حكومة الوحدة الوطنية .. آخر الحيل لإبعاد حماس عن السلطة !
8 شعبان 1427

الأمر كله لا يعدو أن يكون حيلة مكشوفة ، ومخطط مفضوح .. فبعد محاولات ضرب حكومة حركة حماس من الداخل عبر تفجيرات وهمية ومصادمات مفتعلة مع أنصار حركة فتح أو عمليات اغتيال قام بها عملاء للاحتلال ، جاء الدور على العملية العسكرية الصهيونية التي استغلوا اختطاف الجندي الإسرائيلي (شاريت) للقيام بها ، وهدم المدن الفلسطينية وخطف قرابة 31 من وزراء ونواب حماس ، فلما لم يفلحوا مرة ثانية جاء الدور على حكومة الوحدة الوطنية !<BR>فالمسألة كلها تتعلق بالرغبة الأمريكية والصهيونية في إفشال حكومة حماس الإسلامية رغم أنها جاءت بانتخابات حرة ، فهم لم يتوقعوا في البداية أن تقبل حماس تشكيل الحكومة وعجزوها ورفضوا فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية طرحتها حماس في البداية وهي في أوج قوتها بعد الانتخابات ، والآن يرغبون في طرح الفكرة بعدما تعرضت الحكومة لحصار دولي وإقليمي وجري تجويع الشعب الفلسطيني في ظل حكمها ليقال له أن حكم الإسلاميون فاشل وأن مصير الشعب هو القتل والموت جوعا!.<BR>والمفلت أن الرئيس محمود عباس لجأ لفكرة حكومة الوحدة الوطنية بعدما لوحت حماس بأنها ربما تعلن حل السلطة الفلسطينية وتنتهي المسلسل الوهمي المتمثل فيما يسمي الحكومة الفلسطينية ذات السيادة ، لأن حل السلطة معناه انتهاء كل ما سبق التخطيط له في عهود منظمة التحرير السابقة وهي في الحكم من اتفاقات تفاوضية مع الصهاينة والعودة إلى مربع المقاومة وإلى مدة ما قبل أسلوا ما يحرم مسؤولي فتح من امتيازات السلطة ويقض مضاجع الصهاينة مرة أخرى .<BR>والأكثر غرابة أن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه فضح الأمر وقال: إن الحديث الذي يجري حاليا حول تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية ليس سوى أكذوبة يجري التلهي بها لكسب الوقت والهاء الرأي العام ، وقال عبد ربه في مؤتمر صحافي عقده يوم 27 أغسطس 2006 في رام الله: إن آفاق الوضع الفلسطيني الداخلي مسدودة بالكامل وإن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية أكذوبة، ولا أحد حقيقة يريد هذه الحكومة !.<BR>لقد وافقت حماس على الفكرة كي لا يقال إنها تريد بقاء الشعب الفلسطيني محاصرا ومجوعا ، ووافقت – مع فتح - على تشكيل حكومة وحدة وطنية من مختلف الفصائل الفلسطينية، بحيث تسهم هذه الحكومة في رفع الحصار المفروض على السلطة الفلسطينية منذ تسلم حماس رئاسة الحكومة اثر فوزها في الانتخابات التشريعية مطلع السنة الحالية .<BR>ولكن حركة حماس – التي تدرك نوايا اللعبة التي يلعبها بعض المسؤولين السابقين في حركة فتح والتي تصب في خانة الاعتراف بالدولة الصهيونية في نهاية المطاف كي يمكن استمرار محادثات التسوية - وضعت اشتراطات لهذه الحكومة بحيث تكون هذه الحكومة برئاستها وألا توافق هذه الحكومة على الاعتراف بتل أبيب ، ما أفشل الهدف منها وهو إجبار حماس على التناول والاعتراف بالدولة الصهيونية ، فانتقلت الاتهامات لحماس من قبل أنصار فتح بأنها تريد مشاركة الفصائل الفلسطينية الأخرى بشكل تجميلي فقط داخل الحكومة !؟<BR>وكان (رئيس الحكومة) إسماعيل هنية قد أعلن إن رئيس حكومة الوحدة الوطنية يجب أن يكون من حركة حماس وان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة يفترض أن يسبقه الإفراج عن الوزراء والنواب المعتقلين ورفع الحصار عن قطاع غزة والضفة الغربية .<BR>فـ "حماس" تطالب بالإفراج عن الوزراء المختطفين كأحد الشروط الواجب توفرها كي لا يكون في إيجاد حكومة جديدة أمراً يتماشى مع رغبات الاحتلال، والذي يسعى إلى تقويض الحكومة الحالية ، كما تطالب تفعيل منظمة التحرير بالتزامن مع بدء المشاورات لتشكيل الحكومة، وهو ما أشار إليه إسماعيل هنية (رئيس الوزراء) في خطبة يوم (18/8)، كما تؤكد وثيقة الوفاق الوطني على ذلك .<BR>كما أكد هنية على أن من يشكِّل الحكومة ويرأسها يجب أن يكون من حركة حماس كونها أكبر كتلة برلمانية، وأن يتم تقسيم الوزارات حسب حجم كل كتلة في المجلس .<BR>والملاحظ أن حركة فتح تطالب الآن بتشكيل فوري لحكومة الوحدة الوطنية ، رغم أن هذا الموقف يختلف عن موقفها بعد فوز "حماس" بالانتخابات حيث رفضت المشاركة في الحكومة وهو ما شدَّد عليه عدد كبير من قادة "فتح" وذهب القيادي في الحركة والوزير السابق محمد دحلان أبعد من ذلك عندما هدَّد في حينه قادة فتح وحذرهم من المشاركة في "حكومة حماس".<BR>إجهاض نجاح المقاومة !<BR>والأكثر خطورة أنه بدلا من أن تتحرك السلطة الفلسطينية في شخص الرئيس عباس للاستفادة من انتصار المقاومة عموما في لبنان وفلسطين لفرض شروطها أو لحصد نتائج سياسية هامة للمقاومة ، إذا بها تقوم على العكس بالسعي لإجهاض هذه المقاومة بالحديث عن إعادة إحياء الخطط التفاوضية السلمية لعملية السلام التي انتهت وماتت منذ اجتياح الصهاينة للضفة الغربية والهجوم على غزة .<BR>والأكثر غرابة أن فكرة حكومة الوحدة الوطنية التي اقترحها الرئيس عباس واشترط أن تتضمن الاعتراف بالدولة العبرية تقوم أيضا على فكرة (وثيقة الأسري) التي كانت مشروع فتنة داخلية فلسطينية كادت أن تؤدي إلى حرب أهلية، ولم ينقذ الفلسطينيين منها إلا الهجوم الصهيوني في أعقاب العملية الفدائية الجريئة التي أسفرت عن اسر جندي إسرائيلي ، وتوحد الشعب الفلسطيني ، ومع هذا عاد عباس ليطرح نفس الفكرة بعد انتصار المقاومة والصمود !.<BR>لقد كشف محمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في زيارة سابقة لمصر في يونيه الماضي وعلي هامش لقاء خاص مع مفكرين وإعلاميين بمقر اتحاد الأطباء العرب حضرته (المسلم) عن مخطط داخلي تقوم بها ما يسمي "فرق الموت" التابعة لجهاز الأمن الوقائي لنشر الفوضى الأمنية في المدن الفلسطينية والقيام باضطرابات واغتيالات بهدف إسقاط حكومة حماس ضمن مخطط محلي ودولي يهدف لإسقاط هذه الحكومة لضرب تجربة حكم الإسلاميين وتولي حكومة أخرى تقبل بتقديم تنازلات ضخمة ترفضها حماس .<BR>قال نزال أن فوز حماس في انتخابات التشريعي الفلسطيني جاء مفاجأة للأطراف الدولية والمحلية والإقليمية جعلتهم يندفعون في إتباع تكتيك غير الذي اتبعوه في فترة الانتخابات والتعامل بشكل مختلف مع مرحلة ما بعد فوز حماس بغرض أساسي هو عدم السماح باستمرار حكومة حماس والسعي لإسقاطها وإنهاء وجودها ، ومن هنا جاءت الشروط التعجيزية التي تطالب حكومة حماس بالاعتراف بإسرائيل ووقف المقاومة ليس لكي تتنازل حماس ، ولكن لكي تغادر السلطة .<BR>وأرجع نزال المساعي الدائرة بقوة لإجبار حماس على التنحي عن السلطة إلى أمرين أساسيين : (الأول) أن نجاح حماس يشكل خطورة على الأطراف التي تقول أن الإسلاميين لا يمكن أن ينجحوا في تجربة الحكم لأن رؤيتهم الإستراتيجية مرفوضة ، و(الثاني) أن أي تنازلات تقدمها حماس لن تكون مقبولة لأنه مثلما رسا مزاد أوسلو على أقل طرف قدم أكثر تنازلات سياسية ، فسوف يرسوا هذه المرة على أطراف أخرى تقدم تنازلات أكبر من التي تقدمها حماس !.<BR>ولأن هناك عدة عقبات قانونية اصطدمت بها مخططات السعي لتنحية حماس وإبعادها عن السلطة ، لأنه حتى لو أقال الرئيس عباس حكومة هنية ، فسوف تجد أي حكومة أخرى صعوبة في موافقة المجلس التشريعي - الذي تسيطر على غالبيته حماس – عليها ، كما أنه ليس هناك أي بند في الدستور الفلسطيني ينص على حل المجلس التشريعي لأن الدستور تم تصميمه بحيث يناسب حركة فتح ولم يتصوروا أن تأتي حكومة من غيرها !.<BR>لهذه الأسباب القانونية ، لجأت الأطراف الدولية والمحلية والإقليمية لأساليب أخرى لدفع حماس للتنحي عن السلطة ، حيث لجأت أمريكا والغرب لاعتبار الحكومة إرهابية وبالتي فرضت عليها الحصار ، وحظرت على بنوك العالم تحويل أي أموال للفلسطينيين ، ووصل الأمر بالأوروبيين ، بعد تمرير وزراء من حماس أموال عبر معبر رفح ، للتهديد بالانسحاب من المعبر .<BR>وتزامن مع هذا خطة محلية لتفجير الاستقرار في الداخل أمنيا وسياسيا عبر سلسلة اغتيالات بهدف خلق حالة من عدم الاستقرار لحكومة حماس ، واتهام حماس بالقيام بهذه الاغتيالات أو الاضطرابات رغم أنه لا يعقل أن تكون هناك حكومة تحكم وتسعي في الوقت نفسه لخلق أجواء من الاضطرابات لنفسها .<BR>وعندما فشلت كل هذه المخططات جاء التدخل الصهيوني الفج لينفذ المخطط علنا ويضرب حكومة فلسطينية منتخبة ويخطف ويعتقل وزراءها ونوابها في البرلمان بما فيهم رئيس البرلمان دون أن يحرك أحد في العالم "المتحضر" في الغرب ساكنا !!.<BR>وحتى عندما فشلت كل هذه المؤامرات والمخططات ، خرج علينا الرئيس عباس بوجه جديد يعيد طرح فكرة حكومة الوحدة الوطنية كي يعود وزراء فتح الخاسرين في الانتخابات من خلالها لواجهة السياسة ، ويسرب أنصار عباس أن هذه الحكومة ستقوم باستئناف مفاوضات السلام وبالتالي سوف تعترف بالدولة العبرية !!.<BR>ورغم أن مصر تسعي بوسائل شتي للوساطة بهدف إنهاء أزمة الجندي الصهيوني المختطف وإبداله بأسري فلسطينيون ، وأخر هذه العروض التي نجحت فيها القاهرة كان الاتفاق على استبداله بـ 600 أسير فلسطيني ، فهناك على الجانب الفلسطيني من يعتبر هذا مقدمة لهذه التسوية السلمية المنتظرة بحيث يتم إنهاء أزمة الجندي ويعقبها مفاوضات سلمية الهدف منها التهدئة ووقف المقاومة .<BR>والمفلت أن خطة الرئيس عباس لحكومة وحدة وطنية والتي تسعي لاستغلال المأزق الذي تعيشه حماس ، تتزامن مع تصعيد قوات الاحتلال لحملة الاعتقالات المستمر لوزراء حماس ونوابها في البرلمان بهدف إحداث حالة من الشلل التام في ربوع الحكومة والبرلمان تبرر الطلب الذي يقدمه عباس لحكومة وحدة وطنية مستندا لمبررات منطقية مثل أن الحكومة عاجزة عن العمل وأن وزراءها وراء قضبان السجون .<BR>فلا يمر يوم أو أسبوع دون أن تعتقل قوات الاحتلال أحد وزراء أو نواب حماس ، بل أن الاعتقالات أصبح أكثر دقة في اعتقال مسؤولين كبار مفصليين في الحكومة والبرلمان خصوصا هؤلاء الذين يعارضون فكرة الحكومة الوطنية التي تعترف بالدولة العبرية، ويتفنن الصهاينة في توجيه اتهامات لهؤلاء المسئولين وسجنهم بهدف ترسيخ قاعدة جديدة في التعامل مع السلطة الفلسطينية تقوم على الوصاية وتقويض النظام السياسي الفلسطيني . <BR><BR>المخطط بالتالي واضح ولا يحتاج عناء في كشفه والغرض هو تركيع الشعب الفلسطيني وإفشال خطة حكم الإسلاميين كي لا يقال أنها نجحت وتتخذ مثالا وعبره في دول عربية أخرى ، فضلا عن إجهاض ما حققته المقاومة من انتصار عسكري بصمودها سواء في لبنان أو فلسطين ، وترسيخ القناعة بأن ما تلقيه الدولة الصهيونية من فتات السلام هو المتاح فقط !<BR>فحتى لو وافقت حماس على حكومة وحدة وطنية فسوف تبقي المساومات على المناصب من جهة وعلي فتح ملفات التفاوض مع الصهاينة ، وسيبقي التعامل الغربي مع هذه الحكومة كما هو ، قائما على التجاهل وعدم التعاون معها .<BR>الخلاصة في عالم السياسية والمؤامرات بالتالي هي : قل "إجهاض حكومة حماس" ، ولا تقل "حكومة وحدة وطنية " !!<BR><br>