الأجندة الأمريكية في الجزيرة العربية
2 جمادى الأول 1426

في كتابه الموسوم: (هل تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة خارجية؟ ) Does America need a foreign Policy?) وفي صفحة 187 الذي نشرته دار Touchstone في نيويورك ، يُقرّ هنري كيسنجر (وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، وأستاذ العلوم السياسية، والمفكر الاستراتيجي الأمريكي ذائع الصيت) بأن إقليم الخليج والجزيرة العربية لا تنطبق عليه مبادئ وودرو ويلسون ومؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحل المعضلات في الإقليم بالتفاوض وذلك – يقول كيسنجر – بسبب بسيط هو أنه ليس في الخليج والجزيرة العربية نظم ديمقراطية حسب المفهوم الأمريكي للكلمة وكما يقول في نفس الصفحة:<BR>(There are no democracies to defend).<BR><BR>ما يقوله كيسنجر صحيح؛ إذن لماذا كل هذه الجلبة الأمريكية حول الديمقراطية وحقوق المرأة السياسية في الخليج والجزيرة العربية وحرية التعبير السياسي في الإقليم إذا كانت مبادئ ويلسون Wilsonian principles لا تنطبق في هذه المنطقة ولا يجعلها كيسنجر مبادئ ينبغي أن تقود وترشد التحرك الأمريكي في المنطقة؟<BR><BR>من المهم أن تنتبه الشعوب في شريط النفط الممتد ما بين الكويت إلى مسقط وتلك المُمعنة في يابسة الجزيرة العربية أن الخطاب الأمريكي الرسمي حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحرية التعبير هو في الأساس لخلخلة الأوضاع في الجزيرة العربية ورَجّها رجّاً سياسياً وثقافياً يفتح للأمريكان أبواب الإقامة الدائمة على مصراعيه في الجزيرة العربية بطريقة لا تختلف عن إقامتهم في الفلبين وتايوان وتايلند، وهي دول تتعامل معها الإدارة الأمريكية وكأنها مراحيض عامة Public lavatory وليس المقصود بالطبع تأسيس نظم ديمقراطية حقيقية في المنطقة.<BR><BR>من المهم جداً أن تفهم الإدارة الأمريكية أنها تستطيع بواسطة آلتها العسكرية الإرهابية أن تُسقط النظم والقيادات السياسية، وأن تتحكم بحقول النفط والغاز في المنطقة والاستحواذ عليها، وإبعاد الأوروبيين والصين وروسيا والهند عنها والتحكم من خلال هذه الحقول بحركة الاقتصاد العالمي والتنمية العالمية، كل هذا تستطيعه الإدارة الأمريكية، لكن ثمة فضاءات في الجزيرة العربية من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تحقق الإدارة الأمريكية نفس القدر من النجاح فيها وهو فضاء تغيير فهومات الناس التي تتعلق بنظام الولاء السياسي Loyalties والسُّلطة Authority والدين والتقاليد والتاريخ كل هذه المجالات تحتاج لخبرة سياسية وتاريخية لا تملكها الإدارة الأمريكية باعتراف كيسنجر نفسه إذ يقول في (ص 189) من الكتاب نفسه: إن الولايات المتحدة تعاني من أزمة كبيرة وهي (كيفية ترجمة انتصاراتها العسكرية إلى انتصارات وإنجازات سياسية).(Americas congenital difficulty with translating military success into political coin).<BR>نحن شعوب الجزيرة العربية لسنا نعيش في كورسيكا وليست مشكلتنا ننضم إلى فرنسا أو لا ننضم؟ ولسنا نعيش في إقليم الباسك وليست مشكلتنا ننضم إلى أسبانيا أو لا ننضم؟ نحن جزء من أمة ممتدّة ما بين جاكرتا في آسيا ونواكشوط في أفريقيا تشكل الجزيرة العربية نقطة (المركز) لهذه الأمة فيها الكعبة المشرفة ومدينة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وينتظمنا تصوّر عقائدي وتشريعي واجتماعي وسياسي وثقافي وتاريخي لا أخال الإدارة الأمريكية قادرة على شطبه من ذاكرتنا التاريخية ولا يحق لها أن تتوغل في هذا الفضاء تحت أي مُسمّى كان.<BR><BR>باختصار الجزيرة العربية ليس كما يقول إدوارد لوتواك Ed. Luttwak (الأراضي الخالية Empty Lands) تنتظر من يملأها لكنها أرض مزدحمة بمخزون تاريخي قد ينفجر في أي لحظة بوجه من يتجاهله ويُهمّشه ويحاول جاهداً أن يُقْصيه من الفعل التاريخي.<BR>وسوف نبحث في المقالات القادمة عناصر هذا المخزون التاريخي وآليات تأثيره وفعالياته كحاجز صادّ للأجندة الأمريكية في الجزيرة العربية.<BR><BR><BR><BR><BR> <BR><b><font face="Arabic Transparent" color="#000080" size="4"><a href="http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_file_main.cfm?id=621"><font color="#FF0000">الأجندة الأمريكية في الجزيرة العربية  </font><span lang="ar-sa"><font color="#FF0000">(الحلقة الثانية )</font></span></a></font></b><BR><BR><BR><br>