقامت بتوجيه الدعوة "ضمن آخرين" للقوات الأمريكية والبريطانية لمحاربة نظام صدام وإسقاطه وتحقيق فيدرالية يكون فيها للأكراد مزايا خاصة.<BR>2- القوى المذهبية "الشيعة" تم استيعابهم بمشاركة المجلس الأعلى للثورة "الإسلامية" في الهيئة القيادية السباعية.<BR>3- السنة مثلوا عن طريق مشاركة الحزب الإسلامي.<BR>4- الأحزاب والحركات اليسارية والقومية التي فقدت نفوذها السياسي وأرضيتها الجماهيرية والسند الدولي والإقليمي حيدت بعيدا عن المواجهة وهي أضعف من تحريك الشارع ولها تورطاتها وصلاتها بالعالم الغربي, التي نمت وتشعبت خلال فترة إقامتها في دول أوروبا,ويمكن ضبط حركتها من خلالها.<BR>5- إن كل هذه القوى والأشخاص الذين يقفون علي قمم أهراماتها التنظيمية يتحركون وفق رؤى عرقية أو مصالح عشائرية وحزبية ضيقة تضعهم في مواجهة بعضهم البعض, وتنصب قوة الاحتلال حكما بينهم.<BR>6- إن حصار سنة الوسط والعاصمة وسحقهم سيكون ميسورا وبأقل التكاليف.<BR>إذن.. هزم الجيش, والقوى الشعبية متورطة أو مستوعبة أو غير قادرة.. إنه النصر الكامل.. وإعلان نهاية العمليات العسكرية في أبريل/مايو 2003. <BR><BR><font color="#0000FF"> مكامن الخلل والنقص فى تقييم الحالة العراقية الأمريكى .. </font><BR><BR>وقد أسقطت الحسبة الأمريكية السابقة مجموعة من العوامل والقوى أهمها:<BR><font color="#ff0000"> * علي المستوي العرقي "الأكراد"..</font> فإنه بجانب الجماعتين المدعومتين أمريكيا منذ العام 1991 (الحزب الديمقراطي, والاتحاد الوطني) هناك العديد من الجماعات الكردية السنية المجاهدة والرافضة لسيطرة جماعتي برزاني وطالباني علي المنطقة الكردية والرافضة كذلك من منطلق ديني سيطرة الأمريكان. ولعل أهم هذه الجماعات (الاتحاد الإسلامي الكردستاني, والحركة الإسلامية لكردستان العراق, وجماعة أنصار الإسلام والتي ضمت ثلاثة حركات هي جند الإسلام وحماس الكردية وحركة التوحيد).. وقد فاتهم أيضا أن الشمال العراقي ليس خالصا للأكراد خاصة منطقة كركوك حيث يختلط فيها العرب والشيعة والتركمان والأكراد, وقد تكون لدى جماعات الأكراد من غير جماعتي برزاني وطالباني والعناصر الأخرى من عرب وشيعة وتركمان موقف متنام ضد الأمريكان وأعوانهم غزته ممارسات البشمرجة منذ العام 1991- وإن كان لهذا الموقف سوابق تاريخية كثيرة.<BR><font color="#ff0000">* الشيعة.. </font> وعلي المستوي المذهبي فقد بني المخطط الاستراتيجي الأمريكي حساباته علي أساس أن الشيعة جماعة متجانسة تخضع لمرجعية واحدة, وأن تمثيل الشيعة في اللجنة السباعية ثم مجلس الحكم بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية سيجب كل الفعل الشيعي, ويوضح تاريخ الطائفة الشيعية في العراق, إنها مثلت المصدر الرئيسي لعناصر الحركة الشيوعية والناصرية والبعثية في العراق, وإن اختلاف المواقف لدي جماعات الشيعة هو القاعدة التي كان التوحد الاستثناء فيها هو الموقف من حكم صدام, فحزب الدعوة الإسلامية وجماعة مقتدى الصدر والحوزة العلمية تختلف في الموقف من الاحتلال عن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بدرجات متفاوتة.. <font color="#ff0000">كما تختلف درجة ولائهم وتعاونهم مع إيران، فالشيعة العرب ( وهم أيضا ليسوا كتلة متجانسة ) يختلف موقفهم عموما من إيران عن باقى الجماعات الشيعية .. وهكذا . </font><BR><font color="#ff0000">* الدين والحضارة.. </font> وهي عناصر هون فيها المخطط الأمريكي إلي أقصى حد, إذا كان قد وضعها في حساباته أصلا, فقد اعتقد أن تفوق عتاده ومعداته وقدراته التدميرية كفيلة بتحييد العناصر المعنوية والروحية أو هزيمتها.. فلم يضع الإنسان العراقي المسلح بالعقيدة وصاحب واحدة من أقدم الحضارات في تاريخ البشرية في حساباته, وبذلك توافرت الشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية لتفجر ونمو المقاومة, ولم يعد باقيا سوى الشروط العسكرية التي كانت جاهزة بل ومتقدمة في بلد لم يتوقف عن القتال طوال ثلاثة عقود مضت.<BR><BR><font color="#0000FF"> نهاية العمليات .. بداية الحرب</font><BR> قلنا في البداية أن القوات الغازية الأمريكية قد ربحت معركتها ضد صدام قبل أن تبدأ, ولكن الحرب مع العراق بدأت بسقوط النظام العراقي وبداية الاحتلال, وهنا يمكن الحديث عن إرادة القتال والتحرر الشعبية التي لم تسقط بسقوط النظام, بل لعل سقوط النظام كان مفجرا لانطلاق تلك الإرادة من عقالها, ويمكن وصف الحالة هنا بأنها حالة انتقال لمرحلة جديدة من الحرب ذاتها, تغيرت فيها أشكال إدارتها, وأصبح المحتل الأمريكي والبريطاني فيها يواجه موقفا لم يخضع للتقييم أو للحساب من قبل, وضعا.. هو أشبه بالمصيدة لقوات كبيرة العدد ثقيلة العتاد تتحرك في أرض معادية, تواجه عمليات, من قبل قوات غير معلومة من حيث أماكن انطلاقها أو القواعد التي تنسحب إليها أو مواقع ضرباتها, في مساحة كبيرة يصعب السيطرة عليها أو تأمين القوات المنتشرة فيها بكثافة, وهي قوات تعمل بتخطيط على أرقى مستوي, وتنظيم متقن, وتوظف أسلحتها بكفاءة وتفوق في عمليات مدروسة ومعدة بشكل محترف, وكونها بدأت كذلك ومنذ اللحظة الأولي بضربات موجعة ومؤثرة وعلي مساحة جغرافية شملت جميع مناطق الاحتلال, يجعل الاستنتاج بأنها استمرار لمعركة لم تنتهي, ومرحلة من مراحل حرب لم يحسمها المحتل بانتصار ساحق – كما توهم – بل ومأزق تورطت فيه قوات المحتل أربك مخططيها ودفع القوات المساندة لها من دول أخرى, أتت علي سبيل التغطية السياسية والأمل في المشاركة في المغانم, إلي الانسحاب أو عدم التجديد للقوات المرسلة, كما دفع الدول التي تمارس أمريكا ضغوطا شديدة عليها لإرسال قوات وكادت أن تستجيب إلي التراجع نهائيا .. بل امتد تأثير المقاومة التي بدأت قوية وبالغة التأثير على الأطراف جميعا إلي داخل أمريكا و إنجلترا بعد أن تجاوزت خسائرها في أقل من العام ما يزيد علي خسائر القوات الأمريكية في فيتنام في ثلاث سنوات.<BR><BR><font color="#0000FF"> سلطة المقاومة .. وسلطة الاحتلال </font><BR> بعيدا عن مسرحيات العرائس الهزلية التي يخرجها الاحتلال تحت عناوين مجلس الحكم المؤقت والحكومة المؤقتة والانتخابات التي تجرى في مناطق دون أخرى, أو لن تجرى بالمعنى الصحيح علي الإطلاق تحت الاحتلال, فإن الوقائع علي الأرض تقر بالوجود لسلطتين .. سلطة المقاومة وسلطة الاحتلال, وتؤكد أن مجريات الصراع بين هاتين السلطتين هي التي ترسم عراق الغد, وقد تغيرت إستراتيجية الاحتلال عدة مرات نتيجة للضربات العسكرية والسياسية الناجعة للمقاومة, فقد أرادت الإدارة الأمريكية في البداية أن تجعل من العراق نموذجا ومثلا للدول في الشرق الأوسط الكبير فبدأت بتفكيك أجهزة الدولة وتخريب ممتلكاتها. فحلت جهاز الشرطة وسرحت الجيش وطالبت دول العالم رفع الحصانة عن الدبلوماسيين العراقيين وتجميد أرصدة السفارات العراقية وهدمت النظام القضائي, وكانت تتمة الخطة أن يقسم العراق إلي ثلاثة مناطق علي أسس مذهبية وعرقية وذلك عبر مرحلتين.. الأولي تكوين سلطة مؤقتة تحت الاحتلال تحقق للاحتلال مشروعية استمراره وتقوم ببناء أجهزة بديلة لبناء الدولة الذي تم تفكيكه علي أساس الطاعة التامة والتبعية الكاملة والولاء الذي لا يملك أصحابه بديلا عنه للولايات المتحدة الأمريكية, والثانية هي تكوين الدولة المؤسسية التابعة وجيشها وشرطتها وخارجيتها وإدارتها الداخلية من العناصر الموالية، لتنقل قوات الاحتلال إلي مراكز تجمعات محصنة خارج المدن.<BR><BR><font color="#0000FF"> نظام علامى جديد .. ومقاومة على قاعدة عالمية </font><BR> كما أرادت الإدارة الأمريكية أن تعلن نهاية صلاحية القانون الدولي ومؤسساته, ووفاة الأمم المتحدة التي يتقاسم النفوذ في مجلس أمنها خمسة دول. وبدأت تلوح بالعصا الغليظة "من لم يقف معنا في حربنا علي الإرهاب, والدول المارقة, عليه أن يتحمل تبعات تخلفه" كما قال جورج بوش الابن بعد يوم واحد من إعلانه عن انتهاء العمليات العسكرية في العراق. ولكن المقاومة استطاعت أن تفشل هذا المخطط .. ليس علي المستوى الداخلي فقط, ولكن علي المستويين الإقليمي والعالمي أيضا, فقد استطاعت أن تفشل كل مؤسسات المرحلة الانتقالية وتوجه لها ضربات موجعة وكثيفة, فلم تحظى هذه المؤسسات بأية مشروعية في الشارع العراقي, سواء الشرطة أو الحرس الوطني أو المؤسسات المدنية من مجالس المدن والقرى إلي الحكومة المؤقتة, كما أفشلت محاولات الاحتلال الحصول علي أية مكاسب من استغلال بترول العراق ونجحت المقاومة في إبعاد المغامرين من أصحاب رؤوس الأموال سواء الأمريكية أو غير الأمريكية (أوروبية, يابانية, عربية) والذين كانوا قد تدفقوا في البداية معتقدين أن بلدا مدمرا غنيا بالفرص والثروات وبلا سلطة أو تحت سلطة تابعة ومؤقتة هو مكان أمثل لتحقيق أرباح خيالية سريعة. <BR> كما نجحت المقاومة وفى غضون عام في إسقاط الديكور الدولي للعدوان .. فالسلفادور أعلنت سحب قواتها بعد انتهاء مدة القوات المشاركة, وأسبانيا سحبت قواتها قبل موعد التجديد لها بشهرين, وضغوط الولايات المتحدة علي منظمة الأمم المتحدة باءت بالفشل بعد العملية التي استهدفت مقر الأمم المتحدة في بغداد, وتركيا تراجعت عن إرسال قوات للشمال العراقي سواء للمعارضة التي أبداها الأكراد (برزاني وطالباني) وهم حلفاء رئيسيين لقوات الاحتلال, أو للعملية التي نفذتها المقاومة ضد السفارة التركية بعد قرار البرلمان والحكومة التركية بالموافقة علي المشاركة بقوات تركية في احتلال العراق. وهكذا قويت شوكة المعسكر المعادي للاحتلال الأمريكي للعراق خاصة (الصين, فرنسا, ألمانيا) وبدأت في الحديث بلغة أكثر حدة في التعبير عن اختلافها ومصالحها, وتململت أنظمة الحكم التي ارتجفت من النموذج العراقي, وبدأت تبدي معارضة للشروط المتضمنة في الأجندة الأمريكية للإخضاع (التغيير) وبدأ الحديث عن التغيير من الداخل, ووفق خصوصية كل مجتمع, وبمراعاة عاداته وتقاليده وعقائده, وخرجت المنظمة الدولية من السكتة الدماغية التي أصيبت بها منذ 11 سبتمبر, فصرح "أنان" أن ما حدث في العراق هو احتلال غير مشروع, أما "بليكس, والبرادعي) فخرجت أصواتهم بعد صمت طويل "العراق كان خاليا من أسلحة الدمار الشامل عموما والأسلحة النووية علي وجه الخصوص".. بدلا من الصيغة المعتمدة منذ بداية التسعينات "نحتاج لمزيد من الوقت وعمليات التفتيش .. ولم نجد شيئا.. حتى الآن".. وقد شهدت حالة الانحسار فى التأييد الفاعل أو الصامت للإحتلال تصاعدا سواء على المستوى الدولى العام، أو على مستوى الحليف الرئيس " بريطانيا " التى ستبدأ فى سحب قواتها فى عملية وضع لها تاريخ حد أقصى 2008 م ، أو على المستوى الأمريكى الداخلى الذى يشهد تمددا لجبهة معارضة الحرب قد يودى بسلطة بوش وحزبه. <BR> وعلي مستوي المجتمع العراقي والقوى السياسية العراقية.. فقد أصبحت المقاومة للاحتلال معيارا لتقييم أي طرح سياسي في الشارع العراقي, حتى أن أعضاء المجلس المؤقت والحكومة المؤقتة والحكومات التى تولى تشكيلها المندوب السامى الأمريكى حتى الآن، باتت جميعها مضطرة لأن تقول بأنها مع جلاء قوات الاحتلال "ولكن ليس الآن".<BR><BR><font color="#0000FF"> استـراتيجيـة جـديـدة: </font><BR> هكذا تغيرت الاستراتيجية الأمريكية للخروج من المصيدة مع المحافظة علي أكبر قدر من المكاسب, والتسليم بأقل قدر من الامتيازات لشركاء ضروريين (روسيا, الصين, ألمانيا, فرنسا) وكذلك لتهدئة مخاوف الأنظمة المحيطة ومحاولة إشراكها في مهام داخل الأراضي العراقية (تدريب قوات الشرطة والجيش) وتوريد عمال الخدمات والفنيين, وبعض المقاولات الصغيرة. مع تصعيد الضغط علي الدول الحدودية (إيران, سوريا) في ملفات مختلفة لمقايضتها علي الملف العراقي والتحكم في الحدود لقطع خطوط إمداد المقاومة وعمقها الجغرافي الاستراتيجي, كما عادت إلي الأمم المتحدة لاستصدار قرارات لإضفاء المشروعية سواء علي الاحتلال أو علي إجراءاته المخالفة لأحكام ميثاقها وللقانون الدولي (كتسريح الجيش, وتغيير النظام القضائي, وإسقاط حصانة الدبلوماسيين, وإبرام العقود التجارية , وإلغاء أحزاب سياسية, وتعيين حكومة.. الخ) أو لتسويق حكومتها المؤقتة، وما تلاها من حكومات دوليا والاعتراف بها إقليميا. وقد حققت بعض من هذه الأهداف (ميثاق جامعة الدول العربية لا يسمح بعضوية دولة محتلة ولا بتمثيلها).. إلا أن ضغوطا أمريكية نجحت فى وضع ممثل للعراق فى إجتماعات الجامعة العربية، وقد أعلنت أمريكا علي لسان رامسفيلد ( الذى اضطر بوش للتضحية به ) أن سوريا تتخذ الإجراءات المطلوبة لتأمين الحدود السورية العراقية. كما ذهبت إلي قمة دول الثمانية حاملة الملف العراقي لعرضه علي الثمانية الكبار وتبادل الآراء حوله, وقد حملت نفس الملف متوجهة إلي قمة "الناتو" مطالبة بمشاركة قوات الحلف في "حفظ الأمن وتحقيق مهمة السلام وإعادة الإعمار في العراق".. وكل هذه الخطوات مثلت تراجعات عن الاستراتيجية الأمريكية التى بدأت بها الاحتلال، أما في أرض العمليات – في العراق – وحيث بلغ متوسط العمليات اليومية للمقاومة مائة عملية, وارتفع عدد القتلى من جنود وضباط جيش الاحتلال بمعدلات ترعب مسئوليهم في واشنطن ولندن, ووصلت عمليات أسر المرتزقة وعناصر الاستخبارات الصهيونية والأمريكية والبريطانية والمستأجرين من فرق الإعدام في أمريكا اللاتينية إلي حد أربك العمليات الميدانية وجعل ضربات جيش الاحتلال الطائشة مسار سخرية (يطلق علي عمليات الأسر لهذه العناصر في وسائل الإعلام عمليات الاختطاف للمدنيين) بعد أن أدرك قادة العمليات العسكرية لجيوش الاحتلال أن الخروج من المصيدة التي أعدتها لهم المقاومة, لم يعد يحتمل التأجيل .. فقد تغيرت الخطة إلي اختصار زمن المرحلة الانتقالية بالعمل على..<BR>• الإسراع بتكوين الحرس الوطني مهما كانت التكاليف ودون التدقيق في التفاصيل.<BR>• الإسراع في تكوين قوات الشرطة المحلية وتجهيزها بالمعدات والأسلحة في أسرع وقت ممكن, والاستعانة ببعض دول المنطقة في هذه المهمة.<BR>• إجراء "الانتخابات" بأي شكل ممكن وفي أي عدد ممكن من المناطق للخروج بحكومة تتولى مهام مواجهات المدن.<BR>• تفجير الوضع العرقي والمذهبي في إطار أجنده تسليم السلطة لحكومة عراقية.<BR>• حصار مصادر المقاومة من الخارج وقطع خطوط إمدادها عبر المناطق الحدودية.<BR>• تحقيق أكبر قدر من الدعم الدولي بمقايضة الملف العراقي بالملفات الأخرى للقوى الدولية والإقليمية (الملف السوري اللبناني – فرنسا) مثلا.<BR><BR><font color="#ff0000">وهي تهدف من هذه التغيرات في خطتها علي المستوى السياسي إلي.. </font><BR>• الخروج من حالة تصاعد المعارضة الداخلية الأمريكية للحرب, خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.<BR>• إرباك المقاومة بمواجهتها بجنود عراقيين سواء من الحرس الوطني أو الشرطة, وتقليص التأييد الشعبي لها.<BR>• إحياء تطلعات النخب العراقية (اليسار والقوميون وبعض قيادات البعث) التي استبعدت معظمها حتي الآن في الحصول علي مساحة من السلطة عبر آلية الانتخابات على الطريقة الأمريكية. <BR>• استغلال التناحر الطائفي والعرقي في عملية تكوين السلطة القادمة لاستنزاف طاقات المجتمع والتغطية علي عملية الانسحاب "تصريح رامسفيلد في المؤتمر الصحفي بعد زيارة إياد علاوي.. العراق لم يكن في يوم من الأيام عبر تاريخه بلدا مستقرا ولن يكون كذلك في المستقبل القريب".<BR>• الضغط علي دول المنطقة والدول الحدودية لمحاصرة المقاومة العراقية ماديا ومعنويا.<BR><BR><font color="#ff0000">وعلي المستوى العسكري.. </font><BR>• إيقاف النزيف اليومي لأرواح ومعدات قوات الاحتلال أو الحد منه.<BR>• إطلاق حرية استخدام الصواريخ والقصف الجوي المقيدة بوجود قوات الاحتلال في مناطق المقاومة.<BR>• استنزاف قوى المقاومة في المواجهات مع القوات المحلية.<BR>• إبعاد قوات الاحتلال عن قواعد انطلاق قوات المقاومة لتسهيل رصد وإعاقة تحركاتها.<BR><BR><font color="#0000FF"> المقاومة نجحت حتى الآن .. ولكن</font><BR> لقد بدأت المقاومة وفي نفس لحظة سقوط بغداد كاستمرار للمعركة.. لم تبدأ من الصفر.. بدأت قوية منظمة متميزة الحرفية تمتلك معلومات دقيقة متجددة عبر عمليات استخباراتية متقنة, ضد عدو لا يعلم عنها شيئا بل أن حساباته كانت قد وصلت بمخيلته بأن الحرب قد انتهت, وقد بدأت ممتلكة للسلاح والعناصر البشرية المدربة وخطة العمل "العسكري" لإحباط أهداف العدو, وقد وصلت بعملياتها إلي وضع يوصف دون تردد ودون مبالغة إلي حرب شوارع حقيقية متعددة الأساليب, حتى أن قتلي العدو في الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر قد وصل عددهم إلي 30 أمريكي, 2 من البريطانيين, و3 من البولنديين, ووصل عدد الجرحى إلي 23, أما عدد القتلى في صفوف الحرس الوطني والشرطة الموالية لقوات الاحتلال فقد وصل إلي 243 قتيل, وتجاوز عدد العمليات اليومية ضد أنابيب البترول والمصافي متوسط 40 عملية, وعدد الاشتباكات والكمائن اليومية والسيارات المفخخة والألغام المزروعة علي الطرقات والعمليات الاستشهادية وعمليات القصف بالمدافع والصواريخ مائة عملية ( حسب بيانات جيش الاحتلال الأمريكى ).. وكل هذا يؤكد أن المقاومة لم تبدأ كردة فعل عشوائية علي وجود قوات الاحتلال, بل أن عملياتها ذات الأهداف السياسية (عملية الأمم المتحدة, السفارة التركية, مسئولي الاستخبارات العسكرية الأسبان..الخ) تشير إلي وعي كامل بالمخطط والأهداف التي توجه العدو.. ويأتي في هذا السياق عمليات المقاومة ضد المؤسسات التي تحاول قوات الاحتلال وسلطته المؤقتة تكوينها سواء الشرطة أو الحرس الوطني أو جهاز المخابرات أو عناصر "الحكومة" المؤقتة. وقد نجحت المقاومة في أن تكون القاطرة للواقع السياسي العراقي, وأن تعزل القوى المتحالفة مع الاحتلال, وأن تحاصر قوات الاحتلال في الداخل, وتؤكد عزلته في الساحة الدولية, بل أن المقاومة العراقية قد لعبت دورا هاما ضمن عناصر أخرى في ميزان القوي الدولية, لإعادة التوازن النسبي في الوضع الدولي, وتراجع حالة الانفراد الأمريكي بمقدرات العالم الاقتصادية والسياسية, كما أدت الدور الرئيس في تراجع مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي القائم علي تغيير الأنظمة في المنطقة وتفكيك سلطة الدولة الوطنية, وتقسيم دول المنطقة علي أسس عرقية ومذهبية وعشائرية, وأيضا كان لهذه المقاومة الفضل الرئيسي في تأجيل وتراجع ضربات مشابهة أعدت سلفا لدول أخرى في المنطقة لتأكيد انفراد الكيان الصهيوني بالقوة تمهيدا لتتويجه علي عرش الشرق الأوسط الكبير دون منازع, وأخيرا فإن المقاومة قد نجحت نجاحا كاملا في تعظيم كلفة المخطط الأمريكي إلي الحد الذي يوجب علي الإدارة الأمريكية إعادة دراسة جدواه .. أو تغيير الخطط بالفعل من السحق واستخدام القوة الصلبة, إلي التطويق واللجوء إلي مزيج من القوة والدبلوماسية والدعاية, ومن المواجهة الشاملة إلي الانسحاب إلي مواقع آمنة والعودة إلي القصف عن بعد وقطع خطوط الإمداد وإنهاك المقاومة في معارك مع عملاء الداخل .. فهل لدى المقاومة من الشروط الذاتية والموضوعية ما يمكنها من مواجهة الخطة الجديدة, ويضمن لها الاستمرار والتطور.<BR><BR><font color="#0000FF"> آفـاق المقـاومة</font><BR> ما تؤكده الوقائع هو أن المقاومة العراقية (أو حرب تحرير العراق) التي يخوضها الشعب العراقي ببسالة بدأت قوية,فعالة،وما يثبته الواقع اليومي هو أنها في حالة تطور مستمر، سواء من حيث الكم أو الكيف، كما توضح خريطة العمليات اليومية التي وصلت في إبريل 2004 إلى 120 عملية "يوميا" وأن المساحة الجغرافية التي باتت المقاومة متمكنة فيها تتسع يوما بعد يوم، وهي تكاد اليوم تغطى مساحة العراق كله شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، عدا بعض المناطق التي تتمركز فيها القوات العرقية الموالية للاحتلال في الشمال، وإن شهدت هي الأخرى العديد من العمليات المؤثرة ضد هذه القوات .<BR> لقد استطاعت المقاومة حتى الآن أن تجذر حالة الفرز وتوسع دائرة الانخراط في صفوفها، فلم يعد الخيار الأمريكي مطروحا لدى معظم القوى والقطاعات العراقية، بل أصبح مقصورا على أمراء الحرب الذين يمثل الاحتلال شرطا لازما لبقائهم على أرض العراق، بعد أن دخلوه خلف دبابات المحتل وبشروطه وفي خدمته، ولكن يبقى أن هناك قطاعات عديدة ما تزال تقف متفرجة، بالرغم من رفضها للاحتلال، بل وللمشروع الأمريكي برمته، ويمكن حصر هذه القوى بشكل أساسي في :<BR><font color="#ff0000"> 1- الشيعة .. </font> فبالرغم من تفجر الصدامات في النجف الأشرف ومدينة الصدر، والمعارك العنيفة بين جيش الصدر وقوات الاحتلال، إلا أن هذا _ رغم كونه يمثل شرخا في الموقف الشيعي الصامت والمراوغ تجاه الاحتلال ، ناهيك عن الاتجاهات المتعاونة والمشاركة _ يظل موقفا محصورا في النظرة الطائفية، ومحدودا بحدود المصالح والاختلافات الطائفية عموما والشيعية الداخلية بوجه خاص، ولم يرق إلى مستوى الرؤية الوطنية والإسلامية المبدئية لمقاومة الاحتلال, كما أن التطورات على الأرض قد ورطت هذه التيارات فى العديد من العمليات الإجرامية على أسس مذهبية. ويحسب عليها فى كل الأحوال مواقف المراجع التى تدعم الاحتلال الأمريكى.<BR><font color="#ff0000"> 2- الأكراد.. </font> بعيدا عن الجماعتين المتحالفتين مع المحتل الأمريكي، واللتان تحملان مشروعا انفصاليا ( الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني ) فإن الجماعة الكردية المسلمة السنية " تحرص وسائل الإعلام المستلبة والتابعة على ذكر الأكراد على أساس تمايزهم العرقي " تزخر بالحركات المجاهدة التي تعيش الحرب ضد الأمريكيين وحلفاؤهم منذ بداية التسعينات بل وقبل ذلك مثل (الجماعة الإسلامية, والاتحاد الإسلامي, والحركة الإسلامية, وجماعة أنصار الإسلام) ويمكن رصد العديد من العمليات التي تتم سواء ضد الأمريكيين أو حلفائهم في أماكن تمركز هذه الجماعات.<BR><font color="#ff0000"> 3- الجماعات السياسية.. </font> ولعل أهم تمثيلاتها (مع ملاحظة تقلص نفوذها السياسي والجماهيري وضعف تكويناتها) هي التي كونت ما سمي بالأمانة العامة للعمل القومي الموحد, وتتكون من عدد من التنظيمات القومية والاشتراكية, وما يزال موقفها المعلن هو معارضة الاحتلال دون الانخراط في المقاومة المسلحة وكل هذه الفصائل, ومعظم عناصرها قد دربت علي فنون القتال ولها خبرات فيه, سواء خلال الحروب التي خاضها العراق إقليميا, أو من خلال التجنيد الذي شمل الجميع, أو التدريب العسكري في المدارس والجامعات الذي انخرط فيه الشعب العراقي في العقدين الأخيرين (رجالا ونساء).<BR><font color="#ff0000"> 4- العنصر البشري .. </font><BR>الرصيد البشري المؤهل واللازم موجود إذن.. ورغم عدم توافر معلومات موثقة إلا أن تبخر الجيش العراقي لحظة دخول القوات الغازية إلي بغداد بكل ما كان يحمله من أسلحة وعتاد, ونوعيات الأسلحة والذخائر المستخدمة في عمليات "حرب التحرير" التي تخوضها المقاومة العراقية منذ الاحتلال وحتى الآن تنبئ بأن الأسلحة والذخائر والخبرات والقدرات الفنية لاستعاضتها, موجودة ولا تعاني من قصور, بالرغم من الحصار المفروض علي تسليح العراق منذ خمسة عشر عاما, وبالرغم من الحصار الذي يجري تشديده هذه الأيام علي حدود دول الجوار.. كما أن العمق الجغرافى الاستراتيجى لتحركات قوات مقاومة هو أحد العناصر الأكثر توفرا لدى المقاومة العراقية، وفى حال تطور الصراع بين الأمريكيين وإيران، فإن حسابات كثيرة فى الداخل العراقى سوف تتغير، وهنا لابد من الإشارة إلى أن تطوير جبهة المقاومة يجب أن يتخلى فيه عن كل الحزازات الناتجة من أخطاء مرحلة سابقة، فانتصار المقاومة فى العراق .. كما يقول كيسنجر " هو نهاية للأحلام الأمريكية فى القرن الواحد والعشرين " . وهى أحلام لو تحققت لعاش العرب والمسلمين فى كابوس طويل، لا يعلم إلا الله متى يأتى صباح الاستفاقة منه. <BR><font color="#ff0000"> 5- إرادة المقاومة.. </font><BR>منذ اللحظة الأولي لدخول قوات الاحتلال إلي أرض العراق, والشعب العراقي يثبت ليس فقط أنه يمتلك الإرادة اللازمة للمقاومة ولكن أيضا أن هذه الإرادة تتأكد وتتعمق كل لحظة, بل إن امتلاك هذه الإرادة أصبح لدي أوسع قطاعات الشعب هو العنصر الأساسي في تقييم الأفراد والجماعات, وقد غذت حماقة وغرور القوة التي تصرفت بها قوات الاحتلال, بل أنه ليس من المبالغة القول أن النظرة العنصرية التي تقود عمل قوات الاحتلال قد أججت إرادة المقاومة, وجعلتها الخيار الوحيد الممكن لاستمرار الحياة, وقد ساهمت تلك الممارسات والرؤية العنصرية في عزل وحصار أولئك المرتبطين بالخيار الأمريكي, وتتجه يوميا لمزيد من العزلة والحصار, في الوقت الذي تتجه فيه المقاومة لمزيد من الثقة بإمكانية الانتصار, وما معركة الفلوجة وما تلاها إلا دليلا عمليا علي إمكانية كسر شوكة القوة الأمريكية, والانتصار عليها عسكريا – إذا ما أحسنت تكتيكات المواجهة – بل وسياسيا وإعلاميا, كما يشير عدد وقوع عمليات حرب التحرير اليومية إلي أن إرادة القتال لا تخص القائمين علي الأعمال القتالية وحدهم, ولكنها تتمتع بدعم ومساندة شعبيين واسعين, هما شرط لتمكن قوات المقاومة من الهجوم والانسحاب بأسلحتهم ومعداتهم وسط المدن المزدحمة بالسكان, ويؤكد هذه الحقيقة أيضا عمليات أسر المرتزقة والعملاء من الطرقات ومن منازلهم في مناطق تمركز قوات الاحتلال وفي الخط الأخضر, والأمثلة والأدلة التي تثبت أن المقاومة تمثل إرادة شعبية تفوق الحصر وتقدمها كل يوم الوقائع الدامغة.<BR><BR><BR><font color="#0000FF"> خطـة المقـاومة</font><BR> عملت المقاومة منذ البدء في إطار رد الفعل, أي في إطار إفشال خطط العدو وأهدافه, وحققت في هذا نجاحات مبهرة نسبة إلي المدة الزمنية القصيرة التي أنجزت فيها هذه النجاحات, ولم تقتصر نتائج نجاح المقاومة علي الداخل بما حققته من قدرة علي الاستمرار والنمو, وحصار القوى العميلة وشيوع الثقة بإمكانية النصر, وكونها أصبحت قاطرة التطور السياسي في العراق ومكونه الأساسي, ولكنها تجاوزت بآثارها الساحة العراقية لتلقي بظلالها علي الأوضاع الإقليمية والدولية, السياسية والاقتصادية والعسكرية علي حد سواء "كما أسلفنا", ولكن العديد من التغيرات الإقليمية والعالمية, والتعديلات في خطط العدو قد طرأت علي المشهد وهي توجب مرحليا تعظيم دور قوى الداخل المقاومة إلي حدها الأقصى, والانتقال بمشروع المقاومة والتحرير من حدود إفشال خطط العدو إلي أفق مشروع وطني تحرري ينظم ويستوعب كل قوى الداخل, ويعمق التناقضات في معسكر الأعداء, الذين يختلفون اليوم علي الأنصبة في الكعكة العراقية, بحيث يصبح التبادل المتكافئ للمصالح طريقا وحيدا للتعاطي مع مشروع عراقي حر, ولا يمكن طرح هذه المسألة إلا ببرنامج سياسي اقتصادي اجتماعي تقدمه المقاومة بديلا للخيار الأمريكي يكون قادرا كحد أدنى علي تجنيب قضايا الصراعات التاريخية بين فرق التكوينة العراقية المعقدة والاتفاق علي آليات التعامل معها في المستقبل,وأن يعالج المشكلات الإقليمية علي أساس اتفاق مصلحة الشعوب, وتوحد جهودها إزاء الأخطار المشتركة, وأن يطرح رؤية لإعادة بناء أجهزة الدولة ومرافقها بعيدا عن الحسابات العرقية والمناطقية، تخرج الإنسان العراقي مما يعانيه من ويلات بسبب حرب تدمير العراق المستمرة منذ القصف الصهيوني للمفاعل النووي العراقي. باختصار .. علي المقاومة أن تطرح استراتيجيتها لبناء الدولة البديلة لدولة الاحتلال والنظام السابق, إن إفشال محاولات إنشاء الدولة العراقية علي الطريقة الأمريكية لابد وأن يترافق مع بناء دولة جديدة علي الأرض, ويمكن اعتبار المطالبة الفرنسية بتمثيل المقاومة في المؤتمر الدولي إرهاصة علي طريق الاعتراف الدولي بقوى المقاومة – إذا ما طرحت مشروعها السياسي – كممثل شرعي للشعب العراقي, وطبعا لن يكون هذا إلا باستمرار وتوسع وجودها علي الأرض. ورغم إشارتنا إلي مخطط الأعداء لحصار المقاومة من الخارج (سوريا وإيران) لمنع أي مدد محتمل وتقليص العمق الاستراتيجي لقوى المقاومة, إلا أن القوى المقاومة للمشروع الصهيوني الأمريكي في كل دول المنطقة تتصاعد, والسياسة الأمريكية الصهيونية الخرقاء تدفع بالأنظمة المستهدفة بمشروع الشرق الأوسط الكبير إلي عدم السماح بضربة جديدة تخرج المقاومة العراقية من المعادلة بعد أن أدت الضربة السابقة إلي إخراج قوة الدولة العراقية منها - حتى وإن لم تكن مستعدة لدعم هذه المقاومة.. وهناك تطورات إيجابية فى فى هذا الاتجاه – كما أن قوى عالمية عديدة مهدت لها المقاومة العراقية, بعرقلتها مشروع الهيمنة الأمريكية, طريقا للتقدم باتجاه عالم متعدد الأقطاب يمكن استثمارها في ضبط إيقاع الصراع وحدته ضمن الحدود المناسبة.<BR>إن الفوضى "الخلاقة" الأمريكية التى تريد قوات الاحتلال إشاعتها، عبر تأجيج حرب مذهبية تمثل ستارا لازما لتعديل أوضاع قواتها التى أصبحت غير قادرة على المواصلة بالشروط الحالية، هذه الفوضى قد ثبت للجميع أنها لن تطال العراق وشعبه ووحدته فحسب، ولكنها ستضرب كل حسابات الأمن الإقليمى، وستزعزع الاستقرار فى كل دول الجوار، بلا استثناء.<BR>إن الهجمة الأمريكية الشاملة على النظام العالمى وليس على العراق فقط قد هزمت فى العراق، وقد أعلن غير مسؤل أمريكي هذه الحقيقة، وهذه الهزيمة سوف تصب فى مصلحة العديد من القوى الدولية والإقليمية، والمقاومة العراقية هى مسؤولة الأن ومعها كل القوى الوطنية والإسلامية فى العراق، عن صياغة مشروع لتوحيد صفوف قوى الأمة العراقية، وتجاوز مشكلات وتصادمات القوى العرقية والمذهبية، وصولا إلى تحقيق مصلحة الأمة الإسلامية بكل مذاهبها وطوائفها وبلدانها فى هزيمة المشروع الأمريكى، الذى يستهدفها جميعها ودون تمييز، وهو ما يطرح نفس المسؤولية على الدول المؤثرة فى الإقليم .. وقد أشرنا إلى إرهاصات تبلور وعى أولى بخطورة اللعبة الأمريكية على الجميع، وهنا لابد من الإشارة أن ورقة الفتنة التى ذهبت أمادا بعيدة فى تفتيت قوى الأمة، لن يتخلى عنها الأعداء بسهولة، ومعالجتها تحتاج إلى صبر وبصيرة وقدرة عالية على التحمل وضبط النفس . <BR> <BR> <font color="#0000FF"> لقد وضعت الحسابات الأمريكية جميع القوى الدولية والإقليمية في الحسبان, ولكنها أهملت الرقم الوحيد الفاعل, وغير المحكوم بضوابط السيطرة الدولية من المعادلة, وقد استطاع هذا الرقم تحريك جميع العناصر الأخرى في طرفي هذه المعادلة, فأربك الحسبة الأمريكية, وقلبها رأسا علي عقب, لقد تحولت حرب تدمير واحتلال العراق من مفتاح الانطلاق إلي هيمنة أمريكية مطلقة علي مقدرات الكون, إلي عقبة كؤود في طريق تلك الهيمنة, بل إلي كابح لعجلات العربة الأمريكية المنطلقة بجنون..قد يكون إذا ما تطور في الاتجاه الصحيح وأنتج أثره في المحيط الإقليمي والدولي.. قد يكون سببا رئيسيا في تغيرات جوهرية في الموازين الاستراتيجية للقوى الدولية, كما قد يمثل عودة اللاعب العربي و الإسلامي إلي مكانه على رقعة الشطرنج الكبيرة. </font><BR> <BR><br>