ما بعد عودة رابح كبير إلى الجزائر؟
2 رمضان 1427

ستظل الجزائر مالئة الدنيا وشاغلة الناس، إن في حربها أو في سلمها، فعلى مدار أكثر من خمسة عشر عاما كانت الجزائر بتداعيات أحداثها المتواصلة في بؤرة الإعلام العربي والعالمي <BR>وتأتي عودة رابح كبير إلى الجزائر بعد ما يقرب من خمس عشرة سنة لتلقي حجرا في مياه الجزائر التي لم تركد أبدا، حيث تأتي هذه العودة قبل أيام جزءا من مسلسل إحلال السلم وطي صفحة الماضي إلى الأبد ومع هذه الصفحة الأسطر التي شغلتها فيها جبهة الإنقاذ الإسلامي تلك الجبهة التي حصلت على الأغلبية في انتخابات 1991 وكان من المنتظر أن تشكل هي الحكومة وما أثير وقتها عن رغبتها في تغيير النظام السياسي الجزائر والأسس التي قام عليها، وما قامت به أركان النخبة العسكرية الحاكمة والماسكة بمقاليد الأمور في الجزائر لتدخل البلاد والعباد في مسلسل دامي راح ضحيته أكثر من مائتي ألف من البشر عدا الخسائر التي تجاوزت المليارات وأعادت الجزائر إلى الوراء سنوات عديدة <BR>وأحسب أن عودة رابح كبير إلى الجزائر هي جزء في برنامج الرئيس بوتفليقة في الإعداد لمستقبل الجزائر ليتمكن به من تحقيق عدة أمور: <BR><font color="#0000FF"> لعل أولها </font>الحفاظ على التوازن القائم بين أجنحة النظام المتصارعة والمتفقة في ذات الوقت على عدم تسرب السلطة خارج ذلك التحالف الممسك بزمام الأمور، ولعل تعيين بلخادم من قبل رئيسا للوزراء وهو المعروف بكونه أحد رموز الحوار في الجزائر وإقالة أحمد أويحي المعروف بانتمائه إلى التيار الاستئصالي الرافض للوجه العروبي والإسلامي للجزائر والرافض كذلك للحوار مع الإسلاميين أول الخطوات في الحفاظ على ذلك التوازن بين أجنحة النظام المختلفة والمتصارعة في ذات الوقت <BR><font color="#0000FF"> ثاني تلك الأمور</font> هو تجاوز جبهة الإنقاذ برموزها وقادتها التاريخيين مثل عباسي مدني وعلي بلحاج، حيث ينسق النظام مع مجموعة من القيادات الوسيطة أمثال رابح كبير والتي تصدرت الواجهة في غياب الصف الأول من رموز قادة جبهة الإنقاذ وبذلك تصبح تلك نخبة جبهة الإنقاذ بتشكيلها السابق نخبة تجاوزها زمن الجزائر دائم الحراك والتي لا تركد مياهها أبدا، وتقبل هذه النخبة الجديدة التي يمثلها كبير بالتنازل عن الحد الأدنى لمطالب جبهة الإنقاذ لاسيما في الجانب المتعلق بالعمل السياسي وترك الفرصة أمام العائدين للتمتع بكامل حقوقهم المدنية والسياسية، بالإضافة إلى العودة بذات الاسم، حيث يصر النظام على أمرين: منع بعض القيادات ممن يحمّلهم مسؤولية الأزمة من ممارسة حقوقهم السياسية، أما الأمر الثاني فهو: أن الجبهة لا ولن تعود باسمها القديم، وفي هذا الموضوع يصرح كبير أن الجبهة ليست قرآنا منزلا مما يفيد إمكانية التنازل عن الاسم والتركيز على تأسيس حزب جديد يحل محل جبهة الإنقاذ <BR><font color="#0000FF"> ثالث تلك الأمور</font> هو تحضير النظام السياسي الجزائري لمرحلة مقبلة تكون أهم معالمها هي موافقة وتقبل مجمل أركان النظام والمعارضة لفترة رئاسية ثالثة لبوتفليقة والتي من الضروري أن تسبقها تغييرات دستورية تسمح للرئيس بالاستمرار وهي تغيرات لايعارضها كبير ولا يعارض ما ستسفر عنه من التمديد لبوتفليقة لولاية ثالثة .<BR>وفي هذا الإطار نحسب أن عودة كبير هي عودة مبرمجة كما صرح هو مرارا وهو يحضر لها من عدة أشهر وهي بتنسيق كامل مع أركان النظام وبذلك يبتدئ رابح كبير مرحلة جديدة يتجاوز بها جبهة الإنقاذ وقادتها التاريخيين، وبذلك فهذه العودة هي من مشروع شخصي لرابح كبير حيث يؤسس لحزب سياسي جديد يحاول أن يستقطب جماهير جبهة الإنقاذ بذات الشعارات وذات الأفكار، فالعودة إذا جزء من مشروع شخصي يلحق به كبير بقطار النظام حتى ولو أدى دور المعارضة وهي في كل الأحوال معارضة محسوبة بعد أن دخلت الجزائر مرحلة التعددية السياسية المقيدة وهي ذلك النوع من التعدديات المنتشر في عالمنا العربي والذي يحدد فيه النظام شكل اللعبة ونتيجتها سلفا، وتقوم بعض أركان النخبة بأداء دور النظام وبعضها الآخر يقوم بأداء دور المعارضة وهي معارضة لا تطمح أبدا أن تحل محل السلطة، بل ينحصر دورها في إضفاء الشرعية على النظام في مواجهة الضغوط الخارجية، خاصة الضغوط الأمريكية التي لا تكف عن مطالبة النظم العربية بالإصلاحات السياسية، التي لو تمت بشكل حقيقي لتغيرت كثير من موازين النظم العربية <BR>رابح كبير ومنذ مدة طويلة يحضر لعودته للجزائر منذ أن أعلن مدني مزراق هدنته مع النظام الجزائري من طرف واحد وهي الهدنة التي قام على ترتيبها رئاسة المخابرات العسكرية وهي النخبة النافذة في الجزائر وهي كذلك الكتلة التي ضمنت تنفيذ النظام السياسي لبنودها فلم يخل بأي شيء منها، مع ملاحظة أن رابح كبير كان الممول الرئيس لجيش الإنقاذ ، وهو ما شكل تنظيما موازيا لجبهة الإنقاذ إن على المستوى الميداني ممثلا في مدني مزراق الذي تفاوض مع المخابرات العسكرية أو على المستوى الإعلامي ممثلا في رابح كبير رئيس الهيئة التنفيذية لجبهة الإنقاذ في الخارج وهي جبهة تركها كل من أسسها وبقي من التف حول المشروع الشخصي لكبير <BR>وعند مراجعة رؤية رابح كبير لحل الأزمة وما كان يكتبه هو ذاته نجد البون شاسعا بين ما كان يعتقده ويدافع عنه هو وكل رموز الجبهة سواء من كان خارج السجن أو في المهجر وبين ما بدأ ينفذه من سياسات تصب في مشروع الرئيس بوتفليقة <BR>لقد كان رابح كبير يقول: و قناعة منا أنه لا حل للأزمة إلا الحل السياسي الشامل والعادل الذي يعيد السلطة إلى الشعب فإننا ندعو إلى حوار سياسي مسئول يهدف إلى حل الأزمة سياسيا بإشراك جميع الشركاء السياسيين في كل مواقعهم يتبع بتنظيم انتخابات عامة حرة ونزيهة دون إقصاء ولا تهميش يساهم الجميع في تنظيمها ومراقبتها على غرار انتخابات 26 ديسمبر1991 ونطالب السلطة بإطلاق سراح جميع المساجين وعلى رأسهم الشيخان عباسي مدني وعلي بن حاج، وحل معضلة المفقودين وإرجاع العمال المفصولين وتعويض الضحايا والمتضررين من المأساة الوطنية وتحرير المجال السياسي والإعلامي والدعوي من كل الضغوط ورفع حالة الطوارئ الجائرة المفروضة على الشعب الجزائري، وإضافة إلى ما سبق كان أحد ثوابت رموز جبهة الإنقاذ هو عدم الحوار مع النظام إلى في حضور الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج<BR>لكن كبير اختط لنفسه مشروعا خاصا من أن أرسل رسالة إلى الرئيس زروال بداية سنة 1995.<BR>ومع بداية عهد بوتفليقة كان من الواضح أن يرمي بثقله في كفة الرئيس ومشروعه للسلم والمصالحة <BR>وبرز خطاب جديد لكبير يشدد فيه على دعم مشروع الرئيس في تعزيز السلم والمصالحة الوطنية<BR>وبدأ ينتقد علنا احتكار البعض للإسلام أو الوطنية، وأكد أن حجم المأساة الجزائرية لابد أن يدفع اليوم بكل عاقل من السلطة أو المعارضة إلى التغيير ودعم مسار المصالحة الوطنية. <BR>وجدد كبير دعوته للمسلحين بالنزول من الجبال والعودة إلى أحضان المجتمع، في إطار "مسعى المصالحة المبارك"، على حد تعبيره، مشيرا إلى أن السلطة برهنت على أن "توجهها صادق". <BR>ويبدو أن كبير بدا معولا أكثر على أن بوتفليقة لن يبخل بتوفير الرعاية لمشروع سياسي يقوم على أنقاض ''الإنقاذ'' ويكون كبير القاطرة التي تقوده، رفقة قياديين آخرين لم يتخلفوا بدورهم عن تقديم التزكية للرئيس خلال ترشحه لعهدة ثانية في العام 2004، كما بادروا إلى الترويج لميثاق السلم والمصالحة لما طرحه للتداول في صيف العام 2005. <BR>ولا يخفي كبير تطلعه إلى هذا الدور الجديد وصرح خلال ندوة صحفية بعد عودته ''نعم لدينا مشروع سياسي ندافع عنه••• وكل مواطن حر في العمل السياسي''، <BR>وحول الأطراف المساهمة في خروج البلاد من الأزمة، مدح مسؤول الهيئة التنفيذية، الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة واصفا إياه بأنه "رجل حكيم"<BR>وأن مشروعه في سبل الخروج من الأزمة يتوافق مع يطرحه هو وبعض رفاقه، ولذلك وجد منهم الدعم• <BR>غير أن كبير اعتبر أن محاولات الخروج من الأزمة لا تقتصر على الرئيس بوتفليقة فحسب، بل إن <BR>الأمر يتعداه لمختلف أجهزة السلطة، لاسيما الجيش والمؤسسات الأمنية، وقال كبير في هذا الصدد <BR>''من الجور القول إن الرئيس وحيد في هذا المشروع، لأن هناك مؤسسات فاعلة تدعمه بما فيها الجيش <BR>والأجهزة الأمنية''. <BR>ولا شك أن رابح كبير سيصطدم بمجموعة من التحديات، تجهز على تطلعاته السياسية. فزيادة على إجماع الطبقة السياسية في البلاد على انسداد الأفق السياسي، وغياب حراك سياسي حقيقي من شأن كبير أن يستثمره في إعلان ولادة مشروعه، فإن الرئيس السابق للهيئة التنفيذية قد تصله رسائل من رفاقه في الجبهة لاسيما زعمائها التاريخيين على غرار الشيخ عباسي مدني والشيخ علي بلحاج، والمجموعة الأخرى الموجودة داخل البلاد، كما هو حال علي جدي وعبد القادر بوخمخم، والذين عبروا عن رفضهم للخوض في مبادرات بديلة عن جبهة الإنقاذ، بل واعتبروا أن كل المشاريع البديلة <BR>ستبوء بالفشل، في ظل استمرار الوضع السياسي على ما هو عليه، وكان بوخمخم سئل منذ أشهر <BR>حول فكرة رابح كبير لإطلاق حزب جديد، فرد أن السلطة إذا كانت جادة فيمكنها الحوار مع <BR>القيادة التاريخية الموجودة في البلاد. <BR>بالإضافة إلى رفض علي بلحاج لمشروع كبير رغم استقبال علي بلحاج لكبير في المطار من باب الترحيب بأخ عائد من الخارج بعد سنوات طويلة من الغياب <BR>لكن بلحاج بعفويته صرح أنه من الواضح أن كبير راجع بمشروع ومحدد الملامح وبتنسيق كامل مع المجموعة الملتفة حول الرئيس <BR>ويظل السؤال الذي سيجيب عنه المستقبل وإن بدت ملامحه واضحة وهو : ما هي تفاصيل الصفقة التي تمت بين رابح كبير ومجموعة الرئيس بوتفليقة؟<BR><br>