وهل يملك بوش غير الوعود؟
7 محرم 1429

ما الذي يمكن أن تحمله زيارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته بعد عام فقط من الآن، إلى قضية هي في نظر ما يسمى بالمجتمع الدولي، أقدم صراع و أعقد مشكلة عجزت المنظمة الأممية التي ولدت معها تقريبا، على أن تقدم لها أي شيء خصوصا وأن العصابات الصهيونية دشنت هذا الفشل الدولي منذ أقدمت على اغتيال المندوب الأممي الكونت فولك برنادوت مباشرة بعد إعلان قيام دولة الكيان الغاصب من غير أن تستطيع الأمم المتحدة فعل أي شيء؟<BR>ثم ما الذي في وسع بوش أن يقوله غير تلك العبارات التي درج عليها منذ انقلب فجأة من مشروع رئيس إلى مشروع إمبراطور يفرق العالم إلى محاور و يقسم السياسيين بين طيبين و أشرار؟<BR>وإذا ما كانت القضية الفلسطينية و مشكلة ما يسمى بالسلام في الشرق الأوسط مهمة جدا في نظر صناع السياسة في واشنطن، فلماذا تُركت إلى ما يمكننا اعتباره وقتا 'بدلا من الضائع' في هذه الفترة البوشية الحافلة بالحروب والأكاذيب ولماذا تأخر الرئيس بوش حتى كادت عهدته تصير جزءا من التاريخ ثم تحرك ضميره هكذا بلا سابق إنذار ولعب دور الحكم بعد أن لبث سنوات طويلة يمارس دور الخصم فهو نفسه الذي وقف إلى الجانب "الإسرائيلي" حتى صارت مواقفه تتماهى إلى حد التطابق مع مواقف الطرف "الإسرائيلي" خصوصا وأن هذا الرجل نفسه هو من وقف متفرجا على سيئ الذكر شارون حينما كان هذا الأخير يقصف مبنى المقاطعة فوق رأس الراحل أبو عمار ويصرح علانية أنه يهدف إلى استكمال ما تردد عن فعله في بيروت عام 1982؟ هل لمجرد أن بوش عقد مؤتمرا للسلام في أنابوليس لم يخرج بأي نتيجة قبل أن ينقلب "الإسرائيليون" أنفسهم عليه فيعملوا الرصاص والصواريخ والقذائف فيما يسمى مجازا أراضي السلطة الفلسطينية، تقتيلا وحصارا، يحق للبعض أن يتمنى رؤية اختراقات وحدوث المعجزة؟<BR>لنحاول الآن ملاحظة مقدرات كل واحد من هؤلاء الأطراف ثم لنرى إن كان في وسعهم حقا تحقيق أي شيء عدا الصور التذكارية التي تضاف إلى ألبوم طويل من صور اللقاءات التي لم تستفد منها القضية شيئا حتى لا نقول أنها تكاد تخسر بسببها كل شيء.<BR>أول هؤلاء الرئيس بوش وهو بإقرار مقربيه قبل خصومه، واحد من أكثر رؤساء أميركا سوءا و فشلا حتى أنه يعتبر في نظر الكثيرين أسوأ من الرئيس ليندون جونسون الذي ورطهم في حرب فيتنام التي ما تزال جروحها ماثلة في ذاكرة الآلاف من شعب الولايات المتحدة ولكن الحالي فاق سلفه فشلا لأن الأول كان في وسعه أن يتحجج بالدعم السوفييتي للثوار الفيتناميين على عكس هذا الذي يعايش ما هو جارٍ حاليا في العراق وأفغانستان أين تعيش القوة العسكرية الأميركية العظمى خزيا غير مسبوق إلى درجة أن أكبر أمل يراود الرئيس بوش حاليا هو فقط أن يتمكن من ترك منصبه في البيت الأبيض ولقد عادت الأوضاع الأمنية في العراق على الأقل إلى المستوى الذي كانت عليه قبل بدء عملية ’التحرير‘، أما الحديث عن الديمقراطية فإنه صار سمجا ولا مجال للخوض فيه لأن هذه الإدارة الحالية هي نفسها أول من انقلب على الديمقراطية في فلسطين حينما جاءت الصناديق بمن يعادون واشنطن ولا يقبلون موقفها من قضايا المنطقة.<BR>أما فضلا عن ذلك، فإن الأميركيين تحت ظل هذا الرئيس، صاروا أمة تعيش تحت رحمة عمليات التصنت وكاميرات المراقبة التي أفقدتهم كثيرا مما كانوا يفاخرون الأمم به ثم إنهم أيضا ينحدرون بسرعة قياسية نحو الفقر؛ فالدولار بات ينذر بأنه قد يكون سببا في انهيار أميركا بعدما كان سببا في قوتها و أهم مظهر من مظاهر تفوقها وها هي الشركات الغربية الآن تشترط قبل إمضاء أي عقد أن يكون التسديد بأية عملة أخرى إلا الورقة الخضراء كما فعلت شركة Areva الفرنسية مثلا في الصين خلال زيارة الرئيس ساركوزي إلى بكين في الخريف الماضي حينما اشترطت على الجانب الصيني قبل أي شيء آخر، أن يكون السداد بالعملة الأوروبية الموحدة!<BR>هذه حال الضيف، أما مستضيفه رئيس الوزراء "الإسرائيلي"؛ فالعين لا تخطئ مدى تعلق "الإسرائيليين" به إلى درجة أن بعض الاستطلاعات التي أجريت هناك قالت أن عدد الذين يهيمون حبا بهذا الرجل هو من مرتبة 2 بالمائة من مجموع المستطلعين ومرد ذلك أمور كثيرة، لعلها أبرزها بلا شك تلك الهزيمة المنكرة التي حلت بجيش بلاده (الذي لا يقهر) في لبنان صيف العام الماضي حينما زمجر هذا المتعجرف بأن بلاده قررت تصفية حساباتها مع "حزب الله" ليعود في الأخير معترفا بعد أكثر من شهر على القصف المجنون واستهداف المدنين وقوافل المهجرين، أنه ليس هنالك جيش في العالم في وسعه نزع سلاح هذا الحزب وها هو حاليا كما تقول التقارير يستجدي أعضاء لجنة فينوجراد عسى هؤلاء يرحموه من أن يصير أقصر الرؤساء عمرا في هذه الدولة التي هي أبدع ما توصلت إليه اللصوصية العالمية على مر التاريخ.<BR>ثم إن التقارير التي تسعى تل أبيب إلى التعتيم عنها حاليا، تفيد بأن الهجرة صوب "إسرائيل" تقهقرت خلال العام المنصرم إلى أدنى مستوياتها في مقابل أن الهجرة المضادة (أي أولئك الذين قرروا تطليق حلم دولة إسرائيل الكبرى) فلقد ارتفعت هي الأخرى بشكل رهيب وليس هذا كل ما في الأمر فإيهود أولمرت لم يخسر حربه على لبنان فقط لأن بلاده أيضا بفضل حماقاته خسرت ملايين الدولارات من عقود التسليح التي كانت توشك أن تدخل خزانة الدولة بفعل مبيعات الميركافا وصنواتها قبل أن تصير تلك الصناعات محل سخرية إعلامية عبر العالم بعد أن كانت حتى وقت قريب جدا، مفخرة التصنيع "الإسرائيلي" وقمة إبداع العقل اليهودي (الأسطوري) !<BR>في مقابل ذلك؛ فإن رئيس السلطة التي لا محل لها من الإعراب في قواميس السياسة، هو رجل تلقى أوراق اعتماد حكومة تتعاون بشكل علني مع "الإسرائيليين" ضد الفلسطينيين وبالتالي، فلقد خسر حلفاءه ولم يكسب أعداءه لأنه ببساطة يعاني من انسداد الآفاق من حوله ولا يدري إلى أي مكان بالضبط يرغب مستشاروه كصائب عريقات وياسر عبد ربه وغيرهما من المتصهينين الفلسطينيين، الوصول فهؤلاء مقامرون يعلمون تمام العلم أنهم لن يخسروا شيئا مهما كانت الظروف والنتائج فهم بالتالي رابحون بالضرورة سواء نجح مخططهم للتطبيع المجاني أم فشل بمعنى أنهم سيكونون أول من يقطف ثمار بيع القضية في حال توصلوا إلى التوقيع على ما يسمونه الحل النهائي، في مقابل أنهم لن يتحملوا أي وزر في حال الفشل لأن أبا مازن في هذه الحالة سيكون أول المسئولين ... و آخرهم طبعا!<BR>وسط هذا المشهد، قد لا يكون التخمين مستعصيا وليس ضروريا هنا أن يكون الواحد منا عظيم الفطنة وواسع الإطلاع حتى يدرك أن الزيارة لن تكون إلا فشلا إضافيا يحققه هؤلاء الفاشلون الذين لا يملكون أي تأثير خصوصا من بينهم الرئيس بوش الذي لا يملك في جعبته في الوقت الحالي غير الوعود والكلمات من غير أن ننسى هنا أن الرجل هو أولا و أخيرا، مسيحي متطرف ومتدين حد السذاجة؛ فهو يذرف الدموع بغزارة أمام صور مضى عليها أكثر من نصف قرن ولا تتحرك في صدره شعرة أمام صور تقع يوميا وبأمر مباشر منه في كل مكان عبر العالم.<BR>إن بوش كما نقلته كاميرات التلفزيون رجل ’مرهف الحس‘ تبكيه المآسي الإنسانية ويتمنى لو أنه كان رئيسا للولايات المتحدة أيام الحرب العالمية الثانية ليأمر دون تردد بقصف مراكز الاعتقال النازية في أوروبا ولكنه مع ذلك أيضا، ينسى أنه رئيس حاليا وفي وسعه أن يأمر بعدم انتهاج السلوك ذاته في المعتقلات السرية التي تديرها الاستخبارات الأميركية عبر العالم بل إنه يتأثر جدا ويبكي بحرقة شديدة شديد وتأثر بالغ مع أنه يأمر بإتلاف شرائط الفيديو حتى لا يذرف أناس آخرون بعده مزيدا من الدموع حين يكتشفون أنه ببساطة، ليس أقل دموية وغطرسة من النازيين والفاشيين بمعنى أن هدفه من الزيارة لا يعدو أن يكون الصلاة على حائط البراق أو حتى كنيسة المهد أو القيامة على أمل أن يواصل الرب موافاته بمتطلبات المرحلة حيث من الواضح جدا أن هذا الوحي الذي تحدث عنه ذات مرة، قد انقطع ولم يعد الناموس يزوره في مكتبه البيضاوي بدليل أنه صار يراكم الأخطاء بعضها فوق بعض اللهم إلا إذا ما قرر هذا الكاوبوي أخيرا أن يحمل الرب مسئولية فشل آماله في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان وصولا إلى بورصة وول ستريت ومؤشر داو جونز أيضا!<BR><br>