حملات الإساءة للرسول...الأبعاد والمقاصد
22 شعبان 1428

رسوم كاريكاتيرية جديد مسيئة للرسول _صلى الله عليه وسلم_ تنتقل هذه المرة من الدانمرك إلى السويد، فقد رسم الرسام السويدي (لارس فيكس) صورا على شكل كلب له رأس إنسان ملتحٍ، ويعتمر عمامة وسط الطريق وزحمة السيارات، معتبرًا أنّ تلك الصور هي للنبي محمد _صلَّى الله عليه وسلم_، حيث شارك بها فيكس في معرض فني بعنوان كلاب الدوّار، وقد رفضت مديرة المعرض عرض هذه الصور على أساس أنّها تسيء لعقيدة المسلمين، كما رفضت الكثير من الصحف السويدية نشر رسمه المهين هذا، غير أنّ صحيفة نيريكس اليهاندا السويدية -وهي صحيفة محلية تصدر في وسط السويد عادت ونشرت تلك الصور المهينة والمستفزة لمشاعر المسلمين والمسيئة لمعتقداتهم ومقدساتهم.<BR>الاحتجاجات الرسمية على الرسوم ابتدأتها طهران وتلتها إسلام أباد وكابول, فيما لم تتحرك عاصمة عربية حتى كتابة هذا المقال لتلتحق بحملة الاحتجاجات على هذه الإساءة الجديدة والكبيرة للرسول _صلى الله عليه وسلم_.<BR> إيران والتي تحاول من خلال تلك المواقف أن تتبوأ دورا رياديا في العالم الإسلامي وللتغطية على أدوارها المشبوهة في تدمير العراق والتسبب بمقتل عشرات الآلاف من أبنائه والدخول في مفاوضات مع الأمريكيين لتقاسم الغنائم فيه والعبث بسلامة لبنان وإشعال الحروب على أرضه في صراع محموم على النفوذ في المنطقة العربية بينها وبين "إسرائيل" وأمريكا تحت مسميات عقائدية واهية وشعارات إسلامية واهنة.<BR> التقصير والقصور العربي الرسمي هو الذي يشجع الآخرين ويحرضهم على منطقتنا وعلى عقائدنا ويدفع بكثير من الشباب إلى تيارات العنف والتطرف.<BR>ما الذي يدفع صحيفة بعد أخرى ووسيلة إعلام تتلوها ثانية وإعلاميين وسياسيين غربيين للتهجم على الإسلام والاعتداء الصارخ على مقدساته والانتهاك السافر لمحرماته والإساءة لنبيه _صلى الله عليه وسلم_؟ وهل هذه الحملات المتتالية والمتوالية منسقة ومرتبة أم أنها مبعثرة ومختلفة وإن جمعتها الأحقاد ووحدت بينها سواد قلوب أصحابها؟<BR> الكثير من وسائل الإعلام الغربية تمتلكها وتحتكرها جهات معينة تخدم أجندة سياسة واضحة والأمر كذلك، فإنني أرجح أن تلك الحملات والرسوم والكتابات منسقة ومبرمجة لتخدم أهدافا مرسومة وغايات معينة ومحددة.<BR>وقبل أن نحاول سبر تلك الغايات دعونا نعترف أن ما يشجع الحاقدين على الإسلام وأهله على شن حملاتهم المسعورة وقذف سهامهم المسمومة هو يقينهم بأن غاية ردود ألأفعال الإسلامية لا يتجاوز المواقف العاطفية والتي ما تلبث أن تخبو وتتلاشى، ولتتشكل على أرض الواقع الإعلامي والرسمي حقائق القدرة على الاعتداء على الإسلام وتيسير الطريق وتعبيده للساعين لمواصلة هذه السبل الوضيعة والطرق الشائنة في الإساءة للإسلام وأهله. خذ مثلا ما حدث مع الدانمرك، فلم يتلقَ المسلمون رغم مظاهراتهم واحتجاجاتهم العارمة اعتذارا واضحا ولم يتجاوز الأمر حدود الأحاديث الغائمة والهلامية.<BR> في 15 من شهر يونيو الماضي نشرت صحيفة عربية صادرة من لندن على صفحتها الأخيرة خبر قيام سفير دولة عربية إسلامية كبرى بالاحتفال بوفد تجاري من عاصمة بلاده يقوم بزيارة لكوبنهاجن ردا على زيارة وفد تجاري دانمركي لعاصمته لتشجيع الحركة التجارية بين البلدين. إذن الإساءة للرسول _صلى الله عليه وسلم_ انتهت بتشجيع الحركة التجارية بين كوبنهاجن والعاصمة العربية الكبرى! <BR><font color="#ff0000">من بابا الفاتيكان إلى الهجمات الإعلامية المحمومة المترافقة مع الحملات العسكرية، تبدو تلك الجهود المحمومة والسهام المسمومة جزء من حرب ضارية تستهدف الإسلام عقيدة وفكرا والمسلمين مكانة ومقدرات وإمكانات. </font> حرب تحمل مسميات مختلفة وشعارات متعددة من قبيل الحرب على الإرهاب إلى تطبيق القانون الدولي إلى التدثر بحقوق الإنسان وما إلى ذلك، لكنها في المحصلة تستهدف إبقاء المسلمين في دائرة الاستهلاك والتخلف وترمي إلى "استعمارهم" وإن كان بوسائل وأشكال حديثة ومختلفة عن "الاستعمار" السابق والذي خرج عسكريا من ديارنا وإن بقيت خلاياه السرطانية منتشرة في مرافق حساسة من جسم الأمة وعقلها.<BR>بالنسبة للغرب والذي يعاني من الإفلاس الأخلاقي والانهيار القيمي يشكل الإسلام بديلا حضاريا ومنافسا فكريا كبيرا، يتبدى ذلك من كون الإسلام الدين الأسرع انتشارا في الغرب على الرغم من الاوضاع الصعبة والبائسة لعموم المسلمين والحملات الشرسة التي تستهدف الإسلام ومقدساته بالتشويه والانتقاص.<BR> <font color="#ff0000">القوة الذاتية للإسلام وقدرة الإسلام على احتواء البائسين والباحثين عن الغذاء الروحي والاستقرار النفسي والهاربين من بؤس المادية الغربية الطاحن تشكل عاملا بارزا في إثارة أحقاد وضغائن خصومه ووقودا لهجماتهم البذيئة عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى مقدساته وحرماته. </font><BR>الوجود الإسلامي في الغرب وخروج الجيل الثاني والثالث من المسلمين والذي يشكل شيئاً فشيئاً ثقلاً سياسياً ورقماً انتخابياً أصبح يشكل عبئاً على الذين يتعاملون مع الإسلام بمنطق العداوة والأحقاد التاريخية.<BR> التهجم على الإسلام والمسلمين بتقديري يهدف أيضاً لاستفزاز مسلمي الغرب وجر بعضهم لاتخاذ مواقف عنفية لتكون حجة وذريعة تستخدم للمطالبة بسن القوانين والتشريعات للتضييق عليهم ومحاصرتهم في دينهم وقيمهم كما حصل بمسألة الحجاب في فرنسا لدفعهم إلى مغادرة بلدانهم الغربية والتفكير في الهجرة منها.<BR><font color="#ff0000">الحملات والكاريكاتيرات والتصريحات ضد الإسلام وأهله –برأيي- ستزداد عددا وتشتد حدة وفحشا، ومع كل ذلك فعلى المسلمين التزام جانب الحكمة والتعقل وعلى الردود أن تكون هادئة وحازمة؛ فمنطق حرية التعبير يسقط أمام نقاش هادئ بأن تلك الحرية تتهاوى حين الاقتراب من الهولوكست، والاستفسار عن السبب في كون تلك الهجمات تتركز على الإسلام دون غيره من الأديان والتي يعبد أتباعها الحجر والحيوانات والشياطين، وعن أن احد من أولئك الأقزام لا يجرؤ على الاقتراب من جرائم الصهاينة ناهيك عن الحديث عن تحريض كتبهم "المقدسة" على القتل والحرق والاغتصاب سيرفع أكثر من علامة استفهام قد تنجح في إزالة الكثير من الغشاوات عن عقول وبصائر أصحاب الضمائر الحية والمنطق القويم في الغرب وغيره. </font> علينا ألا نسطح الأمور ولا أن نضع الغرب والغربيين في سلة واحدة، فهناك الكثير من المنصفين من الغربيين، والذي يسعى من يقف وراء الحملات المسمومة لدفعهم لمعاداة الإسلام وجعلهم طرفا فيها، علينا ألا ننجر لمخاصمة كتل بشرية كبيرة ليست طرفا في الإساءة إلينا وإلى ديننا وعقديتنا.<BR> الهجوم الرخيص والبذيء على النبي صلى الله عليه وسلم يظهر بجلاء إفلاس ووضاعة أصحابه ومن يدعمهم ويؤازرهم، ونتائجه قد تنقلب عليهم وستدفع الكثيرون ليسألوا ويستفسروا عن الإسلام ونبيه والتي من الممكن أن تكون سبيلهم للهداية وللصراط المستقيم.<BR><br>