حزب الله يأسر جماعة 14 آذار !
19 جمادى الثانية 1427

على صعيد الداخل اللبناني ، فإن الملاحظة الأهم فيما يجري منذ الإعلان عن عملية أسر الجنود الصهاينة وما تلاه من وقائع العدوان الصهيوني على لبنان والمعارك الجارية ،هي أن كل وقائع الهجوم السياسي والإعلامي الصهيوني قد جاءت موجهة إلى قوى تحالف 14 مارس/آذار الموجودة في الحكم،التي وجدت نفسها في الجانب الآخر، في وضع بالغ الحرج أمام حزب الله في الساحة اللبنانية وأمام سوريا على الصعيد العربي وأمام حلفائها في واشنطن وباريس ،إلى درجة يمكن معها القول بان الخاسر الأكبر على المستوى السياسي في كل ما يجرى في لبنان ،هو قوى 14 آذار التي ستخرج من تلك الأزمة وقد خسرت كل ما حققته منذ عملية اغتيال الحريري وحتى الآن، وأنها نتيجة لهذا الوضع لا تملك إلا العمل المباشر مع الولايات المتحدة وأوروبا والكيان الصهيوني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ،إذا كان ذلك ممكناً.<BR><BR>لقد أصبحت قوى الرابع عشر من آذار في مهب الريح داخليا ،كما تبعثرت كل أوراق استراتيجيتها الدولية في ضربة واحدة ،إلى درجة يمكن القول معها أن الاحتمال الوحيد لاستمرار تلك القوى في الساحة اللبنانية وفي الحكم هو أن تتمكن القوات الصهيونية من النجاح في القضاء على معالم قوة حزب الله أو إضعافه عسكريا وسياسيا أو كسر إرادة قراره السياسي- وهو احتمال تؤكد الأحداث الجارية أيا كانت نتائجها انه غير مرجح –وأنها حتى لو نجحت في إضعافه على هذه الدرجة أو تلك ، لن تنجح أيضاً في الاستمرار في إنفاذ مشروعها السياسي القائم على الوصول إلى تسوية مع الكيان الصهيوني وفق أجندة أمريكية على حساب الوجود السياسي والعسكري لسوريا وحزب الله وبقية حلفائهما.<BR>لقد وجدت قوى 14 آذار نفسها في مأزق ،فإذا هي أيدت –كلها أو بعضا منها -العدوان الصهيوني على لبنان تكون بذلك قد أسفرت عن وجهها الحقيقي ومسحت كل ما ادعته من شعارات لحشد الجمهور اللبناني خلفها –تحقيق الاستقلال والحرية وطرد الوجود العسكري الأجنبي -وانتهى أمر وجودها في الشارع اللبناني خاصة وأن الجيش اللبناني غير بعيد عما يجري عسكريا .وإذا هي أمسكت العصا عند المنتصف فهي على الأقل تكون قد أخرجت نفسها من الحكم بحكم مشاركة حزب الله في الحكومة وبالنظر إلى تنامي مطالبات بانتخابات مبكرة في لبنان معروف نتائجها في تلك الحالة.أما إذا هي وقفت ضد العدوان صراحة وبوضوح فإنها تدخل بذلك في تحالف سياسي أو إعلامي مع حزب الله وتفقد كل إمكانية للحديث من بعد عن نزع سلاحه كما هي تفقد أوراقها وخطوطها التي امتدت مع الولايات المتحدة .<BR>وذلك هو ما يفسر تصريحات وليد جنبلاط التي تحدثت عن وحدة اللبنانيين في مواجهة العدوان وما يفسر في ذات الوقت ما صدر عن الحكومة اللبنانية حول رفض العدوان الإسرائيلي مع الإشارة بالإيجاب إلى المطلب الإسرائيلي حول نشر الجيش اللبناني في الجنوب تحت مسمى بسط السيادة .وكذا ما يفسر تصريحات مروان حمادة المخالفة والمغايرة لتصريحات رئيس كتلته جنبلاط.<BR>وإذا كان مفهوما في إطار الأوضاع اللبنانية الداخلية أن تجد قوى الرابع عشر من آزار نفسها في هذا المأزق بحكم ما تطرحه من رؤى وما تتبناه من سياسات ،فإن ما يحتاج إلى فهم وإيضاح هو لماذا تهاجم القيادة الصهيونية الأقرب إليها في الساحات العربية التي تهاجمها ،حيث أن تحميل القيادة الصهيونية حكومة السنيورة مسئولية ما يجرى من قبل حزب الله –وهى تعلم تمام العلم أن لا السنيورة ولا غيره كان يعلم ما سيجرى كما هو غير قادر على منعه إذا علم -هو نفس الأمر الذي جرى ويجري على صعيد المواجهة الفلسطينية، حيث دأبت القيادة الصهيونية على تحميل أبو مازن مسؤولية ما يجرى ومن قبل كانت تحمل عرفات المسئولية.<BR>فعلى صعيد الوضع الداخلي الفلسطيني ،إذ كان الأهم في نتائج ردود الفعل الصهيونية على عملية "الوهم المتبدد " أن كل من كان متحالفا مع الكيان الصهيوني أو قريبا من مواقف ورؤى القيادة الصهيونية –والأمريكية-لحل الصراع وكل من شارك في الخطة الصهيونية لإطاحة حماس من الحكومة وعزلها أو وقف ضد المقاومة متماسا مع المواقف الصهيونية ،قد أصبح في مواجهة القيادة الصهيونية وفى حالة تعارض مصالح معها، بل صارت كل غارة صهيونية وكل صاروخ وكل طلقة مدفعية أو قذيفة دبابة صهيونية موجهة للمدنيين الفلسطينيين هي في ذات الوقت موجهة إلى أقرب حلفاء الكيان الصهيوني في داخل الأرض الفلسطينية .<BR>وإذا كان المغزى والمعنى العام هنا هو أن التركيز على العدو الخارجي والخصم الاستراتيجي في الصراع إنما تحقق حشدا لجمهور الشعب حول القوة المقاومة وفى مواجهة العدو والاحتلال ،وكذا أن هذا التوجه هو ما يضعف ويربك المتعاونين والمتقاطعين في مصالحهم مع العدو أو الخصم الاستراتيجي، وفي المقابل فإن أوقات الميوعة السياسية والتوقف عن العمل المقاوم هي الفترات التي ينشط فيها المتعاونين مع الاحتلال أو الذين لهم مصالح لهم مع الاحتلال .<BR>فإن ثمة مغزى مهم في هذا الأمر ،هو أن القيادة الصهيونية كانت ومازالت وهى هكذا دوما، تعمد باستمرار إلى تحميل من في الحكم أو في السلطة مسؤولية الأحداث، وهى تعلم علم اليقين أن هؤلاء تحديدا لا علاقة لهم بما يجري، بل في أغلب الأحيان هم يقفون ضد ما يجري !<BR><BR><font color="#0000FF">الصهاينة وعباس والسنيورة</font><BR>لم تخرج القيادة الصهيونية عن خطها الاستراتيجي المعتاد في مواجهة مناوئيها ،فهي إذ توجه جهدها العسكري ضد من يقاتلها وضد المدنيين الذين يصبحون هدفا مباشرا ،فإنها كانت دوما تلقى باللائمة السياسية على عرفات وسلطة أوسلو وواصلت نفس الفهم والممارسة والسلوك مع أبي مازن ،هي منذ أول لحظة ما بعد عملية أسر الجنديين الصهيونيين في شمال فلسطين المحتلة ،حملت حكومة السنيورة المسؤولية عن عملية حزب الله وما تبعها من عمليات حربية .طبيعي أن القيادة الصهيونية تعلم أن أبا مازن ليس مسؤولاً عن عملية الوهم المتبدد ،بل هي تعلم أن أبا مازن ضد العملية، وطبيعي أن القيادة الصهيونية تعلم أن السنيورة ومعظم قوى 14 آذار لا علاقة لها بعملية حزب الله بل هي تقف ضد العملية ومن قام بها ،ولكنها مع ذلك تحمل كل من أبو مازن والسنيورة المسئولية ليس على سبيل عدم المعرفة بمواقف كل منهما أو الجهل بها ولكن ذلك يرجع إلى أن إسرائيل تختار الطرف الأضعف والأقرب إليها لدفعه إلى اتخاذ مواقف تضعف الطرف المقاتل –وتعلى بطريقة أو بأخرى الموقف والسلوك الإسرائيلي-والى إحداث انشقاق داخلي عميق في داخل الطرفين الفلسطيني واللبناني ،أو بالأحرى أن إسرائيل تستهدف حشد كل القوى القريبة منها في داخل لبنان وفلسطين ضد العمل العسكري هنا هناك من خلال اتهامه بالمسئولية ليخرج هو ويرفض الاتهام أو ليعلن عدم مسؤوليته فيكون بذلك قد خطى خطوة باتجاه الموقف الصهيوني مبتعدا عن مواقف المقاتلين .<BR><BR><font color="#0000FF">العلاقة التبادلية </font><BR>وفى تحليل تلك الظاهرة فإن القيادة الصهيونية لا تفعل ذلك تأكيدا لاعتبارات تتعلق بقواعد القانون الدولي التي تحمل حكومة أي دولة ما يصدر من أي حزب أو جماعة أو فرد من رعاياها، حيث إسرائيل لا تحترم أي نمط من أنماط القانون الدولي ولا تحترم سيادة الدول بل هي تحتل الدول وتختطف المواطنين بل وتقتلهم في الشوارع متى تمكنت من ذلك .كما أن القيادة الصهيونية لا تفعل ذلك من باب العمى السياسي الذي لا يفرق بين من هو عدوها بدرجة أو بأخرى ومن هو حليف لها أو في تقاطع مصالح معها ،إذ هي على أعلى درجة من التدقيق في الأوضاع الداخلية للدول العربية سواء للنفاذ في داخلها أو لتحييد بعض القوى عن الصراع معها أو لتفكيك المجتمعات الخ .<BR>ولكن القيادة والاستراتيجية الصهيونية تستهدف من ذلك ،أولا إضعاف الحلفاء حتى تكون في أوضاع اضعف أمامها خاصة إذا كانت في الحكم بالنظر إلى أن القيادة الصهيونية تستهدف السيطرة على مقدرات البلد الذي تحكمه تلك القوى ،كما هي تستهدف إيجاد الذرائع السياسية لتبرير ضربها للمقدرات الاستراتيجية للبلد المعتدى عليه ،حيث أن مجرد قصرها المسؤولية في فلسطين على حماس إنما يعنى أنها ستوجه ضرباتها فقط إلى حماس ،وكذا إذا هي حددت المسئولية في حزب الله فإن ذلك يعنى أن توجه ضرباتها إلى حزب الله .<BR>وفى ذلك فإن القضية الأهم هي أن القيادة الصهيونية في مواجهتها للفعل العسكري إنما القاعدة الرئيسية في عملها هو أن تضغط بكل الأطراف الداخلية والخارجية ضد طرف واحد هو من يقاتلها ،وأنها كما هي تحشد القوى الخارجية الغربية والعربية بعضها بالعلاقات والمصالح وبعضها بالتخويف والتهديد ،فإنها تفعل ذلك أيضا في الأوضاع الداخلية لفلسطين ولبنان ،إذ أن ضغطها على القوى الحليفة أو المتقاطعة في مصالحها هو عامل من عوامل حثها ودفعها إلى اتخاذ مواقف أعلى ضد المقاومة هنا أو حزب الله هناك .فالقيادة الصهيونية كانت كلما وجهت رسالة تخويف إلى السلطة الفلسطينية كانت الأخيرة تقابل ذلك بإصدار بيانات إدانة للعمليات الفدائية والاستشهادية وهو أمر وان كان يبرر بتفويت الفرصة على القيادة الصهيونية بتحويل الصراع إلى حالة شاملة والى عملية تكسير لكل مؤسسات السلطة ،فإنها أولا وأخيرا هو استجابة للضغط الصهيوني .<BR><BR><font color="#0000FF"> العملية الراهنة والمستقبل </font><BR>ما يزال الوقت مبكرا لتبيان نتائج ما يجرى ،حيث العملية جارية والأوضاع حبلى بتطورات قد تكون جد خطيرة على صعيد مجمل الأوضاع في المنطقة ،إذ أن توجيه ضربة ولو محدودة ضد سوريا قد يغير من طبيعة تأثيرات مغايرة لنتائج الأحداث الجارية –وهو امر غير مرجح لتعارضه مع استراتيجيات أمريكا وأوروبا في العراق وتجاه سوريا أيضاً- التي يتعمد فيها حزب الله إطالة نمط الأزمة والصراع عن طريق التحكم في عدد الصواريخ وفى تدرج ضرباته وتنوعها وتحديد توقيتات متباعدة لأعماله العسكرية ،بينما ترفع القيادة الصهيونية من نمط وقوة العمليات وتسرع خطواتها .<BR>وفى إطار احتمالات استمرار المعركة الجارية بين حزب الله والكيان الصهيوني عند الحدود الحالية -في الملامح العامة طبعا -فإن المؤكد الآن هو أن جماعة 14 آزار قد انتهى دورها وفشلت استراتيجيتها وأنها الآن باتت معرضة أكثر من أي وقت مضى للتفكك الداخلي، وأن حزب الله والقوى المرتبطة بسوريا والموقف السوري قد حصلت على دفعة قوية في الشارع اللبناني وعلى الصعيد العربي والدولي .<BR><br>