الجزائر والتغيير شبه المستحيل!
4 جمادى الأول 1428

كيف يمكن إقناع الشارع الجزائري بأهمية انتخابات دخلها الجميع بالنهم ذاته للسلطة كعامل مادي شبه كامل، و دخلوها أيضا بنفس الخطاب السياسي شبه المتكرر والذي يبدأ بالوعود وينتهي بالوعود ذاتها؟ منذ الاستقلال حققت الجزائر العديد من المكاسب، لا يمكن أن نقول عكس ذلك، من باب الموضوعية على الأقل، ولكن في الوقت نفسه لم تحقق آمال العديد من الجزائريين الذين يجترون الهموم والمشاكل والأوجاع نفسها منذ أكثر من أربعين سنة.<BR> لم يكن الأمر سهلا للذين يحكمون البلاد، هكذا قالوا بعد الاستقلال، وكانت ثمة أكثر من فرصة سانحة ومواتية لإحداث التغيير الذي توجب القيام به قبلا لوضع قاطرة البلاد على المسار الصحيح، دون التنازل لعدو الأمس، ولا للطابور الخامس الذي شكلوه داخل الجزائر، ولكن لم يحدث ذلك، إذ إن البناء والتشييد طال المدن الكبيرة التي كانت قبلة للأجانب (قصد الاستثمار الذي لم يكن تذهب إيراداته للمعوزين، ولا للتحسين من ظروفهم المعيشية على الأقل بل كانت تذهب للجيوب ذاتها التي لم تشبع من الامتلاء.. ) كما أن مكاسب النفط لم يظهر على الفقراء، ولا على العمال الذين ينتظرون منذ سنوات تحسينا في ظروفهم العملية، وفي رواتبهم التي تزيد بين الوقت والآخر بعمل 1% إلى 5% لا أكثر ولا أقل، في الوقت الذي يزيد قبالتها سعر البضائع المستهلكة يوميا، وتزيد فواتير الكهرباء والماء والغاز... كما أن "نعمة" البترول (الذي وصل سعر برميله العام الماضي إلى 70 دولار) لم تظهر على العديد من القرى النائية التي بعضها لا يعرف شكل الكهرباء إلى الآن، وبعضها لا يعرف طعم الماء المتدفق من صنابير البيوت، والبعض ليس له طريقا يمشي عليها من وإلى المدينة.. تلك الحالة لا يمكن أن نختزلها في سنة أو مرحلة أو أزمة سياسية فقط، بل هو وضع لا أخلاقي سياسيا تجلى في ثقافة النهب والسرقة المعلنة التي طالت عرق الناس وحقهم في أن يكون لهم بلد يرفعون الرأس فيه وبه، والحال أنه بالنسبة لملايين من الجزائريين فقد اكتشفوا بعد سنوات من الاستقلال أنهم كانوا ضحية احتلال آخر، من نوع آخر، طعمه أكثر مرارة من الاحتلال السابق الذي طردوه من البلاد على مدى أكثر من مليون ونصف المليون شهيد وشهيدة..<BR><font color="#0000FF">لا شيء يتغير بالكلام؟</font><BR>لو حسبنا عدد الانتخابات التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال، لاكتشفنا أنها فاقت التصور، وأنها مرت بالخطاب السياسي المنغلق والمسدود نفسه الذي تمر به اليوم، حتى لو لم يكن ثمة أحزاب سياسية متعددة قبل عشرين أو ثلاثين سنة، إلا أن خيارات الشعب كانت تصطدم بنفس ما تصطدم به اليوم، أي بتلك الحالة التي تعكس عدم الثقة لا في برنامج سياسي ولا بشخص يعرفون جميعا أنه بمجرد أن يجلس على الكرسي ـ أي كرسي سلطوي كان ـ سيفعل ما فعله غيره من التحقير والتهميش، وهي الكارثة التي تجسدت في العديد من الدول العربية، وفي دول العالم الثالث بلا شك.. ولكنها تبدو اليوم فجيعة حين ترتبط بالجزائر التي تعيش وضعين في غاية السوء، الوضع الأمني من جهة والوضع الاقتصادي من جهة أخرى، بكل ما تعنيه الكلمة من تدهور رهيب في القدرات الشرائية للمواطنين البسطاء الذين أوجدوا تحت الخط الأحمر من الفقر الشديد.. الجزائر ليست النيجر، وليست الموزنبيق، ولا لوزوطو، إنها الدولة المناضلة المعروفة.. والدولة البترولية الثرية، والدولة الغازية الغنية، والدولة الكبيرة بمواردها البشرية ( أكثر من 65% من الجزائريين تحت سن الثلاثين وأكبر ثاني الدول مساحة في إفريقيا بعد السودان) ، ناهيك عن خيرات أخرى لم تستثمر لأن التسيير الجيد والفاعل غائب، ولأن تحقيق موازنة إجتماعية حقيقية غير متاح، لسبب بسيط يتمثل في ظهور طبقة من "الإقطاعيين" الجدد الذين يريدون صنع من البسطاء عبيدا لهم، يتحكمون في مصيرهم وفي خبزهم وفي حريتهم وحياتهم وكرامتهم ووجودهم.. وإن كان تعبير " الإقطاعي" ارتبط بالحقبة الاستعمارية، إلا أنه نفس التعبير عاد اليوم بأشكال مختلفة و مرادفة للمعنى القديم ذاته، أمام أجيال من الجزائريين الذين لا حول لهم ولا قوة..<BR><font color="#0000FF">هل الفقر طريق إلى العنف؟</font><BR>في تحقيق قامت به إذاعة سويس إنفو، جاء فيه أن أهم أسباب العنف المسلح القائم في المغرب العربي يكمن في الفقر، وأن كانت هذه النتيجة صحيحة إلى حد ما، إلا أن ثمة العديد من الأسباب الأخرى التي تبدو أخطر من الفقر ذاته، أهمها التحقير والتهميش، والظلم، وغياب القانون.. وكلها مصطلحات مرتبطة اليوم بأساليب إهانة المواطن لكونه مواطنا بسيطا.. وإن كانت بعض التحقيقات الإخبارية سلطت الضوء على العنف المرادف للفقر، محاولة إيجاد المقاربة بين البيئة التي ينتمي إليها الشباب في المغرب الذي فجر بعضهم أنفسهم في الشهر الماضي، إلا أن الفقر لا يمكن فصله عن حتميات أخرى مفقودة، مثل الكرامة، ومثل المساواة أمام القانون (على الأقل)، والعدل، وهذا جزء لا يتجزأ من الهموم التي يعيش فيها إخوانهم الجزائريون الذين دخلوا في حالة من اليأس وخيبة شديدة أفقدتهم الأمل في إصلاح الأوضاع التي تبدو مستعصية، ليس لأنها صعبة، بل لغياب مشروع حقيقي لتحقيق أدنى محاولة للتوازن الاجتماعي في البلاد عبر العودة إلى الشعب، في القرار وفي الاختيار وعبر احترام قرارات الشعب حين يتعلق الأمر بالتغيير الايجابي الذي يعني تغييرا في الميكانزمات السياسية البليدة الحاصلة الآن..<BR> الجزائريون يدركون أن التغيير لا يمكن أن يحدث بنفس الوجوه التي فشلت سياسيا وفكريا وإيديولوجيا حتى، وأن التغيير ينطلق في النهاية من أوضاع البسطاء بحيث أن نية الإصلاح يجب أن تبدأ من الشارع، وتقترب من عموم الناس وهمومهم لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلاد. وإن كانت الجزائر تعود اليوم إلى الانتخابات التشريعية الفاترة في حملتها، إلا أنها تعكس أيضا وبشكل غير قابل للشك عدم حماسة الناس لها، فحسب ما نشرته صحيفة الخبر اليومية فإن أكثر من 45% من الجزائريين قالوا إن الانتخابات لا تعنيهم لا من بعيد ولا من قريب! وهو ما يعني أن النتائج تحصيل حاصل بالخصوص وأن الذين يتزاحمون على الكراسي البرلمانية هم أنفسهم الذين شكلوا المشهدية السياسية في قمة خيباتها ولا جدواها في البلاد، وهم الذين لم يغيروا قيد أنملة في الواقع البشع الذي يعيشه الجزائريون اليوم.. <BR>فالمثلث المتشكل من جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم سابقا ومقر إقامة الحرس القديم) وحركة مجتمع السلم (الحزب الإسلامي "المعتدل") والتجمع الديمقراطي الوطني (الذي يعد مقر إقامة الجزء الثاني من الحرس القديم/الجديد أيضا)، وأحزاب أخرى يعتبرها الشارع الجزائري طفيلية، لا يمكن أن تشكل الوجه السياسي المطلق للجزائر، باعتبار أن المنافسة قائمة على الكراسي وليس على حل مشاكل الناس بدليل أن المشاكل عمرها أكثر من أربعين سنة، وأنها عالقة إلى يومنا هذا في ظل تسيير أعوج، وبيروقراطية عمياء، وفساد أرعن، ومحسوبية جعلت الملايين من الجزائريين في حالة من الشعور العام بأنهم صاروا "رهائن" على متن طائرة مختطفة من أربعين سنة......... اسمها : الجزائر!<BR><br>