مقتدى إلى إيران فاراً.. "هاي المرجلة"!!
2 صفر 1428

لم يكن يدور بخلد أي من المشاهدين لفيلم إعدام الرئيس العراقي صدام حسين أن الغوغاء الذين كانوا يصرخون باسم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر "مقتدى.. مقتدى.. مقتدى"، ويدعون :"..وعجل خروجه" أن الوقت لن يمهلهم سوى شهر ونصف حتى يتناهى إلى مسامعهم أن الصدر قد خرج بالفعل بعد أسبوعين فقط من مهزلة الإعدام، لكن ليس كمجدد أو "مهدي" وإنما فاراً إلى حيث مخبئه الإيراني. <BR>لم يصدق أحد أن يأتي تعجيل خروج الصدر بهذه السرعة إلى حيث يجد الملاذ الآمن و"الصدر" الإيراني الدافئ، لكن هذا ما رددته الأنباء بالأمس وإن عازتها تأكيدات مستقلة من مصادر خارج فلك الاحتلال وشيعته.. <BR>على كل، فالصدر مختفٍ منذ نحو شهر على حسب ما قال "نائب رئيس العراق" طارق الهاشمي لفضائية العربية أمس، أو هو موجود وفقاً لمصدر مقرب في التيار الصدري صرح لمراسل وكالة قدس برس مشيرا إلى اسمه بأبي جواد بـ" أن الصدر سافر إلى إيران قبل نحو شهر ونصف الشهر سالكاً الطريق البري عبر منفذ الشلامجة في مدينة العمارة، لمتابعة بعض الدروس العلمية في الحوزة العلمين بمدينة قم"، أو هو في إيران فاراً منذ شهر طبقاً لشبكة A.B.C التلفزيونية التي قالت: "إنه هرب إلى إيران بسبب مخاوف من احتمال استهدافه في قصف أمريكي والقلق على سلامته بسبب انشقاق داخل منظمته"، أو هو لم يصل إلى إيران بحسب مصدر رسمي إيراني، أو هو غادر إليها في زيارة بحسب مصادر حكومية عراقية.. وهو في كل ذلك مختفٍ في غياب أي جهد لملاحقته أو اغتياله (لا يتعلق الأمر هنا بالحماية الأمنية له، والتي لا تحجب صدور أي موقف معلن له كمثل ما كان يصدر مثلاً عن زعيم "حزب الله" إبان الحرب اللبنانية وقد كان اختفاءه ـ دون الإعلام ـ مبرراً ومتفهماً جداً حتى لدى خصومه).<BR> وهذا الاختفاء لا يجد له الصدر مبرراً قوياً يكون بوسعه أن يسوقه لأتباعه، فهو ليس كالسيستاني المسن والمشرعن للاحتلال من الناحية المذهبية، يختفي لأسباب دينية تتعلق بغيبة الإمام وما إلى ذلك، بما يجعله على الدوام "مستوراً" عن أعين الأتباع والمغيبين وفقاً لعقائد لها خصوصيتها المستقلة، وبالتالي فالمبرر لدى علي السيستاني ربما كان له بعض الوجاهة في أعين مريديه لخلفية مذهبية تسمح له بهذا دون خوف أو وجل سياسي لا داعي له مع العلاقة المتميزة التي تربطه بقادة الاحتلال على اختلاف مناصبهم بدأ من بريمر وانتهاء بزلماي خليل زادة، ويمكنه أن يتذرع بمرضه أو ثقل حركته بسبب السن الطاعن. <BR>والصدر ـ خلافاً لما ظنتA.B.C ـ لا يلقي بالاً للقصف الأمريكي لأنه ساعة استهدفه آنفاً لم يصب إلا أطراف أصابعه، <font color="#ff0000"> عندما أطل الصدر على أتباعه مرتدياً كأسلافه كفناً أعده لأوقات النضال الصوتي، وقصفاً لا يصيب إلا أطراف الأصابع لا يستأهل لدى "السيد" هروباً إلى ديار الفرس سواء إلى قم أم طهران. </font><BR>وإذ ذهب كثير من محللي صور إعدام الرئيس العراقي إلى إن الصدر كان أحد الحاضرين الملثمين الذين التفت إليهم الرئيس الراحل بكل جسارة قائلاً "هي هاي المرجلة"؛ فإن من تجاوزوا هذه اللقطة للصدر رأوه كان معنياً على أي سبيل بكلمات الرئيس العراقي المغدور، حيث توجه إليه صدام حسين بعبارة التهكم هذه في شخوص أنصاره الهاتفين "مقتدى.. مقتدى.. مقتدى"، العاجزين عن كشف وجوههم في أكثر اللحظات تشفياً وشماتة بما تفرضه تلك اللحظات من فرض انكشاف الوجوه لا تواريها وهي بيدها السلطة وأجهزة القمع المختلفة في العراق.<BR>لم تكن هذه هي "المرجلة" أو الرجولة، ولا ذاك الاختفاء الذي لازم مقتدى الصدر حتى هذه اللحظة سواء أكان هذا الاختفاء هروباً إلى إيران/القبلة السياسية للمتنفذين من شيعة الحكم العراقيين أم كان وجهاً من وجوه التحضير لما هو قادم في بغداد وضواحيها.. هذا أو ذاك لا يحمل في نفسه أي معنى من معاني الرجولة التي ينبغي أن يتحلى بها القادة لاسيما لو تمنطقوا بأحاديث الشهادة ولبسوا الأكفان وارتدوا مسوح الزعماء الدينيين الفدائيين. <BR>للتذكير يعوزنا أن نقول: إن الصدر لوحق أمريكياً ـ في الظاهر على الأقل ـ للاشتباه بضلوعه في قتل الزعيم الشيعي القريب من بريطانيا، عبد المجيد الخوئي في أوائل أيام الاحتلال، ثم بدا أن جيش الاحتلال ومجلس الحكم وما أفرزه بعد ذلك من المنظومة الرسمية الصهيوشيعية في العراق من قاطني المنطقة الخضراء، قد عفوا عن الصدر أو ضربوا الذكر عنه صفحاً لجهة الملاحقة القانونية، فلم يلجأ إلى الخارج على نحو طبيعي كمثل أي مناضل تلاحقه قوى الاحتلال مثل الشيخ حارث الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين، بل ظل في العراق في حماية إيرانية/عراقية/أمريكية لم تسمح معادلتها رغم تجاوزاته بملاحقته أو استهدافه، وعندما أجريت مسرحية الانتخابات النيابية العراقية كان على الجميع أن يصمت ريثما يستمع إلى توجيهات "السيد" مقتدى بترجيح مرشح رئاسة الوزراء، حتى رمى "الزعيم الشاب" بثقله وراء جواد المالكي ففاز بالمنصب على حساب عادل عبد المهدي المسؤول البارز في جماعة الحكيم والقريب من الولايات المتحدة الأمريكية. وحينما أراد المالكي بعد ذلك أن يدغدغ مشاعر العراقيين من جهة ويرضي الأمريكيين ـ شعبياً لا رسمياً ـ لتحقيق نوع من الاستقرار الأمني، شرع في إجراءات خجولة جداً لوقف التغول الميليشياتي وفرق الموت المنسوبة لـ"الزعيم الشاب" مقتدى الصدر، وفي مقره زاره المالكي، فكان إلى الاستجداء أقرب منه للحزم مع الصدر!! <BR>ومن هنا، يتداعى إلى أذهاننا التساؤل: مم يخاف الشاب مقتدى وهو المحاط بالرعاية في أكثر من مكان؟! إن أحداً في العراق وخارجه لم يعلن عن حاجته إلى توقيف زعيم التيار الصدري، كما أنه من غير اللائق أن يكون الرجل الذي يتوافر لديه ميليشيات مدججة بسلاح إيراني ودعم لوجستي منها كذلك قد غادر فَرَقاً من عمليات المقاومة التي لا تكاد تخترق حجب المدينتين الأقدس عند الشيعة (النجف وكربلاء), ومحال أيضاً ـ منطقياً ـ أن يقبل عاقل يقترب من الصدر أو لا، أن تستعد أحياء بغداد وضواحيها لأكبر عملية تمشيط فيها منذ مدة طويلة، ويطير الصدر لتلقي بعض الدروس ـ لا التعليمات ـ في المدينة العلمية الشيعية الأولى في إيران.<BR>إننا في الحقيقة أمام معضلة ترفدها بعض الأسئلة: لماذا الصدر مختفٍ؟ لماذا غادر العراق إن كان قد غادرها؟ لماذا أعلنت الولايات المتحدة عن ذلك الآن تحديداً إن كان الصدر قد هرب إلى إيران منذ مدة ليست قصيرة؟ لماذا تعلن هي عن خروجه من ناحية أخرى إذا كان لم يفر بحسب بعض قادة تياره؟ ولماذا تعلن أوساط حكومية قريبة من إيران أنه لم يغادر ثم يتبعها نفي إيراني بوجوده على أراضيها؟<BR>إن ما يخشاه البعض الآن ألا يكون ما أشيع عن فرار الصدر سواء أكان صحيحاً أم كان مقصوراً على الاختفاء المتفق عليه مع الاحتلال وشيعته في العراق، وكلاهما مشين وبعيد كل البعد عن الرجولة التي عيره صدام بفقدان معانيها، سوى حلقة من حلقات الضغط على الأغلبية السنية في بغداد، <font color="#ff0000"> فاللافت هنا أن يدور الحديث حول "صدع" أو "انشقاق" في منظمة الصدر أو "فرار" نتاج ملاحقة من الاحتلال، وكلاهما ـ إذا ما دققنا النظر إليه ـ نجده يصب في صالح العدوان الخالص على أهل السنة في بغداد، ويعفي إلى حد كبير التيار الصدري ومدينة صدام (الصدر) ذات الكثافة الشيعية </font> (نحو 950 ألف نسمة وفقاً لطارق الهاشمي "نائب رئيس العراق") من صفة الإرهاب ويجعل ميليشيات "جيش المهدي" وفرق الموت الرهيبة في نظر الرأي العام العربي والدولي مجرد شراذم وفلول قد تبعثرت بعد فرار زعيمها، وليست تبعاً لذلك بحاجة لملاحقة مماثلة للتي تتم بحق المسلمين السنة في أحياء بغداد، ومن ثم فإن انصباب اللظى على السنة في بغداد هو لأن الإرهاب يقتصر على مناطقهم! وهذا هو الخطير في هذه الأنباء عن الصدر الهارب أو الصدر الغائب أن يكون إثارة هذه الزوبعة عن هروبه هو لتعبيد الطريق أمام إفراد السنة بـ"منحة" التمشيط وتسويد الأمن الأمريكية في غياب مشجب مقتدى أو تغيبه. <BR>وعلى أية حال؛ فإن وجود الصدر في قُم لتلقي الدروس العلمية مثلما كان نصر الله إبان الغزو الصهيوني للبنان أوائل الثمانينات حين سأل هو ورفاقه الخوميني عن الموقف الذي ينبغي أن يتبعونه حيال ذلك (وهو ما يحمل في طياته الطابع الحركي التنظيمي الحاكم لأتباع إيران لا العلمي الفقهي) وبما يقود إليه من إثارة قضية كفاءة الرجل العلمية على قيادة أنصاره في غياب الخبرة السياسية أيضاً نظراً لصغر سنه ومحدودية تجربته، أو وجوده فاراً من لقاء "العدو" الأمريكي الرحيم، أو للحفاظ على أسرار إيران في العراق إذا ما تم توقيفه والتحقيق معه مثلما ذهب لذلك بعض المراقبين، أو كان مختفياً عن الأنظار ليصبح اختفاءه هو الأصل ـ برغم علاقاته الوثيقة مع النظام العراقي ـ غائباً عن المشهد السياسي والديني وعدم خضوعه لأي استفزاز إعلامي للخروج من هذا الاعتكاف السياسي في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به العراق، كل هذه الأسباب وإن حملت مشارب مختلفة وتفسيرات متباينة إلا أنها جميعها تتوحد في عبارة واحدة ستظل تصخ أذن مقتدى.. "هي هاي المرجلة"!!<BR><br>