الحكيم ـ نصر الله: عدوان لبعضهما أم صديقان؟
18 ذو القعدة 1427

"لا تخرجوا من العراق".."اضربوا بيد من حديد على أيدي الصداميين والتكفيريين والإرهابيين"، هذه رسائل عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة "الإسلامية" في العراق للرئيس الأمريكي لدى زيارة القيادي الشيعي البارز لواشنطن. <BR>"اخرجوا الإسرائيليين من جنوب لبنان".."اخلعوا الحكومة العميلة لأمريكا وإسرائيل في لبنان".."حكومة السنيورة غير نظيفة"، وهذه رسائل حسن عبد الكريم نصر الله زعيم "حزب الله" في لبنان للشعب اللبناني.<BR>يمكننا أن نرى لـ"الشيطان الأكبر" أكثر من وجه بعدستي الحكيم ونصر الله، والمفارقة ليست في وجود هاتين العدستين بحد ذاتهما، وإنما في توازيهما في منظار واحد يمسك به مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي!!<BR> بيد أن هذه المفارقة سرعان ما تتلاشي عندما تُقرأ من زاوية المبدأ الإيراني المذهبي الأصيل، وهو مبدأ "التقيّة"، وهي هنا في السياسة تعني أن تتخذ الموقف وضده، وتطلق تصريحاً وتسحبه أو يقوم ممثل آخر بنفيه، وأن تصادق الرئيس الأمريكي وتعاديه في ذات اللحظة، وأن تتحدث بخطاب حنجوري عن "الشيطان الأكبر" (الولايات المتحدة الأمريكية) في بلد وتتحالف معه في بلدان أخرى، فالحل وفقاً لخامنئي ونجاد أن ترحل الولايات المتحدة الأمريكية من العراق فوراً، لكنه عند الحكيم يستدعي بقاءها، والحكيم بالمناسبة هو أول من دعا إلى علنية التفاوض والحوار بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الاستيلاء على العراق، وهو الذي كشف الستار عن تحالف "باطني" ينسق الجهود والمواقف لقضم الكعكة السنية الإسلامية منذ أمد بعيد، عندما جعل "الخصمين" يتحدثان كلاهما علنياً عن ضرورة الحوار حول العراق، بعد أن كان التنسيق بين "الخصمين" يجري بصورة سرية. <BR>الحكيم بالتأكيد لم يعجبه اتهام الرئيس المصري حسني مبارك للشيعة بالولاء لغير أوطانهم لكنه دعا من قبل إلى تعويض العراق لإيران بمئة مليار دولار نظير خسائر الأخيرة من الحرب، وما زال يحتفظ بـ"فيلق بدر" المجهز إيرانياً بالكامل ويشرف عليه ضباط كبار من الحرس الثوري الإيراني، وهو وحسن نصر الله صنوان في ذلك، لكن الأخير دعا مؤخراً أنصاره للتظاهر باسم العروبة، وقال فيما قال إن بيروت ستظل أرض العرب وحامية العروبة، ولا غرو فدرجات ضعف النظر في عين المرشد ليستا واحدة ولذا كان منطقياً أن يكون لكل عدسة اختلاف عن نظيرتها، فكان للحكيم خطاب ظاهر الوضوح والالتصاق بالـ"الشيطان الأكبر"، وكان لنصر الله خطاب مفعم بالثورية الفارغة، والموهمة بالتساوق مع رغبات بني يعرب الطيبين! وهو قد حاول التملص من أخبار تلاحقه بتدريب جيش "المهدي" بالعراق وفرق الموت التابعة له برغم تواتره من مصادر عراقية وأمريكية متعادية.<BR>إذا أردت أن ترى الرجلين عدوين، فذاك ميسر؛ فالحكيم يدعو بقوة إلى بقاء الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وهو بذلك أكثر حظاً في الاقتراب من "الشيطان الأكبر" من (رئيس الوزراء اللبناني) فؤاد السنيورة الذي يمطره نصر الله كل يوم بقذائف اتهاماته بالعمالة للغرب وخيانة الوطن اللبناني مع أن السنيورة لم يدع يوماً من الأيام إلى جلب القوات الأمريكية إلى لبنان مثلما فعل ذلك الحكيم انطلاقاً من مؤتمر لندن المشؤوم لـ"المعارضة العراقية"، واتخذ من ذلك سياسة له ـ ومن قبل سلفه باقر الحكيم ـ، لم يغيرها ولم يتنصل أو يخجل منها ـ والحق يقال ـ خلال تلك الشهور الأربعين الماضية، والسنيورة كما يعلم الجميع برغم اختلافهم البعض معه أو رفضهم لسياسته التقاربية مع الغرب لم ترشح أية معلومات عن تلقيه أموالاً فضلاً عن أن تكون رواتب كما كان يتلقى الحكيم من الأمريكيين خلال عضويته لمجلس الحكم العراقي المنحل ما قيمته 50 ألف دولار كراتب شهري. <BR>وتستطيع أن ترى الرجلين عدوين عندما يأتيك نبأ زيارة الحكيم لواشنطن بعد أيام فقط من زيارة بوش لعمّان، وهو للتذكير لا يشغل أي منصب رسمي في الحكومة العراقية بما يشي بالحفاوة البالغة والعلاقة الحميمة بالرئيس الأمريكي، وقد دان نصر الله من قبل زيارات قادة بعض القوى اللبنانية كجنبلاط ـ ذي المزاجات المتقلبة لا التوجه الأمريكي الثابت كالحكيم ـ واستنكر مقابلات السنيورة مع (وزيرة الخارجية الأمريكية) كونداليزا رايس في بيروت. <BR><BR>أما إذا أردت النظر إليهما كصديقين فلن تعييك الحيلة أيضاً؛ فالحكيم ونصر الله يتخذان قبلة واحدة في تعلمهما وفي ولائهما ويدينان بالأفكار الميكيافيلية الواحدة التي تسمح لهما بارتقاء ظهور دبابات المحتل والاطمئنان القلبي إليها، وإلى إطلاق القذائف الصاروخية باتجاهها لإيقاف زحفها، وقلب "كبير" يتسع للمقاومة والخيانة في آن معاً، ولرؤى فسيحة يمكن أن لا ترى غضاضة في الجمع بين رفع ألوية المقاومة في بلد وتصفيتها في بلد آخر، وإلى تشجيع الكفاءات في بلد وذبحها في آخر. <BR>وحين تجد الرجلين كليهما يقبّل يد مرشد الثورة الإيرانية ويدينان له بالولاء ويوزعان الأخماس باسمه، فلابد ألا تتسلل إليك فكرة أخرى للعلاقة الجامعة بينهما إلا الصداقة والأخوة، فثم هي الصداقة التي يباركها "ولي أمر المسلمين" ـ وفقاً للرجلين ـ ويفيض عليها من رعايته. <BR>وحيث نعجز أن نرى الصداقة والعداوة إلا بمعناهما الصريح الذي تربينا عليه وألفناه، فنستميحكم الأعذار أن فشلنا في فهم ماهية هذه العلاقة التي تجمع بين الرجلين، وتجعلهما كثيراً يتجنبان الحديث عن بعضهما البعض بالخير أو بالشر!! <BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR> <BR> <BR><BR><BR><BR><BR><br>