المسلمون في القرن الأفريقي وحرب الإرهاب
3 شوال 1428

سلفا لابد من التأكيد على أن الأكثرية المسلمة في القرن الأفريقي سيرا على ما هو عليه علماء المسلمين وعامتهم في أقطار المعمورة بريئة كل البراءة، عقيدة وممارسة، من كل عمل إرهابي يستبيح قتل وإزهاق الأنفس المعصومة والمسالمة، أيا كان معتقدها الديني، وانتماؤها العرقي، وليس في ثقافة الإسلام والمسلمين من شيئ إراقة الدماء على غير هدى وبصيرة، وإن بعض ما ارتكب من أعمال طائشة باسم الإسلام في القرن الأفريقي، يجب النظر إليه مفصولا عن عقيدة المسلمين، وفقههم في دفع المفاسد، الذي يتأسس أصلا على الموازنات، واعتبار المآلات، في تدافعه الحضاري، ولا ينبغي أن يشمل إثمه وضرره كل مسلمي القرن الأفريقي، ويضعهم جميعا في دائرة العقاب والتعقب، والحصار الفكري، والحرمان السياسي، والحجر الاقتصادي، كما تعومل مع مؤسسة البركة الاقتصادية، التي جمد الغرب جميع أرصدتها، بتهمة مساندة الإرهاب، ولم تفرج عنها دولة سوى السويد، وهي مؤسسة اقتصادية صومالية، تعنى بشؤون تحويلات الصوماليين إلى ذويهم، لكن مما يؤسف له أن الأمور كما تبدو على ضوء ما ذكرت، تسير على النقيض من ذلك، فمجرد إطلالة عابرة على مجريات حرب الإرهاب في القرن الأفريقي ترينا بأن معانات الكثرة الغالبة من المقهورين في القرن الأفريقي، وهم المسلمون بالطبع ستزداد سوءا على سوء، ومهما قيل في مرامي هذه التحالفات، فإنها لن تفسح المجال لأي تحرك إسلامي، ايا كانت طبيعته، ولهذا تتجاهل الإدارة الأمريكية عن مساءلة نظام أفورقي عن أولئك العلماء والدعاة الذين اعتقلوا من عام 1991م ولم يعرف لهم مصير إلى حد الآن، وتعيب عليه انتهاكاته لحقوق الإنسان في منعه لفرقة (جوهوبا) النصرانية، من أي نشاط ديني، لأن أولئك الدعاة والعلمآء موسومون بالإرهاب، في حين هؤلاء النصارى من فرقة جهوبا هم من ضحايا إرهاب الدولة في المعيار الأمريكي، نحن هنا لا نستنكر الدفاع عن حقهم في العبادة، فذلك أمر مشروع لهم دينا وعرفا، ولكن نعرض فقط التضارب في المعايير، لبيان ما تخبؤه الأيام للكثرة الغالبة في القرن الأفريقي، وللبرهنة على أن قوى الأقلية النصرانية المتحكمة في القرن الأفريقي ستبقى مسنودة من المجتمع الغربي، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، حتى لا تؤول الأمور إلى يد الأكثرية المسلمة، فالصومال سيظل كما هو ممزقا منهارا، بعد أن جزأه المستعمر من قبل، ملحقا قسما منه إلى كينيا، وقسما إلى إثيوبيا، وقسما للمستعمر الفرنسي، جيبوتي حاليا، ولا تعني عافيته ووحدته الغرب شيئا، بقدر ما تعنيهم وحدة إثيوبيا وتماسكها، محكومة من الأقلية الدينية والعرقية، لذا سيبقى مسلموا إثيوبيا كما كانوا من قبل معزولين عن مراكز التأثير الحقيقي في صناعة القرار الإثيوبي، ورسم سياستها الخارجية والداخلية، والمساهمة في تشخيص حلفائها الأساسيين، بالرغم من أن نسبتهم لا تقل عن 60% إن لم تزيد، وكل من يتحرك منهم مطالبا بحقه سيتعرض للقمع باسم مكافحة الإرهاب، كما هو الحاصل مع معارضي أوجاديين، وكما هو الحال مع حركات المعارضة الإرترية، ذات الانتماء الإسلامي والعروبي على وجه الخصوص، ولن يكون هذا القمع قاصرا على العمل السياسي فحسب، وإنما سيكون قمعا شاملا يتجاوزه إلى كل ما هو ثقافي، وإغاثي، لأن فتح مجال التواصل الثقافي، والإغاثي بين المسلمين في القرن الأفريقي، وممن حولهم من الدول الإسلامية من شأنه أن يصل المسلمين بعضهم ببعض، ويوقظ فيهم ضمير التلاحم الإيماني، ومنابت الوعي الفكري، ولا بد لهذا الهوان السياسي، والثقافي أن يرتد بالسوء على الدول الإسلامية المجاورة، فلو كانت إرتريا اليوم في يد أصحاب الانتماء العربي، والانتماء الإسلامي، من فصائل الثورة الإرترية، لما تعرض السودان للغزو بين الحين الآخر، كما يتعرض له الآن من إسياس أفورقي في شرقه، وغربه، وجنوبه، ولما اتخذت إسرائيل منها مرتعا للعبث بالأمن العربي، ولما غزيت حنيش كما غزاها أفورقي، وأي خلاف حدودي مع اليمن الشقيق لحل بالطريقة السلمية والودية في إطار مراعاة ثوابت العلاقات العربية والإسلامية.<BR><BR>لا أرى للقرن الأفريقي استقرارا عاجلا وقريبا ما بقيت تتحكم فيه هذه الأقليات بهذه الصورة التي تسيره بها، وتتجاهل فيه الأكثرية المسلمة، لأن هذه الأكثرية مهما قهرت من هذه الأقلية المتحالفة مع قوى أجنبية لن تبقى مكتوفة الأيدي، وستظل تقاوم، كما أن هذه الأقليات من فرط خوفها من الأكثرية، وشعورها بالغربة السياسية، مع حرصها الشديد على البقاء حاكمة ضاغطة جميع من عداها، وشدة قلقها على مصير سلطانها السياسي، ستظل مرتبطة بكل القوى الأجنبية من صهيونية وغيرها، وخادمة لإستراتيجيتها، وفي هذا أكبر تهديد للمنطقة ذاتها، وحرمانها من الاستقرار، وللدول الإسلامية المجاورة أيضا، من هنا إذا كان لي من اقتراح اقترحه لمعالجة هذا الشأن في القرن الأفريقي، فإنما هو ما يلي:ـ<BR><BR>أولا: الاهتمام بالصومال وإعادته إلى الحياة من جديد، حتى يقوم بدوره المنشود في حماية الأمن العربي والإسلامي، وهذا يتطلب الدخول بقوة في مشروع المصالحة الوطنية، وإيجاد صيغة سياسية في الحكم تجمع شمل الصوماليين، وتحظى بقبولهم، حتى ولو كانت نمطا فيدراليا يرتقي بهم في قابل الإيام إلى وحدة أكبر من ذلك.<BR> <BR>ثانيا: الضغط على نظام الجبهة الشعبية الحاكم في إرتريا بقيادة إسياس أفورقي من أجل إجراء مصالحة وطنية شاملة تحمي البلاد من الإنهيار المرتقب إن أصر الرجل على المضي فيما هو سائر عليه، وإشعاره بأن أمن إرتريا ونهضتها ليس بالشغب على أمن دول الجوار، ولا بعزلها عن محيطها العربي، ولا بنفي فصائل المعارضة الإرترية بكل انتماءاتها العربية، وأصولها الإسلامية، ولكن لا بد أن يكون ذلك من خلال رؤية عربية موحدة، مدعومة بقرار سياسي واحد، ينبثق من استراتيجية مجمع عليها، وإلا لاجدوى من ذلك. <BR><BR>ثالثا: إقناع إثيوبيا بأن وحدتها واستقرارها الأمني وازدهارها الاقتصادي يكمن في الارتباط بمحيطها العربي، وتشجيع رأس المال العربي للاستثمار فيها، وإفهامها بأن العدالة الشاملة ومنح الأكثرية المسلمة في إثيوبيا حقها السياسي كاملا غير منقوص هو الذي يجعل من إثيوبيا دولة رائدة في المنطقة، تساهم في أمن القرن الأفريقي واستقراره، وتحافظ على وحدة أراضيها، وتماسك شعبها.<BR><BR><br>