ماذا لو كان دحلان هو من انتصر؟!
10 رجب 1428

منذ أن جرت الأحداث الأخيرة في غزة، والأصوات تتعالى بين محذر من ضياع القضية الفلسطينية على أيدي أبنائها المختلفين دوما وغير القادرين على التوحد ،وقائل بأن ما جرى إنما هو يأتي –وفي بعض الأقوال يصب –من داخل الاستراتيجية الصهيونية، كما هناك من هو مثبط للهمم وممارس للحرب النفسية فصار "يصرخ" بأننا الآن فقدنا ما حققناه من نتائج عبر عقود من النضال والجهاد الفلسطيني. وبطبيعة الحال انتهز البعض الفرصة ليؤكد بأن ما جرى إثبات بأن الحركات الإسلامية هي من الأصل "لا تفهم في السياسة" ولا تعرف إلا لغة العنف، فلا هي تعرف أساليب الخلاف المتحضرة ولا هي تفهم الأوضاع الدولية المعقدة ولا الإقليمية المتشابكة ولا العربية المتأزمة. وغير ذلك الكثير.<BR>ومع الإقرار بأن مخالفات ليست بالهينة قد وقعت خلال الأحداث الدامية التي جرت في غزة، والتشديد على ضرورة إدانتها والعمل على منع تكرارها بل ومحاسبة الذين قاموا عليها –ففي ذلك تأكيد على حيوية حركة حماس وصدق توجهاتها وصحة ارتباط الشعار بالممارسة-وكذا مع الإقرار أيضا بأن أحدا لم يكن يفضل أن تزهق أرواح فلسطينية في صراع فلسطيني ،وأن ما جرى قد نتجت عنه خسائر في الأرواح وفي السمعة السياسية، لا شك أن الأعداء يسعون إلى تضخيمها واستثمارها.<BR>مع الإقرار بهذا وذاك وبغيرهما، فإن انعكاسات ما جرى لا شك هي في مصلحة فلسطين وليست ضدها -على الأقل من زاوية أنها منعت أذى اشد -وأن على من يتصدى بالزعم بأن ما جرى كان كارثة خطيرة على الشعب والنضال الفلسطيني، أن يجيب عن السؤال: ماذا لو أن دحلان هو من انتصر في غزة؟ أو ماذا لو كانت حماس انتظرت عسكريا وتحدثت بلغة السياسة والدبلوماسية مع من تعاونوا مع مخطط دايتون لإقصاء حماس وقتل قادتها والإجهاز على جناحها العسكرى بالقوة ،فكان أن أصبح دحلان حاكما الآن لغزة؟!<BR><font color="#0000FF"> الصورة الأخرى </font><BR>في متابعة أي حدث من هذا النوع الذي جرت وقائعه في غزة مؤخرا، لا يجب التوقف بالتقييم والتحليل عند ما جرى من وقائع الحدث ولا عند نتائج الحدث كما نراها بصورة مباشرة، حيث إكمال الصورة والوصول إلى استنتاج صحيح يتطلب فهم الصورة الأخرى للحدث لو لم يأخذ الطرف المنتصر في الأحداث زمام المبادرة والفعل، حيث التقييم لا يكون صحيحا برؤية الواقع الحادث بل صورة الواقع في الحالة النقيض أيضا.في متابعة أحداث الانتفاضة، وفي مواجهة من كانوا يشنون الحملات الإعلامية ضد ما سموه عسكرة الانتفاضة، وكيف أن هذه العسكرة - أي استخدام السلاح في المواجهة من خلال مجموعات المقاومة - قد أدى إلى إزهاق أرواح فلسطينيين بحكم ما أعطى من مبررات للجيش الصهيوني للقتل تحت زعم مواجهة مجموعات المقاومة.<BR>في مواجهة ذلك، كنا نقول دوما، إن الفعل المقاوم كان إنقاذا للأرواح على عكس ما يقال ويزعم، إذ لو لم تبادر المقاومة إلى فعل عسكري في مواجهة عمليات القتل المبرمجة من الجيش الصهيوني للمتظاهرين بالحجارة، لكان حجم الضحايا أضخم وأكبر، بل ربما جاءت لحظة خمدت فيها المظاهرات –وفي ذلك كان العدو يراهن على الانتظار طويلا حتى تحدث موجة أخرى -حيث لا يوجد شعب يتظاهر بلا نهاية، وأن المقاومة شكلت رادعا للعدو وأكرهته على بناء خططه على أن لكل فعل منه ضد المدنيين الفلسطينيين، رد فعل في داخل الكيان الصهيوني.<BR>كان المعنى العام أن التحليل الكامل لأية ظاهرة أو حدث يجب أن يأخذ في التقييم الاحتمال الآخر غير المتحقق وليس بالحالة المتحققة فقط، حتى يخرج باستنتاج صحيح. وفي متابعة الأحداث في الصومال وفي مواجهة الذين تقولوا بأن وصول المحاكم الإسلامية للحكم في الصومال وضغطها على الحكم العميل هو ما أدى إلى التدخل الإثيوبي، كنا نقول ونشدد على أن عدم تحرك المحاكم للسيطرة على الأرض، هو ما كان سيمكن للحكم العميل وما كان سيقلل من خسائر التدخل الإثيوبي الذي كان حادثا فعليا وعلى الأرض، وأنه لولا قيام المحاكم بعمل عسكري ضاغط على الحكم العميل لكان المخطط الإثيوبي قد مر بلا خسائر، بل لما كانت هناك مقاومة من بعد في مواجهة الوجود الإثيوبي.<BR>وهكذا الأمر في حالة المقاومة في أفغانستان وفي العراق، إذ تسبب اشتعال المقاومة في سقوط ضحايا، ولكن السؤال هو ماذا لو لم تشتعل المقاومة؟.<BR>والقاعدة العامة في هذا النمط من التحليل، هي أن القائد الذي يتخذ قرارا –أي قرار-إنما هو في واقع الحال، يقوم بالمفاضلة بين اتجاهين (في كل لحظة) ويختار أحدهما، ومن ثم يجب فهم أبعاد الحالة الأخرى التي اعتبرها متخذ القرار الحالة الأسوأ وفضل عليها اتخاذ القرار الذي اتخذ ونتجت عنه الأحداث.<BR>وفي فهم الصورة الأخرى فإن الأمر لا يتوقف على تصور معنوي أو نفسي وإنما هو تصور لوقائع وحالة أخرى مختلفة على نحو شامل عن الحالة المعاشة.<BR><font color="#0000FF"> حدود طبيعة الاختيار</font><BR>وفي فهم ما جرى في غزة، فإن الحالة نقيض لما جرى، والأمر الآخر الذي كانت حماس في خيار بينه وبين ما جرى، هو أن تترك دحلان ينفذ مخطط الجنرال الأمريكي دايتون، في مرحلته الأخيرة وباستخدام السلاح، لتقوم بمواجهته وهى في حالة دفاع عن النفس. والمعنى الأولّي هنا هو أن حماس لم تكن فيما جرى في حالة خيار واختيار بين العمل العسكري والعمل السلمي لحل مشكلات تداول السلطة أو لمواجهة المخاطر القائمة أو القادمة، وإنما هي كانت بالدقة في خيار بين أن تبدأ هي الأعمال العسكرية أو أن تنتظر حتى يبدأ خصمها الأعمال العسكرية وتكون هي في حالة دفاع.<BR><BR>وهنا فإن القضية من الأساس يجب أن تناقش من زاوية صواب قرار حماس في المبادرة بالعمل العسكري لقطع الطريق على الخصم - لأسباب عملية من هذا الجانب أو ذاك -أو عدم صواب القرار ولأسباب محددة أيضا.<BR>وفي ذلك فنحن أمام منطق آخر وأساس مختلف لنمط الحوار والتقييم الجاري حاليًا للأحداث، إذ يجرى الحديث حول عدم احترام حماس للشرعية الفلسطينية وأنها استخدمت العنف لحل صراع سياسي كان يمكن ويجب حله بالطرق غير العنيفة ..الخ، دون حديث عن أن الفعل العسكري من قبل مجموعة دحلان كان جاريا بالفعل، وأنه كان قاب قوسين أو أدنى من دخول مرحلة الحسم العسكري.<BR>في المنطق الأول الذي يدرس تبكير حماس بالفعل العسكري، فنحن أمام إقرار أولي بأن حماس كانت تواجه مؤامرة خطيرة عليها وعلى "الشرعية" الفلسطينية وعلى الشعب والقضية الفلسطينية، كما نحن أمام إقرار أولى بأن حماس كانت ذات خطة دفاعية حتى وإن كانت هي البادئة بالهجوم أو التي اتخذت تكتيكات هجومية، إذ هي فقط بكرت بالمعركة دفاعا واستباقا لهجوم مرتب قادم.<BR>أما في المنطق الثاني، فنحن أمام الحدث في ذاته وبعيدًا عن أسسه، ونحن أمام معالجة تدين رجلا بقتل ذئب بحكم أنه بادر الذئب المفترس بإطلاق الرصاص عليه ولم ينتظر حتى يبدأ الذئب بالهجوم.<BR><BR> فنحن إذ نتابع التحليلات الجارية نجد أن الأغلب فيها يدور حول مخاطر ما جرى من قبل حماس وحول خطأ استخدام السلاح وكيف أن الأحداث حققت الخطة الصهيونية في فصل الضفة عن القطاع ..الخ، دون التوقف عند طبيعة الخيارات التي كانت أمام حماس، والتي لم تكن سوى خيار من اثنين، إما الانتظار حتى يبدأ الهجوم فترد وإما أن تبدأ بالهجوم فيكون وضعها أفضل في المواجهة.<BR><font color="#0000FF"> لو انتصر دحلان ؟!</font><BR>وفي ذات المنطق في التعامل مع الأحداث فإن السؤال الأهم هو ماذا لو كان دحلان انتصر؟، ومعه جرى إنفاذ خطة الجنرال الأمريكي دايتون القائمة على اغتيال قادة حماس والإجهاز على كتائب القسام.<BR>والإجابة هنا ليست فقط من زاوية هل كان سيفيد حماس الحفاظ على الشرعية وعدم استخدام السلاح في قضية داخلية، بل الأهم هو ماذا كان سيكون الوضع بالنسبة للقضية الفلسطينية؟، وهنا يظهر وجه القضية الحقيقي، وينكشف المخادعون أيضا، إذ لو انتصر دحلان لكان الأغلب والأعم في أجهزة الإعلام قد مال إلى تأييد ما فعل، ولكانت نفس الاتهامات الحالية هي ذاتها هي الموجهة لحماس إذ كان الحديث الأغلب في تلك الحالة هو أن حماس كانت عقبة في طريق حصول الشعب الفلسطيني على الدعم الخارجي وأنها كانت تستعد لعمل انقلاب وان البطل محمد دحلان أنقذ فلسطين من مؤامرة حماس، وأنه أعاد للشرعية هيبتها.<BR>وهو ما يقرأ الآن بوضوح من قرار محمود عباس بمنع أعمال المقاومة في الضفة وحل كل الأشكال العسكرية وإعلان الحرب عليها في الضفة (وهنا يجب التنبيه إلى أن انتصار حماس على دحلان هو ما قلل من احتمالات وقوع مجزرة للمقاومين في الضفة).<BR>لو كان دحلان قد أنهى مهمته الأمريكية و"الإسرائيلية"، فالمخاطر لم تكن من نوع الانقسام الراهن بل كانت ستكون إنفاذاً للمشروع الأمريكي والصهيوني بتوجيه ضربة "إجهاضية من الداخل" للمقاومة الفلسطينية، والتحول على نحو عاجل باتجاه إدارة عجلة المفاوضات علنيا مع الجانب الصهيوني لعقد اتفاق يحقق الرؤى الصهيونية والأمريكية في فلسطين، بل ومن الأساس لما كنا نتحدث اليوم عن تواصل معركة تحرير فلسطين، انطلاقا من غزة.<BR>المخاطر على القضية الفلسطينية في حالة "انتصار دحلان " كانت عامة وشاملة هي الأخطر، باعتبار أن معركة دحلان كانت ستحدد المحصلة النهائية لصراع طويل مرير كان دحلان سينهيه لمصلحة الأعداء، وهو ما يتضح من إدراكنا لما يقوم به حاليا عباس: أو ليس هو من طالب بإدخال قوات طوارئ دولية إلى غزة؟ أو ليس هو من أصدر قرارا بحل ما سماه الميليشيات –وهي ليست إلا أذرع المقاومة- أوليس هو من وضع أساسا "أيديولوجي للصراع الداخلي متماهيا في ذلك مع نفس الطرح الأمريكي والصهيوني حين تحدث عن إرهاب حماس ..وعن التكفير؟<BR>إن كل ما فعلته حماس هو أنها بادرت إلى حسم المعركة حتى لا يأتيها الهجوم وفق ترتيبات تنهى وجودها ودورها ومقاومة الشعب الفلسطيني كله، أما النتائج لما جرى فإن من يتحملها هو الدافع لها والعامل عليها، أى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وعباس ودحلان ومن لف لفهما.<BR>وعلى هذا الأساس فإن الحوار حول ما جرى، يجب أن يدور حول من جهز وأعد للمؤامرة على الشعب الفلسطيني، لا حول من دافع عن الاستقلال والمقاومة، وحول مستقبل القضية في حال القضاء على حماس والمقاومة في غزة، لا حول نتيجة انتصار خط المقاومة.<BR>لو انتصر دحلان لكنا اليوم في هزيمة أخطر من كل ما مر بالقضية الفلسطينية، ولكان محمد دحلان وعصابته قد أعلنوا إسقاط الديموقراطية الفلسطينية وحرية الشعب الفلسطيني في الاختيار ولحكموا بالحديد والنار، ولعلقوا المشانق للمقاومين في الشوارع، ولكانت الولايات المتحدة وجيش الاحتلال الصهيوني قد أعلنوا الانتصار على الشعب الفلسطيني المقاوم، ولكان أولمرت اليوم في زيارة تفقدية لغزة!<BR><br>