أزمة النفايات النووية في الصومال
24 رجب 1426

<FONT size=3>&nbsp;لا تعد الصومال حالة استثنائية لدول العالم العربي الإسلامي، فرغم فداحة الأزمة التي تعيشها منذ سنوات طويلة، وتغاضي الإعلام العربي والإسلامي والعالمي عنها على الدوام، وغرق أهلها بطوفان أطماع الغرب الغني الذي لا يشبع، إلا أن الصومال تشترك مع عدد من الدول العربية الإسلامية في بعض جوانب المشكلة، كالفقر كما في معظم هذه الدول، وغياب دور الحكومة بسبب الحرب الأهلية كالعراق حالياً ولبنان في السابق، ومعاناة شعبها من الاستعمار الخارجي كفلسطين والعراق، وتحكم الغرب بخيراتها ومقدراتها ككثير من هذه الدول.<BR><BR>تقع الصومال في شرق قارة إفريقية على منطقة ما يعرف باسم (القرن الإفريقي). يحدها خليج عدن والمحيط الهندي من الشرق، وإثيوبيا من الغرب وجيبوتي من الشمال الغربي، وكينيا من الجنوب الغربي.<BR>يبلغ عدد سكان الصومال نحو 9,890,000، وتبلغ مساحتها 637,657 كم²، وتمتد فيها الشواطئ الساحلية على المحيط الهندي وخليج عدن بطول 3333 كم.<BR>&nbsp;</FONT><BR><P><FONT size=3>وقد حصلت الصومال على استقلالها من الاحتلال البريطاني والإيطالي بتاريخ 1 يوليو 1960، بعد قرن كامل من استعمارها ومحاولة تقسيمها.<BR><BR>بعد سقوط نظام (الرئيس الصومالي السابق) محمد زياد بري في يناير 1991م (الذي وصل إلى الحكم عام 1969م بانقلاب عسكري) ؛ شهدت البلاد حالة من الفوضى الأمنية، ما أدخلها في حروب عشائرية بين جنرالات الحرب أدت إلى تقسيمات داخلية من خلال حكم كل جنرال لجزء من الصومال.<BR>حاولت القوات الأمريكية (التي كانت تساند نظام زياد بري عبر حربه ضد جارته الشيوعية أثيوبيا) إلى البلاد وتفرض هيمنتها عليها، إلا أن بعض جنرالات الحرب وعلى رأسهم محمد عيديد؛ استطاعوا هزيمة القوات الأمريكية وإخراجه عام 1992م من البلاد بعد أن صورت وسائل الإعلام فضيحة مقتل الجنود الأمريكيين وسبحهم -مربوطين بالسيارات- في شوارع مقديشو.<BR><BR><FONT color=#0000ff>بدء أزمة النفايات النووية والكيمائية:</FONT><BR>بعد تداعي الحكومة الصومالية، وانسحاب الولايات المتحدة وقوات الأمم المتحدة من البلاد، بات من الواضح أن الصومال يسير نحو طريق طويل من الصراع الداخلي، ما يعني فقدان وجود حكومة مركزية تسير أعمال الدولة وتدافع عنها وتحميها وتضمن لها مكانة مستقلة بين دول العالم.<BR>&nbsp; &nbsp; <BR>وفيما حاولت الولايات المتحدة فرض وصاية مبكرة عليها، وإيجاد موطئ قدم لها لامتصاص ما يمكن الحصول عليه من ثروات، سارعت بعض الدول الغربية للاستفادة من حالة انعدام الوزن السياسي في الصومال بشكل آخر، وبدأت باستغلال كل ما يمكن استغلاله فيها، قبل استقرار الأمن والنظام.<BR>حيث شهد عام 1992م بداية الاستغلال الأوروبي للمياه الإقليمية الصومالية، عبر الصيد البحري الغير شرعي، وإلقاء المخلفات النووية والكيميائية الخطرة أمام السواحل الصومالية، التي وفرّت مبالغ هائلة أمام الشركات الأوروبية، وأتاحت لها فرصة للتخلص من النفايات المرهقة والثقيلة.<BR><BR>تقول إحدى الدارسات الأجنبية التي نشرت في موقع (معهد المصائد البحرية): " إنه في عام 1991، وبعد نشوب الحرب الأهلية، أجبرت المصايد الصومالية على الانهيار، حيث أغلقت كل أعمال الصيد تقريباً، ما ترك أكثر من 2000 صياد مع عائلاتهم من دون عمل، وترك أماكن الصيد في خطر، حيث باتت عرضة للصيد غير القانوني، ومكاناً ملائماً للدول الصناعية كي تتخلص من المخلفات الصناعية الخطيرة، ما هدد البيئة بشكل خطير".<BR>&nbsp;</FONT></P><FONT size=3>وتضيف الدراسة أن " سفن الصيد الأجنبية سافرت آلاف الأميال نحو المياه الإقليمية الصومالية، باحثين عن الأسماك المشهورة في المنطقة، كالدرفيل والقشر والتونا وسمك السيف وقرش الرنجة، وخيرات وكنوز المحيط الهندي الثمينة الأخرى".<BR>مشيرة إلى أن بعض السفن كان لديها مهمة أخرى، وهي إفراغ شحنات المخلفات الخطرة في تلك المياه، على بعد كيلومترات قليلة من السواحل الصومالية. تاركة المكان مهدداً بخطر حقيقي قد يظهر في أي وقت.<BR>وهو ما حدث بالفعل نهاية عام 2004م.<BR><BR>وتضيف الدراسة التي أرّخت لأول السفن المصدِّرة للنفايات السامة في الصومال بالقول: " كان الشريط الساحلي للصومال غنياً جداً وقادراً على النمو مجدداً، لكن بسبب عدم مقدرة الصومال على السيطرة على مياهه الإقليمية؛ تخلصت السفن الأجنبية الكثيرة بشكل عشوائي من النفايات الخطرة في مياهها، وكانت أول السفن التي فضح أمرها هي السفينة التابعة للشركةً الإيطالية (بروجريسو) والسفينة الثانية التابعة للشركة السويسرية (شركاء أتشير) على الرغم من وجود حالات كثيرة مجهولة حدثت قبل ذلك".<BR><BR>الشركات الأجنبية ادعت أنها وقّعت اتفاقيات مع الحكومة الصومالية (!) للسماح لها باستخدام المياه الإقليمية للتخلص من النفايات السامة. وهو ما يكذبه عدم وجود حكومة من أساسها في الصومال في تلك المدة.<BR>إلا أن بعض الدراسات التي قام برنامج الأمم المتحدة البيئي (يو إن إي بي)، كشف عن أن هذه الصفقة تمت بالفعل بين رؤساء هذه الشركات وبين أحد وزراء الصومال السابقين، وبرّرت الشركات هذا التصرف بعدم وجود مرجعية يمكن فيها توثيق هذه الاتفاقات !<BR>وما حدث هو أن بعض الدول الغربية استغلت حالة الانعدام الأمني في البلاد لرسم سياسة تهدف إلى استخدام السواحل الصومالية كمدفن للنفايات السامة، فقامت بعض الشركات (في ديسمبر 1991م)؛ بالاتفاق مع نور عثمان (الذي كان أحد المسؤولين في وزارة الصحة خلال مدة حكم محمد بري)، على اعتبار أنه وزير الصحة الصومالي (!) في حكومة مؤقتة برئاسة علي مهدي.<BR>وحصل نور عثمان على مبالغ هائلة مقابل توقيعه على اتفاقية مزعومة مع الشركة السويسرية والإيطالية بقيمة 80 مليون دولار، يعطي بموجبها الصومال (!) الشركتين الحق بدفن ملايين الأطنان من النفايات السامة.<BR>&nbsp;</FONT><BR><P><BR><FONT size=3><FONT color=#0000ff>استغلال الدول الغنية للدول الفقيرة في الأزمات:</FONT><BR>تحدّثت بعض وسائل الإعلام الغربية عن (أخلاقيات) عقد مثل هذه الصفقة مع الصومال في وقت يرزح فيه البلد تحت نير الحرب الأهلية القاسية، وفي ظل عدم وجود حكومة.<BR>كما أجرى برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة تحقيقاً دولياً حول العقد المزعوم بين الشركتين الأوروبيتين والوزير الصومالي، ما أدى إلى محاولة كل من إيطاليا وسويسرا التنصل من التهمة، عبر الادعاء أنها لم تعلم أي شيء عن نشاط الشركتين الموقعتين على العقد، فيما أنكر نور عثمان أي صلة له بالعقد المزعوم.<BR>وانتهت تلك الأزمة بفرضية انتماء الشركتين الأوروبيتين لشبكة مافيا اقتصادية ضخمة، تقف في وجه الأمم المتحدة !<BR><BR>تكشف هذه الحادثة مدى استغلال الدول الغنية لأي دولة فقير، طالما أنها يمكنها فعل ذلك. إذ استغلت سويسرا وإيطاليا حالة الحرب في الصومال لإيجاد مدفن آمن لنفاياتها السامة. <BR><BR>فبحسب دراسة لخدمة (إنتر برس) الإعلامية، تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن دفن طن واحد من النفايات الخطيرة في إفريقيا يكلف الدول الغنية (2.5 دولار)، فيما يكلف دفن الطن في أوروبا أكثر من (250 دولار) !<BR><BR>كما خرقت تلك الدول المعاهدات الدولية التي وقعت عليها سويسرا في مدينة (بازل) حول السيطرة على حركة النفايات السامة بين الحدود.<BR>كما تنص اتفاقية بازل على عدم تمرير أي مخلفات سامة إلى دولة أخرى بدون وجود اتفاق بين حكومتي البلدين (وليس بين شركة وحكومة). وهو ما تم خرقه في تلك الحالة.<BR>كما خرقت سويسرا وإيطاليا الاتفاقية ذاته، والتي تنص في بنودها على عدم إرسال النفايات السامة إلى أي منطقة قتال.<BR>وقد وقعت إيطاليا على معاهدة (لوم) الدولية، التي تنص المادة (39) فيها على عدم تصدير النفايات إلى إفريقيا أو البحر الكاريبي أو المحيط الهادئ.<BR>إلا أن الدول الغربية الغنية مستعدة لدفع أي ثمن مقابل إخفاء الحقيقة، ومقابل التخلص من نفاياتها السامة التي بدأت تضيق فيها ذرعاً، بسبب زيادة حجمها وصعوبة التخلص منها والخطر الذي تلحقه بالبيئة والكائنات الحية، بما فيها الإنسان.<BR><BR><BR><FONT color=#0000ff>سنوات الدفن النووي:</FONT><BR>بعد حادثة عام 1992، تغاضت الأمم المتحدة ووسائل الإعلام عن قضية الصومال، وبات التركيز على الحروب الأهلية ومصير البلد ومحاولات تشكيل الحكومات العاثرة، ما أدى إلى تغييب شبه كامل لقضية التلوث البحري، ومحاولات الشركات الغربية الأخرى دفن نفاياتها في المياه الإقليمية الصومالية.<BR>وقد ظهرت بعض الحوادث الخطيرة والتي لم يسمح لها الإعلام بالانتشار كثيراً، والتي أدت إلى وفاة وإصابة العديد من الصوماليين بالأمراض الغريبة، منها ما حدث في إبريل 1992م في منطقة (الجاد) عندما طفت براميل طويلة كحلية اللون مليئة بالزيت، بالقرب من الشواطئ الساحلية. وبعد فحص العينات المأخوذة من هذا الزيت تبين أنها مؤلفة من نفايات نووية مميتة.<BR>وحدثت كوارث أخرى مشابهة لهذه الكارثة في منطقة (أديل) عام 1996م، وعام 1998م، والتي أصابت الشريط الساحلي الممتد من مقديشو وحتى (وارشيخ) على امتداد 45 كيلومتر، وتبين أن النفايات النووية هي ما قد تم دفنها في تلك السواحل (وفق ما أكدت دراسة نشرت في معهد المصايد البحرية).<BR><BR><BR>يقول تقرير نشرته صحيفة (كانبيرا تايمز) الأسترالية: " إن الدول المتطورة الغنية التي تنتج حوالي 90 بالمئة من النفايات الخطرة في العالم، استخدمت بعض السياسات المبتكرة للتخلص من مخلفاتها الغير مرغوب فيها بإلقائها في دول العالم الثالث".<BR>وتضيف الصحيفة في عددها الصادر بتاريخ 8 إبريل 2005م، بالقول: " الصومال الواقعة على الساحل الشرقي لإفريقيا، تبدو بعيدةً من دولنا، وهي تعيش منذ 15 عاماً تقريباً حالة من الفوضى، التي جعلت منها مثالاً للدولة الفاشلة".<BR>ويضيف التقرير " انتشرت الأخبار حول الشركات الأوربية التي جنت فوائد ضخمة مستفيدة من الفوضى الطويلة في الصومال، لإبرام اتفاقيات خطرة مع جنرالات الحرب المحليين للحصول على موافقات للتخلص من المخلفات السامة في البلد، فيما حصل جنرالات الحرب على الأموال التي ساعدتهم في تمويل النزاع المستمر".<BR>وتستعرض الصحيفة الأعمال التي قامت بها الشركات الأوروبية، وصولاً إلى "إغراق أحمال السفن من البراميل المليئة بالملوثات القاتلة بالقرب من الساحل الصومالي".<BR><BR>وتتابع بالقول: " لم تكن هناك أي سلطة تعمل على إيقافهم. لذلك أغرقوا اليورانيوم المشع والرصاص والكادميوم والزئبق ومخلفات المصانع الصناعي والمستشفيات والمواد الكيميائية والمخلفات السامة الأخرى، لتسقط جميعها في قاع المحيط".<BR>تقول وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها مطلع عام 2005م: " معظم المخلفات السامة تخلصت منها الشركات الأوروبية ببساطة على الشواطئ الصومالية، عبر إلقاء البراميل القابلة للاستخدام مرة واحدة، والتي تتراوح ما بين البراميل الصغيرة والخزانات الضخمة، بدون مراعاة لصحة السكان المحليين وللتأثيرات المدمرة بيئياً على المكان".<BR><BR><FONT color=#0000ff>الأزمة الحقيقية بعد تسونامي:</FONT><BR>بقيت الأمور طي الكتمان بين الدول الأوربية التي كثفت شركاتها عمليات دفن مخلفاتها السامة هناك، إلى أن وقع زلزال جنوب شرق آسيا الضخم أواخر عام 2004م، والذي أدى إلى نشوء أمواج (التسونامي) التي وصلت حتى الصومال.<BR><BR>خلال الأيام اللاحقة لكارثة تسونامي، أصيب مئات الصوماليين المقيمين على السواحل المطلة على المحيط الهندي بأمراض خطيرة وغريبة لم يسبق لها مثيل.<BR>وبدأت الأمواج المتلاحقة تحرك خزانات عملاقة نحو الشواطئ التي بدأت الحياة الطبيعية فيها تشهد كارثة بيئية عبر موت الشعب المرجانية والأسماك والحياة البحرية الساحلية.<BR>تقول صحيفة (كانبيرا تايمز): " بعد تسونامي؛ جاءت الهدية الكبرى (!) للصوماليين، حيث بعثرت الأمواج العاتية البراميل والخزانات المميتة بطول 650 كيلومتر من شواطئ الصومال".<BR><BR>فيما يقول تقرير لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة صدر مطلع شهر مارس 2005م: " غسلت المخلفات السامة بدرجة كبيرة شريط الساحل الصومالي بعد أمواج تسونامي في ديسمبر الماضي، ناشرة الأمراض وأعراض التسمم بالمواد المشعة بين القرويين على طول شواطئ الدولة الإفريقية المحطمة".<BR><BR>وما حدث هو أن زلزال جنوب شرق آسيا، حركت مياه المحيط الهندي بقوة، ما أدى لنشوء أمواج عاتية تعرف باسم (التسونامي)، قذفت بالبراميل والخزانات المليئة بالمواد السامة إلى مناطق أقرب للشواطئ الصومالية.<BR><BR>كما أدت قوة الأمواج واصطدام الخزانات مع بعضها البعض؛ إلى تشقق هذه الخزانات وتحطم بعضها، مؤدية إلى تلوث كبير وحقيقي في المياه الساحلية.<BR><BR>وكالة الأنباء الفرنسية نشرت بتاريخ 4 مارس 2005م تقريراً عن الآثار الجانبية التي سببتها أمواج التسونامي على سواحل الصومال، ونقلت عن مسؤولين في الأمم المتحدة قولهم: " إن الموجات المميتة التي نشأت قرب أندونيسيا في 26 ديسمبر، من المرجح أنها أتلفت الأوعية والخزانات السامة في الشواطئ الشمالية للصومال، ما أدى إلى انتشار الأمراض بين الناس عبر مياه البحر وعبر الرياح".<BR>محذرة من أن التلوث المشع يمكن أن يسبب آثاراً خطيرة طويلة الأجل على صحة الإنسان، بالإضافة إلى تأثيراته الشديدة على المياه الجوفية والتربة والزراعة والمصايد البحرية لمدة سنوات عديدة.<BR>وقالت الوكالة: " إن برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة اتفق مع الحكومة الصومالية على إرسال فريق عمل متخصص لتقييم الوضع هناك، وتحديد الطرق الكفيلة بتقليل حجم الضرر الناجم عن المخلفات السامة".<BR><BR><BR><FONT color=#0000ff>أزمة صحية بين السكان:</FONT><BR>يصف تقرير طبي للدكتور محمود جيلدون (المتخصص في الفيزياء الطبية بولاية جورجيا الأمريكية) الأمراض التي تحدثها المخلفات النووية المنتشرة في سواحل الصومال بما يلي: " نزيف مزمن يؤدي إلى الموت آلام بطنية بسبب التقرحات في المعدة والأمعاء، إصابة النخاع الشوكي بأضرار خطيرة، والتي تؤدي إلى الموت خلال 3 - 10 أيام، الاضطرابات العصبية الشديدة، الصدمات القلبية القاتلة خلال يومين أو ثلاثة، التقرحات الجلدية الخطيرة... إلخ".<BR>ويصف الدكتور جيلدون آثار الإشعاعات المتسربة من الخزانات بالقول: " يمكن أن تسبب المستويات المنخفضة من الإشعاعات النووية انتشار مرض السرطان، وتؤدي إلى تغيير الجينات في الخلايا البشرية، وظهور أمراض عديدة وتشوهات خلقية...إلخ".<BR>ويشير إلى هيروشيما وناغازاكي وحادث تسرب الإشعاعات النووية من مفاعل تشرنوبل في روسيا، والتجارب النووية على الحيوانات والنباتات، مؤكداً أن كل تلك الأمثلة أعطت العالم بيانات وفيرة حول "الرد الإكلينيكي" للجسم عندما يتعرض لمستويات عالية من الإشعاعات.<BR><BR><BR>ويقول تقرير صدر عن الأمم المتحدة في 20 مارس 2005م: " إن التلوث الحاصل في السواحل الصومالية قد سبب تدهوراً خطيراً في صحة المواطنين، وأدى إلى مشاكل بيئية خطيرة ضربت مجتمعات صيد السمك هناك".<BR>ويضيف التقرير الذي نشر في منتدى البيئة العالمي الثالث والعشرين (والذي حضره قرابة 100 وزير بيئة من دول مختلفة) " إن العديد من الناس في مناطق الصومال الساحلية يشكون من مشاكل غريبة في الصحة، من بينها إصابات التنفس الخطيرة, النزيف الحاد في الفم، التقرحات الجلدية الغريبة وغيرها".<BR>ويتابع التقرير بالقول: " أيضاً قد سبّبت الرياح المصاحبة للتسونامي التي وصلت إلى القرى الداخلية؛ مشاكل خطيرة أخرى في الصحة، مثل: الكحة الثقيلة الجافة، والآلام المعوية بسبب التقرحات، والتفاعلات الكيماوية الغريبة في الجلد، والموت المفاجئ بسبب استنشاق المواد السامة".<BR><BR><FONT color=#0000ff>كارثة طويلة الأجل:</FONT><BR>من المؤسف حقاً أن الكوارث النووية تعد من أخطر الكوارث الصناعية (التي تحدث نتيجة لتدخل الإنسان بشكل أساسي)، إذ لا يمكن إيقاف الإشعاعات النووية في المكان الذي تنتشر فيه، كما لا يمكن التخلص منه بسهولة.<BR><BR>يقول الدكتور محمود جيلدون: " لا أبالغ عندما أبدي قلقاً كبيراً من هذه النفايات الخطيرة وأشير إلى أخطائها المحدقة على الناس، والتي أعتبرها طرف جبل الجليد فقط ، أو رائحة النار فقط ، ولأبين ذلك أتساءل.. كم من الضحايا سيموتون خلال تعرضهم المستمر للإشعاع اليوم أو غداً أو الشهر القادم أو العام القادم خلال العشرين سنة القامة، أو الخمسين سنة القادمة أو القرون القادمة؟ كم سيعاني ويموت ضحايا بشكل بطيء بسبب السرطان المتشكل من الإشعاعات النووية خلال السنوات العشرة القادمة، أو الخمسين القادمة؟ كم من الأطفال سيكبرون (إذا أتيح لهم ذلك وبقوا أحياء) ويصبحون معاقين ذهنياً".<BR>ويضيف " يمكنني أن أستمر في عرض قائمة الأسئلة الرهيبة، إلا أنني أخشى من أوصف بالمبالغة".<BR><BR>ولا تتوقف التأثيرات طويلة الأجل على صحة المواطنين الصوماليين هناك فقط، بل تتعداها إلى البيئة ومصادر العيش والرزق، حيث يقول تقرير الأمم المتحدة حول الكارثة النووية الساحلية: " إن التلوث المشع يمكن أن يسبب آثار خطيرة طويلة الأجل على صحة الإنسان بالإضافة إلى تأثيرات شديدة الخطورة على المياه الجوفية والتربة والزراعة والمصايد البحرية لمدة سنوات عديدة".<BR><BR>ويضيف التقرير بالقول: " ستسبب نتائج هذا التعرض للإشعاعات النووية لظهور آثار خطيرة طويلة الأجل على مجمل الحياة، ولكن ليس فقط في الصومال، بل حول المنطقة الشرق إفريقية كاملة، والدول القريبة من الصومال".<BR>وترى صحيفة (كانبيرا تايمز) أن المشكلة لا تقف عند حد الخطر الصحي والبيئي الذي يهدد الصومال والمناطق القريبة منها، إذ تتعدى المشكلة إلى ظهور أزمة التخلص من هذه المشكلة، مشيرة إلى أن الصومال بحاجة لأموال طائلة (لا يمتلك الحد الأدنى منها) للتخلص من الآثار التي يمكن التخلص منها من هذه المشكلة.<BR><BR>ورغم ما أثير من فضائح تتعلق بالأزمة التي تعاني منها الصومال بسبب التلوث النووي والكيميائي؛ والتي أصبحت كارثة نووية ليست أقل خطورة من كارثة تشيرنوبل الروسية؛ إلا أن الوسائل الإعلامية لا تزال تتغاضى عن هذه الظاهرة. دون أن تسلط الضوء عليها بالقدر الكافي، كما أن عدم وجود حكومة مركزية حتى الآن في العاصمة مقديشو، تظلم الصوماليين الذين لا يستطيعون إيصال صوتهم إلى العالم لعرض هذه الكارثة التي قتلت ولا تزال تقتل الكثيرين منهم بصمت.<BR><BR>ورغم وجود دراسات، ووصول لجنة دولية لتقصي الحقائق حول الوضع هناك، إلا أن شيئاً لم يحدث حتى الآن، إذ من الصعب تجنب الإشعاعات النووية والمخلفات الكيميائية التي باتت تنتقل عبر الهواء والماء والطعام هناك.<BR><BR><FONT color=#0000ff>كيف يمكن تقليل أخطار الكارثة:</FONT><BR>مع صعوبة فعل الكثير أمام هذه الكارثة النووية الحقيقية في الصومال، نشر الدكتور محمود جيلدون مقالاً حول أفضل السبل لتقليل أخطار الإشعاعات النووية هناك، قائلاً: "يجب على الأمم المتحدة أولاً أن ترسل فريقاً لاستطلاع رأي أهالي المنطقة المعرضة للمخاطر، وعليها الحصول على دراسة مفصلة ودقيقة وتأكيد وجود المستويات الكبيرة للإشعاع، والأدوات المطلوبة أجهزة رصد الإشعاعات، وغرف التأيّن، بالإضافة إلى موظفين متابعين لمؤشرات الأجهزة".<BR>ويتابع بالقول: " إذا تم التأكد من وجود مستويات عالية للإشعاع, فسنكون أمام أحد اختيارين: إمّا أن نقف مكتوفي الأيدي تاركين عشرات الآلاف من الصوماليين الآمنين الفقراء تحت رحمة عدوّ لا يمكن أن يرونه أو يلمسونه أو يشمّوه أو أن نقوم بعملية إنقاذ عبر الإجلاء الجماعي للسكان المحليين إلى البلدات والمناطق المجاورة. أو على الأقل الأطفال والسيدات الحوامل منهم".<BR><BR><BR>ثم ماذا ؟ .. يتابع الدكتور جيلدون " نقيم سوراً يحيط بالأماكن الكبيرة الإشعاع، ثم ننشئ فريق عمل مكون من علماء صوماليين ومهندسين ودكاترة وعلماء بيئة ومحامين وممثلين رسميين من المناطق الأخرى. من أجل دراسة الأزمة ومحاولة إيجاد الحل لها، والتي قد تستمر عقوداً كاملة، كما يجب أن تحمّل الشركات المسؤولة عن الكارثة نصيباً من حل الأزمة، وينبغي أن نطلب مساعدة علماء البيئة الأوربّيّين لإحضارهم إلى المنطقة والاستفادة من خبراتهم، ويجب أن تفشي الشركات المسؤولة بأسرارها حول أنواع المخلفات السامة الملقاة في المحيط، وأماكن إلقائها، وحجم تلك المخلفات، وأي معلومة أخرى، وأن تقدّم هذه الشركات التعويضات المالية للأضرار التي سببتها للسكان المحليين، كما يجب أن يطلب من الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي أن يتحملا جزءاً من تكاليف وأعمال تنظيف السواحل القريبة والبعيدة من الصومال، وهذا المشروع الضخم سيكون طويل الأجل".<BR>&nbsp; </FONT></P><br>