كل الدم الفلسطيني محرم، إلا دم حماس !!
13 رمضان 1427

مثلما هو واضح منذ شهور، إن الغرب بات حاليا يراهن على أن مواصلة حصار الشعب الفلسطيني سوف تؤدي، لا محالة، إلى أن تقدم حركة المقاومة الفلسطينية حماس التي تقود الحكومة، إلى الاعتراف بالاحتلال الصهيوني بمعنى فرض الأمر الواقع و هاهي حركة فتح تدخل تحت هذا الإطار و تصير بين عشية و ضحاها، معولا تستعمله الدبلوماسيات الغربية لأجل الوصول إلى هذا الهدف. <BR>بداية، إن ما وقع قبل يومين في غزة لم يكن أمرا مستبعدا البتة لأن كل المراقبين كانوا يتوقعونه و ينتظرونه و لم يكن أغلب المتابعين يستبعدون وقوع هذا الأمر المخجل خصوصا بعدما أعلن رئيس السلطة الفلسطينية، الذي لم ينتبه إلى أنه شخص لا يملك و لا يحكم، فشل مفاوضات تشكيل حكومة الوحدة على الرغم من أنه كان يفترض بهذا الرجل أن يلعب دور الوسيط أو: عامل الوحدة بدلا من أن يكون طرفا في هذا التناحر الداخلي المنهك.<BR>قبل الخوض في هذا الموضوع يمكننا أن نستشهد هنا باستطلاع للرأي أجري مؤخرا من طرف إحدى المنظمات الفلسطينية قبل نحو عشرة أيام من الآن (1) و لقد جاءت نتائج هذا الاستبيان لتؤكد التحول الخطير الذي بات الشارع في الأراضي المحتلة يسجله تحت ضربات 'التجويع' و الحصار العالمي غير المعلن. فعن سؤال حول رأي الناخبين الفلسطينيين في أداء الحكومة الحمساوية، أجاب 54 % من بين المستجوبين أنهم 'مستاؤون من أداء الحكومة' و لقد تصاعد هذا الاستياء ليبلغ نسبة 69 % حينما تعلق السؤال بمدى مسئولية الحكومة في أزمة المرتبات إلا أن ذات المستجوبين حينما سئلوا عن رأيهم في أن تقدم الحركة على الاعتراف بالاحتلال، أجاب 67 %من بينهم أنهم يرفضون ذلك على الرغم من أن 38 % من بينهم أبدوا نيتهم في عدم التصويت مستقبلا لمرشحي الحركة. من هنا يمكننا القول أنه و على الرغم من هذه الأرقام، نستطيع أن نلحظ أن كل ما سيق قبل اليوم عن حالة التذمر لا يعدو أن يكون تضخيما إعلاميا لأن الرقم الأخير يعني ببساطة أن أكثر من نصف الفلسطينيين على الأقل، مستعدون لمواصلة المراهنة على الحركة رغم كل ما حدث و قيل و يقال أيضا.<BR>ما الذي طرأ إذن حتى يقع ما وقع هذه المرة و ما هو التطور المهم الذي جعل الأعصاب تنفلت و تبلغ حد الاقتتال و توجيه فوهات البندقيات صوب صدور الفلسطينيين الآخرين؟ هل اقترب موعد الانقلاب على الحكومة الشرعية تنفيذا لأوامر ما يسمى 'الشرعية' الدولية؟ هل هي أمارت الاستعداد للدخول تحت مظلة الآنسة رايس حتى قبل أن تبدأ هذه الأخيرة جولتها في المنطقة العربية؟<BR>كل هذه الأسئلة مشروعة و لا بد من أن نوجد لها أجوبة دقيقة فالأستاذ أسامة حمدان مسئول حركة حماس في لبنان، لم يكن يهذي بكل تأكيد حينما صرح أن هنالك مخططا حقيقيا يهدف إلى إزاحة الحكومة و الرجل حينما يقول كلاما بهذه الخطورة لا يرغب في أن يصعد من حدة التصريحات فحسب لأن كلمة 'الانقلاب' هذه صارت تستعمل بكثرة في الفترة الأخيرة و أذكر أن الدكتور عزام التميمي الذي حاورته(2) مباشرة عقيب إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت بها الحركة في أول شهور العام الجاري، قال لي أن حماس ما كانت لتفوز و تحقق ما حققته لو أن حركة فتح كانت تملك الحد الضروري من القوة التي يتيح لها منع ذلك بمعنى أن فتح رضيت وقتها على مضض بالنتيجة الانتخابية لأنها ببساطة، لم تكن تملك حلا آخر. فهل يمكننا القول حاليا أن حركة فتح استعادت قوتها، أو بالأحرى، أُعيدت تقويتها، حتى تصير قادرة على قلب الحكومة؟<BR>الحديث عن الانقلاب في حد ذاته يبدو تضخيما للوضع الفلسطيني لأن هذا سوف يقودنا إلى التساؤل المنطقي الذي يطرح نفسه: هل هنالك دولة أو سلطة فلسطينية حتى يمكن الانقلاب عليها؟ و لكن هذا لا ينفي أن هنالك فعلا رغبة لدى كل من الإسرائيليين، الأمريكان، الأوروبيين، الحكومات العربية التي تسمى 'معتدلة' و أجنحة محددة من داخل حركة فتح، تجعلها تناور بقصد اللف حول نتائج الانتخابات التي جاءت بحماس على رأس الحكومة. من شواهد هذه الحقيقة يمكننا هنا مثلا أن نستشهد بذلك الكلام الغريب الذي أدلى به قبل فترة قصيرة، الناطق باسم فتح في المجلس التشريعي حيث أن هذا الأخير أنه: "يمكننا أن ننقلب على حكومة حماس بما أننا حاليا نمثل الأغلبية في المجلس" و واضح من كلام الرجل أنه نسي أن هذه 'الأغلبية' التي يتبجح بها، لم تؤل إليه و إلى حركته، إلا حينما قام حلفاؤهم في الحكومة الإسرائيلية باعتقال ممثلي حركة حماس بدء من (رئيس المجلس نفسه) الدكتور عزيز الدويك بطريقة ضربت بكل المسلمات الدبلوماسية الدولية قبل مقررات أوسلو و نظيراتها.<BR>من الغريب أنه و في الصور التي تناقلتها محطات التلفزيون العالمية، في وسعنا أن نلحظ أن مسلحي فتح كانوا يرفعون أصواتهم بالهتاف باسم الرئيس الراحل ياسر عرفات و لست أفهم كيف نسي هؤلاء 'الثوار' أن عرفات نفسه الذي قتله الإسرائيليون بعد أن يئسوا من تواطؤه، وصف زعيمهم الحالي، محمود عباس أبو مازن بأنه يسعى ليكون 'حامد كرزاي فلسطين' فضلا على أن أبو عمار أيضا طرد المسمى محمد دحلان من مكتبه و لمرات عديدة لأنه كان يتهمه بالعمل لحساب الإسرائيليين. أليس في هذا الكلام و هذا الواقع الحالي، دليل كاف على أن انتفاضة 'الفتحاويين' هي صناعة إسرائيلية خالصة هدفها القضاء على حماس و تعويض حكومتها برجال ثقات ترضى عنهم الشاباك و الموساد و غيرها من أجهزة الأمن الصهيونية؟ هل بات اتجاه الانتفاضة يصوب نحو مقار حركة المقاومة الإسلامية أم أن عملية السلام 'الاستسلامي' تفرض ذلك بما أن حماس أثبتت عدم استعدادها للتنازل عن المبادئ التي لأجلها حظيت بثقة الناخبين الفلسطينيين؟<BR>صحيح أن الاضرابات و المسيرات هي أمر مشروع و مباح لكل شخص و لكنه كان ينبغي على السائرين أن يتذكروا أن مطالبهم على الرغم من مشروعيتها، ما كان لها أن توجه إلى الحكومة لأن كل العالم يعرف أن هذه الأخيرة محاصرة و أن محمود الزهار مثلا عوضا من أن يلعب دور وزير الخارجية، بات يشغل منصب مهرب للأموال عند المعابر الحدودية؛ لأن الدول العربية لا تملك شجاعة أن ترفض التعليمات الإسرائيلية في غلق البنوك عن الفلسطينيين علاوة على أن عواصمها، صارت تتحجج في كل مرة لأجل الانفلات من استقبال الدكتور الزهار حتى لا توصم بالإرهاب من قبل ضيفتهم العزيزة، كوندوليزا رايس.<BR>قبل أيام قليلة، كتبت الصحفية الإسرائيلية، أميرة هاس(3)، على صفحات جريدة هاريتس "الإسرائيلية" تقول أنها صارت تشعر بالامتعاض من طلبات هؤلاء المتظاهرين لأنهم، وفقا لمقال هذه الأخيرة، يهتفون صراحة: "لا نريد إسماعيل هنية، نعيد عودة حكومة اللصوص" قبل أن تتوصل هذه الكاتبة إلى أن حركة فتح لم تستطع لحد الساعة أن تتقبل حقيقة أنها أزيحت عن السلطة بدليل أنها تستثمر حاليا، الضغوط الدولية في سبيل الانقلاب على حماس.<BR>من الضروري أخيرا، أن نعترف أن حركة المقاومة الإسلامية ما كان يجدر بها منذ البداية أن تقبل تشكيل حكومة على ضوء اتفاقات أوسلو لأن الكل كان يدرك أنها لن تتمكن من أن تغير واقعا فاسدا في حين أنها لا تملك أية أداة قادرة على فرض الإصلاح الفعلي و بما أن الفساد جاء من رأس 'السلطة' نفسها و رموزها فإن في وسع الحركة أن تقدم الآن على تقديم استقالتها لأنها لن تتمكن أولا من تحمل الدم الفلسطيني الذي أباحه أنصار السلام و عرّابوهم في تل أبيب و واشنطن، و ثانيا، لأنه في وسعها أن تعود إلى البرلمان و تجبر خصومها على التعامل معها باعتبارها تمثل نبض الشارع و لا بأس بعد ذلك، في أن تنتهز أول فرصة تتاح لها، لأجل حبس هؤلاء الفاسدين المفسدين بما أنهم لا يفقهون لغة أخرى غير لغة التضييق و المحاصرة.<BR><BR><BR>ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<BR>(1) يمكن قراءة نتائج الاستبيان على الرابط:<BR>http://www.pcpsr.org/survey/polls/2006/p21epressrelease.html<BR>(2) يمكن مطالعة نص الحوار على الرابط:<BR>http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&cati...(3) مقال هأريتس على الرابط:<BR>http://www.haaretz.com/hasen/spages/767581.html<BR><br>