مأزق عباس!
29 رجب 1428

الناظر إلى الحالة الفلسطينية ما بعد أحداث غزة، يبدو له من هول ما يسمع، أن محمود عباس ومن معه قد وصلوا إلى بر الأمان في الحفاظ على سلطانهم وسلطتهم وسيطرتهم –وربما يصل أيضا إلى الظن بأنهم قد تمكنوا أخيرا من الوصول إلى مرحلة يبدأ فيها حل مشكلات الشعب الفلسطيني وتحقيق أمانيه وأهدافه-بينما حماس وصلت إلى المأزق الذي لا فكاك منه، وإنها بما فعلت أعطت عباس الفرصة التي انتظرها طويلا لإنهاء حالة الازدواجية والانطلاق نحو التسوية كما يراها ويريدها، دون قيود وضغوط.<BR>والأصل في النظر للقضية الفلسطينية هو أن القضية مصيرها واحد مهما حدثت خلافات هنا أو صراعات هناك في هذه المرحلة أو تلك، وأن الشعب واحد وسيظل موحدا مهما قسم جغرافيا بين المناطق الفلسطينية والعربية أو سياسيا بين الفصائل، وأن ما يجرى في أحد المناطق الفلسطينية أو حتى في الشتات، سيظل ينعكس في الأخرى، بل يمكن القول بأن حالة الانقسام والصراع الحالية لاشك لن تستمر طويلا في ضوء استقراء الموازنات والتوازنات الراهنة وتحولاتها المستقبلية.<BR>وفي ضوء كل ذلك، وفي تقييم الوضع الراهن، فإن عباس بانقلابه على الشرعية الفلسطينية حاليا وقبلها بانقلابه داخل فتح أصبح في مأزق حقيقي وشامل، وأنه ليس صحيحا الآن أنه في وضع أفضل مما كان عليه الحال من قبل. والقصد هنا هو أن على المقاومين أن يعملوا على استمرار تغيير الأوضاع لصالح المقاومة دون حالة الخوف التي يجرى بثها في الصفوف الآن.<BR>في وضع عباس داخل تنظيم حركة فتح، فإن ما جرى في غزة لم ينجم عنه فقط سقوط الساعد الأيمن لعباس والوريث المحتمل له (محمد دحلان) وخروجه خارج دائرة السيطرة على قطاع كبير من كوادر الحركة في غزة والضفة، ولكن الأخطر أن هذا "التغير في ميزان القوى" بين التيارين المتصارعين في داخل حركة فتح، قد بات يميل إلى صالح التيار المقاوم وعلى حساب عباس ومن معه.<BR>وفي المراهنة الرئيسية لعباس على "الإسرائيليين" والأمريكيين في تحقيق أهدافه باستقرار سلطته أو في المواجهة مع المقاومة بكل فصائلها، فإن عباس في ذلك كمن يدخل في جحر الثعبان بحثا عن الأمان، إذ التخطيط الاستراتيجي الأمريكي الصهيوني –على عكس ما يتصور الكثيرون-يرى أن التعاون والدعم المقدم لأي طرف عميل أو متعاون في أي بلد، يجب أن يكون بقدر ما يقويه في المواجهة مع الطرف الآخر دون أن يمنحه القدرة على أن يحقق الانتصار في المواجهة، ليظل الصراع بينه والطرف الآخر قائما طوال الوقت، حيث الأصل هو استمرار استنزاف الآخرين في صراعات وهكذا حتى لا تأتي مرحلة يستغنى فيها الطرف الذي يجرى مساندته عن الدعم الخارجي أو حتى لا يتصرف وفق معطيات مصالحه هو.<BR>وفي المقارنة بين أوضاع الصراع والمواجهة بين الضفة وجيش الاحتلال والحالة المقارنة مع غزة في نفس المواجهة، فان أوضاع عباس في الضفة ستكون هي الأسوأ –رغم كل ما يصور عن أهمية الدعم المالي ونتائجه وتأثيراته-إذ الضفة هي نقطة الصراع الأساسية والمحورية وفي كل بقعة فيها، حيث هي مكان الاستيطان الصهيوني، ومكان بناء جدار الفصل والضم العنصري، كما هي تتشرف في أرضها بوجود القدس الشريف التي هي أصل الصراع وهويته وعنوانه. وفي ذلك فان الجيش الصهيوني هو نفسه في داخل الضفة لا في خارجها وفي حالة عدوان في داخلها ومن داخلها وفي كل يوم. وهو الأمر الذي يجعل خطط عباس في تماس وتقاطع واضطراب حتى ولو كانت من داخل الخطة الصهيونية، بحكم حالة الصراع الدائمة ولوجود ظرف دائم للتوتر وتوليد حالة المقاومة في الشعب الفلسطيني، وبعدم قدرة أي من الطرفين على تقديم تنازلات "حقيقية" تتعلق بأسس الصراع.<BR>غير أن المأزق الشامل الذي يعانى منه عباس، هو أنه كي يستمر في وضعيته في الصراع مع حماس أو مع الحكومة الشرعية المنتخبة المنحاة بقرار منه -غير مطبق في الواقع العملي-فإنه مضطر تحت هذه الصفة، ألا يقف متفرجا على الحصار الاقتصادي في غزة أو على الاعتداءات الصهيونية على أهلها، وإلا فقد صفته "كرئيس"!<BR><font color="#0000FF"> اضطراب عباس </font><BR> في الوضع الراهن، يبدو عباس في حالة اضطراب شامل، <font color="#ff0000">فمن ناحية</font> هو من الأصل ضد المقاومة وهو رافض للجهد العسكري للمقاومة إن لم يكن معاديا له، وهو على الأقل ما يظهر من أنه يدين أفعال المقاومة بأقذع الألفاظ، غير انه وتحت الضغط الأمريكي والصهيوني، هو غير قادر على أن "يبرمج" خطته في مواجهة المقاومة بما يحقق استقراره في السلطة، إذ الأطراف الخارجية تدرك أن المعركة الرئيسية هي على الضفة، وأن إنهاء المقاومة فيها مقدم على استقرار عباس وسلطته، باعتبار أن تطور المقاومة في الضفة –مع ارتفاع وتيرة ومعالم قوة المقاومة في غزة- إنما يعنى أن الوقت يمضى لصالح المقاومة وقوتها وقدرتها. هو لذلك شدد ومعه فياض على حل ما سماه الميليشيات فور تشكيل الحكومة، ولو كان الأمر بيده هو ومستشاريه لكانوا أجلوا الخطوة قليلا حتى لا تقدمها حماس كنموذج لما سيفعله عباس بالقضية بما يؤجج الأوضاع الشعبية ضده، كما هو قد دخل بذلك في صراع مبكر مع كوادر فتح ومع جناحها العسكري الذي وجد نفسه في مواجهة قرار حله وتجريده من السلاح من قبل عباس، وفي مواجهة في ذات الوقت مع قوات الاحتلال التي لا تتوقف أبدا عن قتل كل من شارك في عمليات المقاومة في الأرض المحتلة. وفي هذه المواجهة تصبح الأجواء أفضل لمعارضي عباس، ولصالح قوة واستمرار المقاومة وعلى حساب جماهيرية عباس.<BR><font color="#ff0000">ومن ناحية أخرى</font>، فإن عباس في استجابته للضغوط الأمريكية والصهيونية نتيجة لضعفه داخل حركة فتح وفي داخل الساحة الفلسطينية، بات يذهب إلى تصادم حتى مع الموقف العربي -على تهاون وضعف هذا الموقف في المواجهة مع ما يجرى أمريكيا وصهيونيا -وهو ما يجعل الموقف الرسمي العربي أقل حدة في المواقف ضد حماس وأقل حماسا في تأييد عباس ودعمه. <BR>كان الحادث الأبرز في ذلك أن عباس قد اصطدم بالموقف الذي اتخذه وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير بتشكيل لجنة تحقيق في أحداث غزة، إذ أعلن ياسر عبد ربه ناطقا باسم عباس برفض عمل اللجنة وباعتبارها تدخلا في الشأن الداخلي الفلسطيني. كما كان الأمر الكاشف للوضع الرسمي العربي واتجاهه هو ما صدر من تصريحات رسمية مصرية تؤكد على الحوار بين فتح وحماس وهو ما يرفضه عباس أيضا .<BR><font color="#ff0000">ومن ناحية ثالثة</font>، فان عباس بتحوله إلى "محصور بسلطانه وصلاحياته وسلطاته" في داخل الضفة وفي العلاقات مع الموقف العربي،لم يعد أمامه إلا المراهنة على الحكم في الأردن، وهو ما يدفعه إلى حالة اضطراب تكتيكي واستراتيجي. <BR>على المستوى التكتيكي، فهو في ذلك يكاد يدخل مع مصر في حالة تناقض قد تدفعها إلى حالة دعم مباشر أو غير مباشر لغزة وحماس ليس نكاية في عباس أو لمحاولة إيجاد توازن ولكن لضرورة إبقاء ورقة بيديها. وهو على المستوى الاستراتيجي يدخل بذلك حالة اضطراب شاملة، حيث أن الإيغال في التنسيق مع الأردن وفي الخلف مع القيادة الصهيونية إنما يعنى انه يصبح رويدا رويدا فاقدا للقيمة الإستراتيجية هو ومن معه بالنظر للطموح الأردني في العودة للضفة أو لإقامة أوسع العلاقات بين الضفة والأردن – تحت الرعاية والإشراف "الإسرائيلي" طبعا – وباعتبار المشروع الصهيوني الأصلي هو الدفع بالفلسطينيين من الضفة نحو الأردن أو على الأقل إقامة حالة تداخل وتوافق بين الضفة والأردن تحت الرعاية والسيطرة الصهيونية.<BR><font color="#ff0000">ومن ناحية رابعة</font>، فان أوضاع عباس في داخل فتح باتت تدفعه إلى أتون الصراع مع التيار الآخر بخطوات متسارعة، فهو إذ ضعف بخروج دحلان من غزة وهزيمة من كانوا معه –وهم كانوا رهان عباس في الصراع في داخل فتح ومع حماس –فانه مضطر إلى تصعيد الصراع ضد التيار الآخر المقاوم داخل حركة فتح في الضفة، تحت ضغط التوازنات السياسية الراهنة في الوضع الفلسطيني، وتحت ضغط الاستجابة للطلبات الصهيونية والأمريكية، وهو ما يجعله في حالة مواجهة شاملة مع الجميع.<BR><font color="#0000FF"> عباس إلى أين ؟</font><BR>واقع الحال أن عباس وبعد أن فشلت مؤامرة القضاء على حماس في غزة، لم يعد أمامه الآن إلا مواجهة حماس والجهاد وكل قوى المقاومة في الضفة وكذا التيار الآخر داخل حركة فتح، بالاستناد إلى قوة الدعم الخارجي، وباستخدام "سلطان وسلطات القرار الإداري" الذي أصبح أقوى ما يملك، أو الأمر الوحيد الذي يملك.<BR>وفي ذلك فان عباس يسير إلى الانعزال المتصاعد في داخل حركة فتح، وفي حالة صدام علني مع جناحها الآخر، وفي حالة صدام حالية متصاعدة مع كل فصائل المقاومة والى تراجع في وضعه العربي.<BR>وفي ذلك فان من يستند إليهم (الولايات المتحدة والكيان الصهيوني) هم الآخرون في مأزق بما يحد من قدرتهم على تقديم تنازلات شكلية لعباس تسهل عليه القيام بعمليات الخداع السياسي لجماهير الشعب الفلسطيني، حيث أولمرت لا يمكن له إلا أن يبالغ في قسوته مع الفلسطينيين بفعل هزائمه، وحيث الولايات المتحدة في حالة ضعف وارتباك وتخشى أن تتحرك بسفور في فلسطين بما يعرقل محاولاتها للخروج من المأزق العراقي.<BR>بل إن الطرف الصهيوني وحتى لو رغب في مساندة عباس فهو لن يقدر، إذ إن درس غزة المؤلم هو أن المال لم يُجدِ وأن عباس غير قادر على تغيير حركة فتح بصفة شاملة، ومن ثم فالقوات الصهيونية لن تتحرك قيد أنملة من مدن الضفة .<BR>والطرف الأمريكي باتت توازناته في المنطقة في حالة اضطراب شامل، لاتساع رقعة المواجهة في عموم المنطقة، بما يجعل حركتها أبطأ وأقل قدرة وفعالية.<BR><br>