زوايا الأزمة الإيرانية النووية التقنية والعسكرية والاقتصادية
22 رمضان 1427

إذا كانت عبارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنه "لا (يرغب) في ملالي بأسنان نووية" قد نشَّطت مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكية , وحفزتها لطرح سيناريوهات الحرب على إيران ؛ فإن بوسعنا أن نقرأ العبارة على نحو آخر , وهو أن بوش قد يقبل بأسنان نووية لغير الملالي أو أنه يمكن أن يجد قاسماً مشتركاً مع الملالي من دون أسنان نووية , وهذا مدخل لابد من وُلوجه ابتداء قبل معالجة الأزمة النووية الإيرانية التي تبدو آخذة العالم نحو المجهول .

ومن هذه الزاوية يمكن اختزال بعض معطيات الأزمة التي تزحف إلى مغارات التاريخ القديمة لصراع ظل محتدماً على الدوام بين إمبراطورتي الفرس والروم منذ ما يزيد عن 25 قرناً من الزمان هو عمر الإمبراطورية الفارسية نفسها , كانت تجد فيه الإمبراطوريتان ميادين للقتال غالباً , وتلتقي أحياناً في خيمات التفاوض السياسي ( تفاوض القائد الفارسي شهريراز مع قيصر ملك الروم قبل حرب أذرعات 614 م فلما انتهيا من حديثهما أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا . فقال الآخر: أجل . فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما!! ) , ولذا فالأبواب مشرعة على كل الاحتمالات وفقاً لتفسيرات قد ترى الأزمة من جوانب مختلفة وفقاً لمعطيات تقنية وسياسية واقتصادية وعسكرية نعرض لها

تالياً : الأزمة من منظور تقني : يعود التاريخ المدون للبرنامج النووي الإيراني إلى العام 1952 وفقاً لما يقول د.مصطفى العاني رئيس قسم مكافحة الإرهاب بمركز دراسات الخليج , بيد أن التأريخ الفعلي لهذا البرنامج هو في العام 1968 حين عزم الشاه محمد رضا بهلوي على تحويل إيران إلى قوة إقليمية عظمى , وفي ظل تقارب استراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من جهة وإيران من جهة أخرى , حظي هذا الطموح بتشجيع من أمريكا والغرب , عززه اطمئنان تلك الدول إلى خلافات أيديولوجية وثقافية تحول دون امتداد البرنامج النووي إلى دول عربية مجاورة , وقد قام الشاه رضا بهلوي في العام 1972 بإنشاء منظمة للطاقة النووية , وعقد اتفاقات بدء إنشاء مفاعلات نووية كبيرة الحجم مع الولايات المتحدة وكانت الشركات الألمانية قد انتهت من إنشاء البنية التحتية ووعاء الاحتواء الفولاذي لأحد المفاعلات في بوشهر , وضخ الشاه حينها نحو 6 مليارات دولار في الاستثمارات النووية , ومع قيام الثورة الإيرانية وتورطها في حرب مع العراق ووجود بعض المشكلات مع الغرب تعثر البرنامج النووي الإيراني لسنوات إلى أن برزت أهميته مجدداً بعدما بدأت الدولتان المتناحرتان في استخدام الأسلحة الكيماوية وفي سباق تسليحي محموم بغرض إنهاء الحرب الضروس القائمة بينهما , وقامت إيران وقتذاك بتقوية منظمة الطاقة النووية , وتقديم أموال جديدة إلى مركز أمير آباد بالإضافة إلى تأسيس مركز أبحاث نووية جديد في جامعة أصفهان عام 1984 بمساعدة فرنسا . وحيث وجدت إيران الفرصة سانحة إبان حرب الكويت أوائل التسعينات وما تلاها من حصار على العراق , شرعت في التقارب مع روسيا والصين و وسعت للحصول على أسلحة نووية من جنوب إفريقيا التي انفكت (الأخيرة) من نظام الاحتلال العنصري وبدأت في انتهاج سياسة مستقلة نسبياً , وبعض الدول الناشئة التي تملك عدداًَ من الرؤوس النووية من بعد تفكك الاتحاد السوفييتي أوائل التسعينات كأوكرانيا وكازاخستان وغيرهما .

واعتبر عقد التسعينات والسنوات التالية له رقعة زمنية فسيحة لتمدد الطموح الإيراني وامتداد أذرعه الأخطبوطية الطويلة المتجمعة عند رأسه بكلية شريف للتكنولوجيا في جامعة طهران ثم منطقة بوشهر , والمتناثرة في أرجاء العالم لتشمل تعاوناً استراتيجياً كبيراً مع روسيا التي زودت إيران بمفاعلين نوويين بقوة 1200 ميجاوات لكل منهما وحمت ظهر إيران لحد الآن في المحافل الدولية, والصين التي تعاونت معها إيران, وألمانيا التي باعت لإيران معدات ثقيلة وربما كانت ضالعة في تزويد إيران بتكنولوجيا معدات الطرد المركزي , وباكستان التي يتردد أنها سمحت لأبي القنبلة النووية الباكستانية الدكتور عبد القدير خان بتقديم مساعدات لإيران في مجال الأبحاث النووية . وجنوب إفريقيا التي وقعت إيران على اتفاقية سرية معها في عام 1976 من أجل شراء المواد والخامات التي تحتاج إليها .

وفي الجملة ووفقاً لما يقول تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية , فإنه في عهد الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني كانت علاقات إيران النووية تمضي في شكل غاية في السرية مع كلٍ من الجزائر ، الأرجنتين ، باكستان ، الصين ، فرنسا ، ألمانيا ، أسبانيا ، بلجيكا ، إيطاليا , وبريطانيا !!

ومثلما شكلت الخمسة عشر عاماً الماضية باتساعها الزمني فرصة لمد ارتباطات إيران بدول ساعدتها على تحديث برنامجها النووي , منحت تلك السنين إيران المجال لتوسيع رقعة نشاطها النووي السري , إذ عملت على نشرها في 163 موقعاً وأحاطتها بجدار هائل من السرية .

ومع غموض هذا البرنامج , تراوحت تقديرات وصول قاطرته إلى محطة السلاح النووي , ففيما حذر المتشائمون من مغبة تمكن إيران من تصنيع قنبلة نووية خلال 6 أشهر فقط , يبتعد المتفائلون بتقديراتهم لما بين 7 ـ 10 سنوات , ويتوقع فريق ثالث أن تنجز إيران مهمتها التصنيعية خلال 2 ـ 3 سنوات , أما المصادر الأمريكية شبه الرسمية فتتحدث عن 3 ـ 7 سنوات تتمكن خلالها إيران من امتلاك الأسلحة النووية .

وحسب تقديرات مفتش أسلحة سابق هو (ديفيد البرايت) فإن إيران التي حولت 37 طنا من خام اليورانيوم إلى شكل (الهيكسافلور) بإمكانها أن تصنع خمسة رؤوس نووية صغيرة ، ولو أرادت تسريع التقنية لضغطت الزمن وملكت قنبلتها الأولى قريباً .

وثمة معلومات نقلها العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر عن صحيفة جيروزاليم بوست العبرية تؤكد فيها أنّ إيران قد اشترت قنبلتين نوويتين من كازاخستان بمبلغ 25 مليون دولار ، كما زعمت بأن علماء كازاخستانيين وآخرين من الأرجنتين يدربون الإيرانيين على فك وتشغيل نظام الحيطة والتشغيل لهاتين القنبلتين . [مجلة الدفاع الوطني :17/4/2006]

ولقد أصبح الحديث عن اقتصار المشروع النووي الإيراني على الأغراض السلمية ، لدى معظم المراقبين ، مجرد وهم يحلو للمسؤولين الإيرانيين بثه في الدوائر الإعلامية , إذ لا أحد تقريباً يصدق المزاعم الإيرانية القائلة بأنهم يهدفون إلى توليد الكهرباء وإجراء الأبحاث لأغراض سلمية ، فالتقنية نفسها التي يمكن أن تولد الوقود بالمفاعل النووي لإضاءة المدن الإيرانية ، يمكن تشغيلها أيضاً لصنع مواد انشطارية لإنتاج الأسلحة النووية ، وتوفير 20% من الطاقة النفطية لا يستدعي إنفاق خمسة إلى ستة أضعاف تكاليف الطاقة النفطية في توفير طاقة نووية بديلة . يضاف إلى ذلك أن إصرار إيران على عدم قبول " العرض الأوربي ", المتمثل في منح إيران مفاعلاً نووياً يعمل بالماء الخفيف مقابل وقف تخصيب اليورانيوم , أو استيراد اليورانيوم المخصب من روسيا جاهزاً لاستخدامه بأقل تكلفة من تصنيعه بإيران , كلاهما يعني أن إيران ماضية في برنامج تسليح نووي . ويعزز ذلك ما سرب في الشهر ذاته لوسائل الإعلام عن رصد الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإشعاعات تدل على وجود يورانيوم عالي التخصيب من ذاك الذي يستخدم في صنع قنبلة نووية .

ومعلوم أن إعلان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن دخول إيران النادي النووي كان يحمل في طياته رسالة مبطنة باحتمال بلوغ إيران الشوط الأخير في مسعاها لتصنيع أسلحة نووية حيث جرت العادة ألا تعلن الدول عن امتلاكها لسلاح نووي إلا من خلال تجربة نووية لا تستطيع إخفاء تفجيراتها , وهو ما قد يعني أن إيران ربما كانت أقرب من أي وقت مضى لمفاجأة العالم بالإعلان عن تجربة نووية .

الأزمة من منظور عسكري : فك شيفرة العلاقة الملتبسة والغامضة بين الإدارة الأمريكية و"إسرائيل" من جهة والنظام في إيران من جهة مقابلة هو المدخل الأكثر نجاعة في معالجة الأزمة النووية الإيرانية من منظور عسكري , إذ علينا أولا أن نطرح تساؤلات مجردة إن أخفقنا في إرفاق إجابات لها عن شأن العلاقة بين " الشيطان الأكبر " ( التسمية الإيرانية للولايات المتحدة الأمريكية ) والدولة الثانية في " محور الشر " ( المكون من العراق وإيران وكوريا الشمالية وفقاً للتسمية التي أطلقها الرئيس الأمريكي على الدول الثلاث ) , ذاك أننا مدعوون لأن نفتش في سجل العلاقات العسكرية " الإسرائيلية " / الإيرانية لنلتقط نموذجاً منه , ففي 20 يناير 1999 نشرت هاآرتس العبرية تقريراً تحت عنوان "إسرائيل تعترف ببيعها تكنولوجيا الأسلحة الكيماوية لإيران" ، قالت فيه : " إن ناحوم مانبار ، تاجر الأسلحة الإسرائيلي ، لم يكن الإسرائيلي الوحيد المتورط ببرنامج إيران للأسلحة الكيمياوية (..) وباعت الشركة العائدة للصهيوني موشي ريجيف لإيران معدات ومواد ومعلومات وتكنولوجيا صناعة الغازات السامة وخصوصًا غاز السارين وغاز الخردل . علمًا بأن مانبار وريجيف لم يكونا يعملان سوية (..) وأن كلاهما كانت له علاقة وثيقة مع المخابرات والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية . وبعد افتضاح أمرهما ، لم تقم المخابرات الإسرائيلية ، كعادتها ، بأي عمل من شأنه جمع المعلومات عن علاقات هؤلاء الأشخاص ببرنامج التسليح الكيماوي الإيراني " , الأهم من ذلك ما أوردته الصحيفة في سبتمبر 1998 عن مانبار قائلة : " مع علمنا بأن ناحوم مانبار مرتبط بشكل مباشر بالمخابرات الإسرائيلية الموساد ، فإنه كان أيضًا ولعدة سنوات متورطًًا بعقود أسلحة ومعدات عسكرية مع الإيرانيين ، كما شارك من خلال أعماله تلك بالعديد من الشركات الإسرائيلية الأخرى . إضافة إلى أنه يحتفظ بعلاقات تجارية جيدة مع مسئولين إيرانيين . وفي الأعوام 1990 إلى 1994 ، كان قد باع لإيران 150 طنًا من مادة كلوريد التايونيل ، التي تدخل في صناعة غاز الخردل ، أحد الأسلحة الكيماوية . كما أن مانبار قد وقع عقدًا مع الإيرانيين لبناء مصنع قادر على إنتاج العديد من الأسلحة الكيماوية ، إضافة لمصنع ينتج أغلفة القنابل التي تستعمل لتلك الأسلحة " , الأهم ليس وجود العلاقة ذاتها وإنما تاريخها التالي لانتهاء حرب الخليج الأولى , وامتدادها حتى بعد حرب الكويت , وللتذكير فإن هذا التاريخ يحمل في الذاكرة مهمات فرق التفتيش الدولية عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وفرض مناطق الحظر الجوي عليه , بعد عقد مر على تدمير مفاعل تموز العراقي في العام 1981 , لكن بالطبع ليس هناك من مجال لاعتبار أن الولايات المتحدة و" إسرائيل " راضيتان عن النشاط النووي الإيراني أو أنهما ستسمحان للملالي الإيرانيين بالاسترسال فيه , وإنما المؤكد في هذا الخصوص أن الولايات المتحدة قد لا تجد نفسها مضطرة إلى مقامرة عسكرية مع إيران تعوقها عقبات عدة , وهي قد وجدت مساحات التقاء مع دول نووية أخرى في العالم لها أجندتها الخاصة النووية كباكستان والهند وكوريا الشمالية , ويمكننا هنا أن نلحظ ما يلي :

أن الولايات المتحدة الأمريكية وإن بدت في مأزق عميق في العراق وأقل عمقاً في أفغانستان ؛ فإنها كانت مدركة وهي تغامر بالورقة الشيعية في العراق أنها ستمنح الإيرانيين ميداناً فسيحاً للتمدد الاستراتيجي , ربما خاب ظن صناع القرار في واشنطن بغزو خاطف للعراق يعقبه تعاون مؤقت مع الزعامات الشيعية الموالية لإيران في العراق , إلا أنها كانت واثقة من أنها لابد وأن تمنح الإيرانيين مجالاً للتوسع غرباً كضريبة لازمة لبسط سيطرتها ولو جزئياً على بلاد الرافدين , وغير صحيح القول بأن الولايات المتحدة لم تكن على علم بتداعيات تعاونها مع طهران في احتلال العراق , كما أن الحديث عن جلوس الإيرانيين والأمريكيين على مائدة المفاوضات حول العراق لا يعدو أن يكون إعلاناً عن حقيقة بدت في غير حاجة إلى تقرير , ومن ثم فهناك ما يمكن ملاحظته من أسلوب التعاطي السياسي والإعلامي الأمريكي مع الملف الإيراني الذي لم يجاوز سقفاً منطقياً .

يتفق كثير من الخبراء على صعوبة توجيه ضربة تكتيكية على المنشآت النووية في إيران لأسباب عديدة , منها :

ـ صعوبة استهداف جميع أماكن المنشآت النووية الإيرانية , لما تتمتع به من سعة الانتشار وتمويه بعضها ، بما رسخ اعتقادا بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك الحقيقة الكاملة حول مدى سعة انتشار النشاط النووي الإيراني ومواقعه المتعددة ( 163 موقعاً معلناً ) , ولا يبدو ثمة تشابه في الحالتين العراقية والإيرانية يفترض معها تبني نفس الخيار الذي نفذته " إسرائيل " في العام 1981, حيث كان المفاعل العراقي ( أوزيراك ) في وسط العاصمة العراقية بغداد مكشوفا ووحيدا ، ولم يكن محميا بشبكة صواريخ مهمة كما في إيران التي لديها منصات صواريخ تمكنها من الرد .

ـ احتمال استخدام إيران لمنظومة صواريخ شهاب التي تملك منها أجيالا آخرها2000 و3 , واللذان يصل مداهما إلى 2000 كيلو متراً للأول , 1700 للثاني في حال تعرضها لضربة عسكرية بما يمكنها من الوصول لقلب "إسرائيل" , وقد هدد الإيرانيون صراحة باستهداف مفاعل ديمونة "الإسرائيلي" , ووجهوا رسالة عبر رئيس الحرس الثوري الإيراني تقول لـ"الإسرائيليين" إنه في حالة استهداف مفاعل بوشهر ، فعليهم أن ينسوا تماما مفاعل ديمونة , كما وأن "الإسرائيليين" ما فتئوا يتخوفون من استهداف إيران للمنطقة المعروفة لدى الخبراء "الإسرائيليين" باسم "المثلث الرخو" , والذي يتكون من القدس ـ تل أبيب ـ حيفا, وهنا لا يجدر بـ"الإسرائيليين" الارتكان إلى صعوبة استهداف إيران لأهداف قد تصيب الفلسطينيين بطريق الخطأ.. أو بطريق الإشعاع على فرضية الهجوم النووي المستبعد لحد بعيد .

ـ احتمال إشعال إيران لجبهات خارجية عديدة , كشف عن بعضها مسؤولون إيرانيون حذروا من وجود 55 ألف "استشهادي" في العراق سيفجرون أنفسهم في القوات الأمريكية القليلة نسبياً مقارنة بتعداد الجيش الإيراني ( 540.6 ألف جندياً نظامياً بخلاف ما يمكن حشده من الاحتياط الثوري الهائل , مقارنة بـ 130 ألف جندياً أمريكياً متواجدين في العراق ) في حال تعرضت إيران لعدوان من الولايات المتحدة الأمريكية , ومعلوم أن الآلاف من الحرس الثوري الإيراني انبثوا في العراق منذ غزوه علاوة على أن القوى الشيعية الرئيسية في العراق تدين بالولاء لإيران ( المجلس الأعلى , وحزب الدعوة , والتيار الصدري ) , وقد حذر الأخير من أن جيش المهدي سيهاجم القوات الأمريكية إذا ما اعتدت على إيران , كما صدرت تصريحات مماثلة من كل من قادة حزب الله اللبناني والجهاد الإسلامي الفلسطيني , يضاف إلى ذلك احتمال إشعال أعمال عنف وتفجيرات تستهدف المصالح الأمريكية في كل من دول أوروبا الغربية التي تتواجد بها جاليات شيعية , وجمهوريات آسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان حيث توجد أقليات شيعية فيها , وأمريكا نفسها التي يقطنها نحو مليوني إيراني وفقاً لتقديرات إيرانية , وبالطبع فمنطقة الخليج برمتها يتوقع أن تشهد عمليات عنف تستهدف 9 قواعد أمريكية رئيسية منتشرة في ربوعها , إضافة إلى إحداث قلاقل في المناطق المطلة على الخليج والتي تقطنها أقليات شيعية كبيرة , يعتبر نحو 80 ـ 90 % علي السيستاني الإيراني المقيم في النجف مرجعيتهم الدينية في بلاد خليجية لا توجد بها مرجعيات دينية بارزة .

ـ احتمال استهداف إيران للقوات الأمريكية المهاجمة والمساندة في الخليج , لاسيما بعد أن كشفت عن حيازتها لأسرع صاروخ مائي في العالم , ونجحت في تطوير ترسانتها البحرية , وتخوف المراقبين من سهولة إغلاق إيران لمضيق هرمز المتحكم في مدخل الخليج العربي .

ـ الخشية من أن استهداف منشآت نووية تعمل بالفعل قد يؤدي إلى تلوث بيئي يضر بالعسكريين الأمريكيين ذاتهم في ثكناتهم وقواعدهم العسكرية في الخليج , ويكفي أن نشير إلى أن مفاعل بوشهر الذي يعد أحد أهم مرافق المشروع النووي الإيراني يقع على بعد 280 كم فقط من مدينة الكويت , ويعتمد هذا المفاعل بصفة أساسية على تقنيات مستوردة من روسيا التي لا تملك عناصر الأمان النووي المضمونة .

ومعلوم أنه في ظل الحظر الغربي على الآلات والمعدات التي تستخدم في الصناعة النووية اتجهت إيران إلى الاعتماد على آلات نووية أقل ضمانا سعياً لإنجاز وإتمام تسلحها النووي ، ومن ثم تصبح دول الخليج في مرمى الخطر إذا ما حدث تسرب . وثمة شواهد تاريخية على مثل هذه الأخطار ومنها حادث تشرنوبل عام 1986 .

ـ ليست الولايات المتحدة في حال ما إذا قررت هجوماً أن تشنه بسلاح تقليدي , كما أن من يتخذ القرار ملزم بأن يأخذ بالحسبان أنه قد يضطر لاستخدام سلاح نووي تكتيكي , وهو ما من شأنه أن يقيم بعداً آخر يبرر ويشرعن الهجوم البيولوجي ضد الولايات المتحدة .

ـ تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أنها تجابه روسيا والصين من خلف إيران , وأن هاتين الدولتين ربما ارتأتا أن تشجعا إيران على خوض صراع استراتيجي بالوكالة عنهما , ولدى كل منهما حساباته الإستراتيجية الخاصة , وأبرزها الإبقاء على موضع قدم لهما في أغنى منابع النفط في العالم , وعدم السماح للولايات المتحدة الأمريكية بالاستئثار بها لاسيما بعد احتلال العراق .

ـ استغلت إيران تبدل خارطة الأحداث بما جعل يد الولايات المتحدة مغلولة عن أي عمل عسكري يستدعي رداً على الأرض وإن اقتصر على السماء من جانب الولايات المتحدة , خصوصاً بعدما كذَّبت المقاومتان العراقية والأفغانية أسطورة قدرة الأمريكيين على خوض حربين في وقت واحد والتي روج لها وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد , وأضحت في مأزق لا يمكِّنها من خوض أكثر من مغامرة في وقت واحد , وأيد مطامعها حال تراجع إمبراطوري أمريكي وانكفاء على الداخل بعدما أصبح كثير من دهاقنة المحافظين الجدد خارج الحلبة الآن أمثال : ريتشارد بيرل , بورتر جوس , بول ولفويتيز , ودوجلاس فيث , وغيرهم , وتدني شعبية الرئيس الأمريكي , وتنامي دعوات الانسحاب من العراق , بالإضافة إلى الإخفاق "الأخلاقي" في العراق وأفغانستان بعد الإخفاق العسكري .

• ويبدو سيناريو غزو إيران مستحيلاً للأسباب السالفة الذكر بالإضافة إلى :

ـ عمق العلاقة التي تربط الشعب الإيراني بالملالي والذي لا يمكن معها التعويل على نجاح أي محاولة لغزو , حتى وإن نجح من الناحية العسكرية , ويكفي استدعاء ثورة التنباك من الذاكرة الوطنية الإيرانية في العام 1891 , حين أصدر الشيخ الشيعي محمد تقي الحائري الشيرازي في سامراء العراقية فتوى تقول : "اليوم استعمال التنباك والتتن حرام بأي نحو كان , ومن استعمله كان كمن حارب الإمام عجل الله فرجه"!! , فانصاع الشعب الإيراني لها بمن فيهم زوجة الشاه ناصر الدين الذي كان قد منح امتيازاً لاحتكار التبغ وبيعه في إيران لمدة خمسين عاماً لشركة إنجليزية تدعى Regi Tobacco ؛ فاضطر إلى إلغائه , وبرغم مرور قرن ونيف على هذه الثورة , إلا أن اصطفاف الإيرانيين خلف ملاليهم لم يتغير , وقد تجلى في الثورة الإيرانية الشعبية قبل ربع قرن على يد الخوميني , ويمتزج اليوم مع نشوة قومية أزكاها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد , وهو ما يجعل محاولة تخريب هذه العلاقة عبر مرتزقة أو من خلال نثر 6 فضائيات موجهة ـ وفقاً للتخطيط الأورو/أمريكي ـ سعياً وراء تغيير قناعات شباب إيران البالغ نحو 70% من عدد سكان إيران , والذي لم ير الثورة إلا على شاشات التلفزة نوعاً من العبث .

ـ صعوبة التعويل على سيناريو "تحريكة عربستان" بالأحواز , الرامية إلى خلخلة بني الدولة الإيرانية بما يحول بين إيران و90 % من نفطها الموجود في ذلك الإقليم العربي المحازي للخليج والذي يضم نحو 8 ملايين عربي شيعي يعتبر معظمهم أن إيران الفارسية احتلت أرضهم , بما لا يمكن للنظام الإيراني أن يسمح بفقدانه بسهولة مهما كلفه ذلك من ثمن , كما أن منظمة مجاهدي خلق اليسارية الإيرانية لا يمكنها أن تمثل تهديداً حقيقياً لإيران نظراً لمحدودية تأثيرها السابق , نفس الشيء يمكن أن يقال عن جماعة بيجال أبرز الجماعات الكردية الإيرانية والتي تسلحها ـ كما خلق ـ جهاز الاستخبارات الأمريكي , وتسعى لتعميق النزعة الانفصالية لنحو 4 ملايين كردي في إيران . فالعرق الفارسي والآذاري يهيمنان على ما يزيد عن ثلاثة أرباع سكان إيران , ويمسكون بتلابيب دولة متماسكة إلى حد بعيد , وتقيم نوعاً من التعددية يسمح لها بالثقة في شرعيتها الشعبية والدستورية , خلافاً للنظامين العراقي والأفغاني اللذين لما يكونا يتمتعان بمزية مماثلة .

وبالتالي فقد غدا سيناريو الهجوم غير مرجح وسيناريو الغزو أبعد شُقة , برغم أن ذلك لا يعني أن الأسلحة بطريقها للعودة إلى مخازنها , فلدى مرجحي سيناريوهات الحرب بعض الردود ربما لا تكافئ ما تقدم قناعة , لكنها قمينة بأن تدرس من جانبها الآخر :

• أنه في ظل عمل طهران على حرق الوقت ريثما تجري تجربتها النووية الأولى ؛ فإن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها يفضلون التعامل عسكرياً مع إيران غير نووية عن التعامل معها بعد أن تتكامل بنيتها التسليحية النووية , وهم يعلمون أن غض الطرف عما تعتزمه إيران في مسعاها الاستراتيجي البالغ الخطورة سيتخلف عنه إطلاق سباق تسلح نووي في الدول المجاورة بدت قسماته في اتجاه تركيا للتعاون نووياً مع روسيا , وتعالى الأصوات في البرلمان المصري وتوقع أخرى موازية في العربية السعودية وغيرهما مطالبة بالعمل على الانضمام للنادي النووي , وهو ما تحاذر منه الولايات المتحدة أكثر من حذرها من حيازة إيران للسلاح النووي , وتراه الشعوب العربية مطلباً عادلاً حينئذ حين يصبح الشرق الأوسط يملك السلاح النووي إلا عربه .

• أنه عند الحديث عن حرب تقليدية أو بمعنى أدق حرب متكافئة تصبح كفة الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" متفوقة كثيراً على خصميهما الإيراني , إذ لا يمكن مقارنة الأنظمة الهجومية الأمريكية وطائراتها فائقة الارتفاع بمنظومة الدفاع الجوي الإيرانية , ووفقاً لقول د.مصطفى العاني "إسرائيل لن ترعبها أسلحة إيران النووية , فهي قادرة بقدرتها النووية على مسح إيران من الخارطة خلال 5 دقائق "[الأهرام العربي :13/5/2006] , ويتفق هيرش جودمان من مركز جافي للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب مع تحليل د.العاني قائلاً : "لنفترض أن لدى إيران قنبلة ‚ بل اثنتين أو ثلاثاً , حسب فعنونو تمتلك إسرائيل 200 قنبلة نووية , ولدينا صواريخ حيتس بقدرة تتيح إطلاق 20 صاروخاً مقابل كل صاروخ ينطلق من الأراضي الإيرانية , ثمة هنا الكثير من الهستيريا حول الخطر الإيراني , ينبغي علينا أن نأخذ بالحسبان أن هجوماً نووياً إيرانياً على إسرائيل سيقود إلى سقوط مئات الآلاف من القتلى العرب , فضلا عن تلويث مياه الجيران العرب وإبادة نصف الشعب الفلسطيني وربما تدمير المسجد الأقصى , ليس بوسع حتى آية الله سكران أن يتحمل مسؤولية مخاطرة كهذه , لدينا وسيلة دفاعية , لدينا إعلان صريح من الرئيس الأميركي بأنهم مسؤولون عن حماية إسرائيل , لدينا وسائل تجسس توفر لنا إنذاراً فورياً من كل عملية إطلاق , ولدينا القدرة على تنفيذ اعتراض في ارتفاعات وعلى مسافات بعيدة جدا "[الوطن 2/3/2006 نقلا عن معاريف العبرية]......

إذن ثمة تحرك لشل قدرات إيران على رد الهجوم هناك عنصر رادع عن استخدام أسلحة نووية إيرانية أو تقليدية يتمثل في المظلة النووية العملاقة التي تستظل بهما الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" .. هناك صدمة ورعب ربما أكثر قسوة من تلك المستخدمة مع العراق وصربيا بدرجة أقل , هناك منظومة دفاعية قد تكون ناجعة أو لا .

• مثلما تملك إيران أوراقاً في الجنوب العراقي وإقليم هيرات بغرب أفغانستان ؛ فالولايات المتحدة تملك الكثير أيضاً مما قد تلجأ إليه من قلب المعادلة العراقية ضد الأقلية الشيعية التي تبسط هيمنتها الآن على مقدرات الحكم في العراق , وحالما أشعلت إيران النيران في البصرة بالجنوب العراقي , كان الرئيس الإيراني جلال طالباني يكشف عن مفاوضات مع مجموعات من المقاومة العراقية , ووقتما تبدو إيران راغبة في تثوير الأقليات الشيعية في دول مجلس التعاون الخليجي ودفعها لإثارة قلاقل وأعمال شغب ؛ تغدو الولايات المتحدة الأمريكية في طريق تفعيل دور قواعدها المنتشرة في الخليج في حفظ الأنظمة علاوة على شراكتها الدفاعية .

• برغم الحديث المزعج دوما عن إغلاق مضيق هرمز إلا أن إحراق صدام حسين لآبار النفط الكويتية لم يحل دون مضي الولايات المتحدة الأمريكية في مخططاتها حتى إطاحته , لاعتبار أن هذه قد تكون حالة مؤقتة يمكن دفع فاتورتها لفترة محدودة .

• لا يبدو الحديث عن ثورة إسلامية في العالم حتمية إذا ما استهدفت إيران لأسباب عديدة , أولها أن كثيرا من الأغلبية السنية في العالم الإسلامي هم خارج إطار التعاطف مع الشعب العراقي بعدما فاض كأس المجازر المنسوبة للأقلية الشيعية في العراق , لاسيما بعدما أطلق الرئيس المصري تصريحه حول ولاء الشيعة العرب لإيران بأكثر من ولائهم لبلدانهم , بعد أسابيع من اعتبار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أن الولايات المتحدة قد منحت العراق لإيران بما يعكس تخوفات أكبر دولتين عربيتين سنيتين من التغول الإيراني , الذي أسماه قبل ما يزيد عن عام الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني "الدولة الإقليمية العظمى" , وثانيها ما يناقشه الجنرال عميدرور الرئيس السابق لدائرة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" , والسكرتير العسكري لوزير الدفاع وقائد الكليات الحربية ونائب رئيس معهد ليندر في القدس إمكانية التحرك لمهاجمة إيران عن حال اللامبالاة السائدة في العالم الإسلامي , قائلاً : " فالبحث البريطاني الذي نشر محذراً من موجة إرهاب عالمية وآلاف القتلى جراء الهجوم على إيران , يذكرني بالقصة التي رووها لنا حول إن قمنا بقتل الشيخ أحمد ياسين فإن كل الشرق الأوسط سيشتعل , والصحيح حتى اليوم أن قدرة إيران على الرد هي أقل بكثير مما توصف "[المصدر السابق] , وثالثها ما أبرزته عمليات حصار النجف وكربلاء في بداية الاحتلال الأمريكي للعراق , والتي لم يرشح عنها ردات فعل تتفق وقداسة تلك الأماكن عند الشيعة والتي تفوق لدى بعضهم قداسة مكة .

• عند التوجه غرباً قد نجد حزب الله معني بالدفاع عن إيران التي أسسته , بيد أن ردة فعله حيال الاعتداء لن يجاوز سقفاً يخرجه من المعادلة اللبنانية نهائياً , وهو سقف سيتجسد في إمطار "إسرائيل" بصواريخ كاتيوشا التي لا يعدها البروفيسور دافيد منشاري , رئيس مركز الدراسات الإيرانية ورئيس معهد نزاريان في جامعة تل أبيب "قنابل نووية !! وإنما أمور محدودة يمكنها أن تشكل إزعاجاً على شاكلة ما نعاني في سيديروت" , وما يعانونه ـ للتذكير ـ في سيديروت ليس سوى صواريخ القسام التي أمكن لـ"إسرائيل" التعايش معها لسنوات مع ما تصيبه من ألم نفسي وآخر عسكري محدود .

ومهما بدا من هذه النقاط من تناقض ؛ فإنها جميعاً تتفق على أن الولايات المتحدة وأوروبا و"إسرائيل" ستبذل قصارى جهدها لوقف الطموح الإيراني عند حده السلمي , وأنهم لن يذهبوا بسبيل الحل العسكري ما لم يستنفذوا كل الخيارات المتاحة , والتي لا ترى روسيا والصين أنها قد استنفذت بعد , ودون الحل العسكري , يبرز الحل الاستخباري الذي نجح مع مصر مؤقتاً في منتصف ستينات القرن الماضي ضد البرنامج المصري لتطوير الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى ( سلسلة صواريخ القاهر والظافر ) , وضد البرنامج النووي العراقي الذي تم في أواخر سبعينات القرن الماضي تصفية العديد من العلماء العاملين به ( وحتى الآن في العراق على أيدي عناصر استخبارية ) , وتدمير معدات تستخدم في النشاط النووي مستوردة في موانئ التصدير ذاتها , وهناك التلويح والتهديد العسكري الذي لوحظ تناثر سيناريوهاته على نحو لم يسبق له مثيل من قبل للحد الذي فقد معه كثيراً من مصداقيته في وقت تعمل فيها الدبلوماسية على قدم وساق لحل الأزمة المستعصية , وهناك الحلول المؤقتة كعرض أوروبا تزويد إيران بمفاعل نووي يعمل بالماء الخفيف , أو المقايضة النووية بالعراق , أو رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن إيران .

أو في الأخير احتمال قبول الولايات المتحدة وأوروبا و"إسرائيل" لوجود سلاح نووي في أيدي الإيرانيين شريطة التقيد بحزمة من الضمانات القوية الملزمة لإيران بعدم خدش أمن "إسرائيل" , لاعتبار أن دخول النادي النووي له تبعاته المستقبلية التي قد تجعل الغرب غير منزعج كثيراً لدخول دول جديدة في النادي النووي مادامت ملتزمة بقواعد اللعبة , تلك القواعد التي جعلت السلاح النووي الباكستاني شديد التهذيب , بل جعلته عبئاً على الباكستانيين أثناء غزو الولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان .

الأزمة من منظور اقتصادي:
مفارقة الوضع المتوتر في الخليج الآن , تذكر بالموقف في أعقاب احتلال العراق لدولة الكويت , وتردد أنباء وقتها عن نية العراق لاحتلال منابع النفط بالسعودية , كان وقتها من مبررات الحرب آنذاك ـ علاوة على إقصاء العراق عن الهيمنة على الكويت ـ منع العراق من الاستئثار بأكثر من ربع احتياطي النفط في العالم , الشيء ذاته الآن يعتمل في نفوس الروس والصينيين كلما دقت طبول الحرب أو لوحت بها الولايات المتحدة الأمريكية , إذ عبر تحكم الولايات المتحدة في مضيق هرمز في حال الفرضية المستبعدة للحرب , تكون قد بسطت يديها على 65% من النفط المصدر في العالم , وبالاحتلال الافتراضي لإيران تقع الصين تحت رحمة الأمريكيين الذين سيتحكمون ـ إضافة لنفوذهم في الدول النفطية في العالم ـ في 13% من احتياجات الصين المصدرة إليهم من إيران , وستشعر الصين بأنها مهددة بحظر نفطي عليها , وبسيطرة أمريكا على النفط الإيراني أو إذعان الإيرانيين لها , ترغم كل من الصين واليابان والهند على تكديس الدولار الأمريكي المتوعك وإعادة البريق له كعملة احتياط عالمية , أما من وجهة نظر روسيا , فإن الإيرانيين دفعوا على الطاولة حوالي مليار دولار مقابل المساعدة الروسية للمفاعلات في بوشهر , كما أن الروس حصلوا من الإيرانيين على حوالي 700 مليون دولار ثمن أسلحة تقليدية , بما فيها صواريخ , وروسيا تقف من وراء مشروع هائل لإقامة أنبوب نفطي يفترض أن يربط إيران وباكستان والهند .

وينبغي هنا أن يعلم أن الإيرانيين لديهم مخزون هائل من النفط , يمنحهم مع كل دولار إضافي في سعر النفط مليار دولار إضافياً يصب في الخزينة الإيرانية سنوياً . وهذا الأمر ليس حكراً على الإيرانيين , دول الخليج جميعها يتدفق المال إليها مع الأزمة , لكن الأهم من ذلك هو أن الشركات الأمريكية والبريطانية التي تحتكر التنقيب والاستخراج النفطي ـ تقريباً ـ في الخليج هي مستفيدة أيضاً من هذه الزيادة , وهنا نحن أمام أزمة مشابهة لأزمة النفط في العام 1973 , والتي أفادت فيها الدول المصدرة للنفط تماماً مثلما أفادت الولايات المتحدة الأمريكية , وهو ما كان شدد عليه الكاتب العربي الأبرز محمد حسنين هيكل عند حديثه عن أزمة النفط في حرب أكتوبر والتي تضررت منها أوروبا لا أمريكا..

والبادي أن التاريخ يكرر نفسه الآن , فالولايات المتحدة وخصمها الإيراني مستفيدان في تلك اللحظة على الأقل من ارتفاع أسعار النفط كلما خرجت السيوف من أغمادها , فيما يضع الأوروبيون والصينيون أيديهم على قلوبهم , وترى الأوليين يصران على موقفهما فيما يسعى الآخرَين محاولين لملمة الأزمة ..
ونخلص هنا إلى أن :

الولايات المتحدة الأمريكية ـ و"إسرائيل" بالتبعية ـ ماضية في مسعاها لحرمان إيران من امتلاك قدرة نووية تمتلكها بالأساس , بغية منع إيران من تبوأ مكانة إستراتيجية تزيد من نفوذها الإقليمي في الخليج وآسيا الوسطى , وتغدو أوروبا والصين المدفوعتان من مصالح ذاتية اقتصادية سواء مع إيران أو للحؤول دون مزيد من ارتفاع أسعار النفط واحتكاره , تجدان السير من أجل منع تدهور الوضع العسكري في الخليج , و"تبارك" الولايات المتحدة الغارقة حتى أذنيها في مياه دجلة مساعيهما رغبة في الابتعاد عن شبح حرب عالمية ثالثة , وتؤمن روسيا أن الحل الدبلوماسي قد بلغ ذروته لا نهايته , وتحفزها هزيمة منيت بها في أفغانستان على يد الأمريكيين في تثبيت الشوكة الإيرانية في الخاصرة الأمريكية , ويختار العرب خيار الصمت الاستراتيجي هذه المرة , فيما يضرب السلاح النووي سياجاً حول مروجهم وثرواتهم النفطية , ويمتد شريط نووي من روسيا مروراً بالصين والهند وباكستان وإيران , قافزاً فوق العرب , ثم "إسرائيل", ليعبر المنطقة العربية مجدداً , ثم فرنسا ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية..