من يحارب أثيوبيا فى الصومال ؟
12 صفر 1428

لم يمر وقت طويل على الغزو الأثيوبي للصومال حتى وصلت الأوضاع الأمنية في العاصمة الصومالية مقديشو إلى حالة من التدهور وعدم الاستقرار ،بأسرع مما تصور الكثيرين ،سواء الذين خططوا للغزو والاحتلال الأثيوبي لهذا البلد أو الذين تصوروا أن المحاكم الإسلامية قد انتهى أمرها بعد ما جرى من مواجهات مع قوات الاحتلال الأثيوبي ،وهكذا ظلت "الحكومة الانتقالية" على وضعها وفى مكانها في بيدوا غير قادرة على ممارسة الحكم في وظائفه ولا في مكانه في العاصمة مقديشو. <BR>كانت الفكرة الرائجة فور وصول القوات الأثيوبية المحتلة إلى مقديشو،أن الغزو الأثيوبي قد تمتع فعليا بغطاء سياسي وشعبي وجماهيري ،بما يمكن من نجاح خطتها في الاحتلال وبما يمكنها من تنصيب الحكم العميل الجديد لها هناك .زاد من تقديرات البعض في صحة فكرتهم ورؤيتهم هذه ،أن المحاكم الإسلامية قد انسحبت على نحو سريع ودون إقحام مجاهديها في معارك حربية واسعة ،كما ساهم فيها حالات الاستقبال الجماهيري التي جرت للحكم الجديد في مقديشو ،وكلاهما بعث حالة من التفاؤل لدى القيادة الأثيوبية جعلها تتحدث عن سحب قواتها خلال 15 يوما من وصول قيادات الحكومة العميلة من بيدوا إلى مقديشو . وهكذا تطور التفاؤل بنجاح الحكم الجديد بعد أن انتقلت قياداته السياسية من بيدوا إلى مقديشو دون مقاومة ودون مظاهرات مضادة واسعة ،وأعيد افتتاح مطار العاصمة تأكيداً لحالة السيطرة والاستقرار . ووصل الأمر عند البعض إلى حالة اليقين ،بعد ظهور زعماء الحرب السابقين إلى جوار خصوم الأمس من حكومة بيدوا في العاصمة وإعلانهم الولاء للحكم الجديد وتسليم الأسلحة التي كانت عنوان الحرب الأهلية وحكم أمراء الحرب في المرحلة السابقة على سيطرة المحاكم الإسلامية على مختلف أرجاء الصومال . بدا الأمر وكأن المحاكم الإسلامية صفحة وطويت ،وجرت التحليلات بأنها كما ظهرت سريعا ،اختفت بنفس طريقة ظهورها السريعة .<BR>لكن الحال مرة أخرى سرعان ما تبدل ،فعادت الأوضاع في العاصمة إلى حالة الخطر الذي تبخرت معه كل لمظاهر السابقة ،إذ باتت الاشتباكات عملا ليليا ضد القوات الأثيوبية المحتلة وضد كل رموز السلطة العميلة ،كما صارت الاشتباكات تتطور من حالة إلى حالة أخطر، وصارت شاشات التلفاز تنقل مشاهد متكاثرة للعائلات الصومالية وهى تغادر العاصمة إلى الأماكن الطرفية بعدما أصبحت القوات الأثيوبية المحتلة ترد على عمليات المقاومة بقصف الأحياء السكانية ، في تكرار للخطة الصهيونية في فلسطين والأمريكية في العراق ،بالرد على عمليات المقاومة بقتل المدنيين في منازلهم ،لوقف التعاطف المتنامي بين السكان مع المقاومة ولإيذاء المجتمع الصومالى بأشد الدرجات وحشية لإضعاف قدرته على الاستقرار وعلى المقاومة ،ولوضعه في حالة صراع نفسى وسياسى بين "المقاومة" و"القصف العدوانى المقابل" حيث الجملة الدعائية المتكررة ..""سبب القصف هو المقاومة..وإذا أوقفت المقاومة توقف القصف ".<BR>غير أن اللافت في الحالة الجديدة هذه من عدم الاستقرار والقتال اليومى ،هو أن أحدا لم يعد يحدد الطرف الذي يقاتل الحكومة الانتقالية والقوات الأثيوبية ،إذ معظم أجهزة الإعلام صارت تتحدث عن مجموعات مجهولة تشتبك مع القوات الأثيوبية والحكومية !<BR>فهل جاء التطور في عمليات المقاومة من داخل وضمن إطار الخطة التي أعلنتها المحاكم الإسلامية وقت دخول قوات الاحتلال إلى الأراضى الصومالية ؟ أم أننا أمام حالات عفوية لمجموعات مقاومة تشكلت بسبب الغزو في ضوء البعد التاريخى للكراهية المتبادلة بين أثيوبيا والصومال تاريخيا ،أم حتى أننا أمام صراع أثيوبى أريترى على ارض الصومال استنادا إلى مواقف اريتريا الداعمة للمحاكم –حبا بها أو كرها في اثيوبيا –والى الاتهامات التي أطلقتها الأمم المتحدة بتقديم اريتريا دعما عسكريا للمحاكم ؟.<BR><font color="#ff0000">التضليل الإعلامى ..ومعركة الاحتلال</font><BR>أيام بدء الغزو الأثيوبي للصومال ،جرت تغطيات إعلامية موسعة للحدث .وكانت التغطيات -كما تعودنا -هي تغطيات وفق خطة إعلامية تستهدف إصابة المتابعين للحدث بأقوى درجة من الإحباط واليأس .اعتمدت التغطيات على نفس الفكرة المبسطة التي جرى العمل بها في كل نشاطات الغزو الاستعمارى لأرض عربية وإسلامية .وهى تقوم على تصوير المعركة الجارية على أنها تجرى بين طرفين يمكن لأحدهما أن يفوز وأنها معركة كر وفر تتابع من زوايا تقدم هذا الطرف وهجومه ودفاع الطرف الاخر ثم عودته للهجوم ،مع ذكر مؤشرات هنا أو هناك إلى احتمال انتصار الطرف العربى أو المسلم أو على الأقل إعطاء إشارات متكررة إلى قدراته –مع التضخيم في قدرته على المواجهة والصمود -ثم وفى الختام تعلن النتيجة ،بانتصار الطرف المعتدى -بطبيعة حال التوازنات العسكرية المعروفة في مثل تلك الحرب النظامية-ليصاب كل المتابعين ومع الاعتذار –الواهمين-بالإحباط واليأس ،الذي يغذيه من بعد الحالة التي يكون عليها الطرف العربى أو الإسلامى بعد المعركة أو كنتيجة لاستراتيجيته القائمة على الانسحاب أصلا ،حيث المعارك التي تجرى في مثل تلك الحروب لا تستهدف سوى تامين الانسحاب وتامين عودة سريعة إلى أعمال الحرب الجهادية .<BR>هكذا جرت التغطية للهجوم والعدوان الأثيوبي على الصومال ،فتحولت التغطية إلى التركيز على المعارك العسكرية ومحاور التقدم والانسحاب واحتمالات دخول المدن من قبل القوات الغازية واستعدادات المواجهة من قبل الطرف العربى والإسلامى ،وكأننا أمام حرب تحمل معنى الحرب النظامية أو احتمالاتها .وفى ذلك تاه معنى الغزو والاحتلال لنصبح أمام معركة بين طرفين ولسنا أمام اعتداء واحتلال من جهة وخطة لتامين الانسحاب من جهة أخرى . وإذا نجحت خطة المحاكم في الانسحاب الامن ،كما نجحت خطتها في تغيير استراتيجيتها من بناء جيش واسع –خلال حالة الحرب مع القوات الحكومية المعترئة-إلى تشكيل مجمعات متناثرة هنا وهناك والتحول من الإمساك الظاهر بالسلاح إلى استخدام السلاح فقط في لحظات العمليات مع إخفائه بعد لحظات من العملية ،فان ما كان واضحا بفعل الخطة الإعلامية المعادية هو أن المحاكم هزمت وان الغزو انتصر !.<BR>ومن بعدها تحولت التغطيات الإعلامية إلى "تدعيم " حالة الانتصار، حيث جرى بث صور الاستقبال بالفرح الجماهيري بقدوم الحكومة الانتقالية –بل وحتى للقوات الأثيوبية الغازية والمحتلة-كما جرى تغطيات مكثفة لتصريحات قياداتها وخططها في جمع السلاح ،مع إبراز أخبار متلفزة لصور تسليم السلاح ،وكذا جرى نقل تطمينات للرأي العام العربى والإسلامى بان انسحاب القوات المحتلة وشيك .وفى كل ذلك غابت تماما نشاطات المحاكم الإسلامية ولم تعد إلى الصورة إلا في الحالات السلبية فقط بالإشارة إلى بعض ممارسات لها في داخل الصومال وفق نظرة مشوهة ومن لسان أعدائها.وكانت أول عودة لمتابعة أخبارها من بعد متزامنة مع دخول القوات الجوية الأمريكية على خط العدوان والاعتداء المباشر على الصومال حين قيامها بأعمال القصف على بعض المواقع المفترضة لقوات المحاكم –ظهر فيما بعد ان الذين استشهدوا لم يكونوا سوى بدو رحل وان الطائرات انطلقت من قواعد بأثيوبيا –ثم ما جرى من أمر مبهم في أسبابه وتبعاته بالنسبة للشيخ شريف حين اعتقل في كينيا وأعلن من بعد انه تفاوض مع مندوبين من السفارة الأمريكية وأنه منح اللجوء السياسى في اليمن –أي نفي إليها.<BR><font color="#ff0000">المقاومة تفرض وجودها</font><BR>الأوضاع لم تستمر طويلا ،أو أن التحولات جرت بأسرع مما توقع الجميع .لقد أصبحت العاصمة الأثيوبية تحت القصف اليومى وفى شوارعها تجرى العمليات ضد القوات الأثيوبية كل يوم .ولم يعد ما يجرى قصفه هو المواقع المتطرفة للقوات الأثيوبية أو لرموز الحكم العميل هناك ،بل أصبحت المراكز الرئيسية للحكومة العميلة بما فيها مقر الرئيس المؤقت والقواعد الرئيسية للقوات الأثيوبية المحتلة هى ما يقصف .وكذا لم يعد القصف أمرا عابرا بل أصبحت كل ليلة هى ليلة قصف ،ثم تطور الأمر لتجرى عمليات القصف في وضح النهار ، وقبلها وعلى الجانب الاخر كانت الأمور قد توترت في داخل البرلمان الصومالى المؤقت الذي تسيطر عليه الحكومة فجرت إقالة لرئيسه بحكم انه كان ما يزال يدافع بصلابة عن الحوار مع المحاكم الإسلامية ،بما فتح خلافا حقيقيا في داخل لعبة الحكنم الجديدة.<BR>عادت الأعمال العسكرية إلى شوارع مقديشو وتبددت أحلام الاستقرار للحكم المنصب أثيوبيا،ولم تغادر القوات الأثيوبية التي كانت أجهزة الإعلام قد نشرت صورا لبدء انسحابها ،وتأخر وصول القوات الأفريقية التي اتخذ قرار بتشكيلها للحلول محل القوات الأثيوبية المحتلة في الصومال ،فوصلت الأوضاع إلى المأزق مجددا .<BR>لكن ذلك لم يشفع للمقاومة وللمحاكم الإسلامية التي ظلت بلا ذكر لدورها المقاوم إذ نشرت معظم الأخبار عن العمليات الجارية تحت عنوان ،مجموعات مجهولة ،كما أصبحت المقاومة عملا مجهولا ،وكان كل ما أعلن من المقاومة عن عملياتها –تصديقا لما يجرى على الأرض –أمرا لا يعترف به الإعلام !<BR>هل نحن أمام أشباح تقاتل الأثيوبيين في الصومال أم أن علينا العودة لنتذكر تصريحات قادة المحاكم مرة أخرى ؟.<BR>الأغلب أننا فعلا أمام خطط إعلامية مرتبة ومخططة ،لن تنطق بقول المقاومة والمحاكم الإسلامية مرة أخرى إلا عندما يصبح عدم ذكرها ذلك ،أمراً مكشوف يفقدها المصداقية الهشة التي تعانى منها أصلا؟<BR>لقد نجحت المحاكم الإسلامية في خطتها القائمة على الانسحاب ثم معاودة الهجوم ،وعلى التحول من حالة اقرب إلى الجيش النظامى –خلال مواجهة قوات الحكومة الهزيلة-إلى حرب المجموعات الجهادية ،وما بقى هو أن تعود نسبة أخبار المقاومة إلى أهل المقاومة والجهاد .إذ ما يجرى ليس عملا عفويا ،بل نشاط عسكرى منظم إلى درجة تدعوا إلى الإعجاب والتقدير ووفق خطة محكمة تقوم على تفكيك سيطرة الحكومة العميلة مع إجبار القوات المحتلة على البقاء في مراكز محصنة ،بما يسمح بأعلى درجة من الانتشار وسط جماهير الصومال ،والعودة إلى حالة ازدواجية السلطة ،مع تحويل الصومال إلى بؤرة استنزاف لأيوبيا .أما مساهمة اريتريا في أى عمل في داخل الصومال فهي ليست إلا حالة دعائية من قبل أثيوبيا لتقليل مضمون فكرة الاحتلال والغزو ولإظهار الشعب الصومالى مرحبا بها لا مقاوما لاحتلالها .أما اريتريا فان قدرتها على "اللعب" في داخل الصومال هى إمكانيات محدودة وضئيلة ودونها عقبات كبيرة ربما تصل إلى حد "الخوف" بحكم دخول الولايات المتحدة مباشرة على خط الدعم للحكومة العميلة ولقوات الاحتلال ،وبالقوة العسكرية .<BR><font color="#ff0000">الإعلام الإسلامى ودوره</font><BR>وهنا يبقى أن الإعلام الإسلامى هو المنوط به ،الدخول على خط التغطية الإعلامية لنشاط ودور المقاومة الإسلامية في الصومال ،ليس من خلال انتظار ما يأتي له من أجهزة الإعلام الأخرى ،وإنما من خلال البحث والتنقيب عن سبل للتواصل ونقل الأخبار الصحيحة أيا كانت الصعوبات .<BR>وهنا يبدو أن الوعى السياسى بأهمية الإعلام في التعريف بالحقائق ،وبخطورة تأثيراته على نفوس المواطنين ،ما تزال تحتاج إلى قدر اكبر من البحث والتفكير ،سواء على صعيد اتساع مساحة تأثيره أو على صعيد خططه ومفاهيمه أو على صعيد اعتباره أمرا رئيسيا في الصراعات ونتائجها .كما الأمر نفسه في حاجة إلى اهتمام اكبر من قبل المقاومة الإسلامية في الصومال ،باعتبار أن الإعلام الإسلامى يمكن مع وصول الأخبار الدقيقة والصحيحة له ،أن يشكل قوة في الحشد الداخلى في المعركة الجارية على ارض الصومال ،وليس فقط قوة اخبار واعلام للمسلمين في كافة ارجاء الامة .وفى ذلك ومن خلال المتابعة الدقيقة لحجم التعاطف المتنامى مع نشاط المحاكم ،فإن الأمر لا يحتاج إلى جهد غير ميسور بحكم انتشار المؤيدين للمقاومة الإسلامية الصومالية في مناطق متعددة من العالم ،بما ييسر لهم الإبلاغ والأخبار إلى مساحات واسعة إذا ما جرى توصيل تفاصيل ودقائق ما يجرى لهذا الداعم أو ذاك .<BR><BR><BR><BR><br>