المقاومة العراقية بين التعتيم والانتصار !
26 شعبان 1427

إلى أين وصلت المقاومة العراقية ؟هذا سؤال جوهري لدى كل من أيدها وساندها .والحاصل أن المقاومة العراقية ونشاطاتها قد تعرضت إلى حالة "شديدة" من التعتيم طوال الشهور الماضية لأسباب كثيرة ،مما دفع الكثيرين للقلق والتساؤل حولها ومصيرها والى أين وصلت ،بحكم عدم تيسر الحصول على المعلومات بشأنها في مفارقة من المهم رصدها ،حيث المقاومة العراقية في هذه المرحلة بالذات كانت قد صعدت من عملياتها كما تصاعدت عوامل قوتها في وقت تزايدت فيه عناصر أزمة خصومها الداخليين والاحتلال ،ومع ذلك كادت أخبارها تنقطع من وسائل الإعلام!<BR>وواقع الحال ،أن قلة الأخبار الواردة عن المقاومة العراقية في وسائل الإعلام خلال المرحلة الماضية،هو أمر لا يعود إلى ضعف العمليات أو تراجع معدلاتها أو عدم إيقاعها خسائر في صفوف الاحتلال وأعوانه –إذ الإحصائيات الأمريكية والبريطانية تشير إلى أن الأشهر الثلاث الماضية والشهر الحالي كانت الأعلى في معدلات القتلى والإصابات بين جنود الاحتلال –وإنما يعود إلى أن "الخطة الإعلامية الأمريكية قد تغيرت وتحولت ما بعد اغتيال أبو مصعب الزرقاوي وتشكيل حكومة المالكي وبسبب قرب انتخابات الكونجرس في الولايات المتحدة ،من الإكثار من الحديث حول نمط معين موهوم من عمليات المقاومة(أو العمليات الملفقة لها) إلى حالة من التعتيم الشديد إلى أن ،جاءت وقائع الحرب اللبنانية الإسرائيلية فضاعفت من نتيجة الخطة الأمريكية لما كان لهذه الحرب من بريق وقتى بحكم الكراهية للطرف الصهيوني ،بما شد الاهتمام لها عن تطورات المقاومة العراقية.<BR>غير أن ثمة عاملا هاما وجوهريا في النظر إلى حالة المقاومة العراقية في المرحلة الراهنة ،كما يجب وضعه بشكل خاص في الإجابة عن السؤال إلى أين وصلت المقاومة العراقية ،إلا وهو طبيعة المرحلة الاستراتيجية التي تمر بها هذه المقاومة ،والتي هي مرحلة تتميز بالمساحة الزمنية الأكبر من بين مراحل استراتيجية تحرير العراق ،والذي يجب وضعه في الاعتبار في متابعة عمليات المقاومة حيث هذه المرحلة لها نمط خاص من العمليات وحالة معينة من التعامل مع الوقت تؤثر على طبيعة الاهتمام الإعلامي والجماهيري بالمقاومة .<BR>فالمرحلة الراهنة من نشاط المقاومة هي المرحلة الأطول زمنيا من مرحلتها الاستراتيجية الأولى (مرحلة الانطلاق والتأسيس واثبات الوجود أو فرض الوجود كحقيقة لا يمكن القضاء عليها ) ومن مرحلتها الاستراتيجية الثالثة ( مرحلة تتالى الخطوات نحو إعلان الانتصار النهائي والهزيمة النهائية لأعداء المقاومة).المرحلة الثانية هى مرحلة الاستنزاف الطويل النفس ،والتي يضاعف من الجهد المبذول لإنجازها والوقت المطلوب لتجازها أن المقاومة تنشط في ظرف داخلي مليء بالمتناقضات الحادة لوجود قوى تقف إلى صف الاحتلال وتدعمه سواء منها ما له مشروع خاص موازى أو متقاطع مع الاحتلال أو من كان منها مرتبط ببقاء الاحتلال .<BR>وفى ضوء فهم إبعاد تلك المرحلة ،كما في ضوء ما آلت إليه التحالف بين قيادات المجموعات الشيعية من انقسامات وتشرزمات وصراع وكذا في ضوء تصاعد التحركات من القيادة الكردية المتعصبة نتيجة ما تتعرض له من رفض جماهيري متصاعد ضدها داخل المناطق الكردية ذاتها ،كما في ضوء تنامي المأزق العسكري لقوات الاحتلال في العراق والمأزق السياسي لكل من بلير وبوش ،فان المقاومة باتت في وضع سياسي داخلي أفضل أن لم يكن بسبب ظهور مدى مصداقيتها السياسية بصفة عامة في المجتمع العراقي بحكم ظهور صحة موقفها الرافض للاحتلال وما أتى به من حكومات محاصصة طائفية تنتهي الآن إلى تفتيت العراق فمن باب أولى في أوساط السنة العرب بظهور خطا من شارك منهم في لعبة الاحتلال السياسية تحت هذا الوهم أو ذاك .كما في خارج العراق بسبب قرب الإطاحة ببلير الذي بات يصارع لتمديد وقت بقائه في السلطة عدة اشهر ،وبوش الذي انتهت مصداقيته الداخلية (وصلت شعبيته إلى أدنى مستوى لرئيس أمريكي مقبل حزبه على انتخابات للتجديد في الكونجرس ) وبات ينتظر نتائج الانتخابات ببالغ القلق لا الحذر.<BR><font color="#0000FF">المقاومة العراقية والزرقاوي</font><BR>لا شك أن "الفرد –القائد" يحتل أهمية خاصة في المجتمعات و المؤسسات وفى العمل السياسي بشكل عام .<BR>ولا شك أيضا أن الولايات المتحدة ،حاولت من خلال الإعلام استخدام اسم الزرقاوي لتمرير الكثير من دعاويها حول الإرهاب ،حيث الاستراتيجية الإعلامية الغربية عموما و الأمريكية خصوصا تقوم بصفة عامة على شخصنة القضايا العامة باختيار شخصية رمزية لها يجرى تشويهها أو شيطنتها ثم سحب هذا التشويه من الشخص أو الرمز إلي الفكرة أو القضية .<BR>لكن الحقيقة المؤكدة هي أن حركات المقاومة و عمليات النهضة و التحدي و المواجهة في حالات الصراعات الكبرى ،هي في ذاتها قادرة على تخريج دفعات من القادة بفعل تحدياتها و أحداثها و أهدافها الجسام في وقت زمني قصير . وهنا فان غياب الزرقاوي قد نتج عنه وقوع الإعلام الأمريكي في ورطة-لا نقول في الاستراتيجية العسكرية –بسبب شدة التركيز على الشخص وحدة في تحقيق مخطط تشويه الجهاد العراقي ،وهو ما جعل الإعلام الأمريكي يلجأ مباشرة بعد استشهاد الزرقاوى إلى خطة التعتيم الشامل حتى إعادة ترتيب أولويات خطة جديدة للتعامل مع نشاطات المقاومة ،ظهرت أبعادها فيما بعد من التركيز الإعلامي على الوفيات للمواطنين العراقيين على خلفية أحداث الفتنة الداخلية التي تجرى تحت الإشراف الأمريكي المباشر ،دون أعمال المقاومة التي تجرى ضد قوات الاحتلال.<BR>كما أن الحقيقة الأخرى المؤكدة –والتي أكدها الزرقاوي نفسه-هي أن المقاومة العراقية قد مثل الزرقاوي (على شهرته) احد قادة احد فصائلها ،إذ هي تضم إلى جانب من مثله الزرقاوي مجموعات وتجمعات عديدة تعلن عن نفسها في عملياتها ضد الاحتلال بأسماء كثر.<BR>وهنا ينبغي الفصل بين الحالة الدعائية الإعلامية وبين الوضع العام للمقاومة العراقية ،كما ينبغي الفصل بين دور الفرد ودور الجماعة ،إذ بالإجمال أثبتت أن المقاومة العراقية اكبر من اى اسم واى قيادة مهما كانت درجة دربتها وملكاتها وقدراتها .<BR>ولعل التزامن الذي جرى بين غياب الزرقاوي وتشكيل حكومة المالكي الذي صاحبها ضجيج من أطراف متعددة خاصة على صعيد أنها اقرب أشكال الحكم تحت الاحتلال إلى حكومة غير طائفية كسابقاتها ،فان ما آلت إليه حالة حكومة الاحتلال بقيادة المالكي هو احد مؤشرات استمرار قدرة المقاومة بل وتصاعد قدرتها إلى درجة أن السيستاني خرج عن صمته الذي طال في المرحلة الأخيرة وأطلق تصريحات هي التعمق في إظهار عمق أزمة حكومة المالكي في الأوساط الشيعية ذاتها من خلال حديثه عن الميليشيات .<BR><font color="#0000FF">المرحلة الثانية:طول النفس</font><BR>تجاهد المقاومة العراقية الآن في إطار المرحلة الثانية من استراتيجيتها الهادفة إلى تحرير العراق وإعادة بناءه على أسس مختلفة عن مرحلة الاحتلال وعن المرحلة السابقة على الاحتلال .وفى هذه المرحلة يجرى استنزاف العدو قطرة قطرة حتى كسر إرادته وإرادة قيادته السياسية لإجبارها على الانسحاب .<BR>وفى تلك المرحلة لا يكون مطلوبا الدخول في معارك واسعة أو مستديمة وإنما عمليات متفرقة متوسعة المساحة أو منتشرة على مساحات واسعة وضد كل المجموعات والقواعد العسكرية المتحرك منها والثابت ،كما هي تتضمن عمليات نوعية تستهدف جميعها التأثير الحاسم على معنويات الجندي المحتل ،كما في تلك المرحلة تعمل المقاومة على التأثير في وضع الإدارة الأمريكية في الداخل الأمريكي في توقيتات محددة بشكل خاص ووفق برامج ترتبط بأوضاع هذه الإدارة داخليا .<BR>وكذا فان المقاومة في تلك المرحلة تعمد إلى خطط عسكرية وسياسية تستهدف إضعاف الكتل المتعاونة مع الاحتلال سياسيا وجماهيريا وعسكريا ،حيث احد عناوين إضعاف المحتل هو تعريته داخليا من خلال إضعاف مسانديه والمتعاونين معه ،وقد نجحت المقاومة بالفعل خلال المراحل الماضية من تحقيق ذلك من خلال التركيز على ضرب جهاز الدولة العميل الذي تبنيه قوات الاحتلال –لا يغير من ذلك بناء جيش عراقي مكون من 130 ألف ،إذ مثل تلك القوة تنهار في لحظة واحدة كما هو حال جيش لحد في لبنان وجيش فيتنام الجنوبية وغيرها-غير أنها ما تزال تعمل على إضعاف حالة السيطرة للقيادات المتعاونة مع الاحتلال على قطاع من الجمهور العراقي تحت اللافتات الطائفية .<BR>وهكذا بقدر ما تضعف المقاومة الحالة المعنوية لجنود وقادة الاحتلال وتحول وجودهم إلى حالة من تخطف الموت لهم وبقدر ما توصل الإدارة الأمريكية إلى حارة سد بما يهدد بقائها في الحكم في بلادها ،كما بقدر ما تخلخل وتضعف القوى المتعاونة مع الاحتلال وتعزلها عن التأثير على المواطنين العراقيين بأية حجج عرقية أو طائفية ،فهذا وذاك يجعلها تنتقل إلى المرحلة الثالثة من استراتيجيتها ،مرحلة تحقيق الانتصار سواء كان ذلك عبر مفاوضات تقر قوات الاحتلال قبلها بالانسحاب أو عبر معارك وهروب لقوات الاحتلال وانهيار للقوات التي أسست أجهزتها ودربت قيادتها قوات الاحتلال.<BR><font color="#0000FF">الوضع الراهن </font><BR>كل المؤشرات تؤكد أن المقاومة تنجز مشروعها بأسرع مما توقع الخبراء –برغم كل ما نرى من مظاهر أخرى -وبنفس الطريقة التي فاجأت بها العالم اجمع بظهورها وبقدرتها وصمودها وبخوضها معارك غير مسبوقة في قوتها وصمودها وقدرتها (الفلوجة 1والفلوجة 2 والقائم وغيرها) ،حيث هذه المؤشرات تشير إلى أن الطريق يمهد أكثر فأكثر لنجاح المقاومة في مرحلتها الاستراتيجية الثانية .<BR>على صعيد قوات الاحتلال ،فان أمر الهزيمة العسكرية والسياسية لمشروع احتلال العراق لم يعد أمر تحدث به دوائر المقاومة بل التقارير الرسمية الأمريكية التي كان آخرها ما أفادت صحيفة "واشنطن بوست" منذ أيام من أن تقريرا سريا أعده ضابط بارز في المخابرات العسكرية في العراق يخلص إلى أن الاحتمالات قاتمة بالنسبة لمحافظة الأنبار الواقعة في غرب العراق وهي معقل للمسلحين السنة الذين يقاتلون القوات الأمريكية والحكومة التي يقودها الشيعة.وقد أفاد التقييم الذي أعدته قيادة مخابرات فيلق مشاة البحرية الأمريكية في العراق ونشرته الصحيفة بأنه ليس هناك شيء تستطيع القوات الأمريكية فعله من أجل تحسين الوضع السياسي والاجتماعي في هذا الإقليم غير المستقر الواقع إلى الغرب من بغداد.وانه لا توجد مؤسسات حكومية فاعلة في "الأنبار" مما يترك فراغا ملأته القاعدة في العراق.وان الولايات المتحدة قد فقدت "الأنبار".<BR>واللافت في هذا التقرير ليس فقط ما حواه من معلومات هامة ودقيقة أو نهائية على أن الحرب خسرتها الولايات المتحدة بل توقيته أيضا إذ جاء الإعلان عن التقرير في توقيت باتت فيه انتخابات الكونجرس على الأبواب بما يهدد بالفعل سيطرة الجمهوريين ويجعل من احتمالات صدور قرار بانسحاب القوات الأمريكية أمرا واقعا .<BR>وعلى صعيد القوى المتعاونة مع الاحتلال من كل الفئات والأوساط فقد أصبحت بالإجمال في مأزق متصاعد ،حيث التيارات الشيعية المتعاونة مع الاحتلال باتت تواجه بتصاعد قوة التيارات التي رفعت شعارات ضد التعاون مع الاحتلال كما أن اشتداد الصراع حول الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة وإيران يجعل كل هذه التيارات واقعة في حال تناقض أيا كانت مساحته مع إيران بحكم أن اى تسوية بين الطرفين الأمريكي الإيراني ستكون على حساب شعاراتها ومصالحها ووضعيتها أو لنقل أن أي اتفاق سيعريها سياسيا أمام الجمهور العراقي .<BR><br>