النووي المصري: بين ضغوط الداخل و شروط الخارج ‼
21 شوال 1427

قبل يومين فقط، أوردت وكالات الأنباء العالمية أن الرئيس المصري محمد حسني مبارك قد تقدم رسميا بطلب إلى جمهورية الصين الشعبية مفاده أن بلاده ترغب في أن تساهم هذه الأخيرة في برنامج مصر النووي و هذا ليس سبقا إعلاميا فبي حد ذاته لأن هذا الخبر هو تطور بديهي منذ ذلك الخطاب الذي ألقاه نجل الرئيس جمال مبارك سكرتير اللجنة السياسية أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي الوطني الحاكم بتاريخ 19 من شهر أيلول/سبتمبر الماضي حيث تحدث زعيم مصر القادم، مثلما تسميه أغلب منابر الإعلام الغربية، على أن بلاده هي حاليا مستعدة لأن تواصل برنامجها النووي الذي ألغته في العام 1986 مباشرة غداة وقوع كارثة مفاعل تشيرنوبل السوفييتي سابقا و الأوكراني ثم أن والده أكد الأمر بعد أيام قليلة من ذلك إلا أن هذا الأخير، أضاف على كلام الأول أن مصر تنوي الاستفادة من مصادر الطاقة الحديثة و أنها بالتالي، سوف تسعى إلى تطوير برنامج نووي سلمي في إطار هذه 'النية'. <BR>على ضور التقارير، فإن الرغبة المصرية لحد الساعة، تتلخص في بناء محطة نووية بطاقة تقدر بألف ميغاواط بالقرب من منطقة الدباء الواقعة على الشواطئ المتوسطية للجمهورية و أن هذا الطموح هو فعلا بصدد التحقق هناك. إلا أن هذه التصريحات و 'النوايا' المشروعة أصلا، تأتي في ظل تطورات دولية في غاية التعقيد لأن الطاقة النووية حاليا هي واحدة من أكثر الموضوعات الرئيسية حضورا فوق ما يمكننا وصفه بجدول الأعمال الدولي بفعل أجواء التوتر المتصلة بالاختبارات الأخيرة للسلاح النووي من قبل كوريا الشمالية فضلا عن ملف إيران الذي ما يزال يثير الكثير من الحبر و التصدع في مواقف القوى العظمى مثلما هو معروف. <BR>من هنا تأتي أهمية هذه التصريحات باعتبار أن منطقة الشرق الأوسط باتت في السنوات الأخيرة واحدة من أهم ساحات الدبلوماسية العالمية و الحرب الباردة في طبعتها الحديثة خصوصا منذ أضحى السباق نحو امتلاك القوة النووية يحظى بقدر كبير من الأهمية بعد سنوات من التغاضي على تحول الكيان الصهيوني إلى قطب نووي بمعنى أن الموقف المصري الحالي، و الموقف السعودي بما أن المملكة العربية على ما يبدو باتت تفكر هي الأخرى في سلك ذات الطريق، هو دليل إضافي على أن مستقبل المنطقة قد يعرف في السنوات القادمة، تطورات لن يكون في وسع أحد و باستعمال الوسائل الحالية، توقعها.<BR>إلا أن مبررات إقدام مصر على إعلانها هذا، لا يمكن أن تكون عند هذا الحد فحسب بمعنى أنه من غير الممكن أن يكون السبب هو تخوف القاهرة من تطور القدرات النووية لإيران و لا حتى لإسرائيل على الرغم من أن هذه الأخيرة يفترض أنها العدو الأول و المباشر لها، لأن الدوافع هي و وفقا لرأي المحللين السياسيين، أكثر عمقا من ذلك فالنظام المصري بإعلانه هذا، يكون بصدد الإفصاح على أنه يتخوف فعلا من هذه الظروف السياسية الراهنة في الداخل التي جعلته يعيش على وقع تحديات خطيرة على استقرار نمط الحكم في البلد و بشكل لن نجازف كثير حينما نقول أنه الأصعب منذ ثورة تموز/يوليو 1952 بفعل تزايد حدة الغضب الشعبي على تلك الأحوال الاقتصادية الحرجة و التي لا شك أن أهمها هو عامل الزيادة السكانية المرتفع في هذه الجمهورية التي تشكل لوحدها ربع العالم العربي تقريبا. و بالتالي فإننا سوف نتغاضى عن التفسير المذهبي الذي يقول أن الرغبة المصرية لا تعدو أن تكون مجرد ردة فعل 'سنية' أملتها ضرورة الوقوف في وجه المد 'الشيعي' في المنطقة و إن كان لهذا التفسير ما يعززه كمثل تصريحات الرئيس مبارك الشهيرة التي ربط فيها بين الشيعة العرب و إيران على أساس أن ولاء أولئك لتلك.<BR>فلنترك هذا التفسير غير العلمي إذن تفاديا للوقوع في ثنائية التقابل المذهبي التي وصمت جزء واسعا من التحاليل 'الشرقية' في الفترة الأخيرة، و لكن،.. أليس من حق المتابع للموضوع الآن أن يطرح السؤال عن السبب الذي لأجله تغاضت القوى الكبرى و أمريكا، تحديدا، عن هذا الاعلان إلى درجة أن الكثيرين لم يتورعوا عن القول أن الموقف برمته لا يعدو أن يكون تحركا فرضته الإيعازات الغربية؟ و حتى و لو كان ذلك صحيحا على الرغم من أنه مستبعد لأن الدول ببساطة، لا ترسم استراتيجياتها المستقبلية على ضوء ملفات مرحلية ثم إنه يفترض أن النظام المصري على كثرة عيوبه هو نظام قوي و يملك عددا هائلا من الكوادر التي تغنيه عن لعب مثل هذا الدور، في وسعنا أن نتساءل أيضا عن السبب الذي لأجله سكتت أمريكا أمام هذا التطور في الوقت الذي تجمع التحليلات الغربية نفسها على أن مصر هي بلد قاب قوسين أو أدنى من أن يصير إلى حكم الإخوان المسلمين فهذا يعني مستقبلا أن مصر سوف تصبح دولة ذات مقدرات نووية 'سلمية' و لكنها مقودة من قبل هذا التنظيم لأن هؤلاء على حسب جل التخمينات و التوقعات، هم الأكثر ترشحا لقيادة الدولة مستقبلا عند أول انتخابات ديمقراطية فعلا؟<BR>الحقيقة أن تنظيم الإخوان و منذ الانتخابات البرلمانية الماضية، أظهر أنه القوة السياسية الوحيدة القادرة على معارضة قوة الرئيس مبارك فهو يمثل توجها و حركة متأصلة في المجتمع المصري بحضور و انتشار إجتماعيين واسعين فضلا على أنها في أعين جل معارضيها من المصريين، تمثل طرفا لا يمكن التغاضي عنه أو تجاوزه لأنها تتشكل أساسا من الشباب المهمش الذي هو للأسف، أغلب النسيج المجتمعي المصري و العربي بشكل عام علاوة على ما تمثله من قيم روحية تجسد ملامح هوية الغالبية الساحقة من الشعب و هي الأسباب التي يعجر أغلب الغربيين عن فهمها بغض النظر طبعا، عما تقدمه الحركة من خدمات عامة و كثيرة للسكان خصوصا في الأرياف من تعليم و رعاية صحية إلى درجة جعلتها تساهم في التخفيف من وطأة البطالة بشكل لا يخدم نظام الرئيس مبارك بالضرورة.<BR>و بما أن الحال هي على هذا الشكل، فإن تطور المقدرات النووية المصرية سوف تكون بلا ريب، مصدر خطر مستقبلي لأقرب حلفاء النظام الحالي فيها و نعني بها هنا الولايات المتحدة مضافة إليها ربيبة هذه الأخيرة بطبيعة الحال لأن الإخوان مهما يقال عن اعتدالهم و استعدادهم للتعايش، لا يبدون أي رغبة حاليا في الاعتراف بالدولة العبرية إلا إذا كانوا يرون في مثل هذا التصرف بمثابة 'قنطرة' يحوزون وفقها تأشيرة تولي السلطة و هذا الأمر علاوة على ما يعنيه في ميزان الشرع الذي تأسس التنظيم عليه أساسا، سوف يكون إذا ما حدث فعلا، ضربة قاضية لكل المخزون الشعبي للحركة بما أن ممانعة هذه الأخيرة في هذا الصدد و وقوفها بمثابة حجر عثرة في كل جهود 'التطبيع' بعد الاعتراف بالكيان الصهويني منذ أنشئت دولته على أرض فلسطين المغتصبة في العام 1948، كان السبب الفعلي لبلوغها ثم احتفاظها بما تملكه من جماهيرية في الوقت الحالي.<BR>بالتالي فإن واشنطن هي بصدد مواجهة ورطة جديدة تضاف إلى مسلسل ورطاتها المتلاحقة في السنين الماضية، فإن هي مضت في سبيل مساعدة مصر على أن تمتلك برنامجا نوويا سلميا قد يتطور مستقبلا و يصبح عسكريا لو تحقق و بلغ أكبر حزب السلطة و هذا ما سوف يعني في جملة واحدة: نهاية النفوذ الأمريكي في المنطقة بعد اندحار الشق العسكري منه في العراق مثلما هو واضح، و من جهة أخرى فإن واشنطن إن اختارت الطريق الثاني و رفضت الطموح المصري المعلن فإنها سوف تكون بذلك قد ساهمت في التضييق على الرئيس مبارك و بالتالي فهي من حيث لا ترغب، سوف تمنح خصومه في الإخوان مزيدا من القوة و الجرأة و حتى القدرة على جره و إجباره على الدخول في تغييرات حقيقية سوف تنهي حكما أحاديا تجاوز عمره لحد الساعة نصف قرن من التاريخ الحديث للجمهورية. <BR>نصل هنا إلى استنتاج أن الرئيس مبارك لا شك، مدرك لما تعانيه الإدارة الأمريكية إزاء وضع بلاده و بالتالي فإن سوف يعمل لأجل حشد مزيد من الظروف التي تعجل بأن تقدم واشنطن على اختيار السبيل الأولى باعتباره الحل الأقل ضررا من الناحية السياسية القريبة و هذا ما يمكننا قراءته من تصريحات رئيس وزراء العدو الإسرائيلي إيهود أولمرت الذي قال أن بلاده لا تعتبر المشروع النووي المصري تهديدا بمعنى أن تل أبيب بهذا الشكل، تكون قد أعطت موافقتها المبدئية رغم أن ذلك، كما قلنا آنفا، قد يشكل خطرا على مصالحها و مصالح أمريكا على المدى المتوسط. <BR>و بما أن الظروف على ما يبدو، تسير على هذا النحو فإنه من المفيد لنا أن نحاول الآن أن نعيد تركيب المشهد داخل إطاره الإقليمي الشرق أوسطي لأن إيران من خلال برنامجها النووي المتقدم، صارت تشكل بؤرة تصدع في العلاقات بين الدول الإسلامية بل و حتى العربية أيضا بما صار يفرضه حضورها من دور قوي في شئون منطقة الشرق الأوسط برمتها بغض النظر عن الترسانة النووية الصهيوينة التي قالت عنها مجلة جينس البريطانية المتخصصة في شئون الاستخبارات و الأمن من نحو عام من الآن، أنها تتراوح بين 200 إلى 400 رأس نووية.<BR>إذن فإن مصر التي تضررت سياسيا و بشكل فظيع نتيجة للحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، تعمل حاليا في سبيل إعادة توازنها الداخلي تمهيدا لفرض ثقلها الإقليمي لأن العدوان الأخير أثبت أن القاهرة على الرغم من مقدراتها البشرية الهائلة التي تتيح لها لعب دور أكبر بكثير من الحالي، لم تعد تشكل 'قطب الرحى' بمعنى أنها لم تستطع معرفة وقت اندلاع الحرب و لا هي استطاعت أن تكون لاعبا مؤثرا في سيرها علاوة على أنها فشلت أيضا في وقفها بل و حتى الاستفادة مما خلفته نتائجها من منطق يفترض أنه سيكون معيار أي تطور إقليمي على الأقل. من هنا فإنه من الممكن جدا أن تكون رغبة القيادة المصرية تتمحور حول رغبة هذه الأخيرة في استدراك هفوتها هاته و بالتالي، فإن إعلانها الأخير قد يشكل لو أحسن الاستمرار ثم الإصرار عليه، نقطة قوة سوف ترسم وفقا لها، ملامح المستقبل بما أن ما يجري في العراق و ما جرى قبيل أسابيع قليلة في لبنان، دليل على أن الرغبة الأمريكية ليست قدرا محتوما لا يمكن للمنطقة أن تتفاداه. <BR>ختاما فإن ما أعلنت عنه مصر مؤخرا بالإضافة إلى ما يعنيه من تطور داخلي في سبيل توفير موارد جديدة للطاقة في وسعها أن تضمن أمن البلد من هذه الناحية و بشكل كبير، و هذا لا ينفي أن الهدف منه سوف يكون أيضا العمل لأجل الضغط على الولايات المتحدة بطريقة تعزز موقع الرئيس مبارك و تمنحه القدرة على فرض انتقال السلطة إلى ابنه جمال لأن هذا المطلب الذي يحرص عليه مبارك ما يزال لحد الساعة يلقى برودا و حتى استهجانا من قبل الغرب على وجه عام. <BR><br>