أحداث كلية اليمامة بين الأغيلمة ومسيلمة
11 ذو القعدة 1427

الإنصاف عزيز ، والكذب سمة تكاد أن تكون عامة إلا ما رحم الله ، وجل الناس يدافعون عن آرائهم ليس من باب صحة الرأي المتنازع حوله ولكن دفاعاً عن مبدإٍ-لا يستقيم لبشر بعد الأنبياء- مفاده أن هذا الإنسان دائماً على صواب وبالتالي فكل حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله ممتنعة عن الخطأ كأنها من مشكاة النبوة عياذاً بالله من الضلالة .<BR><BR>وقد تسامع الناس في بلادنا – حماها الله – عما حدث في كلية اليمامة وأسبوعها الثقافي ، وتضاربت الأقوال والروايات وفشا فيها التكذيب الصريح أو المبطن ؛ ولست بصدد الحديث عما جرى في مسرح اليمامة لأني لم أحضر ويستحيل أن أنقل عن وسائل أجزم بغلبة الكذب عليها ؛ كما أني لن أنقل عن مصادر أخرى قد تبالغ في النقل أو تركز على جوانب دون أخرى ؛ ولذا أحببت الحديث عن أمور قد لا يختلف عليها العقلاء أو أكثرهم أو هكذا أحسب .<BR><BR>وأول ما أتحدث عنه هو استنكار الشغب عموماً وكل عمل باليد ممن لم يوكل إليه مهمة التغيير باليد خاصة إذا كان هذا الإنكار يقود إلى منكرات أعظم ؛ ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية الذي كان لا ينكر على سكارى التتار حتى لا يفيقوا فيقتلوا المسلمين ويهتكوا الأعراض وينهبوا الأموال .<BR><BR>وأتبع استنكاري باستنكار آخر ؛ ولا يصح إنصاف بغير هذا الاستنكار ، فهذا الأسبوع الثقافي لم يأت بجديد بل كرر فكراً عرض نفسه مراراً من خلال " الجنادرية " و ملتقى " المثقفين " وأخيراً في ندوات معرض الكتاب ؛ فكأن بلادنا لا يروج فكر فيها إلا هذا و لا مفكرون إلا هذه الأسماء التي شابت مفارقها . وهذا الفكر يصادم تدين المجتمع كما يناقض الدعوة السلفية التي قامت عليها هذه الدولة التي هاجمها بعض هؤلاء المشاركين باعتبارها " خانقة " الإبداع .<BR> ثم إن المسرحية المصاحبة تحكي قصة غلو قد خبت ناره _والحمدلله_ ؛ فعجباً لليمامة وثقافتها إذ انحصرت في فكرين متناقضين يقبعان على طرف المشهد الثقافي السعودي الذي يحوي من العلم والثقافة والأدب ما تتمنى التواصل معه شعوب المسلمين .<BR><BR>ومن غرائب اليمامة أنها كلية إدارية ؛ وتنوي التحول لجامعة إدارية وتقنية ، فلو أنها جعلت أسبوعها الثقافي في التنمية الإدارية أو التفوق التقني وطعمته بمواد ثقافية مابين شرعية وأدبية وفكرية لكان تصرفاً مباركاً من جهة تعليمية تحترم نفسها وتحرص على سمعتها . وقد كان من الحكمة أن تحافظ الكلية على مكتسباتها وجمهورها وسوقها وهذه القضية تهم مالكها الفاضل ؛ كما كان لزاماً على الكلية أن تحافظ على مكانتها العلمية وثقلها الأكاديمي وهذه المسألة تعني عميدها إلا إن كان يساوم على مكانة الكلية مقابل نصف صفحة في صحيفة أو عِدة ٍقد لا يسعفها الزمن فلا تتحقق . <BR>وثمَّ أمر لا يُغفل وهو نقل وسائل الإعلام المتحيز كالعادة ؛ فقد ركزت هذه الوسائل على التصرفات المرفوضة من بعض الشباب ، وهذا النقل لا بأس به لو كان صادقاً بلا تزيد ولا افتراء ؛ ولذا نأسف ولا نعجب من " تبهير " الحوادث ونقل تعليقات المداخلين على غير حقيقتها وصفاً أو تحليلاً مع إغضاء العين عن أخطاء المتحدثين المستضافين وصرف القول عن نوعية الموضوعات . ومن جانب آخر تسكت هذه الوسائل عن مظاهر شغب مماثلة أو أشنع كما في ظاهرة حرق المساجد وكما يحدث عقيب المباريات أو في الأعياد والاحتفالات وفي شوارع التفحيط والاعتداء على السيارات العائلية. ويستبين من هذا أن الانفلات الأمني والخلقي وحتى السياسي لا تهتز له هذه الوسائل إلا إن كان الذي يقوم به <BR>طرف يمكن حسابه على الصالحين . <BR><BR>ومما يتندر به ما يشاع عقب كثير من المناسبات الثقافية عن التجمهر حول الرمز الثقافي ومحاولة الاعتداء عليه ؛ ونحن مجتمع تجمع وتجمهر بلا مواربة ؛ فالناس يتجمهرون حول الحوادث وحول العلماء و " النجوم " ؛ فليس غريباً تجمهرهم حول كبير الحداثيين في اليمامة أو كبير الإقصائيين في ندوات معر ض الكتاب، ومن لوازم التجمهر التدافع وتداخل الأصوات وتنازع أولية الحديث . وعيب كل العيب استدرار العطف وتلفيق تهم الاعتداء خاصة أن أقل الناس ذكاءً يدرك أن من أراد الاعتداء فالأمكنة والأزمنة تسعه عن كشف نفسه فوق مدرج ثقافي عام ! مع دعائنا بأن يحفظ الله لنا الكهول والشيوخ وأن يهدينا وإياهم لمرضاته . <BR>وأعود مذكراً إخواني المحتسبين بضرورة الاستمرار في الاحتساب والتوجيه شريطة أن يكون الاحتساب " سلمياً " ، وليس من الحكمة دعوة صغار السن لحضور هذه الملتقيات الثقافية خشية الافتتان بمتحدث ماكر أو الفهم الغلط الذي قد يؤدي لتصرف مشين . وأؤكد على ضرورة الإعداد الثقافي المتميز قبل المداخلة في أي برنامج ثقافي حتى لا تكون مداخلاتنا وعظية فقط ؛ ومن هذا الباب القراءة في موضوعات البرنامج الثقافي وقراءة كتب ومقالات المشاركين والاستنئاس بالدراسات التي اعتنت بالفكر الذي يعرض نفسه ، ويزين الاحتساب الثقافي أن يشارك فيه المختصون الذين ألفوا كتباً أو دراسات علمية محكمة عن الموضوع . كما أن من دحض الكذب ومنع التزيد أن تصور الوقائع الثقافية كاملة فتعرض كاملة إذا دعت الحاجة لعرضها ؛ وينبغي استصحاب الدقة والحذر لكثرة من يلوث الماء العذب الزلال بله الاصطياد في العكر الكدر .<BR><BR>وتبقى كلمة للكلية ولكل جهة أخرى ننشادهم فيها أن تكون برامجهم الثقافية ثرية ونافعة وماتعة ومنوعة من غير أن يكون فيها اعتداء على الثوابت التي لا نرضى جميعاً بمساسها ومع الالتزام بالتعليمات التي تمنع الاختلاط ؛ كما أننا نأمل منهم ومن جميع الجهات المنظمة ألا تكون برامجهم مدعاة لإشغال الأمن ورجاله المشغولين أصلاً بما يحفظ أمن البلاد والعباد في الدين والدنيا.<BR><br>