طالبان :هل اقترب موعد انهيار كرزاى؟
20 رمضان 1427

الأخبار الصادرة من أفغانستان ،تشير في كل يوم إلى أن العمليات العسكرية بين مجاهدي حركة طالبان وقوات الاحتلال تشهد تصعيدا كبيرا حتى أن تقارير غربية تتحدث حاليا عن أنها تجرى على ثلثي مساحة أفغانستان إضافة إلى العاصمة ،وان حكم كرزاي لم تعد القضية الرئيسية بالنسبة له كيف يواصل المعركة أو يصمد ،وإنما مدى قدرته على البقاء أو موعد سقوطه.<BR>الشواهد كثيرة ومتعددة في جانب توسع عمليات طالبان ومدى تأثيرها،منها الانفجار الذي طال مقر وزارة الداخلية الأفغانية بما عكس انهيار قدرات الوزارة ذاتها على حماية مقرها العام في العاصمة ،وسابقه الانفجار الذي طال محيط السفارة الأمريكية في العاصمة الأفغانية والتي هي الأخرى ضمن مجمع يضم مقر الرئيس الأفغاني ،فيما يعد اختراقا لقوات طالبان في عمق الأسيجة الأمنية الخاصة جدا والحساسة جدا ،وذات الحماية الأشد .<BR>ومنها أن حركة طالبان باتت تستولي على مديريات كاملة لعدة أيام تقوم خلالها بنشاط كثيف داخلها على صعيد تفكيك أجهزة الإدارة الحكومية وأجهزة الشرطة كما تضم الأنصار إليها ،ثم تنسحب.وكذا أن طالبان قد عادت إلى ساحة العمل المؤسسي العلني المنظم بصدور بيانات وتصريحات من مسئولين بها حول العمليات وحول مواقفها السياسية.<BR>في الجانب المقابل فان الشواهد كثيرة ومتعددة على مدى الضعف الذي أصاب قوات احتلال أفغانستان وسلطة كرزاي،حيث الأخبار الواردة تشير إلى تصاعد خسائر قوات الاحتلال (5 جنود قتلى أسبوعيا حسب اقل تقدير )وعدم قدرتها على الحفاظ على امن معسكراتها ودورياتها ،وأنها باتت تواجه مأزقا على صعيد عددها ،حيث مطالبات قيادتها الميدانية بزيادة أعداد القوات على الأرض الأفغانية أصبحت تجد آذانا صماء من قبل الدول المشاركة في الاحتلال،بل تصاعد الأمر إلى درجة أن بعض الدول المشاركة أصبحت تعلن صراحة أنها لن تزيد عديد قواتها هناك (كما هو الحال بالنسبة لإيطاليا) .<BR>لقد كثرت الأخبار الصادرة من جهة قوات الاحتلال بان خسائرها في تصاعد على مستوى الأفراد والمعدات ،وأنها دخلت في حرب واسعة أو شاملة ضد حركة طالبان في مناطق متعددة في أفغانستان بديلا للحالة السابقة التى كانت تركز فيها على العاصمة الأفغانية ومحيطها. كما تشير تلك الأخبار إلى تضعضع سلطة كرازى وحكومته حتى في داخل المحيط السياسى الذي تجمع معها في موالاة الاحتلال إذ بات الكثير منهم يجهر بالانتقاد لكرزاي ويعدد أخطاءه (ولو من باب أنه ارتكب أخطاء ساعدت حركة طالبان وقوت الالتفاف الشعبى حولها) .<BR>وفى جانب ثالث يكمل الصورة للأوضاع في أفغانستان ،فان التقارير الصادرة في الآونة الأخيرة لتقييم الأوضاع الكلية على الأرض من قبل الدوائر الغربية باتت أميل إلى التشاؤم بشان أوضاع حكم كرزاي وتتحدث صراحة عن الاحتمالات القوية لانهيار تلك السلطة ،وان لا بديل عن التفاوض بين كرزاي وحركة طالبان للوصول إلى تشكيل سلطة جديدة في أفغانستان .بل أن ثمة تقارير صدرت مؤخرا تفيد بان الولايات المتحدة قد بدأت فعليا في تقديم عروض محددة لحركة طالبان ،للتفاوض حولها ،أهم بنودها أن تتولى الحركة إدارة المناطق البشتونية في ظل حكم فيدرالى في أفغانستان وأن تشارك بطريقة أو بأخرى في الإدارة العامة لأفغانستان ،بما يشير إلى يأس الولايات المتحدة من تحقيق الانتصار في هذه الحرب والى استعدادها للتضحية بكرزاي في مقابل إنقاذ ماء وجهها "والخروج بكرامة" دون هزيمة معلنة.<BR><font color="#ff0000">وفى كل ذلك ،فإن السؤال الجوهري في كل ما يجرى هو: هل دخلت طالبان في مرحلة استراتيجية جديدة من نشاطها في أفغانستان –يقابلها حالة من التراجع الاستراتيجي لدى قوات الاحتلال ،بما يشير بالإجمال إلى تحول استراتيجي في المعركة حول أفغانستان يذكر بالأيام الأخيرة للاحتلال السوفيتي لهذا البلد الإسلامي ،أم أننا أمام حالة معتادة من تصاعد نشاط طالبان قبل حلول فصل الشتاء</font> -الذي يعوق الأعمال الحربية الواسعة في أفغانستان- في مواجهة قوات الاحتلال التي بدأت بدورها مرحلة من توسيع انتشارها خارج إطار العاصمة،أي أننا فقط أمام عمليات تحول في القتال ،بصفة مؤقتة من قبل طالبان ،وفى صورة تطوير للهجوم وتوسيع لمسرح العمليات من قبل قوات الاحتلال؟<BR><font color="#0000FF">مأزق قوات الاحتلال</font><BR> ثمة مظاهر متعددة تشير إلى وقوع قوات احتلال أفغانستان في مأزق . <font color="#ff0000">أول هذه المظاهر</font> هو أن هذه القوات ما تزال تخوض معركة لبسط نفوذ الحكومة التي تريد غرسها في الأرض الأفغانية رغم مرور 5 سنوات على بدء العمليات العسكرية في هذا البلد ،أو بعد مرور 5 سنوات على إقصائها حركة طالبان عن الحكم. <font color="#ff0000">وثاني هذه المظاهر</font> هو أن هذه القوات ظلت لمرحلة طويلة مكتفية بالسيطرة على العاصمة وتأمينها وفق خطة تقضى بالسيطرة على نقاط ارتكاز استراتيجية في الجغرافيا الأفغانية مع الاكتفاء بتقوية الجيش الأفغاني العميل والحكومة الموالية للاحتلال ،لبسط سيطرتها السياسية والأمنية في الإقليم المختلفة وبما يضمن لقوات الاحتلال تقليل عدد الجنود وضمان عدم احتكاكها مع المواطنين الأفغان وعدم الدخول في صراعات مباشرة مع أمراء الحرب في ذات الوقت،لكنها بسبب توسع نشاط طالبان وقدراتها العملياتية باتت مضطرة إلى الخروج من العاصمة لمجابهة طالبان ،بما يعنى أنها تدخل في معركة هي فيها في حالة دفاع استراتيجى -حتى وان كانت طبيعة عملياتها العسكرية هي أعمال هجومية -حيث طالبان هي من في حالة هجوم استراتيجى بحكم أنها الناشطة والتي تسيطر على الأرض ،خلافا لحالتها مع بداية الهجوم والاحتلال الأمريكي والتي كانت فيها طالبان في حالة دفاع استراتيجي أو بالأحرى كانت في حالة تراجع استراتيجي يبدو انه كان منظما على نحو ما ،بالنظر إلى معاودتها الهجوم الاستراتيجي إضافة إلى تمكنها من تأمين قادتها وهياكلها القيادية .<BR><font color="#ff0000">وثالث مظاهر هذا المأزق</font> ،هو أن قوات الاحتلال حينما "أجبرت " على الخروج على خطتها السابقة في التواجد في العاصمة وتامين السيطرة عليها وعلى الأقاليم من خلال قواعد ثابتة مع بناء جيش وشرطة أفغانيتين تحت قيادة الاحتلال عبر حكومة كرازى وسلطته ،لم تكن تعرف "جيدا" إلى أي درجة وصلت قوة حركة طالبان في السيطرة على الأقاليم ،وهو ما ظهر من أنها وبعد أن بدأت معاركها في هذه الإقليم ،أعلنت عن طلبها تعزيزات لقواتها من الدول المشاركة في هذه القوات .<BR>وهنا يأتي <font color="#ff0000">المظهر الرابع لمأزق قوات الاحتلال</font> ،إذ هي بعدما بدأت معاركها الواسعة لم تتلق ردا ايجابيا يفيد تعزيزها بالقوات ،حيث فشل اجتماع لمسؤولى الأطلنطي في الاتفاق على إرسال قوات جديدة (تشير التقديرات إلى أن عدد القوات حاليا يتراوح بين 33 ألف جندي وضابط و 40 ألفا وان قيادة هذه القوات طلبت تعزيزات قدرها 3 آلاف آخرين) بسبب رفض الدول إرسال قوات جديدة .<BR>أما <font color="#ff0000">المظهر الخامس</font> ،فهو أن قوات الاحتلال التي بدأت القتال في الأقاليم قد اضطرت إلى سحب قوات لها في العاصمة بما أدى إلى ضعف مستوى سيطرتها على الأوضاع فيها –دون أن تكون هناك قوات كافية في الأقاليم أيضا –بما أتاح فرصة أوسع أمام حركة طالبان لاختراق معظم المناطق الحساسة في العاصمة والقيام بعمليات ذات تأثير كبير على استقرار سلطة كرزاي وقوات الاحتلال معا.<BR>وهنا فان التطور اللافت هو بدء ظهور تقارير غربية تتحدث صراحة عن قرب انهيار نظام كرزاي، وإطلاق تصريحات تقلل مما سبق أن أعطى من آمال حول القضاء على طالبان كما هو الحال في تصريحات دونالد رامسفيلد (وزير الحرب الأمريكي)، الذي تحدث فور تسلم مهمة قيادة قوات الاحتلال من الجيش الأمريكي إلى قوات الناتو عن أن الانتصار المتحقق في أفغانستان ليس كما يظن البعض ،وكذا بدء أجهزة الإعلام الأمريكية في تسريب أنباء عن مفاوضات أمريكية مع طالبان –مغلفة بأنها تستهدف فصم العلاقة بين طالبان والقاعدة-وفى التركيز على انتشار زراعة المخدرات وعدم قدرة سلطة كرزاي على مكافحتها خلافا للحال خلال حكم طالبان التي نجحت إلى حد بعيد في مكافحتها ،ثم الحديث صراحة عن أن كرزاي لم يتمكن من تحسين الظروف المعيشية للمواطنين الأفغان ..الخ ،فيما بدا أنه "تخل "تدريجي عن كرزاي وتمهيد للرأي العام الأمريكي لقبول الهزيمة والانسحاب.<BR><font color="#0000FF">انتصارات طالبان </font><BR>تجمع التقارير والتحليلات الآن ،على أن حركة طالبان قد تصاعد نشاطها في العام الأخير من حربها لتحرير أفغانستان من الاحتلال ،وان عملياتها باتت تتوسع لتشمل الأقاليم والعاصمة معا .وتستشهد في ذلك بالتوسع الحادث في العمليات الاستشهادية التي تضاعفت بمعدل 400% مقارنة بالعام الماضي باعتباره يمثل مؤشرا على ضراوة المعركة وتمتع المنضوين لطالبان بثبات عقائدي ،وعلى ما أصبح عليه حال القوات المحتلة من عدم قدرة على السيطرة على الأرض ،وبحدوث حالات واسعة من تفكك وحدات من الجيش الأفغاني وانضمام أفرادها إلى حركة طالبان ،وكذا بان مجاهدي طالبان باتوا يهاجمون المديريات بمجوعات قتالية واسعة العدد ،بما يعطى مؤشرا على تصاعد قوتها وقدراتها التنظيمية وضعف القوة المواجهة لها في المعارك ..الخ.<BR>وان كان هناك اختلاف بين المحللين فهو يتركز حول ما إذا كانت طالبان وحدها من يقاتل في الميدان أم أن هناك قوى أخرى فاعلة في العمليات ،حيث يرى البعض أن حركة طالبان هي من يقف خلف كل هذا التوسع والانتشار ،بينما يرى بعض آخر أن ثمة قوى أخرى باتت في خط المواجهة مع قوات الاحتلال على رأسها الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمت يار ،وجلال الدين حقانى وجماعته الجهادية ذات الخبرات العسكرية الواسعة .وكذا حول الدور الباكستاني في دعم حركة طالبان أو بالأحرى حول دور داعم للحركة تقوم به المخابرات الباكستانية ،وكلاهما اختلاف في التقدير يصب باجماليته في خانة التقدير العام بأن حكومة كرزاي باتت بالفعل اقرب إلى التفكك والسقوط والانهيار منها إلى الاستمرار، وفق ما عبر عنه دبلوماسي ألماني حين توقع أن تنهار حكومة كرزاي خلال عام ،إذ أن طالبان لم تتوسع في سيطرتها على الأقاليم الأفغانية فقط ،وإنما هي تنجح باضطراد في تفكيك سلطة كرزاي وتقوضها بشكل مضطرد في الأقاليم التي لا تسيطر عليها سيطرة كاملة وفق تكتيكها الذي يقوم على السيطرة على المديريات وإبقائها تحت السيطرة لعدة أيام يقوم خلالها مجاهدوها بتفكيك أجهزة الدولة العميلة التابعة لكرزاي والقبض على العناصر الأكثر عمالة ومحاكمتها وحشد الأنصار وضمهم للحركة ،والحصول على كل مزيد من الأسلحة والذخائر ،فى حالة من الكر والفر تربك بدورها قوات الاحتلال التي غدت تتحرك في اتجاهات تفرضها عليها تحركات طالبان وليس العكس أي أنها باتت في حالة رد فعل دائمة. <BR> والخلاصة لكل ذلك ،هي أن تغيرا في موازين القوى "استراتيجيا" على الصعد السياسية والجماهيرية والعسكرية قد حدث لمصلحة طالبان ،مستفيدة في ذلك بحدوث تغيرات في مواقف حلفاء الولايات المتحدة ،بما يقود إلى انهيار حكم كرزاي .<BR><br>