هل لهذه الأسباب تم اغتيال هذا الوزير بالذات؟
10 ذو القعدة 1427

قد يكون من المفيد معرفة من قتل الوزير والنائب بيار أمين جميل، على الأقل لوقف مسلسل الاغتيالات وليأخذ المجرم عقابه ولتخف حدة الاتهامات المتبادلة بين المعارضة والحكومة، ولكن ما نريد أن نسلط عليه الضوء في هذه المقالة هو ما أفرزته هذه الحادثة من واقع ومن متغيرات سياسية على الساحة اللبنانية ، لعلنا إذا أجرينا مقاربة صحيحة لما أفرزه الاغتيال أو ما كان يمكن أن يفرزه من واقع جديد، ربما نستطيع أن نعرف من الفاعل أو على الأقل ما الأجندة التي أعدت للبنان مع هذه الحادثة. ولتحقيق مقاربة صحيحة فإننا نسلط الضوء على الواقع السياسي المعقد في لبنان قبيل الاغتيال وما أهمية الضحية في المعادلة السياسية ؟ وما أحدثت هذه العملية من متغيرات في تلك المعادلة الجدُّ دقيقة في الواقع اللبناني.<BR><font color="#ff0000"> الواقع المأزوم أصلاً</font><BR>في ظل الأزمة الدائرة في لبنان وفي ظل الصراع القائم حول المحكمة الدولية هل هي لحماية لبنان كما تقول الحكومة أم هي لفرض الوصاية الدولية كما تقول المعارضة وفي ظل الوضع المتشنج الذي وصل إلى حد الاتهام بالعمالة للخارج ، الاتهام للجميع ومن الجميع ، فالحكومة عميلة للأمريكان بل إن الحكومة "هي حكومة فيلتمان وليست حكومة السنيورة ، الحكومة التي تواطأت على قتلنا" على حد تعبير زعيم المعارضة حسن نصر الله ، و"المعارضة الحليفة لسوريا والمتسترة على القتلة والمجرمين لزعماء لبنان" . المعارضة التي تريد أن تسرق الحكومة كما سرقت رئاسة الجمهورية وكما سرقت رئاسة مجلس النواب . المعارضة التي تريد أن تعطل كل ما تقوم به الحكومة. المعارضة التي تريد أن تعيد الدور السوري إلى لبنان، وترهنه للثورة الإيرانية على حد تعبير الحكومة.<BR>في ظل هذه الاتهامات المتبادلة وقبيل انعقاد مجلس الأمن لإقرار المحكمة الدولية في الوقت التي كانت المعارضة على كامل الجهوزية وقد وضعت اللمسات الأخيرة لتحركها في إسقاط حكومة السنيورة في الشارع وبعد عدم نجاح جميع الوساطات التي طُرحت من قبل سفراء عرب لحلحلة الوضع السياسي المأزوم فقد فشلت الدبلوماسية السعودية في تجاوز الأزمة كما أن الوساطة المصرية لم تؤت أكلها وبدا الوضع أكثر ضبابية مع "ربع الساعة الأخيرة" التي تسبق العاصفة جاء اغتيال الوزير والنائب بيار أمين جميل!<BR><font color="#ff0000"> من هو الوزير بيار وأين موقعه من المسيحيين؟</font><BR>بيار جميل صاحب 34 ربيعاً، "الطفل الرجل" كما يسميه والده الرئيس السابق أمين جميل ، عاش معظم أيامه في فرنسا ، كان صغيراً أثناء الحرب الأهلية في لبنان ولم يكن له يد فيها وبالتالي ليس في ذاكرة المسيحيين أو اللبنانيين أي علامة استفهام حول شخصيته كما انه يعتبر أنموذج ومثال للشبان المسيحيين في تطلعاتهم السياسية داخل طائفتهم وداخل بلدهم ، فقد استطاع دخول البرلمان اللبناني كنائب عن المقعد الماروني لمنطقة المتن الشمالي في محافظة جبل لبنان عام 2000 أثناء الوجود السوري في لبنان وبدعم من العونيين آنذاك والمعارضين بدورهم للوجود السوري ثم عُين وزيراً للصناعة في حكومة السنيورة في يونيو 2005 على حداثة سنّه.<BR> أضف إلى ذلك انتماءه لتيار الكتائب اللبنانية والذي يعتبر نفسه أهم الأحزاب المدافعة عن الوجود و"الحق" المسيحي في لبنان. لقد حاول بيار في الفترة الأخيرة كما يخبر عنه والده أن يعيد الحياة لهذا الحزب الكتائبي في كل مناطق لبنان حتى إن الآلاف من الشباب المسيحي بدؤوا يتقدمون بطلبات الانتساب للحزب وذلك من خلال حضور بيار وكيميائيته الجاذبة في العلاقات الاجتماعية.<BR> <BR>يعتبر بيار رئيساً لمجلس الأقاليم والمحافظات في الحزب ، وعضو المكتب السياسي فيه والمؤهل لقيادته عند أول استحقاق انتخابي للحزب ، فقد عقد 145 اجتماعاً في الأقسام الكتائبية في مختلف المناطق في أواخر ثمانية أسابيع من حياته واستعاد الآلاف من الكتائبيين القدامى لتجديد بطاقاتهم الحزبية .<BR>هذا الحزب الذي أسسه بيار الجميّل (جد الوزير اللبناني ووالد أمين) عام 1936، وقاده لأكثر من أربعين عاماً أراد الوزير بيار أن يحيه من جديد ولكن في ثوب جديد بعيد عن الميليشيات ، حزب يحمي حقوق المسيحيين ولكن في إطار الدولة وضمن ميثاق العيش المشترك الذي ارتضاه للكتائب وعبّر عنه من خلال دعمه للحكومة في لبنان.<BR>بل كان من المتوقع أن يُرشح لرئاسة الجمهورية سيما أن فريق من قوى 14 آذار كان يرغب بذلك وهذا ما كشف عنه والده خلال الاجتماع الموسع لفريق السلطة في بيت الكتائب المركزي بعد اغتيال بيار، حيث توجه النائب سعد الحريري إلى الرئيس أمين الجميل قائلاً له: تصرف على أنني ابنك بعد غياب بيار. فشكره الجميّل الأب وقال للحاضرين: ربما هو الوقت لأبلغكم أن الشيخ سعد كان قد قال لي قبل وقت:"يا ريت فينا نجيب بيار رئيس للجمهورية".<BR> بيار جميل هو الماروني الأول الذي يتم اغتياله من بين كل الذين استهدفوا حتى الآن من المسئولين ، وقد جاء اغتياله في وقت نشهد حراكا سياسياً مارونياً باتجاه تيار الجنرال عون والذي هو أحد أقطاب المعارضة حيث ذكرت بعض مراكز الاستطلاع والدراسات أن شعبية الجنرال عون داخل الطائفة المسيحية لا تقل عن 68 % والتيار العوني يعتبر التيار الماروني الوحيد والحليف لحزب الله في المعارضة ، وإن انسحاب عون من المعرضة أو ضعف رصيده الشعبي في طائفته يعني تلقائيا أن المعارضة تتخذ طابعاً طائفياً شيعياً ، وهذا ما لا يصب في مصلحة حزب الله وأحلافه من المعارضة ، فكان لا بد من جذب الصف المسيحي بطريقة ما إلى الخندق الآخر بعد أن أكّد الجنرال عون أن حلفه مع المعارضة هو حلف استراتجي لا يمكن التراجع عنه ، ولجذب الصف المسيحي كان لا بد من عملية اغتيال بهذه الطريقة ولهذا الشخص الذي يمثل النموذج للشباب المسيحي الطامح لبناء بلده .<BR>أضف إلى أنه وزير ونائب في الدولة اللبنانية فهو الماروني الخامس في حكومة السنيورة وصاحب الرقم 18 في عديدها من أصل 24 " وبلغة رقمية -كما يقول أحد الكتائبيين- إنه الوزير صاحب الرقم المركب : أكثرية الثلثين +2 . ما يعني أن استهدافه قد يؤدي إلى إنقاص عدد الوزراء في الحكومة الحالية وذلك بهدف تعطيلها كما أن اغتياله هو استهداف للوجود المسيحي برمته.<BR>كما أن طريقة اغتياله في منطقة "الجديدة" في المتن الشمالي والتي هي بلدة مسيحية لا تكاد تجد فيها مسلم واحد وعلى بعد مئة متر من مكتب الكتائب التابع لحزبه وفي منطقة تشهد جدلاً ساخناً بين أنصار التيار العوني المعارض وبين أنصاره الكتائبيين وحلفائه المسيحيين من قوى 14 آذار ، وبطريقة جديدة في القتل حيث كان القتلة سافري الوجه تثير شكوك حقيقة حول أهداف القاتل والتي نحاول أن نحددها في هذه المقالة.<BR><font color="#ff0000"> لبنان بعد الاغتيال</font><BR>قد لا يكون مفيداً معرفة من اغتال جميل لا سيما أن ما خطط له أن يقع من خلال عملية الاغتيال ربما هو في طريقه إلى التنفيذ ، لقد جاء هذا الاغتيال والبلد في حال انقسام حاد بين أكبر الأطراف السياسية والوضع المأزوم أصلاً بين المعارضة والحكومة يشجع على مناخ الاغتيالات لكل فئة ولا مصلحة لأحد في هذا الاغتيال وإن كان يصب في جانب الأكثرية، لكن قطعاً لا يجوز أن نتهم به الأكثرية ،بداع أنه يصب في مصلحتها فالمخطط للجريمة كائناً من كان ، كان يريد بلا شك ما يلي :<BR>1. دفع اللبنانيين إلى الاقتتال الداخلي طائفياً ومذهبي ، فالاغتيال في هذا الجو المشحون والتخويني لا بد أن يودي بالجميع إلى الاقتتال إذا عجز الجميع عن التبصر والحكمة؟ <BR>2. إشعار المسيحيين بأنهم مهددون من قبل عدو ما ، وذلك باغتيال أكثر من أربعة قيادات لهم خلال سنتين ما يدفعهم إلى عدم الشعور بالأمن في محيطهم الإسلامي وبالتالي التفتيش عن حامي لهم خارج الحدود!. <BR>3. دفع المسيحيين إلى تبني التشدد وإنشاء الميلشيات لحماية أنفسهم وممتلكاتهم ، فاغتيال الوزير قرب مكتب لحزبه الكتائب يعني عجز محازيبه عن نصرته لأنهم مجردون من السلاح ، والحل قد يكون في وجهة نظر الكثير منهم هو التسلح خارج إطار الدولة. <BR>4. خلق فتنة مسيحية- مسيحية، فالمنطقة التي قُتل فيها الوزير تنتمي سياسياً في معظمها إلى التيار العوني وكذلك ميشال المر نائب رئيس الوزراء السابق والذي تربطه عداوة قديمة مع آل جميل ما يحمل دلالات عدة. <BR>5. نزع الثقة بين أطراف الحوار في لبنان ، فالأكثرية تتهم الأقلية بارتكاب الجريمة ولديها ما يبرر لها وكذلك الأقلية تتهم الأكثرية بالجريمة ولها ما يبرر لها. فلا يبقى بعد ذلك إلا التشنج الذي لا يفضي إلا إلى المجهول،وبالتالي تحويل الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة إلى صراع مسلح . <BR>6. تعطيل الحكومة من القيام بدورها في رعاية شئون الناس في وقت يعيش البلد واقع اقتصادي متردي للغاية وبطالة بكل أنواعها.<BR> بعد كل هذا أسأل هل من مصلحة أحد من 8 آذار أو 14 آذار أن يخلق هكذا وضع في لبنان؟ أنا أشك أنّ لبنانياً واحداً عنده هذا العداء الشديد لبلده ويريد به كل هذا التآمر ، إذاً من المستفيد؟ هل المعارضة أم الحكومة؟<BR>الحكومة والمعارضة اليوم لا يخدمهما ما حدث ، لأنه يضعهما في زاوية سياسية ضيقة ومزعجة، وليس من مصلحتهما هز الاستقرار، كما انه سيدخل البلد في دوامة يعجز أي فريق لبناني في ضبطها ، وبالتالي لا مصلحة لكل من الطرفين للمزيد من توتير الجو السياسي وتصعيد أكبر للخلافات السياسية بينهما.<BR>وللإجابة على سؤال من أقدم على هذا الفعل يجيب الكاتب سليمان تقي الدين بأن من أقدم على هذا الفعل طرف خارجي أراد تصعيد الإشكاليات القائمة وليست أي قوى سياسية من داخل لبنان،ولا يجوز تبرئة أي طرف خارجي، فالجميع موجود في لبنان (إسرائيل وسوريا وأمريكا وفرنسا وإيران ...) في ظل مناخ أمني وسياسي يساعد على تخريب كل العلاقات بين القوى السياسية كلها. <BR>إن منظور الصراع الإقليمي المفتوح لكل اللاعبين من خارج البلد يؤكد أن أطراف خارجية كثيرة لها مصلحة في هذا الاغتيال ، فلا تكاد تجد دولة عربية أو إقليمية أو عظمى إلا ولها جهاز مخابرات في لبنان يسرح ويمرح وربما قادر على أن يفعل ما لا يستطيع أي لبناني أن يفعله فهل يستطيع اللبنانيون أن يتجاوزوا المحنة وان يتعالوا على الجرح وينتصروا على ما يخطط ويدبر لهم أم أن قدر لبنان أن يخرج من دوامة ليدخل في أخرى؟<BR><BR>ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<BR>* كاتب لبناني<br>