أكاذيب روجتها أمريكا كمبرر لاحتلال العراق
28 ربيع الأول 1425

رغم مرور سنة على الاحتلال الأمريكي للعراق، إلا أن الولايات المتحدة لا زالت تبرر احتلالها بعدة مبررات رسمية أو أكاذيب غير منطقية، هنا نستعرض أهمها. <BR><BR><font color="#0000FF">الكذبة الأولى: خطر أسلحة الدمار الشامل: </font><BR>في مارس 2002م، خاطب توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني، مجلس العموم قائلا: "العراق يخرق بوضوح قرارات مجلس الأمن المتعلقة بتكديس أسلحة دمار شامل، وعلينا التعامل مع هذا الخرق". وفي مقابلة له مع محطة "NBC" الأمريكية في 4 أبريل 2002م قال بلير: "نعلم أن لدى العراق مخزونات كبيرة من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.. إنه يحاول الحصول على قدرات نووية وعلى صواريخ بالستية بعيدة المدى". وفي مؤتمر صحفي مع جورج بوش بعد ذلك بثلاثة أيام، قال بلير: "نعلم أنه يطور هذه الأسلحة، ونعلم أن هذه الأسلحة تشكل خطرا". وفي 11 مارس 2002م عقد بلير مؤتمرا صحفيا مع نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني، كان فيه أكثر تشددا من بوش حين أعلن بثقة: "هناك خطر من صدام ومما لديه من أسلحة دمار شامل، وهذا أمر لا ريب فيه".<BR>كان بوش أشد حذرا في تلك الفترة، إذ قال في 11 مارس 2002م: "يجب ألا يسمح لرجال لا يحترمون الحياة بالسيطرة على أدوات الموت الأشد تأثيرا". وقال نائبه، تشيني، في اليوم ذاته: "لن تسمح الولايات المتحدة لقوى الإرهاب بحيازة أدوات الإبادة الجماعية". ولم يصرح أي من الرئيس الأمريكي أو نائبه بأن العراق يملك أسلحة دمار شامل على النحو الذي صرح به رئيس الوزراء البريطاني.<BR><BR>ولكن في 13 مايو 2002م أجاز بوش لنفسه ذلك اليقين الذي أظهره بلير في شهر مارس. حين وصف صدام حسين لمجلة "تايم": "إنه رجل خطر يملك أخطر سلاح في العالم، ومن واجب الدول المحبة للحرية تحميله المسؤولية، وهو بالضبط ما ستفعله الولايات المتحدة".<BR><BR><font color="#0000FF"> الحاجة إلى دليل: </font><BR>في 20 مارس 2002م، تحدث وزير الخارجية الروسي، إيغور إيفانوف، بلسان قسم كبير من العالم عندما قال إنه "ليس هناك حتى الآن دليل على أن لدى العراق الآن أو سيكون لديه أسلحة دمار شامل". <BR>وكانت الحكومة البريطانية ورئيس وزرائها توني بلير تحديدا هي الجهة التي أوكلت إليها الولايات المتحدة مهمة البحث عن أدلة تثبت حيازة العراق لأسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية. ففي 25 مارس 2002م أوضح ديك تشيني أن الإدارة الأمريكية "ستعتمد على طوني بلير لإقامة دليل ضد الزعيم العراقي، كما فعل عقب 11 سبتمبر 2001م، حين قدم دليلا مفصلا ضد أسامة بن لادن والقاعدة".<BR>وبالفعل، حرك بلير أجهزة استخباراته لجمع معلومات تتضمن "حقائق مفحمة" عن "ارتباطات العراق الإرهابية" ومحاولاته لإنتاج "أسلحة دمار شامل". وقد تأخر نشر أو عرض ملف الأدلة "المزعومة" عن حيازة العراق لأسلحة محظورة أشهرا عدة، نظرا - كما قالت جريدة "صنداي تايمز" - لأن الوثيقة المؤلفة من ست صفحات فقط "عجزت عن إثبات أن صدام حسين يشكل تهديدا متناميا". وقالت جريدة "الجارديان" أن الملف - الوثيقة كان "ضعيفا جدا" ويستند إلى حد بعيد على ما اكتشفه مفتشو الأسلحة التابعون إلى الأمم المتحدة قبل عام 1998م. <BR><BR><font color="#0000FF"> ادعاءات أمريكية: </font><BR>ما فتئت الولايات المتحدة، حتى وهي تحتفل بمرور عام على احتلالها للعراق، على الترويج بأن العراق يمتلك مخزونات من أسلحة الدمار الشامل، رغم أن هذه التهمة أصبحت - على ما يبدو - أكبر كذبة في التاريخ.<BR><BR>فقبيل الحرب ادعت الولايات المتحدة في مناقشة مدعمة بالصور في مجلس الأمن، أن الشاحنات التي تم شراؤها من خلال برنامج "النفط مقابل الغداء" إلى الجيش العراقي، قد تم تحويلها إلى منصات لإطلاق صواريخ. وحتى لو كان هذا الإدعاء صحيحا، فإن الفقرة السابعة من قرار مجلس الأمن رقم 687 تسمح للعراق باقتناء صواريخ يبلغ مداها 150 كلم أو أقل. وقد رجح سكوت ريتر، مفتش الأسلحة السابق، أن تلك الشاحنات إن تم تحويلها إلى منصات إطلاق، فإنها بالكاد يمكن أن تناسب صواريخ قصيرة المدى وستكون إصابتها للهدف غير دقيقة.<BR><BR>وفي فبراير 2002م قال مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية للكونغرس: "إن بغداد توسع الصناعة الكيميائية المدنية بطرق يمكن تحويلها بسرعة إلى إنتاج أسلحة كيميائية". وعلقت مجلة "تايم" على ذلك في 13 مايو 2002م: "من الناحية الإجرائية، ليس هناك فارق كبير بين صنع مبيدات للآفات الزراعية وصنع أسلحة كيميائية". وهذا قول لا يوافق عليه سكوت ريتر. ففي مقالة نشرت له في عدد حزيران 2002م من مجلة "آرمز كونترول توداي" قال ريتر: "إن صنع أسلحة كيميائية يقتضي جمع معدات إنتاج في منشأة متكاملة واحدة، الأمر الذي ينشئ بنية تحتية يسهل كشفها بوسائل التجسس الإستراتيجية الأمريكية". ولم يبلغ عن اكتشاف أمر كهذا حتى اليوم.<BR><BR>وبرز عدد من المزاعم غير المؤيدة بأدلة، فرئيس وكالة الاستخبارات الألمانية قال في خريف 2001م: "في تقديرنا أن العراق سيمتلك قنبلة ذرية بعد ثلاثة أعوام". وذكرت جريدة "التايمز" في 17 يونيو 2002م أن العراق هرب مواد عسكرية من سوريا تحت غطاء بعثة مساعدة إنسانية لضحايا انهيار سد. وكان من بين المواد - كما ادعت الجريدة - قطع غيار لآلات تحويل الطاقة تستخدم في إنتاج مكونات خاصة بأنظمة إثراء اليورانيوم. وفي 29 أكتوبر زعمت الجريدة ذاتها أن "ستة أجهزة متخصصة لتفتيت الحصى في الكلى اشتراها العراق من سويسرا قبل سنتين، يمكن تكييفها لتصبح مفجرة لقنبلة نووية!". <BR> <BR><font color="#0000FF"> دليل معيب: </font><BR>أدلى عدد من المنشقين العراقيين بادعاءات خطرة جدا بشأن البرنامج العراقي لأسلحة الدمار الشامل. وقد كانت ادعاءاتهم مثار خلاف حتى بين المؤيدين للحرب على العراق مثل مفتش الأسلحة البريطاني السابق، تيري تايلور، الذي قال عن المنشقين العراقيين: "كثيرين منهم يميلون إلى تضخيم معرفتهم وأهميتهم الشخصية ليضمنوا الحصول على تعويضات وحماية وعمل في الدول المضيفة، وخاصة في الولايات المتحدة".<BR> <BR>كان أشهر منشق ذي صلة بالأسلحة هو الدكتور خضر حمزة، الذي وصف نفسه بأنه رئيس برنامج الأسلحة النووية العراقي، والذي ترك بلده عام 1994م. كانت كل المعلومات التي قدمها ليست أكثر من "ادعاءات نابعة من رغبته في إقناع الولايات المتحدة بأن التدخل العسكري هو الخيار الأفضل".<BR>فقد أصر حمزة على أن العراق كان قاب قوسين من جمع قنبلة نووية عملية. وزعم أن العراق كان قريبا من بناء "سلاح إشعاعي" قابل للنجاح. وخمن من على شاشات التلفزيون الأمريكي أن العراق "ساعد" أسامة بن لادن والقاعدة في هجمات 11 سبتمبر ثم في الهجمات بالجمرة الخبيثة فيما بعد.<BR>ويصف سكوت ريتر، حمزة، بأنه ببساطة "مخادع"، ما انفك يطلق أكاذيب حول أهميته في برنامج العراق النووي وحول إلمامه بالبرنامج. <BR><BR>وهناك منشق آخر هو عدنان سعيد الحيدري، وهو مهندس مدني فر من العراق في صيف عام 2001م بعد أن أمضى فترة في السجن بسبب ما قال أنها "تهم بالفساد لفقت له". وادعى الحيدري أمام الاستخبارات الأمريكية أنه ساعد في بناء وصيانة تحصينات كانت بغداد تنوي صنع أسلحة كيميائية وبيولوجية ونووية فيها. وزعم أنه أنشأ "غرفا نظيفا" تحت عدة مباني، منها مستشفى صدام حسين في بغداد، وأنه أقام وحدة لغاز الخردل بين مصنعين في مجمع التاجي شمالي بغداد، ومختبرا لأسلحة بيولوجية في أسفل قصر الديوانية الرئاسي في بغداد. <BR>ويبدو اليوم أن ليس هناك أي أدلة تثبت أن العراق حاز أو طور أسلحة دمار شامل منذ سحب المفتشون من العراق في ديسمبر 1998م. ولا أدلة أيضا على أن العراق قدم أسلحة دمار شامل إلى جماعات "إرهابية" أو إلى دول أخرى. فالادعاءات والأكاذيب ثبت زيفها، وها هي القوات الأمريكية المحتلة تجوب العراق من شماله إلى جنوبه، ودون أن تعثر على أدنى دليل على حيازة العراق لأسلحة محظورة، ربما كان وجودها سيصد الاحتلال الأمريكي للعراق، أو يؤخر سقوط نظامه. <BR> <BR><font color="#0000FF"> الكذبة الثانية: العراق وهجمات 11 سبتمبر: </font><BR>بذل صقور واشنطن جهودا كبيرة لربط العراق بهجمات 11 سبتمبر 2001م. وكان أبرزهم المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية، جيمس وولزلي، الذي قال بعد أيام من وقوع الهجمات أن هناك "دولة راعية" للهجمات، وذكر العراق كدولة مشبوه بها. وبعدما بدأ بحثه الشخصي لإثبات ذلك، سافر وولزلي إلى لندن لمقابلة المعارضة العراقية، فوجد شائعة تقول أن أسامة بن لادن أرسل وفدا من "القاعدة" إلى بغداد في 25 أبريل 1998م، للاحتفال بعيد ميلاد صدام حسين!. وأن الوفد حصل على وعد بتدريب مجندي "القاعدة"، وإنشاء نخبة مقاتلة مشتركة من "القاعدة" والاستخبارات العراقية. وعلى أساس هذه الشائعة انطلق وولزلي - المدعوم داخل الإدارة الأمريكية من قبل وزير الدفاع رامسفيلد - للترويج بوجود صلة بين "القاعدة" وصدام حسين. <BR><BR><font color="#0000FF"> مخالفة الخبراء: </font><BR>في 6 نوفمبر 2002م قال مسؤول عسكري أمريكي لجريدة "الفايننشيال تايمز" إن الاتصالات بين العراق و"القاعدة" كانت "أكثف مما كانت الولايات المتحدة تظن" فحطم اعتقادا واسع الانتشار في واشنطن بشأن الصلات بين الدولة العراقية "العلمانية" وجماعة إسلامية "متطرفة". <BR>وقبل ذلك، في 15 فبراير، قال الرئيس الروسي فلاديمر بوتين: "نحن نعرف ممثلي ومواطني الدول الذين كانوا يقاتلون في صفوف طالبان، ومن أين كانت أنشطتهم تمول.. والعراق ليس على اللائحة". وفي 24 سبتمبر قال اللواء عاموس ملكا، رئيس الاستخبارات الإسرائيلية: "لا أجد صلة مباشرة بين العراق وما حدث في 11 سبتمبر.. فليس هناك وجهة نظر أو بنية تحتية عراقية يمكن أن نشير إليها في هذه المرحلة". وفي 25 سبتمبر، كتب الصحفي المتمرس في شؤون الشرق الأوسط، روبرت فيسك، في جريدة "الإندبندنت": "ابن لادن يكره صدام حسين، ويعتبر أن الزعيم العراقي ديكتاتور صنعه الغرب". <BR><BR><font color="#0000FF">"عطا" لم يذهب إلى "براغ": </font><BR>كان الدليل الأساسي الذي استخدم لربط بغداد بهجمات 11 سبتمبر هو اللقاء "المزعوم" بين القائد (المفترض) لحلقة خاطفي الطائرات الانتحاريين، محمد عطا، وعميل للاستخبارات العراقية في جمهورية التشيك في عام 2001م. وكانت العناوين الإخبارية حول هذا الدليل مرتبكة ومتباينة بشكل يظهر عدم التيقن مما حدث. فقد قالت المصادر الاستخبارية أن عطا عقد اجتماعا مع عميل عراقي "منخفض المستوى". وفي اليوم التالي رقي ذلك العميل العراقي إلى ثلاث رتب مختلفة في نشرات الأخبار!. ففي نشرات أخبار 20 سبتمبر ورد الآتي: زعمت الاستخبارات الأمريكية أن عطا التقى ضباطا "متوسطي الرتب" في الاستخبارات العراقية، أو مسؤولين في الاستخبارات العراقية "رفيعي المستوى"، أو "رئيس أجهزة استخبارات بغداد". وكانت جريدة "الفايننشيال تايمز" الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي سألت عما إذا هناك دليل على وجود صلة ما بين "الاجتماع" المزعوم وهجمات 11 سبتمبر، وهذه مسألة أساسية تم تجاهلها إلى حد كبير في وسائل الإعلام.<BR><BR>وفي حين أن معظم التقارير سلمت بانعقاد "الاجتماع" في عام 2001م، فقد اختلفت التقارير الأولى في تحديد موعد الاجتماع بالضبط، إذ ذكرت بعض وسائل الإعلام أنه تم في الأشهر التي سبقت الهجوم، وبعضها ذكر أنه تم عام 2000م، وهدأت القصة أخيرا محددة الاجتماع في أبريل 2001م. وهذه حقيقة أكدها وزير الداخلية التشيكية، ستانيسلاف غروس، في أكتوبر 2001م، رغم قوله أنه "لا يملك أي تفاصيل بشأن ما دار بين محمد عطا وأحمد خليل العاني، الدبلوماسي العراقي الذي طرد بعد اللقاء بعدة أسابيع بسبب أنشطة لا تتفق مع وضعه". لكن عندما ختمت الشرطة التشيكية تحقيقاتها في لقاء عطا/العاني منتصف ديسمبر 2001م، قال رئيس الشرطة، ييري كولار، أنه "لا يوجد مستندات تبين أن عطا زار براغ في أي وقت من هذا العام، مع أنه زارها مرتين في عام 2000م". ولربما زارها عطا تحت غطاء أوراق ثبوتية مزورة، إلا أن غروس تساءل: "لماذا يفعل عطا ذلك وهو ليس مطلوبا؟! لا أرى أي سبب يدعوه إلى الزيارة تحت اسم مزيف". <BR>وتبين أن رجلا آخر يحمل اسم محمد عطا زار براغ فعلا في عام 2001م، لكن وفقا لمصدر في وزارة الداخلية التشيكية في 18 ديسمبر 2001م: "لم تكن بطاقة هويته تحمل الرقم نفسه، وكان هناك فارق كبير في السن، وجنسياتهما غير متطابقتين، ولا شيء يجمع بينهما أساسا.. كان شخصا آخر". والرجل الذي بدا شبيها جدا بمحمد عطا التقى العاني فعلا، بيد أنه كان رجلا عراقيا يدعى "صالح"، وهو تاجر سيارات مستعملة من نورمبرغ في ألمانيا. وبدأت القصة لأن الاستخبارات التشيكية كلفت مخبرا بتعقب الدبلوماسي العراقيين وقال المخبر بعد 11 سبتمبر إن العاني "التقى شخصا شبيها بمحمد عطا". <BR><BR><font color="#0000FF"> حرب على الإرهاب؟! </font><BR>كان يفترض أن يكون هذا حربا على "الإرهاب".. إذن لماذا التركيز على العراق؟! يعتقد ريتشارد بيرل، الذي كان يرأس مجلس الدفاع الاستشاري في البنتاغون، أن على الولايات المتحدة محاولة إسقاط صدام حسين "حتى لو لم يكن العراق متورطا في 11 سبتمبر، لأن أي حرب على الإرهاب لا يمكن أن تنجح من دون التخلص منه". ورغم وجود نقص كبير في المعلومات التي تربط العراق بالإرهاب، فإن صدام حسين أسقط بالفعل واحتل البلد بأكمله.<BR>ولم تنجح الاستخبارات البريطانية أبدا في إيجاد صلات بين "القاعدة" والعراق، بل لم تتمكن من العثور على دليل يدعم المزاعم الأمريكية بشأن اللقاء بين محمد عطا وضابط الاستخبارات العراقية في تشيكيا.<BR><BR>وفي 4 يناير 2002م، قال الجنرال برنت سكوكروفت، المستشار السابق للرئيس بوش الأب في شؤون الأمن القومي خلال حرب الخليج الأولى، إنه لا ينبغي إطلاقا أن يكون العراق جزءا من الحرب الجديدة على الإرهاب. وأضاف: "إنه ليس دوله إرهابية، والشيء الوحيد المشترك بين صدام حسين وأسامة بن لادن هو الكراهية للولايات المتحدة". <BR>وفي 6 فبراير 2002م، قالت جريدة "نيويورك تايمز": "ليس لدى وكالة الاستخبارات المركزية دليل على اشتراك العراق في عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة منذ عقد تقريبا، والوكالة مقتنعة أيضا بأن صدام حسين لم يزود القاعدة أو جماعات إرهابية ذات صلة بها بأسلحة كيميائية أو بيولوجية".<BR><BR>وفي يوليو 2002م، أدلى ريتشارد بتلر الرئيس السابق لهيئة مفتشي "أونسكوم"، بشهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي قال فيها: "لم أرى دليلا يثبت أن العراق قدم أسلحة دمار شامل إلى جماعات إرهابية غير عراقية. إنني أشك في ذلك، وخصوصا أن صدام يأنف، بناء على وضعه النفسي وعلى تطلعاته، مشاطرة الآخرين ما يعتقد أنه مصدر لا يزول لسلطته الشخصية". كل تلك الشهادات كانت تدحض تماما الرعب المركزي الذي استغله الأمريكيون لإيقاد حمى الحرب واحتلال العراق.<BR> <BR><font color="#0000FF">الكذبة الثالثة: الولايات المتحدة لا تريد النفط العراقي: </font><BR>لم يغب النفط العربي الخليجي يوما عن ذهن رجال الإدارة الأمريكية منذ أكثر من قرن من الزمان، فالخليج العربي يحتوي على أكثر من 65% من الاحتياطي النفطي العالمي، ويساهم بأكثر من 35% من الإنتاج النفطي العالمي. ويكفي أن السعودية وحدها تمتلك ربع الاحتياطات النفطية العالمية (262 مليار برميل)، في حين يأتي العراق في المرتبة الثانية (112 مليار برميل). <BR>ولم يكن من قبيل الصدفة أن يؤكد الرئيس الأمريكي السابق، جيمي كارتر، عام 1980م على ضرورة أن تصبح منطقة الخليج "منطقة نفوذ أمريكي"، وهو ما عرف لاحقا باسم "مبدأ كارتر، وذلك كرد فعل على أزمتي الطاقة عام 1974 و1979م، ويرتكز المبدأ على حقيقة هامة تتلخص في أنه عندما ينشأ تهديد فعلى الولايات المتحدة أن "تستخدم كل الوسائل المتاحة بما فيها القوات العسكرية لضمان استمرار تدفق النفط". <BR><BR><font color="#0000FF"> الحاجة إلى النفط: </font><BR>تستهلك الولايات المتحدة يوميا ربع استهلاك العالم كله من النفط (25%)، أي 22 مليون برميل يوميا، يتم استيراد نصفه من الخارج. وتبلغ الاحتياطات المؤكدة من النفط في الولايات المتحدة أكثر من 30 مليار برميل (3% من الاحتياطي العالمي). ومن المتوقع أن يزداد الطلب الأمريكي على النفط بحلول عام 2020م، ليصبح حوالي 28 مليون برميل يوميا. <BR>ومن هنا، فإن الولايات المتحدة تحاول دائما زيادة مخزوناتها النفطية لضمان احتياجاتها المستمرة خاصة في حال اضطراب الأسواق العالمية للنفط. ويرى العديد من الخبراء أن نسبة الاعتماد الأمريكي على الخارج في تلبية احتياجاته النفطية لا يمثل مشكلة وليس له تأثير على أمن الطاقة الأمريكي طالما كانت هذه المصادر آمنة ومستقرة. ولكن يحدث العكس عندما تزداد المخاطر من عدم استقرار مصادر النفط الخارجية، وهو ما قد يؤثر على الأوضاع الاقتصادية الأمريكية بشكل عام.<BR> <BR>وبعد وقوع هجمات 11 سبتمبر انتشرت الدعاوى الأمريكية المطالبة بتقليل الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، ولم يجد الرئيس بوش الابن غضاضة في أن يعلن أن أمن الطاقة في بلاده سيتطلب تقليل الاعتماد الخارجي، وضرورة البحث عن مصادر بديلة للنفط الخليجي. <BR>ولذلك بدأ الأمريكيون بالبحث عن مصادر ومناطق جديدة يمكن للولايات المتحدة أن تلبي احتياجاتها النفطية منها، وهنا بدأ الحديث عن نفط بحر قزوين، ونفط غرب إفريقيا. ولكن هناك عراقيل تحول دون الاعتماد الأمريكي الكامل على هذه المناطق في تأمين النفط. فالنفط القزويني مازال في مراحله الأولى، ويدخل في عالم التوقعات أكثر من كونه حقيقة، فضلا عن ارتفاع تكاليف استخراجه وشحنه للولايات المتحدة. أما النفط الإفريقي فهو يقع في منطقة تعج بالصراعات والحروب الأهلية والاضطرابات الأهلية، مما يجعله مصدرا غير مستقر. <BR><BR>أما النفط العربي عموما فهو يتميز بانخفاض تكلفة إنتاجه، التي لا تزيد عن 1.5 دولار أمريكي للبرميل الواحد فقط، وهذا هو السعر الأقل انخفاضا في العالم. كما أن العمر الزمني للنفط العربي يفوق غيره بكثير، فهو وفقا لمعدلات الإنتاج الحالية بحاجة إلى عشرات السنين حتى ينضب، مقارنة مع إمكانية نفاذ النفط الأمريكي أو النرويجي خلال فترة لا تزيد عن 10 سنوات. <BR>ولذلك قرر صقور الإدارة الأمريكية ضرب عصفورين بحجر واحد: التخلص من صدام والسيطرة على نفط العراق. وقد صرح روبرت كيجان، المعروف بأنه كبير مفكري تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة لجريدة "أتلانتا جورنال" في مارس 2003م عن نوايا إدارته بالقول: "إذا تحكمنا في العراق فلن يكون هناك مشاكل اقتصادية". <BR><BR><font color="#0000FF"> النفط في العراق: </font><BR>كان النفط العراقي يمثل دائما مطمعا لمختلف القوى العالمية، بدءا من بريطانيا وانتهاء بالولايات المتحدة. وتنبع أهمية السيطرة على النفط العراقي ليس لكميته وجودته وانخفاض تكلفته فحسب، وإنما أيضا لأن هذه السيطرة تعني ضمنيا التحكم في مختلف القوى العالمية التي تتلهف للحصول على الطاقة.<BR><BR>ويتميز النفط العراقي بأربع مزايا رئيسية وهي:<BR>1- الاحتياطات الضخمة: يحتوي العراق على 112 مليار برميل من النفط الاحتياطي المؤكد، وهو ما يمثل حوالي 11% من الاحتياطي النفطي العالمي المقدر بـ1087 مليار برميل. ويتوقع أن يحتوي العراق على أضعاف هذه الكمية المؤكدة، لأنه لم يجر تقويم للحقول النفطية العراقية منذ أن تم تأميم الصناعة النفطية هناك عام 1972م. وقد قدرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن تصل الاحتياطيات النفطية غير المؤكدة في العراق إلى 400 مليار برميل. كما يشير الخبراء إلى أن لدى العراق أكثر من 526 بئر نفط لم يكتشف منها سوى 125 بئرا فقط، وهو ما يعني أن الحديث عن الاحتياطيات غير المؤكدة صحيح، ولذا فقد يصبح العراق هو الملبي الرئيسي للاحتياجات العالمية المتزايدة من النفط خلال الخمسين عاما المقبلة على الأقل. كما يحتوي العراق على أكبر حقول النفط في العالم وهو حقل "القرنة" الغربي، الذي يحتوي على أكثر من 100 مليار برميل من النفط الاحتياطي.<BR><BR>2- التكلفة الإنتاجية المنخفضة: تشير التقارير الصادرة عن وزارة الطاقة الأمريكية إلى أن تكاليف استخراج النفط في العراق تعد الأدنى على مستوى العالم. وربما يعود سبب ذلك إلى قرب النفط العراقي من سطح الأرض وبمعدلات تدفق متزايدة ومتسارعة نتيجة للتضخم النفطي الموجود به. كما أن أكثر من ثلث الاحتياطيات الحالية تبعد عن الأرض بمقدار 600 متر فقط (حوالي 1800 قدم).<BR>وتؤكد العديد من شركات النفط الغربية أنه يمكن استخراج برميل النفط العراقي بما لا يتجاوز 1.5 دولار أمريكي وربما دولارا واحدا فقط، بينما قد تصل تكلفة استخراج البرميل في أماكن أخرى إلى أكثر من 10 دولارات، فعلى سبيل المثال تصل تكلفة البرميل في بحر الشمال إلى ما بين 12-16 دولارا، وتصل في حقول تكساس والحقول الكندية إلى 20 دولارا، وبالتالي فعندما تنخفض أسعار النفط إلى أقل من 20 دولارا للبرميل فإن حقول أمريكا الشمالية لا تحقق أرباح تذكر، عكس ما يمكن أن تحققه آبار النفط في العراق، فهي مربحة جدا مهما انخفض السعر.<BR><BR>3- العائدات الممتازة: تلعب العائدات المقدرة للنفط العراقي دورا هاما في جذب الانتباه إليه. ويمكن توقع عائدات النفط العراقي الاقتصادية من خلال حساب سعر برميل النفط على أساس 25 دولارا أمريكيا في المتوسط، وبافتراض أن العراق به ما يقرب من 250 مليار برميل من النفط المؤكد وغير المؤكد على الأقل، فإن هذا يعني تحقيق ما يقرب من 3.125 تريليون دولار كعائدات إجمالية، وبافتراض أن تكلفة إنتاج البرميل هي 1.5 دولار على أقصى تقدير، يصبح الربح الإجمالي تقريبا 2.937 تريليون دولار، وبافتراض تقاسم الأرباح بين الحكومة والشركات الاستثمارية خلال فترة تناهز خمسين عاما، تصبح مكاسب الشركة في العام ما يعادل 29 مليار دولار، وهو ما يوازي ثلثي الأرباح التي حققتها أكبر خمس شركات نفطية في العالم عام 2001م، حين وصلت أرباحها إلى 44 مليار دولار.<BR><BR>4- الجودة العالية: يتميز النفط العراقي بجودته المرتفعة، حيث يحتوي على نسبة عالية من الكربون ونسبة منخفضة من الكبريت، وهو ما يجعل نسبة التكرير جيدة، فضلا عن ارتفاع جودة مشتقاته النفطية. <BR><BR><font color="#0000FF"> الدوافع النفطية لاحتلال العراق: </font><BR>في ضوء ما تقدم من حقائق، يمكن تقسيم أهم الدوافع النفطية التي كانت وراء الإصرار الأمريكي للحرب على العراق واحتلاله فيما بعد، إلى دوافع مباشرة وغير مباشرة كما يلي:<BR><BR><font color="#0000FF">أ) الدوافع المباشرة: </font><BR>1- إشباع الاحتياجات النفطية الأمريكية: بما أن الولايات المتحدة تستهلك يوميا 25% من الإنتاج العالمي من النفط، فهي بحاجة إلى موارد ترفدها بالكميات التي تحتاجها. وقد قال الجنرال أنتوني زيني، عندما كان قائدا للقيادة المركزية الأمريكية عام 1999م: "منطقة الخليج وما تحويه من كميات هائلة من احتياطيات النفط، تجعل من الضروري أن تحتفظ الولايات المتحدة بحرية التدخل في الإقليم والاستفادة من هذه الثروة النفطية الهائلة".<BR><BR>2- تحقيق مصالح الشركات النفطية الأمريكية: هناك خمس شركات عالمية كبرى تسيطر على سوق النفط، منها شركتان أمريكيتان (إكسون موبيل، وشيفرون تكساس)، واثنتان بريطانيتان (البريطانية للبترول، وشل الملكية)، وواحدة فرنسية (توتال). وتعتبر شركة "إكسون موبيل" هي الأكبر على مستوى العالم ككل، حيث تبلغ أصولها أكثر من 145 مليار دولار، وبلغت عائداتها عام 2001م حوالي 192 مليار دولار. وكانت الشركات الأمريكية تمتلك حوالي ثلاثة أرباع الإنتاج النفطي العراقي ولكنها فقدت هذه النسبة بعد تأميم شركة البترول العراقي عام 1972م، حيث تحولت الشراكة بعدها ناحية الشركات الروسية والفرنسية. وقد استغلت الشركات النفطية علاقاتها الوثيقة مع بعض رجال الإدارة الأمريكية الحالية لإقناع بوش بالسيطرة على النفط العراقي. ولا ننسى هنا شركة "هاليبرتون للطاقة" التي تولى نائب الرئيس الحالي، ديك تشيني، رئاسة مجلس إدارتها قبل عام 2000م، وعمل في ما بعد على أن يكون لشركته دور حيوي في إعادة إعمار العراق، وهو ما حصل فعلا، حين أوكلت إدارة الاحتلال إلى شركته مسؤولية إعادة إعمار وبناء المنشآت والمؤسسات النفطية العراقية المدمرة. <BR><BR>3- تحقيق مصالح رجال الإدارة الأمريكية: هناك علاقات وثيقة بين رجال الإدارة الأمريكية الحالية ورؤساء مجالس إدارة الشركات النفطية الأمريكية وذلك لسببين:<BR>- الأول، أن أغلب رجال الإدارة وعلى رأسهم بوش ونائبه تشيني يعدون من "النفطيين القدامى"، نظرا لعلاقاتهم الوثيقة بشركات النفط، وتولى وزير الدفاع (رامسفيلد) منصب نائب رئيس شركة "ويسترن" النفطية، وعملت مستشارة الأمن القومي (رايس) عضوا في مجلس إدارة شركة "شيفرون تكساس". ويقول "مركز السلامة العامة" الأمريكي أن هناك حوالي 100 شخص من العاملين في الإدارة الحالية للبيت الأبيض يضعون استثماراتهم الشخصية والتي تزيد عن 144 مليون دولار في قطاع الطاقة والنفط. <BR><BR>- الثاني، مساهمة رجال الأعمال النفطيين في تمويل الحملة الانتخابية لبوش في عام 2000م، وأهمهم كين لاي، رئيس مجلس إدارة شركة "إنرون" للطاقة التي أعلنت إفلاسها أواخر عام 2001م. <BR>كما ترتبط شركة "إكسون موبيل" تحديدا بعلاقات وثيقة بدوائر صناع القرار الأمريكي وتساهم بتمويل العديد من مراكز الأبحاث والمؤسسات التابعة لليمين المحافظ، فعلى سبيل المثال، قدمت الشركة خلال عام 2001م التبرعات التالية لمؤسسات يمينية معروفة: 230 ألف دولار لمعهد "إنتربرايز"، و135 ألف دولار لمركز "الدراسات الإستراتيجية الدولية"، و65 ألف دولار لمؤسسة "هيرتاج". <BR><BR>4- تحسين أوضاع الاقتصاد الأمريكي: إن من شأن هبوط سعر برميل النفط بمقدار دولار واحد فقط أن يوفر حوالي 4 مليارات دولار على الخزينة الأمريكية، وهذا الأمر يؤثر على ميزان المدفوعات. كما أن السيطرة على النفط العراقي يتيح فرصا استثمارية كبرى للشركات الأمريكية المختلفة، ويجعل العراق يدفع جزءا (إن لم يكن كل) تكاليف دماره واحتلاله من ثرواته وماله، كما أن تحكم الولايات المتحدة في أسعار النفط يبث الحياة في الشركات الأمريكية التي تعاني من الكساد، ويوفر فرص عمل جديدة. <BR><BR><font color="#0000FF">ب) الدوافع غير المباشرة: </font><BR>1- التخلص من قبضة أوبك على سوق النفط: فمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) كثيرا ما شكلت عقبة كؤود أمام الولايات المتحدة، نظرا لانفرادها بتحديد أسعار النفط العالمية. ولذلك فإن سيطرة الولايات المتحدة على 11% من الاحتياطات النفطية العالمية المؤكدة (112 مليار برميل)، وحوالي 28% من الاحتياطات غير المؤكدة (220 مليار برميل)، يجعلها في موقع قوة أمام أوبك، لأن مجرد تلويحها بإغراق السوق بمعروض نفطي كبير يمكن أن يؤدي إلى انهيار الأسعار وبالتالي التأثير على اقتصاديات دول "أوبك" وخاصة الخليجية منها. وقد تقوم الولايات المتحدة من خلال ذلك ببلورة "نظام نفطي عالمي جديد" على حد وصف جريدة "لوس أنجلوس تايمز". <BR><BR>2- اكتمال البناء الإمبراطوري الأمريكي: إن بناء "الإمبراطورية الأمريكية" التي يتطلع إليها اليمين الأمريكي، يتطلب أسسا ثابتة، وعلى رأسها "النفط". فالنفط بالنسبة للولايات المتحدة هو طاقة، ومال، وسيطرة. وفي عهد الرئيس السابق، بيل كلينتون، وتحديدا عام 1997م بادرت مجموعة من السياسيين الأمريكيين ضمن ما يسمى بـ"مشروع القرن الأمريكي الجديد" إلى المطالبة بـ"تغيير النظام في العراق". وكانت تلك المجموعة اليمينية تضم أغلب رجال الإدارة الحالية وأهمهم: ديك تشيني (نائب الرئيس)، دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع)، بول وولفوتز (نائب وزير الدفاع)، جون بولتن (مساعد وزير الخارجية للرقابة على التسلح)، ريتشارد أرميتاج (نائب وزير الخارجية)، ريتشارد بيرل (رئيس مجلس سياسة الدفاع في البنتاغون سابقا)، وزلماي خليل زاد (سفير الولايات المتحدة في أفغانستان). الذين حولوا حلمهم إلى واقع، بالكذب والخبث، بعد 6 سنوات فقط. <BR><BR>3- التحكم في مصير القوى الكبرى: فالسيطرة الأمريكية على النفط العراقي تعني التحكم في المصالح الاقتصادية للدول الكبرى من خلال التحكم في إمدادات النفط، والتحكم في أسعاره، حيث أن هبوط الأسعار مثلا سيحقق خسائر فادحة لروسيا، وللدول النفطية الأخرى. ولا ننسى أن "إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي" التي صدرت في أواخر عام 2002م تحمل في ثناياها النوايا الأمريكية للتفرد بقيادة العالم وعدم السماح لأي قوة أخرى بمنافستها في إدارته.<BR><br>