
اصطفّ عشرات الآلاف منهم على أبواب الأمل، بيدهم الطلبات والأوراق المطلوبة للقبول، ينزعهم الشوق للمغادرة، والتوق للوصول إلى تلك البلدان التي طالما سمعوا بها، وشاهدوها عبر وسائل الإعلام، وحلموا كثيراً أن يعيشوا تجربة المغامرة والدراسة فيها.<BR>وإذا كانت أحاديث العائدين من هناك، وقصص كتاب عاشوا تجارب فيها قد أوقدت فيهم حب السفر للخارج، فإن برنامج الابتعاث الطلابي قدّم الفرصة لهم على طبق من ذهب.. وخلال مدة قصيرة قد يفتح القدر أفقاً لهم، فيرووا للآخرين بعد سنوات تجاربهم هناك.<BR><BR>41053 طالباً (بينهم 4668 طالبة) تقدموا خلال العام الماضي للحصول على فرصة الابتعاث للدراسة في خارج المملكة العربية السعودية، أكثر من 54.5% منهم قرروا خوض تجربة القبول للسفر إلى الولايات المتحدة تحديداً، فيما تقسّمت نسبة الـ 45.4% على 8 دول.. قبل منهم أكثر من 15 ألف طالب وطالبة. سافروا إلى الولايات المتحدة واستراليا ودول شرق آسيا، حاملين معهم الكثير من الأحلام والأماني، ليواجهوا بدلاً من ذلك؛ الكثير من التضييق والهموم والإهمال.<BR>هذا واقع المبتعثين اليوم، وصلت درجة معاناة البعض منهم إلى الاعتقال والسجن والطرد والإهانة والتضييق. فكيف كان مشوار الطريق إلى الاغتراب؟<BR><BR><font color="#FF0000">برنامج الملك عبدالله للابتعاث: </font><BR>في خطوة تهدف إلى رفع مستويات التعليم لدى الطلاب، و تأهيلهم وتدريبهم في عدد من المراكز الأكاديمية العالمية ، والتخصص الدقيق في العلوم التجريبية والتقنية أعلنت الحكومة السعودية عن موافقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز على برنامج الابتعاث <BR><BR>تم حتى الآن تنفيذ مرحلتين من مراحل ابتعاث الطلاب السعوديين إلى الخارج، خلال العامين الماضيين، شملت ابتعاث نحو 18 ألف طالب وطالبة، للحصول على شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، والزمالة الطبية، في 9 دول هي: (الولايات المتحدة، استراليا، الصين، الهند، كوريا، نيوزلندا، ماليزيا، اليابان، وسنغافورة).<BR>وشملت التخصصات الدراسية للمبتعثين 20 تخصصا علميا وتقنيا وطبيا وهي: (الأحياء، الأشعة، التأمين، التجارة الإلكترونية، التسويق، التقنية الطبية، التمويل، التمريض، الحاسب الآلي، الزمالة، الرياضيات، الصيدلة، الطب، العلوم الصحية، الفيزياء، القانون، الكيمياء، المحاسبة، المختبرات الطبية، الهندسة).<BR><BR>وعلى الرغم من غياب أرقام وإحصاءات دقيقة تتحدث عن عدد الطلاب والطالبات الذين تم ابتعاثهم خلال السنتين السابقتين إلى الخارج، إلا أن معظم الأرقام تقترب من عدد 18 ألف طالب وطالبة.<BR>بلغت نسبة الطالبات اللواتي تقدمن للحصول على فرصة الابتعاث للخارج 11.37%، برقم إجمالي قدره 4668 طالبات. لم تشر الإحصاءات إلى عدد اللواتي قبلن في مرحلتي الابتعاث.<BR>كما بلغت طلبات الابتعاث إلى الولايات المتحدة الأمريكية أعلى نسبة من بين المتقدمين، حيث بلغت عدد الطلبات 22405 بنسبة 54.57%. تلتها استراليا بنسبة 23.2% بعدد 9258 طلب. فيما كانت الطلبات للدراسة في كوريا الجنوبية الأقل، بنسبة 0.1% (44 طلباً).<BR>على صعيد التخصصات، فإن أعلى نسبة متقدمين لدراسة التخصصات كانت من نصيب الهندسة بأنواعها، والتي بلغ مجموع الطلبات الدراسية لها 12406 بنسبة 30.21%. تلتها دراسة الحاسب الآلي بنسبة 25.17% (10336 طلب). أما أقل التخصصات فكانت من نصيب الأحياء (245 طلب) ثم الفيزياء (221 طلب).<BR><BR>ويلاحظ أن أعلى نسبة حسب درجة الشهادة كانت من نصيب طلاب الثانوية، الذين تقدموا للحصول على فرصة الدراسة ونيل درجة البكالوريوس، حيث بلغت نسبة عدد الطلاب المتقدمين لذلك 76.68% (31483 من بينهم 2322 طالبة)، تلتها طلبات دراسة الماجستير بنسبة 21.15% (8686 ، من بينهم 2134 طالبة) ثم الدكتوراه بنسبة 1.2% (495، من بينهم 115 طالبة ) أما الزمالة فقد كان لها النصيب الأقل، بنسبة 0.94% (389، من بينهم 97 طالبة).<BR>وتشير هذه الإحصائية الأخيرة، إلى أن الغالبية العظمى من الذين تقدموا للابتعاث، هم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن الـ 20 سنة. على اعتبار أنهم أنهوا للتو دراسة الثانوية. وعلى الأرجح تكون نسبة الطلاب المبتعثين فعلياً إلى الخارج من هؤلاء الشباب هي الأعلى كذلك. <BR><BR><font color="#FF0000">الاستعداد للمرحلة الثالثة: </font><BR>بعد نجاح الابتعاث للخارج _حسب وجهة نظر وزارة التعليم العالي_ فإن الوزارة بدأت الاستعدادات للمرحلة الثالثة من الابتعاث، والتي سوف تتم خلال الأشهر القادمة .<BR>حيث قامت وزارة التعليم العالي بتوسيع التعاقد مع الجامعات الأجنبية التي يتم ابتعاث الطلبة لها، ليشمل عدداً إضافياً من الدول الأوروبية، منها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وايرلندا وايطاليا، بالإضافة إلى كندا، وهو ما قد يشير إلى زيادة في أعداد المبتعثين للخارج خلال المرحلة الثالثة، وبالتالي، زيادة التخصصات، والتي تحاول وزارة التعليم العالي اختيارها على أساس أنها تناسب متطلبات سوق العمل السعودي، وخطوط التنمية الوطنية.<BR><BR><font color="#FF0000">نقطة الانطلاق.. مشاكل: </font><BR>بعد أن تقدّم أكثر من 41 ألف طالب وطالبة لوزارة التعليم العالي خلال المرحلة الثانية من مراحل الابتعاث للخارج، انتظر الجميع الإعلان عن المقبولين بشكل نهائي في البرنامج، وكان الموعد الذي حددته الوزارة هو بداية شهر سبتمبر 2006م، إلا أن شهر سبتمبر مضى، ثم مضى عام 2006 دون ظهور أي نتائج، وحتى الآن لا يزال الآلاف بانتظار النتائج النهائية للقبول.<BR>هذا التأخير الذي دام حتى الآن نحو 5 أشهر، أدى إلى أزمة حقيقية في حياة الطلاب، ذلك أن كل شيء في حياتهم بات مرتبطاً بظهور القبولات.. ويمكن إيجاز أهم هذه المشاكل بما يلي:<BR>1- أن كثير من الطلاب المقبولين بشكل مبدئي قاموا بمراسلة جامعات غربية وحصلوا على قبول فيها، حيث أن الوزارة اشترطت في البداية أن يكون لدى الطلاب المبتعثين قبول في إحدى جامعات دول الابتعاث، إلا أنها عادت وأعلنت حصرية التسجيل في الجامعات عبرها، ما أدى لإلغاء القبولات لدى الكثيرين.<BR>2- تشترط الوزارة عدم دراسة أي من الطلاب المبتعثين في إحدى الجامعات الداخلية أو الخارجية، ومع عدم ظهور النتائج النهائية، لا يزال جميع المقبولين مبدئياً بعيدين عن أي جامعة أو دراسة. وهو ما سيفوّت على الغير مقبولين الفرصة في الاستفادة من العام الحالي دراسياً.<BR>3- يحتاج الكثير من الموظفين إلى وقت كاف لتقديم استقالاتهم، وتنظيم أمورهم استعداداً للسفر، وهو الأمر الذي قد لا يتاح لكثيرين بسبب تأخر ظهور النتائج، وبالتالي إمكانية ظهورها قبيل انتهاء التسجيل في بعض الجامعات.<BR>4- الازدحام الشديد الذي سيكون على الطلاب معايشته أمام السفارة الأمريكية (على اعتبار أن الجامعات الأمريكية الأكثر في التقديم والقبول).<BR>5- عدم إمكانية أي من الطلاب المقبولين مبدئياً التقدم لشغر وظيفة أو عمل، بسبب ارتباط مصير ذلك بظهور النتائج النهائية.<BR>6- الأزمة النفسية التي يعيشها الطلاب والطالبات بانتظار النتائج، وإهمالهم لحياتهم العامة، وربط كل شيء بالقبول، وسخرية بعض زملاءهم وأقاربهم منهم وهم لا يزالون ينتظرون بدون أمل، وفوات فصل دراسي عليهم، ووظائف أتيحت لهم، وهو ما يظهر جلياً من خلال الإحباط الذي تعكسه المنتديات الطلابية الخاصة بطلاب الابتعاث، من يأس وتململ.<BR><BR>ويظهر من خلال هذه الأحداث الدرامية، أن البرنامج الذي كان من أولوياته تعزيز قدرات الطلاب الشخصية عبر ابتعاثهم للخارج، وزيادة قدراتهم العلمية والثقافية، واستفادتهم من الوقت والفرص الواسعة، ضيّق عليهم لدرجة انه لم يعد بإمكانهم فعل أي شيء سوى الجلوس في المنازل، وانتظار رحمة الوزارة.<BR>ورغم أن الوزارة لابد لديها مبرر لهذا التأخير، فبرامج الابتعاث ليست مسألة تنتهي "بجرة قلم" على ورقة، إلا أن من حق الآلاف أن يتم تقديم مبررات مقنعة لهم، على الأقل كي يكونوا قادرين على تحمّل الشق "النفسي والاجتماعي" للمشكلة.<BR><BR><font color="#FF0000">للسفر 8 فوائد: </font><BR>حسب المثل الشائع فإن للسفر 7 فوائد، ومن خلال تجربة الابتعاث لعدد من الطلاب السعوديين، تبيّن أن هناك فائدة ثامنة لم تكن تلائم العصر السابق الذي ظهرت فيه هذه الحكمة.. إذ أن لك الوقت لم يكن فيه ابتعاث.. والفائدة الثامنة يمكن أن يخبرنا بها الطلاب المبتعثون إلى الولايات المتحدة تحديداً، ذلك أنهم جربوا الفوائد كاملة.<BR>وهذه الفائدة الجديدة، هي الوصول للعالمية.. عبر إتاحة الفرصة للشباب أن يكونوا جزءً من عملية أمريكية عالمية، تصرف عليها مليارات الدولارات,, وتحمل اسم "مكافحة الإرهاب". <BR>لذلك، عاش ويعيش كثير من الطلاب المبتعثين إلى الولايات المتحدة ضمن ظروف أمنية معقدة، تحتم عليهم اتخاذ إجراءات مشددة وخانقة منذ لحظة الوصول إلى أرض المطار.. ومع تقدير وزارة التعليم العالي لهذه المسألة، فإنها تتيح للطلاب المبتعثين إلى أمريكا دون غيرهم، فرصة التعرّف على ما يمكن أن يحدث لهم على أرض المطار، واضعة صفحة خاصة بتعاليم الوصول إلى المطارات الأمريكية.<BR>لذلك عندما عاد الطلاب لإكمال دراستهم بعد عطلة نهاية السنة الميلادية، والتي وافقت عيد الأضحى المبارك.. قضوها بين أهلهم في السعودية؛ تم اعتقال وسجن عدد منهم، بل وصل الأمر إلى طرد بعض هؤلاء الطلاب، ومعاملتهم على أنهم مجرمين، حيث تم الختم على جوازهم بالاستبعاد عن العودة للولايات المتحدة قبل مضي خمس سنوات.<BR><BR>ويؤكد الملتقى السعودي بأمريكا (الذي يعنى بطلاب الابتعاث) وجود عدد من الطلاب السعوديين في المعتقلات الأمريكية، والذين تتم حالياً محاكمتهم بتهم تتراوح مدة عقوبتها؛ السجن ما بين 5 إلى 20 عاماً. مشيراً إلى أنه وفي أضعف الحالات سيتم ترحيلهم إلى السعودية ومنعهم من الدخول نهائياً إلى أمريكا.<BR>وقد أطلق المشرف العام على المنتدى تنبيهات وتحذيرات للطلاب السعوديين، مضيفاً بالقول: "توقع أسوء الاحتمالات في المطارات الأمريكية ومن مسؤولي الجمارك.. حيث إن السعودية تُصنف دولة عالية الخطر بالنسبة للولايات المتحدة، ويتم عادة تفتيش القادمين منها تفتيشاً دقيقاً".<BR>وحسب التنبيهات والتوجيهات التي يتم نشرها بين الطلاب المبتعثين على أساس "الخبرة"، وهي التنبيهات التي لم تضعها وزارة التعليم العالي ضمن تعليماتها للمسافرين إلى أمريكا.. أن الاعتقال والسجن والطرد من الولايات المتحدة يتم بحال عثرت السلطات الأمريكية على برامج منسوخة (غير أصلية) أو مواقع إسلامية أو أي شيء من هذا القبيل.<BR><BR>وبطبيعة الحال، لا ينتهي الأمر عند الوصول، بل يتعداه إلى عمليات مراقبة دائمة، ومداهمة أمنية لشققهم وأماكن إقامتهم، ما يثير الفزع لدى الكثيرين منهم، ويحرجهم أمام جيرانهم من الأمريكيين الذين ينظر البعض منهم إلى السعوديين والمسلمين عموماً بطريقة مريبة.<BR><BR>هكذا بدا طريق الكثير من الطلاب السعوديين في رحلتهم نحو الابتعاث الخارجي. أزمة في البداية، ومشقة في السفر، ونهاية محزنة، انتهى إليها عدد من الطلاب..<BR><br>