إحلال القيم.... الانتخابات نموذجاً
15 ربيع الثاني 1426

[email protected]<BR><BR>بسقوط الفكر الشيوعي الذي مثل عقيدة وفكراً ( أيديولوجية ) لعقود من الزمان وما تلاه أو سبقه من سقوط منظومات فكرية استظلت بمظلة اليسار تكون الساحة الفكرية الكونية خلصت إلى منهجين أو عقيدتين متقابلتين هما الليبرالية الغربية والإسلام .<BR><BR> قدر هذين المنهجين أنهما ضدان لا يتعايشان في مكان واحد ، من حيث أن كلا منهما يمثل منهجاً للحياة يشمل تصورا شاملا للكون والحياة والإنسان، مبايناً للآخر تماماً، فهما يتنافسان في أن يحقق كلٌ منهما عولمة لمنهجه وإحلالاً لقيمه لدى الآخر والآخرين، تحقيقاً لقول الحق تبارك وتعالى في سورة المائدة عندما ذكر اليهود والتوراة ثم النصارى والإنجيل ثم المسلمين والقران المهيمن قال بعد ذلك ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم ) , ولذا كان من هدي الإسلام مخالفة المشركين عموماً وأهل الكتاب خصوصاً وعدم التشبه بهم فيما هو من خصائصهم تحقيقا للتوحيد وإبطالاً للتنديد. <BR><BR>والنفس البشرية ألهمت الفجور كما ألهمت التقوى أي وجود قابلية النفس البشرية لهما واستعدادها لقبولهما , كما قال تعالى ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) وقال عن الإنسان ( إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً ) فالإلهام والهداية هما القابلية والاستعداد لدى الإنسان بسلوك طريق الفجور والكفر من خلال الالتزام بالليبرالية أو طريق التقوى والشكر بالتزام طريق الإسلام. <BR><BR>وكون الليبرالية الغربية تتضمن بعض الحقوق الطبيعية الإنسانية مصحوبةً بتلبية رغبات الإنسان وشهواته وجشعه وأنانيته من خلال مبادئها في الحرية والرأسمالية والفردية والحقوق المنفلتة من قيود الشرائع السماوية، يخلق جاذبية إليها ويمد في عمرها ، لأن الإنسان ألهم الفجور كما ألهم التقوى ومن الفجور التلبس بقيم الليبرالية وشهواتها ، والإنسان إذا لم يحمل الإسلام سيحمل الليبرالية أو غيرها كما قال تعالى ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) وحكم عليه بالخسران إذا لم يؤمن بالله ويلتزم هديه كما قال تعالى ( والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) ووصفه بأوصاف السلب والنقص كما في آخر سورة الأحزاب عند عرض الأمانة قال:( وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)، وقال تعالى ( إن الانسان خلق هلوعاًَ إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً إلا المصلين) وغير ذلك من الأوصاف السلبية , وهذه صفات تتوافق مع مبادئ وأهواء الليبرالية الغربية وعموم المناهج الوضعية القائمة على محادة الله في منهجه والمتعدية لحدود الله في حكمه وشرعه . <BR><BR>والإنسان بخصاله تلك التي لم يهذبها الإسلام سيجد رغباته بمبادئ الليبرالية الغربية وبيئتها وأهوائها وشهواتها , فهناك إنسان ليبرالي وإنسان مسلم ولا يوجد مسلم ليبرالي لأن هذا جمع بين الضدين, وهناك منهجان ونظامان للحياة منهج الليبرالية ونظامها ومنهج الإسلام ونظامه، ولا يوجد منهج ليبرالي إسلامي يكون الإسلام فيه عقائد وعبادات والليبرالية نظام حياة ، إلا في أذهان الملبسين الحق بالباطل, المحرفين للشرائع, المفتونين بحضارة الغرب,الجاهلين بالإسلام وطريقته.<BR><BR> وترويج أن الليبرالية هي بيئة وآليات لا تتعارض مع الإسلام فيه تزوير للحقائق أو جهل بها ، وعندما كان أهل الإسلام في قوة إيمان وعزة شأن ، كانوا ينشرون مبادئ التقوى والإيمان وقيم الدين في أنحاء المعمورة وحققوا عولمة لنموذجهم القيمي في مجتمعات كثيرة, وعندما حصل التراجع للمسلمين وانحسر المد الإسلامي بسبب ضعف إيمان المسلمين ونقص دينهم تمكن منهم النموذج الغربي, وفرض العلمنة في معظم مجتمعات المسلمين بقوة السلاح أولاً ثم بنفوذ الفكر ، وسعى إلى إحلال قيمه مستفيداً من حالة ضعف المسلمين وانبهار بعضهم به وإعراضهم عن تحذير نبيهم لهم في ذلك عندما قال : (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قلنا يا رسول الله : اليهود والنصارى قال : فمن ).<BR><BR> ولو أخذنا الانتخابات بنسختها الغربية كنموذج باعتبارها آلية للديمقراطية الغربية ورمزاً لقيمة غربية, فلن تجد تعليلاً لهذه الدعوة إلى ممارستها بصيغتها تلك في المجتمعات الإسلامية من قبل الغرب - ساسة ومفكرين- إلا هذا التفسير، صحيح أن الساسة الغربيين تحكمهم المصالح على حساب القيم إذا حصل التعارض بينهما ، لكن يبقى مبدأ عولمة النموذج وإحلال القيم ثابت في مبادئ ودساتير هذه الحضارة, فلا غرابة أن يتضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير ومشروع الشراكة الشرق أوسطية منظومة من القيم الغربية في المسألة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأن يهتم الرئيس بوش رئيس الإمبراطورية الأمريكية بانتخابات جزئية في بلد من دول العالم الثالث ( الانتخابات البلدية في السعودية ) لأنه يمثل حضارة لها رسالة في دعم قيمها كالحرية والديمقراطية ولو بصياغة لا تتعارض مع أهواء الهيمنة والسلب والنهب للآخرين .<BR><BR> هل نستطيع أن نصحح واقعنا ونصلح مجتمعنا بتأسيس قيمي محلي وبفعل ثقافي إسلامي؟ وعندما تقعد بنا حالة الجمود التي تشتملنا وضعف الإبداع الذي يشل عقولنا, هل نستفيد من إبداعات الآخرين وطرائقهم بمنهج راشد دون استنساخ ، أي بأسلمة النموذج حسب مصطلحات البعض .<BR><BR> إن سُلَّم القيم- بضم السين وفتح اللام المشددة - المعروف لدى علماء الاجتماع يبين حال المجتمع من خلال أفراده عندما تبدأ بعض السلوكيات كظواهر معزولة ثم تنتقل إلى اتجاهات مشهودة ثم تتحول إلى قيم حاكمة، وعند هذه المرحلة يتطبع المجتمع بطبيعة تلك القيم الحاكمة لسلوكه، ولهذا فان المصلحين الواعين لهذه الحقائق يسعون دائماً إلى منع الظواهر والاتجاهات السلبية التي تنشأ في المجتمع من مواصلة تسلق السلم قبل أن تصبح قيماً ، فيسعون إلى ترشيدها وتهذيبها قبل وصولها رأس هرم القيم فيصعب الاقتلاع والتغيير ويحصل التحول والتبديل، ولذا يصح أن نعتبر صراع التحولات في المجتمع أنه صراع قيم, أي إحلال قيم محل أخرى .<BR><BR> وهذا الصراع ليس دائماً سلبياً لأنه ليس كل قيمة في المجتمع هي قيمة إيجابية، فالاستبداد في ميادينه المختلفة والفساد المالي والإداري، وبعض قيم القبيلة والعشيرة التي تحكم كثيراً تصرفات الحاكم والمحكوم وبعض القيم الاجتماعية هي قيم حاكمة سلبية، والإصلاح يكون في تغييرها أو تهذيبها كما هي طريقة الإسلام عندما نزل على العرب فغيَر فيهم قيماً وهذب أخرى.<BR><BR> وهذه مسئولية المصلحين والمجددين من الدعاة والعلماء والمثقفين الراشدين، أما صراع القيم بين دعاة الإسلام ودعاة الليبرالية ( العلمانية ) فهو في الغالب صراعٌ بين قيم دينية وقيم لا دينية وفي أحسن الأحوال في المجتمعات المتدينة مثل مجتمعنا هو صراع يبدأ حول الذرائع والمقدمات ولذلك تكثر الدعوة إلى إلغاء باب سد الذرائع وتتوسع الدعوة إلى باب فتح الذرائع وهما أصلان محكمان في الشريعة ، لكن هاتين الدعوتين في هذين الاتجاهين في هذه المرحلة الاستثنائية تدلان على جهة مؤشر التحولات عند أصحابها.<BR><BR> والمقصود أن نحذر من إحلال قيم غربية في مجتمعنا على حين غرة أو غفلة أو حسن ظن بمن يسعى إلى ذلك، وليكن لدينا من الفقه بأحوال الواقع ما يجعلنا نميز بين ما يمكن قبوله وما يجب رفضه وما يكون مزيجاً من الأمرين فيحتاج إلى ترشيد، والانتخابات هي من النوع الثالث ، وقد ذكرت ذلك بأكثر من هذا في ورقة سابقة، ومسؤولية علماء الشريعة ودعاتها وأهل الفكر والنظر في الأمة من المهتمين بالشأن العام يكون في طرح رؤية رشيدة للانتخابات منطلقة من النظر الشرعي أدلة ومقاصد ، ومن المواءمة الواقعية ، مرونة وملائمة, خاصة إذا كانت البلاد سائرة إلى توسيع هذه الدائرة في ميادين أخرى<BR><br>