أخيراً.. اجتمع "محور الخير" مع "محور الشر"!!
29 صفر 1428

تقدم الولايات المتحدة نفسها على أنها تمثل زعيمة "الخير" في العالم، وينطلق إنجيليوها من قناعة أنهم قد ابتعثوا كأمة أمريكية لحمل "الخير" إلى الناس، وأن الرب قد أبقاهم أقوياء لهذا الغرض، والمحافظون الجدد هم من بني قومهم يظنون الظن عينه، ويعتبرون أن من سواهم أو من يعارضهم هو من "الأشرار"، وبهذه اللفظة عن "الشر" تزخر توراتهم المعدلة في نسخها الجديدة لتحمل هذا المسمى، الذي ما إن يقرأ المرء نصوصه إلا يجدها قد ألبست المسلمين هذا المسمى الذي يبرءون منه ومن الشر وأهله. <BR>إلى هنا، ويستقر في الأذهان أن حكام واشنطن هم من المأخوذين بقناعة عن شر الآخرين وخيريتهم هم، وهنا قد يتلبس الأمر على بعض الناس فيظن أن هؤلاء الحكام هم من "الضالين" لاعتقادهم بشر هذه الأمة الإسلامية وعدم قدرتها على منح الخير والسعادة للبشرية والذي لا يملكه إلا هؤلاء المناكيد، ولهذا هم يحاربونها عن أوهام يعتقدونها فيكون دواء عيهم حينئذ هو السؤال والبيان.. غير أن الثابت أن هؤلاء هم أقرب إلى فئة "المغضوب عليهم" لا "الضالين"، لأنهم يعرفون أنهم جشعون مستبدون انتهازيون قتلة ومحتلون ظالمون، فمن أين تأتيهم قناعة الخير وهم يذيقون العالم بأساً وضنكاً سواء من ناصبهم وجاهرهم بالعداء أم لم يفعل. <BR>ولذا؛ فإنهم حين يسحبون مصطلح "الشر" على أحد، فهم وإن انطلقوا من خلفية دينية، إلا أنهم يعتبرونه مصطلحاً مطاطياً لا يتلبس به مزمناً إلا المسلمون الصادقون الموحدون المستمسكون بالكتاب والسنة المنطلقون منهما وهم بهما على الجادة، في نظر حكام واشنطن، أما غيرهم فقد يكونون اليوم "أشراراً" وفي الغد "أبراراً"!! <BR>وملالي قم في الحقيقة هم من الصنف الآخر، الذي يتراوحون ما بين الشر والخير في نظر المحافظين الجدد، ولا غرو أن تتحدث عنهم واشنطن أمس كأحد أركان "محور الشر" ثم تجري معهم اليوم محادثات ثنائية مباشرة، علنية، بعد أن كانت تتواصل معهم من قبل عبر الوكلاء في بغداد والنجف وكربلاء، كالجلبي والجعفري والمالكي والحكيم والسيستاني وغيرهم، في سلسلة من رموز البراجماتية العراقية والإيرانية، وكانت تتواصل من خلف الستائر، فإذا الآن تظهر اللقاءات والمباحثات في العلن. <BR>إن الأنباء التي جابت العالم أمس متحدثة عن هذا اللقاء الجامع للطرفين على مائدة واحدة في مؤتمر التفاهم حول تقسيم الكعكة العراقية، يفضي إلى القناعة بتذبذب هذا الشعار المغرض حينما يتعلق الأمر بطهران التي يعلن الغرب أنه يناصبها العداء ثم لا يجد غضاضة في أن يكون جليسها على مائدة شؤم، وهي الموصومة من قبل بالإرهاب وبدعمه، وبتعويق الإستراتيجية الأمريكية في العراق. <BR>وهذا الاجتماع الذي ضم "محور الشر" قبالة "الشيطان الأكبر" هو أكبر إدانة للطرفين كليهما، إذ إنه يسقط شعار محاربة الإرهاب الذي رفعه الأمريكيون بعدما سقط شعار نشر الحرية من قبل، ويقود إلى الاعتقاد بأن الحديث عن "محور الشر" وتسويق هذا الخوف الأجوف من عدو لم يحدد الغرب له الغرب له تعريفاً عامداً، إنما هو حصان طروادة رانٍ إلى التغلغل داخل الجسد الإسلامي، وأن "الدين الأمريكي" لا يعرف لا توراة ولا إنجيلا وإنما يعبد نفسه، ومصالحه، ويمكنه أن يستبدل الصديق بالعدو في لحظة متى كان هذا الأخير قوياً ويمكن أن تتقاطع معه مصالحه أو يتشارك معه في العداء لـ"محور الشر" الحقيقي في نظرهما معاً وهو الطرف الثالث الذي لا يبدل دينه مثلما يبدل الآخرون عمائمهم، والذي يقف ينتظر اتفاق الأشرار عليه. <BR>والشيء ذاته يقال عن الطرف الذي ظل يحدثنا عن الإسلام والقدس وأيام القدس وأعياد القدس ومكافحة الظلم الذي جاء الحسين رضي الله عنه ليقاومه، فلما جد الجد، رأيناهم يضعون أيديهم في أيدي أظلم أمة تحكم العالم وتقوده بسياستها واقتصادها الوحشي الذي ضج منه حتى الجيران في أمريكا الجنوبية، لكنه لم يغضب ولم يهز لأدعياء الحب للحسين حتى إراقة الدم والزاعمين انتسابهم إليه كأحفاد له، شعرة من نخوة على دين ينتهك حقوقه الغرب، وعلى أبنائه الذين يشرب من دمهم فلا يرتوي. <BR>ألا بئس من محاوِر وبئس من محاوَر.<BR><br>