
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله أما بعد<BR><BR>فإنَّ أحد البنوك في فرانكفورت بجمهورية ألمانيا الاتحادية طرد إحدى الفتيات من العمل بسبب ارتدائها أثناء العمل زيَّاً مثيراً يكشف عن جزءٍ من صدرها ! و قامت هذه الفتاة برفع دعوى على مدير البنك مدعية أنه اعتدى على حريتها في ارتداء الزي الذي يناسبها ، وأنَّه اتخذ قراراً تعسفياً في حرمانها من العمل ، وطالبت بإلغاء القرار واعتباره قراراً تعسفياً يستوجب التعويض . ردّ محامي البنك على الدعوى بأنَّ الفستان الذي ارتدته الموظفة لم يكن محتشماً ، وأنه بذلك يشكل إخلالاً بمقتضيات العمل وآدابه ، وأنَّ البنك قد أنذرها وطالبها باحترام الحشمة وآداب العمل !<BR><BR>ولمَّا كانت المصلحة العامة وسيادة القانون مقدمة على أهواء الأفراد فقد أصدرت المحكمة حكمها بأنَّ قرار مدير البنك قرار مشروع ويجب تنفيذه !<BR><BR>هذه القضية التي جرت وقائعها في بلد عاش الصراع بين الشيوعية الحمراء والرأسمالية الزرقاء .. خطرت لي وأنا أمر أمام أرفف بعض المكتبات المروِّجة للفكر اللا ديني اللعين والإباحية اللبرالية القذرة - وللأسف الشديد والشديد جداً - أنَّ ذلك في معرض الرياض الدولي .<BR><BR>1) تردّدت على هذا المعرض عدة مرات ولم أنته من تسوقي فيه بعد ، وأنا أكتب هذا المقال بعد عودتي منه هذا اليوم ، هذا المقال الذي أملاه عليّ واجب النصح ، وصدق الولاء للشريعة الإسلامية التي يترسم خطاها قادة البلد الصادقون المخلصون ، وأسأل الله تعالى أن ينفع به من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا .<BR><BR>ليس ما سأقوله سِرِّاً ، أو خطيئة شخصية خفيّة ، ينبغي الستر على أصحابها ، كلا .. إنَّما أتحدث عن حدث مُعلن ، ساندته تصريحات بعض مسؤوليه التي لم تدع لنا سبيلا للتواصل الخفي . وأيدته تناقضات بعض الموظفين وتهربهم من واجبهم الذي ائتمنهم عليه ولاة الأمر وأوجبته عليهم الأنظمة ، فتركوا الحبل على الغارب للمسييء من دور النشر وأصحابها .<BR><BR>في هذا المعرض كتب تُعرّض بالذات الإلهية المقدسة ، وبالأنبياء والنبوّة ، وتنتقد الإسلام ذاته بوسائل مختلفة .<BR><BR>في هذا المعرض كتب تنتقد حكومتنا بلغة المعارض للشريعة ، وتشوِّه تاريخ دولتنا بلغة الخائن الحاقد .<BR><BR>في هذا المعرض وُجِد ما يَحظُر دخولَه إلى بلادهم العقلاءُ في الصين ، والشرفاء في بلجيكا ، والشرعيون في الأزهر العريق ، حيث الرقابة على الكتب الدينية أو التي تنتقد الدين من اختصاصاته. <BR><BR>في هذا المعرض ستجد الكثير والكثير مما يتناقض مع شريعتنا ونظامنا الأساسي للحكم وحتى ما يتناقض مع نظام المطبوعات الذي وُكلت مراعاته ، و وُكل تطبيق عقوباته إلى وزارة الإعلام ، التي تشرف على المعرض !<BR><BR>كتبنا ومنشورات دورنا تُمنع في عدد من الدول العربية ، ولدينا لم يمنع إلا بعض الكتب الإسلامية القيمة . <BR><BR>لم نر كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب رحمه الله! وعدداً من الكتب التي ينصح بها العلماء الكبار ، وكتابات بعض المؤلفين المتخصصين في فضح الفكر الذي طغى على معروضات المعرض من الممنوعات شرعاً ونظاماً في بلادنا . بينما رأينا دون عناء كتباً كثيرة في ظلال التوراة والإنجيل والتلمود ، وكتباً أخرى في مواخير الفسق والفجور ودهاليز الزندقة !<BR><BR>2) ولذلك أستطيع أن أقول بكل صدق وإخلاص تمور به في الفؤاد مشاعر الألم : في هذا المعرض خلل كبير ، وتجاوزات خطيرة للغاية . بل وسوابق تستوجب الدراسة الأمنية في دائرة الأمن الوطني ، والمحاكمة القضائية في دائرة الخروج على الشرعية مع سبق الإصرار والدفاع عن الجريمة ، وتستوجب استدراك الأمر بمصادرة ما تم تخزينه في مكتبات التوزيع التجاري .<BR><BR>وأصدقكم القول : لم أكن مستغربا أن يقع ذلك في ظل التجاوزات الشرعية والنظامية من قبل وزارة الإعلام في وضعها الحالي ، ولاسيما أنَّ عدداً من كبار كتاب المواقع التغريبية التي يظنّ أهلها أن الثوب اللبرالي المزعوم يمكن أن يستر سوءاتهم - قد صرحوا تكراراً ومراراً في تلك المواقع بأن أفضل طريقة لاختراق المجتمع السعودي رغماً عنه ، هو اختراقه بالقرارات الإدارية وليس بمراعاة الجهات الرقابية ، تنظيمة كانت أو قضائية أو تنفيذية ! ولاسيما أن بدايات الاختراق قد ظهرت في منتدى جدّة الاقتصادي الذي حذّر منه أهل العلم والفضل والولاء الصادق للبلاد والعباد وعلى رأسهم سماحة مفتي عام المملكة حفظه الله !<BR><BR>3) لقد أوجد رفع الرقابة الشرعية والنظامية عن هذا المعرض استفهاماً كبيراً حول هذا الصنيع ، وما نخشاه أن يكون لأصحاب الفكر التغريبي وفلول المعارضين لشريعتنا وأنظمتنا وقيادتنا – أن يكون لهم يد فيما جرى بشكل ما ؛ وعلى كل حال فلا شك أن رفع الرقابة الذي رأيناه رأي العين في هذا المعرض ، قد شكَّل - بغض النظر عن المقاصد والغايات ممن وقع منهم هذا العمل الجنائي الكبير - مساندةً ما للفكر اللا ديني والإباحي ، الذي يطالب به المعارضون لشريعتنا وأنظمتنا وقيادتنا ، وهو ما وجدناه في كتابات القوم ومداخلاتهم عند تصفح عدد من المواقع على الشبكة العالمية .<BR><BR> إنَّ رفع الرقابة الذي رأيناه رأي العين في معرض الكتاب ، قد أوجد للفكر التكفيري - الذي لا زلنا نعاني من آثاره السيئة على أمننا ، وسمعة ديننا ، وصحة نهجنا الوسطي – ذرائع جديدة لوصم مؤسساتنا بالتكفير ، وهو أمر في غاية الخطورة ! <BR><BR>فضلاً عن الضرر المتوقع بعد ذلك على الأجيال في الحاضر والمستقبل ؛ وهذا ما حمل سماحة المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله ، على المبادرة بالتحذير من اقتناء كتب الإلحاد والفجور في خطبة الجمعة الماضية بعد أن تم تجاوز الحدود الشرعية والنظامية في جلبها لبلادنا . وتبعه ثلة من العلماء الكبار والدعاة الأفاضل ، وكذا بعض الكتاب الناصحين ممن رأت كتاباتهم النور في بعض الصحف ، كمقال الأستاذ محمد الهرفي بالأمس .<BR><BR>4) إنَّ ما رأيناه يُشكَِّل سابقة خطيرة تتناقض مع ثوابتنا الشرعية ، وتتعارض مع جهودنا المشتركة في تصحيح الأفكار المنحرفة من خلال مناهجنا التعليمية ووسائلنا الآنية ، ففي الوقت الذي تجري فيه جهود تصحيح الفكر لدى بعض أبنائنا في الإصلاحيات والسجون ، ومن قد يتعاطف معهم خارجها ، نجد أن ذلك كلّه يمكن إفساده بقراءة بعض عناوين كتب المعرض ! ومن كان له دراية بجذور الانحراف الفكري ، من إخواننا في لجان المناصحة ، فإنه يعي ما أشير إليه .<BR><BR>ولكي لا يتكرر هذا الخلل الخطير الذي يمثِّل جناية على الدين والأخلاق والشرعية ، فإنني أقترح على الجهات المختصة العليا ، إعادة الرقابة على الثقافة للرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء ؛ إذ هم المؤهَّلون لذلك المأمونون عليه ، وهو الأصل في المجتمع الإسلامي ، كما كانت الرقابة لدينا من قبل ، وكما هو الحال في عدد من الدول ، كجمهورية مصر العربية ، التي تمنع وزارة الثقافة فيها بعض ما يباع في معرض الرياض ! وهو فشل ظاهر للجهة الرقابية الحالية .<BR><BR>ولا أقلّ من أن يكون في لجنة الرقابة في وزارة الإعلام عدد من ممثلي الجهات المختصة حفاظا على النظام العام ، كالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء فيما يخص الكتب الدينية والفكرية ، أو من المتخصصين ممن تزكيهم الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية من موظفيها أو من موظفي الإعلام أو غيرهما ، على أن يكون الرأي لجهتهم أو لهم فيما يخص الكتب الدينية والفكرية ، بحكم التخصص .<BR><BR>وأجدني على ثقة بأنّ هذا الشرّ لن يتكرر بهذه الصورة بإذن الله تعالى وعياً بالخطورة ، ولا سيما بعد وقوع الخلل ووضوح الخطر ، وهو أمر لن يرتضي تكراره من ولاه الله أمر البلاد والعباد من قيادتنا الواعية ، التي جعلت من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة منهاج سياسة وحياة .<BR><BR>5) وأخيراً أقول لكل غيور ناصح ، ولكلِّ ذي قصور شاطح : إنَّ القرارات الإدارية الخاطئة ، لا يمكن أن تُشرِّع فساداً بسياسة الأمر الواقع ، في ظل الأنظمة الشرعية المرعيّة والمجتمع المحافظ والقيادة المؤمنة بربها ودينه : عقيدة وشريعة .<BR><BR>إنَّ مخالفة الأنظمة تبقى مخالفة يجرمها القانون - فضلاً عن الشريعة - ما لم ينشر خلاف ذلك في الجريدة الرسمية للمملكة ، ولا عبرة بما ينشر في الصحف اليومية أو غيرها من تأييد للباطل ، مما هو مخالف لسياسة الإعلام في بلادنا أصلاً . وفي هذا جواب على الفئة المُضِلَّة التي تُفسد في مجتمعنا ، وعلى الفئة الضالة التي تُخلّ بأمننا .<BR><BR>أسأل الله تعالى أن يصلح الحال ، وأن يكفي بلادنا شرّ كلِّ ذي شرّ ، وأن يكبت فتنة كلِّ ذي فتنة . وأن يوفق ولاة أمرنا للعمل بما يرضيه ، والأخذ على أيدي المبطلين ، وأن لا يؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منها ، إنَّه سميع قريب مجيب.<BR><br>