اغتيال اسماعيل هنية..بين التهديد والأهداف
7 محرم 1429

التاريخ الدموي للجيش "الإسرائيلي" حافل بالاغتيالات، فهي ليست سياسة جديدة، ذلك أن سجله حافل بقائمة طويلة من عمليات الاغتيال منذ ما قبل قيام الدولة عام 1948 وحتى الآن، والذاكرة الفلسطينية والعربية لا تزال تعي وتتذكر وتخلد أسماء سياسيين وعلماء ومفكرين ومقاومين راحوا ضحية هذه السياسة الدموية بأساليب وطرق مختلفة، ويزعم جيش الاحتلال أن سياسة الاغتيالات التي اتبعها من أفضل السياسات التي تلبي احتياجات "إسرائيل" الأمنية، باعتبارها الوسيلة الأنجع لوقف ما تسميه بـ(القنابل الموقوتة).<BR><font color="#0000FF"> أولا: الاغتيال ..ورأس حماس المطلوب </font><BR>وقد أعلنت مصادر وصفت برفيعة المستوى في القيادة الأمنية "الإسرائيلية" بأن قرارا تم اتخاذه باغتيال هنية في اقرب وقت يسمح لـ"إسرائيل" باغتياله، وأن وزير الحرب أيهود براك هو من قاد لاتخاذ القرار، وجاء على لسانه: "هنية انهي دوره وسيتم اغتياله"، وتزعم الاستخبارات أنه في حال اغتيل هنية فان حالة من الذعر بدأت أصلا في صفوف حماس بعد أن تيقنوا بأن هنية في مرمى الرصاص "الإسرائيلي".<BR>وبالتالي ليس جديدا ما أثير من تهديدات "إسرائيلية" تبدو "جدية" هذه المرة بحق رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية، ذلك ان "إسرائيل" تشعر أن حركة حماس الذي يعتبر هنية أحد أبرز رموزها ماضية قدما في تحقيق "سلة أهداف" قيمة وثقيلة العيار، الأمر الذي يتوجب على تل أبيب –كما تعتقد- أن ترد عليها ردا بذات الثقل والوزن، لاسيما من خلال استهداف شخصية بثقل وحجم اسماعيل هنية.<BR>أضف إلى ذلك، أوضحت مصادر صحافية أن دولة أوروبية أبلغت هنية أن حكومة الاحتلال وضعت ثلاثة من أبرز قادة حركة حماس على لائحة الاغتيالات، وهم رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، ورئيس الوزراء إسماعيل هنية، والقيادي الدكتور محمود الزهار، وأن إرجاء مخطط الاغتيال يأتي بعد انتهاء زيارة بوش، يذكر في وقت سابق أن "إسرائيل" حاولت من قبل اغتيال القيادات الثلاث لكن المحاولات باءت بالفشل، وأصيب خلالها الثلاثة بجروح مختلفة، في حين اغتالت العديد من قادة الحركة، على رأسهم مؤسس الحركة الشيخ الإمام أحمد ياسين.<BR>وعلى صلة وثيقة بما ذكر آنفا، فلم يكن صعبا الربط بين التحضيرات التي جرت لزيارة بوش وما صرّحت به بعض الدوائر الاستخبارية والسياسية "الإسرائيلية" عن أن الاستعدادات والترتيبات العسكرية للدخول في مواجهة دامية وحملة عسكرية ضد حركة حماس في قطاع غزة انتهت منذ أشهر، وأن الجيش يحاول اليوم المحافظة على المستوى التدريبي والعسكري الذي اكتسبه خلال التدريبات الأخيرة، والمحافظة على تأهيل الوحدات والفرق العسكرية المختارة والاعتماد عليها في العمليات العسكرية، عبر إشراكها في التوغلات شبه اليومية.<BR>في حين رأت مصادر "إسرائيلية" وصفت بـ"المطلعة" أن الجيش لن يقدم على العملية الكبرى الا بعد توفر جميع الظروف والوسائل التي يحتاجها لإنجاح العملية، وأهمها الهامش الزمني والموافقة الأمريكية، لاسيما وأن هناك جهودا "إسرائيلية" ستبذل لإقناع الزائر بوش بضرورة القيام بعملية عسكرية واسعة ضد حماس، وسيقوم بدوره على توفير الهامش الزمني المطلوب للعملية، كما وفر هذا الهامش للحرب على لبنان. <BR>ولعل ذلك مرتبط أيضا بما سربته مصادر استخبارية عن إعطاء بوش الضوء الاخضر لاغتيال اسماعيل هنية، بل وأبدى تحمسه للقرار "الإسرائيلي"، مشترطا في الوقت ذاته ان يتم الاغتيال بعد انتهاء زيارته للمنطقة.<BR><font color="#0000FF"> ثانيا: أهداف الاغتيال..سياسيا وأمنيا </font><BR>من جهة "إسرائيل"؛ فإن اغتيالها لرموز المقاومة، ساسة كانوا أو ميدانيين، تحمل في ثناياها مضامين كثيرة منها: <BR><font color="#ff0000">1- الأهداف الأمنية </font><BR>أ- الحد من تطور ظاهرة انتشار الخلايا المسلحة التي تمارس العمل العسكري ضد جيش الاحتلال والمستوطنين، أو التي تقوم بعملية الإعداد والتجهيز للعمليات العسكرية من خلال قتل نشطاء هذه الخلايا، أو على الأقل الحد من نشاطاتهم بتقليل تحركاتهم، أو بقصد تراجعهم خوفا من انكشا فهم وتعرضهم للاغتيال،<BR>ب- التأكيد على امتلاك "إسرائيل" ذراعا عسكرية قوية قادرة على الوصول للهدف المقصود، والتأكيد على استمرار قدرة الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" برصد المجتمع الفلسطيني، واستمرار اختراقه من خلال تجنيد العملاء وجمع المعلومات اللوجستية التي تعتبر الركيزة الأولى في نجاح عمليات الاغتيال،<BR>ت- ضرب الروح المعنوية للشعب الفلسطيني وهي القوة الحقيقية التي يستند عليها هذا الشعب في الصراع الدائر في ظل غياب المعادل الموضوعي أو القوة العسكرية المتكافئة،<BR>ث- إبقاء المقاومين في حالة التفكير في أنفسهم وعدم التوقف في البحث عن مخابئ، مما سيشغلهم عن التخطيط لتنفيذ عمليات ضد "إسرائيل"، وبالتالي فإن التصفيات والاغتيالات واجبة في ظل الوضع الحالي.<BR>وقد لجأت المخابرات الإسرائيلية إلى أسلوب نفسي خطير تمثل في توزيع أسماء وصور قيادات ورموز المقاومة على أوراق اللعب (الشدة)، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في ملاحقتها لرموز النظام العراقي السابق، وكان نشر تلك الصور جزءا من الحرب الإعلامية والنفسية المعلنة على المقاومة التي أثبتت قدرتها على ضرب العمق "الإسرائيلي" بكل ثقة.<BR>وحسب "عاموس جلبوع" مستشار الشؤون الأمنية، والمحاضر في مركز هرتسليا متعدد المجالات، تعتقد إسرائيل أن أسلوب الاغتيالات يحقق لها خمس أهداف رئيسة، وهي:<BR>1- يوجد فيها حد أدنى من المصابين،<BR>2- التشويش مؤقتا على منظومة قيادة المقاومة،<BR>3- عرقلة العمليات المخطط لها، على الأقل جزء منها،<BR>4- إلزام رجال المقاومة بالنزول للعمل السري والاختباء، وإعاقتهم عن التخطيط للعمليات وتنفيذها،<BR>5- يوجد في هذا الأسلوب ما يخلق أثر "العين بالعين"، أي هدف الانتقام، على الأقل بالنسبة لمعنويات الجمهور "الإسرائيلي"، فكيف لو كان الهدف المرجو اسماعيل هنية.<BR><font color="#ff0000">2- الأهداف السياسية</font><BR>منذ أن أعلنت حركة حماس قرارها بالمشاركة في الانتخابات التشريعية شهدت الساحة سجالاً واختلافاً في المواقف والآراء، ففي حين أعرب بعض الساسة الصهاينة عن ترحيبهم بقرار المشاركة لأنهم اعتقدوا أن ذلك يتضمن "تدجيناً وترويضاً" للحركة التي أرهقت "إسرائيل"، جيشاً وحكومة، أعلنت محافل سياسية أخرى عن تخوفها من مشاركة الحركة انطلاقاً من قناعتها بأن فوزها بأي نسبة قد يمثل "شرعنة" للحركة ومؤسساتها وحصانة لقياداتها، وبالتالي انخراط الحركة في الساحة الإقليمية والدولية والتعامل معها كأمر واقع، مما يعني خسارة الكيان لمعركة العزلة والإقصاء التي مارستها ضد حماس.<BR>وبعد فوز الحركة وبقائها بالرغم من سياسة الحصار المحكم الذي فرضتها دولة الاحتلال بالتعاون مع بعض الأطراف المحلية والإقليمية، بدا واضحا لصناع القرار في تل أبيب فشل مخططات التدجين والاحتواء والدمج التي طرحتها عدد عواصم العالم، واتضح جلياً أن الحركة لم يخدعها بريق السلطة وبقيت متمسكة بمواقفها، بمعنى أكثر وضوحاً أن السحر قد انقلب على الساحر.<BR>وهكذا مضت "إسرائيل" في برنامجها لمحاربة الحكومتين اللتين قادتهما حماس، واتخذ لهذه الحرب مجالات وسبلاً شتى، على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية حيث سعت لترجمة مواقفها السياسية المعلنة ضد حماس، من خلال سلوكها الميداني على الأرض عبر آلتها العسكرية، وأخذت هذه الترجمة المسارات التالية:<BR><BR>أ- التصعيد الميداني غير المسبوق الذي اعتبر "هدية" "إسرائيلية" لحكومة حماس، من خلال تصعيد سياسة الاغتيالات والاعتقالات والاجتياحات، مما أسفر عن سقوط المئات من الشهداء واعتقال الآلاف خلال أقل من عامين عمر الحكومة، وهي السياسة المسماة "إبقاء الأرض مشتعلة" تحت أقدام الحكومة.<BR>ب- خطا الجيش خطوات متقدمة حين بادر إلى شن حملات اعتقال بحق العشرات من نواب ووزراء حكومة حماس، تفسيراً لما كان قد أعلنه سابقاً من أنه لا حصانة لحكومة حماس وممثليها، وهو سابقة خطيرة لم تقدم عليها أيٌ من حكومات العالم في وقت سابق، بل والتهديد بتصفية رئيس الحكومة وعدد من وزرائها لاتهامهم بـ"تلطخ أيديهم بالدماء الصهيونية"!<BR> <font color="#0000FF"> ثالثا: تقييم سياسة الاغتيالات </font><BR>في تحليله لفشل الاغتيالات في وقف المقاومة، عقب المراسل العسكري الصهيوني "أمير بار شالوم" على تواصل العمليات الفدائية: "لقد خاب أمل جنرالاتنا، اعتقدوا أن عمليات التصفية ومحاولات الاغتيال التي تعرض لها قادة حماس ستؤدي بهم لأن يهتموا بأنفسهم، ويسعوا للحفاظ على حياتهم، ويتركوا التخطيط للعمليات وتنفيذها ضدنا، وثبت أنهم كانوا حالمين، فلم تؤد هذه العمليات إلا لتعاظم عملياتها المدمرة ضدنا".<BR> وعلى ذات النهج، عقب المفكر والكاتب "بي ميخائيل" على جدوى عمليات الاغتيال بقوله: إن عمليات التصفية لم تؤد إلا إلى تعاظم الخسائر الإسرائيلية، وتوفير المسوغات لحركات المقاومة لمضاعفة عملياتها، وجعلها أكثر ضراوة، ولذلك يبدو من المسموح الاعتراف بالحقيقة الآن وهي أن عمليات التصفية لا توفر دماء الناس، وإنما تزيد منها، وذريعتها الحقيقية هي سياسية وسيكولوجية وليست أمنية.<BR>فيما قال الخبير العسكري "زئيف شيف" أن عمليات التصفية كانت بالضبط كالوقود الذي يؤجج نار المقاومة وجعل عملياتها أكثر خطورة وأشد تصميما، ورغم أن قادة الجيش يعلنون أنهم حققوا انتصارا على المقاومين، فإن هذا النصر يذكرنا بالعبارة الشهيرة التي قالها الملك بيروس: نصر آخر كهذا وسنؤول للهاوية!<BR>كما اتهمت الوزيرة السابقة "شولاميت الوني" "وزير الدفاع ورئيس الأركان بمسئوليتهما عن موت جزء كبير من جنود الجيش، "موفاز" هو الرجل الذي يخيفنا ويرعبنا، يعرف دوما كيف يقتل ويصيب، الآن كل هجوم لنا، في مطاردة زعمائهم مسبقا نعرف انه سيأتي الثأر ضدنا، ولهذا فإني أتهم قادتنا بجزء كبير من الموت لرجالنا، إنهم يقومون باستفزاز فظ وعنيف، وهم لا يريدون الحديث ويعرفون في حسابهم بأنه سيكون رد وسيقتل أناس منا".<BR><font color="#ff0000"> وهكذا أثبتت المقاومة أن أسلوب الاغتيالات لم تنجح في كسر شوكتها، وفي انفضاض الناس عنها والالتفاف حولها، وهذا ما أكده المراسل "جدعون ليفي" الذي قال: "إن تمسك إسرائيل بسياستها القديمة الجديدة التي تؤمن بنظرية "كي وعي" الفلسطينيين حتى يضغطوا على منفذي العمليات للتوقف عن أعمالهم، فإن النتيجة التي تحصل عليها معاكسة تماما في العادة: وسيلة الاغتيالات القاسية جدا تشجع المقاومة أكثر من قيامها بمنعها.</font><BR>ـــــــــــــــــ<BR>* باحث فلسطيني<BR><BR><br>