أزمات أفريقيا المتكررة : إلى أين؟
11 جمادى الثانية 1427

[email protected] <BR>تتكرر القمم الأفريقية كما تتكرر الأزمات الأفريقية بين الفنية والأخرى، وتتحول أسماء المنظمات الأفريقية الجامعة إلى أخرى في مسعى من بعض القادة لاندماج حقيقي بين دول القارة ! ولكن تظل المضامين دون تغيير ! <BR>وعلى هذا الأساس وتحت شعار : " الاندماج الإقليمي " انعقد قمة الاتحاد الأفريقي في العاصمة الغامبية في المدة 1-2/7/2006م . إلا أن النزاعات المتكررة والتي تجتاح القارة دائماً تكون إحدى الأسباب التي تحول دون مناقشة القضايا الأساسية التي تعاني منها القارة ، فالأزمات المتكررة في أفريقيا ليست محصورة في الأزمات العسكرية أو الحروب ، وإنما هناك أزمات صحية وأزمات اقتصادية وبيئية . <BR>فمساحة القارة، والتي تبلغ ( 30300000 كلم2) وتشكل خمس مساحة اليابسة ، وتتعدد فيها الأنهر والبحيرات ، ويتنوع المناخ والطقس فيها ، مع ذلك تعاني القارة أزمة المجاعة ، وأزمات الجفاف والتصحر، والتي تشكل مع عوامل أخرى الحروب المتكررة في طول القارة وعرضها . وتنتقل هذه الأزمة كل عام إلى جزء من أجزائها . لذا فإن كثيراً من دول القارة تعتبر الأكثر فقراً والأكثر فساداً كذلك في العالم ، حيث يعيش معظم سكان القارة والذي يقدر بـ (720) سبعمئة وعشرين مليوناً على خط الفقر أو دونه ، وأن الملايين من أبنائها مهددون بالموت جوعاً في عدد من بلدانها بسبب تلك الحروب والأزمات الأخرى! <BR><font color="#ff0000"> الأزمات الأفريقية المتكررة ودور بعض القوى!</font> <BR> إن الدور الغربي في تأجيج بعض الأزمات في القارة قد بدأ واضحاً منذ مؤتمر برلين 1884 – 1885م ، والذي احتفل فيه الغربيون بالقضاء نهائياً على الحضارة والرفاهية التي يعيشها المسلمون عامة وسكان القارة على وجه الخصوص . فمنذ أن دخل الإسلام القارة الأفريقية عاش أهلها في أمن وأمان ، وشهدت دول القارة وممالكها أزهى تواريخ حضارتها ونهضتها الاقتصادية والفكرية والعلمية إبان القرن التاسع الميلادي إلى أواخر القرن الثامن عشر ، وفي خلال هذه المدة تكونت دول وممالك أفريقية تفوق الدول الغربية في نهضتها الاقتصادية والعسكرية والعلمية ، والتي تعاني في تلك الحقبة أسوأ فترات تاريخها، حيث تعيش حروباً أهلية فيما بينها، وتعيش قرونها المظلمة . يقول الباحث إبراهيم طرخان في كتابه ( إمبراطورية برنو الإسلامية ) عند حديثه عن مملكة كانم الإسلامية في وسط أفريقيا أن الأسلحة والتجهيزات العسكرية التي يتميز بها جنود المملكة في تلك الفترة لا توجد حتى لدى الإمبراطورية البريطانية والتي لا تغيب عنها الشمس ـ كما يقال ـ ! <BR>هذه الحضارة الزاهية في ممالك مثل مالي وسنار وكانم وغيرها ، كانت غائبة عن معظم الأوروبيين ، ولم تصلهم معلومات دقيقة عن القارة إلا عبر كتابات المؤرخين المسلمين ، وعلى رأسهم الإدريسي والذي ألف كتابه نزهة المشتاق عام 1154م ، و ترجم إلى اللاتينية في عام 1619م في عهد ملك صقلية " روجر " ، هذا بالإضافة إلى كتابات المسعودي والحسن بن الوازان " ليو الأفريقي "وغيرهم . وبناء على هذه المعلومات بدأت حركة الاكتشاف واستعمار واستغلال القارة الأفريقية في مؤتمرهم أعلاه ، حيث اعتبر القارة الأفريقية أرض المستقبل بالنسبة لهم بعد تلك الحروب الشرسة التي دارت رحاها فيما بينهم . وتمَّ استبدال تلك الممالك الحديثة في القارة إلى دويلات صغيرة كل دويلة تتبع إحدى الدول الغربية و تدور في فلكها . وتم كذلك بعد استعمار واستعباد العباد واستغلال الخيرات تزوير تاريخ أفريقيا ونقلت الآلاف من المخطوطات القيمة إلى متاحفهم في برلين وباريس وغيرهما. ولم يقف عند ذاك فحسب بل تعدى ذلك إلى وصف شعوب القارة بأنها شعوب وحشية وغير مدنية ولم تعرف في يوم من الأيام حياة الحضارة ولم تدرك مفهوم الدولة الحديثة ، وكأنهم وحوش يعيشون في غابة كبيرة، حيث تعامل الغربيون وفقاً لنظرية " دارون " وغيرها من الأساطير والخرافات الوثنية اللاتينية مع الأفارقة . يقول الباحث فيليب كارتن : إن الصورة التي طبعت في أذهان الأوروبيين عن أفريقيا وسكانها بدأت تتبلور منذ الرحلة الأولى التي قام بها الرجل الأبيض إلى شواطئ غرب أفريقيا. وكان ذلك في القرن الخامس عشر. وترسبت هذه الصورة بشكل ثابت عندما بدأت تجارة الرقيق في القرن السابع عشر فقد تبع ذلك استغلال فكري وعقائدي واقتصادي مارسه الرجل الأبيض على مر السنين وحتى اليوم بدون انقطاع !<BR>وأكثروا من تلك الأوصاف في كتبهم ومقالاتهم ، وصدَّق بعض أبناء المسلمين تلك المعلومات ، فطوي تاريخ الحضارة الإسلامية التي شهدتها القارة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها واستبدل بكتابات المستشرقين وتلاميذهم .<BR>هذه الدويلات التي تم تقسيمها في مؤتمر برلين تم تقسيمها عمداً ووفقاً لقاعدتهم المشهورة " فرق تسد " ففرقوا وسادوا ، وما زالت تعاني القارة من أثر هذا التقسيم العشوائي إلى يومنا هذا !<BR>ويدِّعي البعض أن دول القارة فشلت في الحقبة التي تلت الاستعمار في الستينيات من القرن الماضي من تكوين دولة حديثة على الطراز الغربي ، وأن الأفارقة لم يستطيعوا الحفاظ على الدولة التي تركها لهم المستعمر ! ولكن الحقيقة أن القارة استعمرت في الستينيات بطريقة مغايرة عما كان عليه الاستعمار في القرن الثامن عشر ، بل إن هذه السياسة الاستعمارية تغيرت وأخذت شكلاً آخر من أشكال الاستعمار في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين عبر أطروحات العولمة والديمقراطية والشركات العابرة للقارات ، فأصبح أمثال بوب دينار والمخابرات الفرنسية والبريطانية والبلجيكية وغيرها من الجهات الغربية تقيم دولاً وتزيل أخرى ، وتشعل حروباً وتوقف أخرى ، وما الحالة الصومالية الأخيرة إلا دليل واحد على ذلك ، عندما اجتمع الأوربيون في الأمم المتحدة لتحديد موقفهم من المحاكم الشرعية دون أخذ رأي الدول الأفريقية أو حتى دول الجوار !<BR>فالدول الغربية هي السبب الرئيس فيما آلت وتؤول إليه الأحوال في القارة! فعلى مدار أربعين عاماً شهدت القارة حروبا متتالية تنتقل من دولة إلى أخرى ، والدولة التي لم تعانِ حروباً عسكرية عانت حروباً اقتصادية وأزمات صحية ، حيث شهدت القارة منذ عام 1966 حتى أواخر القرن الماضي أكثر من ستين حرباً ، و شهد عام 1996م أكثر من عشرين نزاعاً شارك فيها أكثر من خمسة عشر بلداً ، تسبب بوفاة أكثر من نصف جميع الوفيات المتعلقة بالحروب على نطاق العالم ، حيث شهد كونغو وحدها أشرس تلك الحروب ويمكن أن تصنف ضمن الحروب العالمية حيث شاركت معظم دول القارة وخارجها في هذه الحرب.<BR>وحاول بعض الرؤساء الغربيين تغيير بعض السياسات بسياسات أخرى للتقليل من نبرة شعوبها وأنها حريصة على استقرار وتقدم القارة الأفريقية ، فدعا قادة الدول الثماني الصناعية إلى إعفاء ديونها المستحقة على الدول الأكثر فقراً في العالم ومنها أربع عشرة دولة أفريقية ، ولكن أيضاً تكبيلها مرة أخرى بطريقة مغايرة عبر تقديمها ما أسمتها " القروض الميسرة " وذلك في 6/6/2005م ، إلا أن هذه الخطوات لم يغير من وضع دول القارة ، فما زالت الأسلحة بشتى أنواعها تدخل القارة من الدول الغربية والشرقية وعلى رأسها أوكرانيا ، ويمكن أن تحصل على سلاح في أقل من ساعة في بعض المناطق ، ولكن لا يمكن أن تجد ما تسد به رمق الجوع .<BR><font color="#ff0000"> المسلمون ضحايا معظم حروب القارة :</font><BR>والملاحظة المهمة أيضاً أن معظم الحروب الدائرة في القارة تدور في مناطق الأغلبية المسلمة أو في دول إسلامية كالسودان والصومال وتشاد ،وشرقي الكونغو ذات الأغلبية المسلمة ، وكذلك في شمال ساحل العاج ذات الأغلبية المسلمة أيضاً . وأن هذه الحروب كلما أزفت على الانتهاء من خلال الاتفاقيات والمبادرات الإصلاحية تثور مرة أخرى عبر تجار الأسلحة والألماس والبترول كما في الحالات المذكورة أعلاه ، وكذلك من الملاحظات الهامة أنه كلما اقترب المسلمون في إحدى الدول من السيطرة على مقاليد الحكم في دولة ما ، حتى يسرع الغرب وحلفاؤه للحيلولة دون ذلك كما في الأحداث التي جرت في ساحل العاج !<BR><BR><font color="#ff0000"> القمة التي انتهت من حيث بدأت :</font><BR>وهكذا انتهت هذه القمة من حيث بدأت ، أو كما تنتهي كل القمم ببعض الاحتفالات والمجاملات الدبلوماسية والصور التذكارية ، فقضية دارفور ما زالت تراوح مكانها وتم التمديد للقوات الأفريقية إلى نهاية العام فقط حل نهائي لهذه الأزمة المفتعلة ، وكذا الحال لقضايا ساحل العاج ، والكونغو ، والصومال ، والتنمية المستدامة وغيرها لم يصل القادة إلى قرارات أو برامج عمل يمكن أن يغير قليلاً من الصور القاتمة للقمم الأفريقية .<BR> أما قضية الرئيس التشادي السابق " حسين هبري " ، فهي من القضايا الشائكة ، أو التي لا يمكن المساس بها قبل مراجعة صاحبة الشأن فيها " فرنسا" ، حيث يدرك معظم القادة الأفارقة أن محاكمة الرئيس التشادي تعني محاكمة حكومة شيراك وأنها ستسقط كما أسقط هبري الحكومة الديجولية السابقة ، لما يملكه من وثائق ومعلومات تجعل الرأي العام الفرنسي يقلب الطاولة رأساً على عقب على الديجوليين ويؤدي إلى إسقاط الحكومة !<BR> ووسط هذه القضايا الشائكة غاب شعار القمة " الاندماج الإقليمي " ليحل محلها شعارنا المعتاد " الحروب الأفريقية والأزمات المتكررة" ولكن بإضافة جملة أخرى إليها : إلى " أين ؟!! ". <BR>ويظل هذا الجدول في اطراد إن لم يتدارك عقلاء القوم في القارة الأخطار التي تحدق بهم من كل جانب ، وهذا فيض من غيض من الحروب التي شهدتها القارة منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا : <BR>م الدولة تاريخ الحرب بعض الأسباب الرئيسة أعداد القتلى تقريباً<BR>1 الجزائر 1954-1962، 1992- الصراعات الداخلية على الحكم ، البترول والغاز .ومصالح القوى الخارجية 70.000<BR>2 السودان 1983- النفط ، اليورانيوم ، مصالح دولية 1.800.000<BR>3 أنجولا 1975-2002م ألماس ، النفط ، والعاج وغيرها من المواد 500.000<BR>4 الكونغو برازفيل 1993-2000 النفط ، ألماس ، مصالح دولية 10.000<BR>5 الكونغو الديمقراطية 1993- مصالح القوى الغربية ، الماس ، النفط ، اليورانيوم ، العاج ، الذهب ، النحاس ، وغيرها. 250.000<BR>6 بوروندي /راوندا 1993 ـ الماس ، الذهب ، البترول ، مصالح دولية 2.000000<BR>7 تشاد 1966-1982<BR>1990- 2005 الحروب الأهلية والصراع على الحكم ، النفط ، اليورانيوم ، مصالح خارجية 600.000<BR>8 كاميرون /نيجريا 1992 - النفط 1.000<BR>9 ليبريا 1989-1998 تصفية عرقية للمسلمين ، الماس ، الذهب ، المطاط ، وغيرها من المعادن 175.000<BR>10 ساحل العاج 2002- العاج ، النفط ، الكاكاو ، مصالح دولية 20.000<BR>11 سيراليون 1989-1999 الماس ، الذهب ، تصفية للمسلمين من قبل العميل تايلور 90.000<BR><BR><br>