أمريكا ونيجيريا والنفط والفوضى الخلاقة..والطائرة!
12 شوال 1427
أمير سعيد

<p>[email protected] <br />
إذا كان جوار كل برميل نفط في العالم مستثمر أمريكي يشارك مالكه أو عسكري يحرسه؛ فإن الفروع الضخمة التي أقامتها شركات النفط الأمريكية العملاقة كشركة شل وكوا البو التابعة لموبيل واسكرافوس التابعة لشيفرون وبراس التابعة لأجيب وبينينجتون التابعة لتكساكو في خليج غينيا في السنوات القليلة الماضية أمر لا يجافي المنطق والمعقول. <br />
وأساطين النفط الأمريكيون لا يمكنهم مقاومة إغراء مستقبل واعد للنفط في الغرب الإفريقي ووسطه يتوقع أن يماثل ما يقدمه الخليج العربي للسوق الأمريكية بعد تسع سنوات ويكاد يلامس سقف ما توفره كندا والمكسيك للدولة الأكثر شراهة نفطياً في العالم، فطبقاً لمعطيات إحصائية نفطية أمريكية يعززها آراء لخبراء الطاقة الأميركيون وعلى رأسهم ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي يمكن أن يمثل النفط الوارد من الغرب الإفريقي في العام 2015 ربع ما يحتاجه المستهلك الأمريكي وهي نفس النسبة التي تحصلها الولايات المتحدة الأمريكية من منطقة الخليج العربي الواقعة على خط الزلازل العسكرية والسياسية. <br />
الولايات المتحدة يممت وجهها منذ وقت بعيد شطر الغرب الإفريقي ونيجيريا بالخصوص لاعتبارها البلد الأكثر غني بالنفط في إفريقيا، ونقلت معها تطلعاتها المستقبلية في السيطرة على منابع النفط الإفريقية واستلابها من النفوذ الأوروبي القديم لاسيما الفرنسي منه، فرنسا التي ما فقدت كثيراً من نفوذها بسبب نهم الولايات المتحدة النفطي، وانحازت إلى مستعمراتها التقليدية القديمة كالسنغال والكونغو وتنزانيا، وإن ظلت تراودها أحلام تطوير علاقتها بالمستعمرة البريطانية السابقة/نيجيريا، لاسيما بعد أن غدا عزم نيجيريا على مضاعفة إنتاجها النفطي خلال الأعوام القليلة القادمة يسيل لعاب فرنسا ـ ومن خلفها ألمانيا ـ مثلما يحفز الولايات المتحدة الأمريكية على أن تحكم قبضتها على الدولة الأكبر إنتاجاً للنفط في أفريقيا (2.1 مليون برميل يومياً). <br />
بيد أن النفط ليس هو المحرك الوحيد وراء جد الولايات المتحدة الأمريكية السير إلى الغرب الإفريقي، فثمة ما يمكن إدخاله في المعادلة بين شطريها التنافسيين: الأمريكي والفرنسي، وهو عامل الدين الذي لا يبتعد كثيراً عن النفط في أهميته عند بطارقة &quot;دين المحافظين الجدد&quot;، لا بل ربما قرب أن نزعم أن النصوص القديمة التي &quot;يستهدي&quot; بها المحافظون الجدد قد سطرت بحبر نفطي، فلا نفط إلا وحفته كتائب الإرهاب أو هكذا على الدوام تتبدى المشاهد الإرهابية إن في الخليج العربي أو على سواحل بحر قزوين، أو هنا على خليج غينيا الاستراتيجي، حيث التحذير ممتداً من دارفور وحتى حفارات النفط المنصوبة في دلتا النيجر من &quot;الإرهاب الإسلامي&quot; الذي يأخذ أشكالاً مختلفة من الصراع السياسي والعسكري والقانوني والاجتماعي، فالمحاكم الإسلامية في الغرب الإفريقي/ولايات الشمال النيجيرية كما في شرقه/الصومال تثير حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحفزها لاستدعاء نموذج التغيير المضبوط البوصلة باتجاه البيت الأبيض، والمعروف باسم &quot;الفوضى الخلاقة&quot; التي تؤمن به الإدارة الأمريكية ويلهج به لسان كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية على الدوام.<br />
هذه الفوضى الخلاقة التي حركت إثيوبيا لمحاولة احتلال الصومال، ودفعت النيجر نحو تهجير قبيلة المحاميد العربية، وحركت قبائل اليوروبا المسيحية لرفض إعلانات الولايات الشمالية المسلمة (معظمها تنتمي لقبائل الهوسا التي تمثل نحو ثلث السكان)، وأغرقت البلاد في الفساد الإداري والسياسي الذي امتص كثيراً من ثروات النيجيريين ووسع الهوة بين طبقاتهم الاجتماعية وزاد من حدة التوتر والانقسامات التي هي في الأخير عربون &quot;الفوضى الخلاقة&quot;. <br />
وعن الفوضى الخلاقة لابد من أن يصار إلى الحسبان بأن نيجيريا الدولة الغنية الموارد، الفقيرة الدخول.. بلد متعدد الإثنيات والديانات، غارق في التغييرات السياسية والانقلابات والاغتيالات، هو التربة الأكثر خصوبة لتنفيذ أجندة الأمن القومي الأمريكي الذي عبر الرئيس الأمريكي قبل شهور عن حدوده قائلاً : &quot; حدود الولايات المتحدة الأمريكية هي حدود نهاية مصالحها &quot;، وهل من مصالح تزيد عن بلد إفريقي يتدفق في قارته النفط بمعدل يماثل ثلاثة أضعاف ما يزيد به معدل تدفق النفط في القارات الأخرى؟! أو هل آمن منه سبيلاً إلى الموانئ النفطية الأمريكية الشرقية من ناقلات تمخر عباب المحيط الأطلسي بعيداً عن مكدرات السياسة وأزماتها؟! وإذا كان الفساد الإداري والتدخل الأمريكي صنوان كما في النموذج العراقي الناصع؛ فإن ما تشهده نيجيريا من حوادث طائرات بلغت حداً لا يمكن قراءته إلا في أجندة &quot;استعمارية&quot; لا تبغي لهذا البلد نهوضاً، ولا يمكن اعتباره كذلك إلا مرآة تعكس للعالم ما هو مخبوء في الغرب الإفريقي من فساد، فسقوط الطائرات المتوالي (40 طائرة خلال 15 عاماً) لا يمثل إلا نموذجاً لكيفية إنفاق الثروة الهائلة من النفط المتدفق كل يوم والتي تدخل جيوب حفنة من الرجال لا يرجون لهذا البلد الإفريقي ازدهاراً أو نمواً، وبرغم كل ما قيل عن فضائح حوادث الطائرات في نيجيريا فإنها مستمرة تحصد دوماً ضحايا جدداً من الشعب النيجيري الفقير، وبرغم ذيوع أمرها إلا أن أصحاب النفوذ السياسي الوافر في أبوجا من قدامي &quot;المستعمرين&quot; وحدثائهم، لا يكترثون بتقديم &quot;النصائح&quot; للحكومات الإنقلابية المتعاقبة على الحكم ما دامت المصالح محفوظة ومضمونة ومادام كثير من ألوان الفساد الإداري يصب في خانة المحافظين الجدد ويدعم أجندتهم &quot;الخلاقة&quot; التي ترى في الفساد الإداري شريان حياة لها في الغرب الإفريقي بعد أن انزعجت من تنامي الشعور الديني في الشمال النيجيري المسلم (إعلان 11 ولاية شمالية من أصل 19 ذات أغلبية مسلمة يشكلون أكثر من نصف عدد الولايات النيجيرية البالغة 36 ولاية عن تطبيق الشريعة الإسلامية خلال السنوات القليلة الماضية)، الذي يبدو منهم أكثر من حاكم وسلطان مسلم حجر عثرة في طريق مد حدود الولايات المتحدة الأمريكية على استقامتها في شرق الأطلسي، ومنهم أحد أبرز القيادات الإسلامية في نيجيريا محمدو ماسيدو سلطان ولاية سوكوتو النيجيرية التي تتمتع بأهمية كبيرة في الشمال النيجيري وتتميز بعلاقاتها العربية الجيدة، حيث تستدعي هذه الولاية الخبرة السعودية والسودانية في تدريب قضاتها، وتمد جسور العلاقات الاقتصادية مع البنك الإسلامي بغية إنشاء أكبر بنك إسلامي في الغرب الإفريقي، ويقيم سلطانها علاقات جيدة مع لبنان التي لها جالية بارزة من رجال الأعمال وغيرهم في نيجيريا، ويحرص حاكم ولاية سوكوتو طاهر طلحة بافاراوا على حضور فعاليات مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا الذي انعقد تحت رعايته في يوليو من العام الماضي، واستضيف كضيف شرف فيه بالقاهرة قبل نحو ثلاثة أشهر.. سوكوتو ربما قاطرة تخشاها الولايات المتحدة المنزعجة من تنامي النشاطات الدينية في القرن والوسط والغرب الإفريقي، لكن يظل الاحتمال الأبرز في وفاة سلطان سوكوتو هو العيوب الفنية الملازمة لقطاع الطيران في نيجيريا والتي أودت بحياة نحو 1200 شخصاً في الأعوام القليلة الماضية ليس بينهم في معظمهم رسميون أو زعماء سياسيون ودينيون، وتبقى أن الحادثة بكل المقاييس جريمة سواء أكانت إهمالاً أم غير ذلك، لأنه في الأخير يجد النيجيريون أمامهم جثثاً للصلاة عليها وإن لم يكن بالضرورة من بينها محمدو ماسيدو الذي كان البعض يتوقع له حضوراً سياسياً قادماً..</p>