
في أعقاب هجمات 9/11، قامت الولايات المتحدة وحلفائها بابتكار وسيلة ممتعة لإقحام أنفسهم – بدون ترحيب من أحد - في الأجندة الدولية، وخصوصاً عندما يكون من الصعب عليهم الحصول على إجماع دولي؛ فتجدهم يحاولون بشتى الطرق المتاحة وغير المشروعة العمل على تجميع هذا الدعم من خلال مجلس الأمن الدولي. معالم هذه الوسيلة التي يتم من خلالها تشكيل ما يسمى بتحالف الراغبين لتجاوز مجلس الأمن الدولي، اتضحت في أفضل صورها في غزو العراق؛ ولكنها تنعكس كذلك في نشر المبادرات الأمنية هنا وهناك، وكذلك في مشروع المفاعلات الحرارية النووية الدولية التجريبية الذي تم توجيه الدعوة للهند للانضمام إليه في ديسمبر الماضي ونتيجة لذلك فإن الهند سوف تحصل على دخول حر في مجال التقنية الحرارية – النووية. وهذا يعتبر أكثر طرق التدخل الدولي خطورة لان من شأنه تمكين عدد قليل من الدول من أن تخصص لنفسها امتيازات دولية محددة خارج نطاق مجلس الأمن الدولي والقانون الدولي، كما أن هذه الظاهرة قد يتم تشغيلها في حسم قضية البرنامج النووي الإيراني.<BR><BR> حيث إنه من الواضح أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا غير قادرة على إقناع روسيا والصين بضرورة الانقياد وراء قرار ذي حدين صادر عن مجلس الأمن الدولي للضغط على إيران والذي من شأنه أن يفرض عليها المقاطعة بصورة تلقائية وهذا لا يعني حصافة وحكمة من الصين وروسيا ولكنه اختلاف المصالح وتباينها لدى كل هذه القوى وتقاطعها لدى الدول الثلاث الأولى، ولهذا فإن الإتحاد الأوروبي قد أخذ يبذل محاولات لتقديم مقترحات "جذابة" لإيران. وإذا رفضت إيران مثل هذه المقترحات فإنه يمكن للولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي القيام بالتالي باستغلال هذا الرفض لفرض عقوبات من خارج إطار مجلس الأمن الدولي. مقاطعة تخدم مصالحهم على المدى البعيد وتضر بمصالح الطرف الآخر؛ بل أن حقيقة الأمر هي أن الولايات المتحدة ليست على استعداد للقبول برغبة المجتمع الدولي المتعلقة بالدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران. وإيران بحد ذاتها مثال على الكيفية التي تدير بها الولايات المتحدة سياستها الخارجية خدمة لمصالحها. ذلك انه لا يعنينا أن تحصل إيران على السلاح النووي أو لا تحصل عليه وعناصرها الأمنية يعيثون فسادا في العراق؛ هي هنا مجرد مثال لا أكثر ولا اقل على اتجاهات السياسة الأمريكية. <BR>كما أن دعوة السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان لهذا الحوار المباشر لم تلق أُذناً صاغية من الولايات المتحدة؛ مما يعكس و مرة أخرى عدم احترام واشنطن لوجهات نظر المجموعة الدولية. وعلى أي حال فإنه يبدو من السخف أن ترفض الولايات المتحدة الدعوة الموجهة لها من إيران للدخول في حوار حول قضية الخلاف؛ إذا ما أُخذ بعين الاعتبار أن هناك مجرد شكوك فقط حول قيام إيران بخرق معاهدة حظر الانتشار النووي .<BR><BR> وهذا يتعارض بشكل كامل مع حالة كوريا الشمالية التي قامت فيها الأخيرة بالخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي, وأعلنت عن امتلاكها للأسلحة النووية. وكرد على هذا التحدي الصارخ لمعاهدة حظر الانتشار النووي، فإن الولايات المتحدة قد وافقت على القبول بالمبادرة الصينية لعقد جولات من الحوار باسم محادثات الدول الست، التي توقفت حالياً. وعلى الرغم من ذلك فإن الولايات المتحدة لا تزال تواصل جهودها الرامية إلى إعادة البدء في المحادثات بدلاً من أن تحاول التوجه إلى مجلس الأمن الدولي.<BR> إذن لماذا ترفض الولايات المتحدة الدخول في محادثات مع إيران بصورة مباشرة ومن خلال الجهات متعددة الأطراف؛ وعلى قدر مكافئ من الأهمية لماذا لا يقوم الاتحاد الأوروبي بالدفع في هذا الاتجاه بدلاً من أن يكتفي بلعب دور الدمى التي تحركها الولايات المتحدة كيف تشاء مع علم الجميع بأن الإتحاد الأوروبي لا يستطيع بحال من الأحوال أن يقدم تعهدات أو التزامات باسم الولايات المتحدة؟ هل للمراقب أن يعتقد بأن الفرق بين كوريا الشمالية وإيران هو العامل الديني في المسألة؟ أو هل يمكن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة لا زالت تعاني من آثار صدمتها القديمة التي نجمت عن انهيار نظام الشاه وعن أزمة الرهائن؟<BR> وإذا كان للمعاناة القديمة أن تبقى طيلة هذا الوقت فإن من الأحرى بإيران ألا تطالب مطلقاً بالحوار مع الولايات المتحدة ولديها الكثير من الأسباب لذلك، إذا ما علمنا كيفية تدخل الولايات المتحدة للإطاحة بحكومة إيرانية منتخبة وإحلال النظام الشاهنشاهي الملكي بدلاً منها في الخمسينات من القرن الماضي! وعلى أي حال فان الولايات المتحدة تبدو راغبة للحوار مع إيران خلال اجتماع عملية سلام بون حول أفغانستان، وكذلك راغبة في الحديث بل والتعاون الاستخباراتي والأمني معها حول الوضع في العراق. وأخيراً في هذه النقطة، كيف يمكن للولايات المتحدة التي قامت بخرق المادة (1) و(3:2) من معاهدة حظر الانتشار النووي عندما وقعت على الصفقة النووية مع الهند، كيف يمكنها أن تعاقب إيران ( مثلا ) على المزاعم المتعلقة بخرقها للمعاهدة؟<BR><BR> ومهما كان الأمر, فان التحرك الأخير من جانب الاتحاد الأوروبي والخاص بتقديم ما يسمى بالعرض الجذاب لإيران للحصول على حقوقها وفقاً لمعاهدة حظر الانتشار النووي يعتبر الخطوة الأولى على طريق التحرك ضد إيران من خارج إطار مجلس الأمن الدولي؛ وهي جزء من عملية بناء تحالف الراغبين. ذلك أن الاتحاد الأوروبي يعلم علم اليقين أن إيران لن تتخلى عن حقها في درجة التخصيب المنخفضة لليورانيوم، كما هو مسموح من خلال معاهدة الانتشار النووي، ولهذا فإن مطالبتهم بتوقف إيران عن جميع عمليات التخصيب لا تعد عادلة بصورة عامة ولا يمكن الاقتناع بها. خصوصاً وان العديد من الدول الأخرى الموقعة على المعاهدة مثل اليابان واستراليا والدول الأوروبية ذاتها تقوم بتخصيب اليورانيوم ناهيك عن ما تقوم به "إسرائيل" من حشد للرؤوس النووية في منطقة بينها وبين هذه الأسلحة ما بين المشرق والمغرب. وكان من الأجدى أن تتم مطالبة إيران بالمصادقة على المرسوم الملحق بالاتفاقية وان تواصل مراقبتها لموادها كما كانت تفعل في السابق بدون مصادقة عليها. ذلك انه يجب على جميع الدول أن تتقيد بالمعاهدات التي وقعت عليها وخصوصاً الالتزامات الموضحة فيها.<BR><BR> أو انه قد كان بوسع الاتحاد الأوروبي أن يدعو لعقد محادثات على غرار المحادثات السداسية التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والصين وكوريا الشمالية وجيرانها الهامين اليابان وكوريا الجنوبية. وفي الحالة الإيرانية فإن المحادثات قد تضم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والصين. وربما انضم إليها كذلك السكرتير العام للأمم المتحدة. وحقيقة الأمر هي أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وموقفهما غير الراغب في الحوار مع إيران حول الموضوع النووي تشير إلى أنهما يحاولان خلق السيناريو الذي يتم فيه تشكيل تحالف الراغبين للتعامل مع إيران بصورة عقابية... وهو أمر لا ترغب المجموعة الدولية في القبول به في المرحلة الراهنة وعلى ضوء الأوضاع المتدهورة بالعراق.<BR><BR> إن الاتجاهات الجديدة لحلف الناتو والتي ترى في تحالف الراغبين خدمة أساسية لأهدافها يجب أن تكون مثار قلق للمجموعة الدولية وخصوصاً للدول الآسيوية وذلك لأنها تبدو وكأنها قد تحولت إلى مسرح العمليات الجديد للناتو. وإذا ما اخذ بعين الاعتبار أن عضوية حلف الناتو محصورة في أوروبا والأطلسي، فكيف يحق لهذه الدول أن تقرر الاستراتيجيات السياسية والديناميكية لدول آسيا؛ حيث يبدو أن حلف الناتو سيكون واحداً من الأدوات التي سيتم استخدامها لتنفيذ الأجندة المستقبلية لتحالف الراغبين... هذا في حالة ما إذا تم التوصل لإجماع بين الدول الأعضاء في الحلف وهو ما لم يكن ممكناً في حالة العراق!<BR><BR> ويعتقد البعض في باكستان أن الناتو يمنح باكستان بعض الفرص من خلال ما أقامه معها من الاتفاقيات التعاونية ولكن ماذا سيحدث إذا كانت مثل هذه الاتفاقيات ترغم باكستان على التعاون مع الناتو ضد احد جيرانها في المستقبل.. سواء كانت إيران الآن أو الصين في المستقبل البعيد؟ فقد صرح مسؤول بولندي قام بزيارة مؤخراً لباكستان بأن حلف الناتو يبحث عن صيغة لتشكيل قوات استكشافية يتم إرسالها إلى الأجزاء المختلفة من العالم.<BR><BR> إن توسيع جدول أعمال حلف الناتو من منظمة دفاعية جماعية محدودة إلى منظمة أمنية جماعية وبعضوية مقيدة ومحدودة ليس لديه شرعية في القانون الدولي أو في الأوضاع الدولية الراهنة وذلك لأن مجلس الأمن الدولي هو المنظمة الأمنية الجماعية الدولية المخولة من جانب المجموعة الدولية (في منطق النظام الدولي)، ولكن هذا الوضع لم يعد مقبولا بالنسبة للقوة الوحيدة المتفردة بالقرار والتي تحاول تهميش المؤسسات الدولية وجعلها دمية بيدها تلعب بها كيف تشاء. <BR>والادعاء القائل بأن أداء الناتو في حل النزاعات أفضل من مجلس الأمن الدولي لأن لدية موارد وما إلى ذلك هو ادعاء لا أساس لـه من الصحة ذلك لان الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قد رفضوا منح هذه القدرة للأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن على الرغم من الفصل السابع، المادة 42-47 والتي تتضمن مواداً تتعلق بالضباط العسكريين التابعين للأمم المتحدة. إن حرمان مجلس الأمن الدولي الذي يمثل جميع مناطق العالم من قدراته العسكرية في حل النزاعات ومن ثم الموافقة على توسيع أجندة العمليات العسكرية لحلف الناتو في جميع أنحاء العالم وهو منظمة أوروبية أطلسية فقط يبدو أمراً غريباً ولا يخدم سوى المصالح الذاتية لكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ودول طامحة لأن تصبح قوى إقليمية مثل "إسرائيل" والهند واليابان على سبيل المثال لا الحصر.<BR><BR> ومهما كانت النوايا قصيرة الأمد لحلف الناتو وتحالف الراغبين فان خروج دولة مثل باكستان عن الأطر العامة للأمم المتحدة يعتبر أمراً محفوفاً بالمخاطر، وذلك لأن تحالف الراغبين لا يهتم بأي نظم دولية أو قوانين باستثناء تلك التي تتناسب مع جدول أعماله في الوقت والمكان المحددين، وذلك لأنه يخرب الإجماع الدولي ويخرب كذلك شرعية الأمم المتحدة ومكوناتها متى شاء ذلك وعلى النقيض، يتصدر للدفاع عنها متى شاء ذلك أيضاً ووفقاً لمصالحه.<BR><BR><br>