تصفية حكومة حماس .. شرط أمريكي لـ"تحريك" أزمة فلسطين !
5 محرم 1428

لا جديد في الجولة العربية التي قامت بها (وزيرة الخارجية الأمريكية) كوندليزا رايس سوى أنها كانت هذه المرة أكثر وضوحا في التلميح بضرورة ذهاب حكومة حماس وإمساك جناح الرئيس الفلسطيني (العلماني) للسلطة والوزارات السيادية ، واعتراف الفلسطينيين سواء أكانوا حماس أو غيرها بـ"إسرائيل" كشرط مسبق لتحريك الأزمة الفلسطينية وإعادة إحياء "خريطة الطريق" !.<BR>بل أن رايس كانت أكثر وضوحا حينما قالت إنها لا تحمل اقتراحا ولا خطة" ، وركزت على "ضرورة توصل الفلسطينيين قبل ذلك إلى اتفاق على الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود " قبل أن تشرع هي في تلمس "كيفية تسريع خارطة الطريق"، التي تنص على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية .<BR>والحقيقة أنه بات معروفا أن جولة رايس لا تستهدف حل القضية الفلسطينية بالضرورة ، بل على العكس تأجيج الخلافات بين فتح وحماس وحث أبو مازن على تسريع خططه لعزل حكومة حماس ، وأن هدفها الرئيسي هو ذات الهدف الذي حضرت من أجله عدة مرات ، وهو طلب مساعدة الدول العربية – خصوصا مصر والسعودية والأردن والخليج – في البحث عن حل للورطة الأمريكية في العراق ، واستخدام نفوذهم لوقف المقاومة العراقية كي يتسنى توافر أجواء للانسحاب العسكري الأمريكي من هناك .<BR>ومع هذا فقد استقبل العديد من القادة زيارة رايس لإظهار حالة من التفاؤل بقرب حل القضية ، وشرعوا على الفور في الضغط على حركة حماس إما للاعتراف بتل أبيب أو تعجيل فكرة حكومة الوحدة الوطنية التي تستهدف إبعاد حماس عن مراكز السيطرة السياسية (الخارجية) والأمنية (الداخلية) والاقتصادية ( المالية) كي يسهل العودة لاستقبال المعونات الخارجية الأمريكية ، رغم أن عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية قال بوضوح أن العرب لا يمكن أن يلدغوا من جحر مرتين ، في إشارة لوعود أمريكية سابقة كنوع من الطعم بحل القضية الفلسطينية لتحقيق أهداف أمريكية و"إسرائيلية" أخرى !؟.<BR>وقد بدأت تظهر معالم هذه الخطة التي تستهدف "تحريك" المفاوضات الفلسطينية الصهيونية لتحسين صورة واشنطن، وبالمقابل الحصول على مكاسب أمريكية في مستنقع العراق في صورة تعهد أمريكي علنا بتقديم ما لا يقل عن 128 مليون دولار لدعم السلطة الفلسطينية ، منها 86 مليون دولار لتدريب وتجهيز الحرس الرئاسي لعباس (!) في مواجهة قوات حماس وخاصة القوة التنفيذية لوزارة الداخلية التي تسيطر عليها حماس ، وما يصل إلى 42 مليون دولار للترويج لما يسمي "بدائل" ديمقراطية لحماس !!.<BR>أيضا أعلن مسئول كبير في رئاسة مجلس الوزراء "الإسرائيلي" أن "إسرائيل" ستقوم بتحويل 100 مليون دولار للسلطة الفلسطينية من الأموال الفلسطينية المجمدة ، وأن "مبلغ 100 مليون دولار سيتم تحويله في الساعات الأربع والعشرين المقبلة" ، وكان قد تقرر تحويل هذا المبلغ - ومصدره أموال فلسطينية جمعت من الرسوم الجمركية على البضائع المصدرة إلى الأراضي الفلسطينية عبر "إسرائيل"- أثناء قمة عقدت بين رئيس الوزراء "الإسرائيلي" ايهود اولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس في 23 ديسمبر الماضي في القدس ، ولم ينفذه أولمرت إلا حينما حضرت رايس .<BR><BR><font color="#FF0000">والخطة هنا تقوم على ثلاثة عناصر : </font><BR><font color="#FF0000">الأولي : </font> تقوية قوات الرئيس الفلسطيني ومد الدعم المالي والسياسي لها ، مقابل استمرار التضييق على حكومة حماس بهدف تقوية عباس عسكريا وسياسيا أمام الشعب الفلسطيني باعتبار أنه هو الذي سيحل الأزمة المالية والاقتصادية ورفع الحصار ، وهذا ضمن رسائل واضحة للفلسطينيين تقول لهم أن خيار حماس معناه الحصار والتجويع ، أما خيار أبو مازن فمعناه رفع الحصار وإنهاء المعاناة الاقتصادية .<BR><font color="#FF0000">الثانية : </font> الضغط على أبي مازن لتسريع قضية إنهاء حكومة حماس سواء بفكرة حكومة وحدة وطنية يتم نزع الوزارات السيادية فيها من يد حماس ، أو بالدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة يجري خلالها التدخل الأمريكي بالأموال وربط صناديق الانتخاب برفع الحصار أو استمراره.<BR><font color="#FF0000">الثالثة: </font> التنسيق مع دول الجوار العربي من أجل حصار حركة حماس ودفعها للقبول بتقديم تنازلات تتمثل في الاعتراف بـ"إسرائيل" أو ترك الحكم .<BR><font color="#ff0000"> الكفر بالديمقراطية! </font><BR>واللافت هنا أن خطط عزل حماس بدأت أولا بالحصار الأمريكي والغربي ومنع الأموال عن الشعب الفلسطيني وغلق المعابر ، وعندما لم تنجح الخطة بدأت سلسة تفجيرات واغتيالات في الداخل الفلسطيني واضرابات واعتصامات حرضت عليها قوى نافذة في حركة فتح بهدف إظهار حكومة حماس بأنها لا تسيطر على الأوضاع الفلسطينية الداخلية وعاجزة في الوقت نفسه عن توفير الخبز لشعبها .<BR>وعندما فشلت هذه الخطط أيضا، وبدأ وزراء حماس يدخلون الأموال عبر معبر رفح الحدودي لتخفيف حالة الحصار عن الشعب، ويفضحون خطط المتعاملين مع الاحتلال، بدأت خطط غلق المعابر ومنع دخول الأموال العربية للداخل الفلسطيني عبر المعبر وكان أبرز هذه الحالات منع رئيس الوزراء هنية من الدخول لغزة بـ 35 مليون دولار قبل عيد الأضحى.<BR>والآن بعدما فشلت كل الخطط لإقصاء حكومة حماس بدأ التهديد العلني غير المستتر بحل الحكومة من قبل أبو مازن ، وبدأ التدخل الأمريكي العلني والمباشر لإقصاء حماس عن السلطة والحديث عن هذا بوضوح ، حتى وصل الأمر لتأجيج الحرب الأهلية بين حماس وفتح عبر رموز أمنية فلسطينية ومسئولين سابقين من حركة فتح مشهورين بتعاملاتهم مع تل أبيب وواشنطن .<BR>بعبارة أخري أصبح واضحا أن واشنطن – التي ضغطت على الدول العربية من قبل لفرض الديمقراطية – باتت تكفر بهذه الديمقراطية ولا تتورع عن التدخل لإسقاط حكومة منتخبة شعبيا (حماس) طالما أنها لا تلبي مصالحها ولا مصالح تل أبيب !<BR>وحتى الرئيس الفلسطيني الذي كان يتحرك بحرص في هذا الملف لأنه لا يوجد في الدستور الفلسطيني الحالي ما يسمح له بحل الحكومة المنتخبة ( لأن فتح لن تتصور يوما أنها ستترك السلطة فوضع خبراؤها القانونيون الدستور هكذا بدون توضيح لهذه الجزئية التي لم تكن أصلا موجودة ،أي رئيس للوزراء) ، بدأ يتحرك بصورة علنية لإقصاء حكومة حماس ، وبدأ خصوم حماس من حركة فتح يتحدثون عن أنهم هم الذين قاموا بمفاوضات أوسلو وهم الأحق بتولي السلطة بصرف النظر عن أي انتخابات!.<BR>ويبدو أن اللقاء الذي جري بين أبو مازن وزعيم حماس السياسي خالد مشعل في دمشق السبت 20 يناير 2007 كان يستهدف بشكل أساسي التوصل لأي حل تخرج به حماس من السلطة طوعا قبل أن يخرجها أبو مازن وأمريكا قصرا بهدف تعبيد الطريق لمفاوضات أخري جديدة لتحريك عملية التسوية .<BR><font color="#ff0000"> الحصيلة .. صفر! </font><BR>ورغم كل هذه الجهود الأمريكية التي تستهدف في نهاية الأمر إنقاذ ماء الوجه في العراق ، والسعي لابتزاز جديد للحكومات العربية بكارت إنعاش مفاوضات التسوية الفلسطينية مقابل مطالب محددة في العراق ، فمن الواضح أن كل هذه التحركات الأمريكية تدخل على حقيقة إفلاس السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط .<BR>فزيارة رايس كشفت ضمنا عن قصر يد أمريكا وإدارة بوش الفاشلة والمهزومة في العراق وأفغانستان وحتى فلسطين عن تقديم أي جديد، سوي المزيد من الوعود ، واعتراف رايس أنها لا تحمل جديدا (وإن سعت لفلسفة ذلك بالقول أن دراستها كأستاذة علوم سياسية سابقة علمتها عدم فرض خطط على الآخرين!) ، واعتراف بوش نفسه بالفشل في العراق وسعيه لاستدارا عطف الكونجرس بدعوى أن الهزيمة في العراق ستعني هزيمة أمريكا لا بوش ومن ثم سيكون لها تداعيات على تشجيع قوي "التطرف والعنف " على الظهور أكثر ومحاربة النفوذ الأمريكي .. كل ذلك دليل واضح على أن الحصيلة صفر وأن الهدف في النهاية هو إنقاذ "إسرائيل" أيضا .<BR>بل أن التحرك الأمريكي الأخير باللجوء لذات الحكومات العربية التي سبق أن هاجمتها إدارة بوش ووعدت بإقصائها ضمن خطط نشر الديمقراطية لا يعني سوي الفشل والعودة للاعتماد على هؤلاء الأصدقاء الجدد (بصرف النظر عن الديمقراطية أو غيره) لتوفير قارب نجاة لأمريكا من مستنقع الدم في العراق ، ومحاولة ترميم سياستها في الشرق الأوسط !.<BR>ولأن حكومة حماس هي العقبة أمام تسريع أو تحريك مفاوضات السلام وتقديم المزيد من التنازلات الفلسطينية ، وهي الحجة التي سوف تتزرع بها الحكومات العربية أمام شعوبها لتبرير مد يدها لأمريكا لإخراجها من المستنقع العراقي ، فقد نشطت التحركات في كل اتجاه فلسطينيا عربيا وأمريكيا و"إسرائيلياً" ، كل يقوم بدوره لإنجاز الصفقة على حساب المقاومة وعلى حساب المصالح العليا للشعب الفلسطيني !<BR><br>